الدب الروسي في الصحراء الليبية
تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT
من المعروف أن تواجد الروس على التراب الليبي ولاسيما في الجنوب يتمثل في مرتزقة فاغنر وما يمكن أن يخلفه بعد تمرد ومقتل زعيمها يفغيني بريغوجين وهذا التواجد يأتي ضمن لعبة التوازنات والصراعات الدولية دون أي إرادة محلية في هذا الأمر.
من البوابات كانت البداية
في البداية كانت قوات المرتزقة تقف في البوابات داخل مدن بلدية الجفرة، ثم أصبحوا يُديرون البوابات الرئيسية على حدودها، وقد استقرت قوات الفاغنر في قاعدة الجفرة ومنها انطلقت وشاركت بقوة في الحرب على طرابلس سنة 2019.
أهالي المنطقة يعلمون بتواجد هذه القوات بشكل غير مباشر في الحقول النفطية وبأنها تفرض نفوذها وسيطرتها الجوية عليهم كما هو الحال في حقلي الشرارة والفيل النفطيين.
جدير بالذكر أن أعداد المرتزقة قد نقصت عن السابق خاصة بعد حرب السودان وأوكرانيا وانتقال بعضهم إلى دول أفريقيا، وقد يعود ذلك لتوسع نشاطها خارج القواعد المعروفة كقاعدة تمنهنت الجوية الواقعة جنوب سبها والتي يوجد فيها مقر قديم يتبع التصنيع الحربي سابقا.
الفاغنر وحفتر ..من يساند من؟
قوات الفاغنر لم تأت لمساندة المشير خليفة حفتر كما يعتقد البعض بل بحثاً عن أماكن وأنواع الثروات الليبية وكل ما يمثل مصالحها ومصالح روسيا ويُعزز وجودها وبقاءها في ليبيا وهي موجودة في الجنوب بمكانين رئيسيين هما قاعدة الجفرة وبراك الشاطئ، أما باقي القوات الأجنبية (السودانية والتشادية) فتتواجد في عدة معسكرات في الجنوب وحتى الزنتان.
قاعدة الجفرة في سطور
تأسست قاعدة الجفرة في الستينات من القرن الماضي، مساحتها أكثر من 4 كيلومتر مربع وبها 12 دشم (مخازن) طائرات كبير و12 حجم أصغر، وتعد قاعدة استراتيجية بالنسبة للقذافي واعتمد عليها كثيراً وترك فيها 3 طائرات نوع توبوليف 22، وطائرتان يوشن وانطونوف وعدد من المروحيات.
حالياً تستقبل هذه القاعدة طائرات قادمة من روسيا بشكل شبه يومي، وهناك تحديث وتوسع متواصل داخل القاعدة منذ وصول قوات الفاغنر حيث تمت صيانة وتوسعة المهبط وإضافة مخازن وحفر خنادق داخل وحول القاعدة كما تم نشر منظومات دفاع جوي ومدافع مضادة للطائرات شمال وجنوب القاعدة إضافة إلى الطائرات الموجودة داخلها الآن وهي أسراب حديثة من الميغ 25 والميغ 29 وقاذفات سوخوي 24 التي شوهدت تقوم بجولات في سماء الجفرة، ومؤخراً هناك حركة طائرات مكثفة في قاعدة براك الجوية ومنها نحو دول أفريقية مختلفة.
الأهالي وضريبة الرفض
يرفض الأهالي تواجد قوات الفاغنر والمرتزقة في مناطقهم وقد خرجوا في مدن الجفرة المختلفة للتعبير عن رفضهم وتم قمعهم واعتقال العديد منهم.
كما قتل العديد من أبناء الجفرة بسبب موافقهم المناهضة للمرتزقة والقوات الأجنبية مثل عبد العظيم محمد منصور العطشان والذي كان في مزرعته وتعرض لإطلاق رصاص مباشر من الفاغنر التي كانت تقوم بعمليات انتشار وتمشيط للمزارع المحيطة بمدينة هون أثناء العمليات العسكرية، كما قتل المواطن زياد عبدالهادي العربي عندما قاوم مجموعة من المرتزقة أثناء محاولتهم سرقة سيارته من أمام منزله، كما لقي البعض حتفه جراء التعذيب الوحشي الذي تعرضوا له كما هو الحال مع المواطن عماد عبدالسلام الجطيلاوي والذي أبلغوا ذويه بالوفاة بعد أشهر من الاعتقال وانقطاع الأخبار عنه.
أدت هذه الظروف إلى تهجير الكثير من الناشطين من مناطق الجنوب المختلفة ورحيلهم مع عائلاتهم إلى مدن مصراتة وطرابلس بسبب المضايقات والقيود على حرية التعبير ورفض تواجد المرتزقة في مناطقهم.
مستقبل المرتزقة
إن تواجد المرتزقة والقوات الأجنبية يخالف ما توصلت إليه لجنة (5+5) وقرار مغادرتهم من جميع الأراضي الليبية.
بقاء هذه القوات لا يقدم أي فائدة للمنطقة بل هو يخدم الأهداف الروسية والجماعات المرتبطة بها من ذوي المصالح، لذا يسعى الروس اليوم لتعزيز تواجدهم في شرق ليبيا من خلال السيطرة على الموانئ والمناطق الاستراتيجية.
ويبقى السؤال الذي يطرحه الأهالي عالقاً.. هل ستبقى قوات الفاغنر وغيرها بعد الانتخابات؟!.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: قاعدة الجفرة
إقرأ أيضاً:
فورين بوليسي: كيف بدأت مجموعة فاغنر نشاطها في سوريا؟
استعرضت مجلة "فورين بوليسي" كيف شحذت مجموعة فاغنر قدراتها في سوريا، حيث قاتل المرتزقة الروس نيابة عن بشار الأسد، وكيف كان ذلك مقدمة لما قامت به في أوكرانيا.
وأوضحت المجلة أن يفغيني بريغوجين قضى في شبابه تسع سنوات في السجن بتهمة السرقة والاحتيال. وبعد إطلاق سراحه، ادعى أنه كان يبيع النقانق حتى جمع ما يكفي من المال والعلاقات لدخول مجال المطاعم. وفي عام 1997، افتتح مطعما في سانت بطرسبرغ، حيث حظي بإعجاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، عندما كان لا يزال رئيسا للوزراء. وأطلقت تلك العلاقة صاحب المطعم إلى عالم العقود الحكومية المربح.
في عام 2014، أصبح بريغوجين موردا للوجبات والرجال، وفي أعقاب غزو موسكو لشبