عربي21:
2025-03-18@01:30:01 GMT

ترتيبات ما بعد العدوان؟!

تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT

يسارع المستكبرون في هذه الحرب بدافع غطرسة وعربدة السلاح القاتل والمدمّر إلى طرح ما بعد حماس، ويبدو أنه مع تقدّم الحرب يتلاشى ويتبدّد أملهم هذا كأمل إبليس في الجنة، وهم لم يعتبروا من حروبهم السابقة منذ هزيمتهم مع حزب الله في حرب حزيران/ يونيو 2006 وما تلاها من حروب في غزّة إذ لم تصل دولة الاحتلال ولا في أيّ حرب من هذه الحروب إلى أهدافها التي كانت تعلنها مع بداية عدوانها.



وهنا لا أريد أن أقف طويلا فيما يطرحون من برمجيّات نفسية قاصرة ومستعلية، ظنّا منهم أن غطرسة القوّة تمنحهم برمجة من يريدون وكيفما يريدون، ولا يخطر على بالهم أن هناك من خرج من قابلية البرمجة وقابلية الاستعمار وقابلية الاستحمار، بل على العكس تماما، فقد أصبح قادرا على برمجة الاحتلال وهندسته نفسيّا كما يريد.

ستعود غزّة لتعمير ما دمّرته آلة الحرب الإسرائيلية الجهنّمية، وستحاول عبثا دولة الاحتلال ترميم وإصلاح ما دمّرته الحرب النفسية، لكنها لن تستطيع ذلك أبدا لأن إصلاح ما تمّ تدميره في البنيان أسهل بكثير مما تمّ تدميره في بنيانهم النفسي
وما نحن عن هذه المعركة ببعيدين لننظر في مآلاتها النفسية الساحقة على الاحتلال ومجتمعه الذي غرق في مستنقع الانتقام الذي أصابه بعمى العقل والقلب، وأصبح يتخبط في حالة دمار نفسيّ شامل لا ينقذه منها ولو اجتمعت كلّ مصحّات العالم ومستشفياته النفسية. المجتمع الفلسطيني في غزة سيحتاج إلى مشاف لعلاج جروحه العضوية، بينما الإسرائيلي سيحتاج إلى مشاف نفسية لعلاج جروحه النفسية العميقة التي لن يبرأ منها أبدا بما اقترفت يداه من فظائع وجرائم ستبقى محفورة في وجدان البشرية جمعاء.

ستعود غزّة لتعمير ما دمّرته آلة الحرب الإسرائيلية الجهنّمية، وستحاول عبثا دولة الاحتلال ترميم وإصلاح ما دمّرته الحرب النفسية، لكنها لن تستطيع ذلك أبدا لأن إصلاح ما تمّ تدميره في البنيان أسهل بكثير مما تمّ تدميره في بنيانهم النفسي، ولننظر جيّدا في النقاط التالية:

- مما بات معروفا ومؤكدا بما لا يدع مجالا للشك أن دولة الاحتلال تلقّت ضربة نفسيّة هزّتها من أعماقها وخلخلتها من جذورها، ضربة عدا عن أبعادها العسكرية والاستخبارية فقد وصلت أبعادها إلى أن تصيب الفكرة وتضرب المشروع برمّته وتضرب الأعصاب الحسّاسة لكلّ مفاصل ومكوّنات المشروع الصهيوني.. كانت تدميرا للروح والبناء النفسي، وتدميرا في الوعي التراكمي والبرمجة طويلة الأمد وقصيرها، فلن تتعافى دولة الاحتلال من تداعيات هذا اليوم الذي اعتبروا أنفسهم فيه أنهم بحاجة إلى حرب استقلال جديدة ليعيدوا ترميم هذه البنية المدمّرة وأنّى لهم ذلك.

فمثلا هذا البنيان النفسي الذي اشتغلوا عليه كثيرا؛ أن جيشهم هو الجيش الذي لا يقهر، وأن أمنهم واستخباراتهم فولاذية لا يمكن اختراقها أبدا وأن قوّة حصونهم المعرفية والعلمية المسخّرة في خدمة أمنهم، كلّ هذا في غضون ساعتين أصبح قاعا صفصفا، فكيف سيتعافون من ويلات هذا اليوم؟ ثم أيضا هناك ما غرقوا به في حرب لا يجيدون فيها إلا قتل الأطفال والنساء وتصدير أسوأ صورة همجيّة للبشرية والتاريخ قد أصابتهم في مقتل ثان. وسأتحدث عنه في النقطة الثانية، إذ هربوا من المصيبة الأولى التي دمّرت ما دمّرت من نفسيتهم المريضة أصلا، ليقعوا في مصيبة أشدّ وأنكى من الأولى.

- أين سيذهبون من صور آلاف الأطفال الذين ذبحتهم آلتهم العسكرية وطحنتهم طحنا شنيعا؟ كيف سيعرّف الإسرائيلي نفسه أمام أي إنسان ما زال يحتفظ بمشاعر إنسانية سليمة؟ أين سيهربون والفلسطينيون يلاحقونهم بمشاهد الكارثة التي صنعوها في غزّة؟ كيف سيقولون أمام الناس إنهم ضحية النازية في الهولوكوست وقد صنعوا ما صنعوا مع الفلسطينيين؟ أعلم أنهم يتمتعون بصفاقة وصلف يتيحان لهم أن يبقوا على سرديتهم التافهة، ولكن سيلاحقهم الفلسطيني أينما ثُقفوا وسيُلقي عليهم صورة جرائمهم التي ستتحوّل إلى خطاب عالمي يحظى إعلاميا وثقافيا وسينمائيا بقبول عظيم، فأين سيذهبون وكيف سيهربون من هذه الجرائم التي سجّلت سبقا في عالم الجريمة والابادة الجماعية؟

حبل الادعاء والكذب كما يقولون قصير، خاصة عندما تنشط ثقافة المقاومة عالميا وتستخدم كل وسائل التأثير المعاصرة بمهنية عالية. والعقلية التي أنتجت السابع من تشرين الأول/ أكتوبر قادرة على الإبداع في كلّ مجالات تحقيق الانتصار النفسي الدائم والحاسم، وستقود غزة فلسطين منظومة القيم الإنسانية على مستوى العالم بعد هذا السقوط المدوّي لمنظومة الغرب، حيث أصبحت بجدارة مركز العالم الإنساني العالمي بينما دولة الاحتلال مركز الشرّ العالمي.

- ستُفتح عليهم حرب قانونية ضروس في كل المحاكم العالميّة التي تدين جرائم الحرب، وسيلاحقون عالميا بكلّ ضراوة بما يظهرهم للعالم كعصابة سفّاحة تجيد القتل والترويع والتدمير.

- على الصعيد المحلّي، فقد ظهر عجزهم أمام مجتمعهم في حرب مع مقاومة فلسطينية كانت محاصرة منذ 16 سنة، ومع الدعم اللا محدود من الدولة العظمى في العالم صاحبة الأساطيل والمدمّرات، ومع تزويدها بأحدث الأسلحة المدمّرة، فماذا تراهم يفعلون لو خاضوا حربا مع حزب الله الذي يقولون هم عنه إن قوّته تعادل عشرين ضعف المقاومة الفلسطينية؟ إبقاء هذا الكابوس مخيّما فوق رؤوسهم شمالا وحده كاف لإحداث حالة رعب نفسي عبّر عنه أحدهم عندما قال إننا على قيد الحياة لأن حزب الله لم يقرّر بعد قتلنا.

- كذلك وضعهم الداخلي الهشّ والمتناحر سياسيا والفاسد إداريّا ومع تداعيات المعركة، خاصة عند عدم تمكّنهم من تحقيق أهدافهم، فكيف سيعود سكّان المستوطنات التي تسمّى غلاف غزّة؟ وكيف سيطمئن سكان مستوطنات الشمال الفلسطيني والمحاذي لمنطقة المقاومة هناك؟ بأية دعاية ستجلب المهاجرين الجدد للاستثمار في أرض السّمن والعسل؟!

وضعهم الداخلي الهشّ والمتناحر سياسيا والفاسد إداريّا ومع تداعيات المعركة، خاصة عند عدم تمكّنهم من تحقيق أهدافهم، فكيف سيعود سكّان المستوطنات التي تسمّى غلاف غزّة؟ وكيف سيطمئن سكان مستوطنات الشمال الفلسطيني والمحاذي لمنطقة المقاومة هناك؟ بأية دعاية ستجلب المهاجرين الجدد للاستثمار في أرض السّمن والعسل؟!
- إن حاجتهم للحماية والدعم الأمريكيين، وعدم قدرتهم على الاعتماد على أنفسهم في هذه الحرب أمام مقاومة فلسطينية محاصرة، يصيبهم في مقتل نفسيّ إضافيّ، كدولة تابعة غير قائمة بنفسها وهذا ما عبّر عنه جدعون ليفي؛ بأن استقلالهم كان كذبة كبيرة وقد ثبت أنهم غير مستقلّين، أيّ دمار نفسي سيحدثه هذا الاعتماد على الغير، فماذا لو تبدّلت التحالفات إقليميا وعالميّا وتخلّت عنهم أمريكا أو خفضت من مستوى دعمهم العسكري والسياسي؟ ماذا سيحلّ بهم؟

- أي دمار نفسي سيُلحقه بهم تفكّرهم بأنه كان يجري في سياق التطبيع أن يسودوا على المنطقة وأن كل المنطقة بحاجة إليهم، وكان يجري هندسة المنطقة على هذا الأساس، تكريس وتعميد السيادة الإسرائيلية، وإذا بين عشيّة وضحاها قد ثبت للقاصي والداني أنها دولة غير قادرة على حماية نفسها من قدرات مقاومة فلسطينية أسلحتها محليّة الصنع، أما خبرات هذه الدولة الأمنية والسيبرانية التي تدّعي أنها كانت متفوّقة جدا فيها على كلّ دول المنطقة وأنها كانت المنتج الحصري لهذه المعرفة وهذا التطوّر التقني، وحيث كانت أفئدة دول المنطقة تهوي لهذه المعرفة العظيمة، فقد هوى كلّ هذا في واد سحيق وأصبح من كان ينظر إليها بانبهار ينظر إليها بازدراء واحتقار.

لكلّ هذا فقد تكرّست الهزيمة النفسيّة الساحقة التي يمكن أن تتوّج أيضا بهزيمة عسكرية مروعة تضاف إلى هزيمتهم الأخلاقية والإعلامية والثقافية والحضارية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطيني غزة الإسرائيلي الهزيمة إسرائيل فلسطين غزة الهزيمة طوفان الاقصي مدونات مقالات مقالات مقالات رياضة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دولة الاحتلال تدمیره فی ة التی

إقرأ أيضاً:

استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين جراء الغارات الجوية التي شنتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي على محيط مدينة درعا

درعا-سانا

استشهد ثلاثة مدنيين إصابة آخرين جراء الغارات الجوية التي شنتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي على محيط مدينة درعا مساء اليوم .

درعا 2025-03-17kamelسابق رئيسة المفوضية الأوروبية: الاتحاد الأوروبي تعهد بتقديم 2.5 مليار يورو لدعم سورياالتالي لقطات لبعض الذخائر والأسلحة والحبوب المخدرة التي عثرت عليها قوات الجيش داخل أوكار ميليشيا حزب الله بقرية حوش السيد علي بريف القصير غرب حمص انظر ايضاً إدارة الأمن العام تفتتح قسماً لها في مدينة بصرى الشام بريف درعا

درعا-سانا في إطار تنظيم وتوسيع دور إدارة الأمن العام في تعزيز الأمن في الريف الشرقي …

آخر الأخبار 2025-03-17استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين جراء الغارات الجوية التي شنتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي على محيط مدينة درعا 2025-03-17رئيسة المفوضية الأوروبية: الاتحاد الأوروبي تعهد بتقديم 2.5 مليار يورو لدعم سوريا 2025-03-17إدارة الأمن العام تفتتح قسماً لها في مدينة بصرى الشام بريف درعا 2025-03-17مراسل سانا بريف حمص: ميليشيا حزب الله تستهدف بعدة قذائف مدفعية محطة مياه عين التنور بالريف الغربي لحمص 2025-03-17اختتام الندوات الحوارية الرمضانية في حمص 2025-03-17الهلال الأحمر في درعا يقدم خدمات الرعاية النفسية والاجتماعية لمعتقلي النظام البائد 2025-03-17اختتام المرحلة الأولى من مسابقة “القارئ المتميز” بموسمها التاسع في السويداء 2025-03-17في إطار ضبط انتشار السلاح العشوائي.. الأمن العام بطرطوس يتسلم أسلحة وذخائر 2025-03-17الشيباني: إعادة إعمار سوريا مسؤولية المجتمع الدولي ولا بد من رفع العقوبات بشكل كامل 2025-03-17الأردن يعلن افتتاح معبر جابر الحدودي مع سوريا على مدار اليوم قريباً

صور من سورية منوعات المائدة الرمضانية في درعا… تنوع يجمع بين الأصالة والنكهة 2025-03-15 العرقسوس والتمر الهندي… عصائر رمضانية شعبية في حماة  2025-03-11فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • عاجل| الاحتلال يستأنف الحرب على غزة
  • استشهاد ثلاثة مدنيين وإصابة آخرين جراء الغارات الجوية التي شنتها طائرات الاحتلال الإسرائيلي على محيط مدينة درعا
  • بلومبرج تكشف خطط لاستخراج أذربيجان غاز من بحر فلسطين
  • تغير المعادلة في سوريا.. أربعة أعداء جدد للاحتلال أكثر خطورة
  • من ولاية نهر النيل ..ترتيبات لإكمال ترحيل نازحين شرق الجزيرة إلى مناطقهم
  • ارتفاع أسعار المنتجات الأميركية بسبب الحرب التجارية التي أطلقها ترمب
  • اللجنة المنظمة تناقش ترتيبات حفل الختام في «تحدي حفيت»
  • رسميا: صنعاء تكشف عن الخسائر التي خلفتها الغارات الأمريكية اليوم
  • شهيد في غارة إسرائيلية استهدفت مركبة بمنطقة برج الملوك جنوب لبنان (شاهد)
  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو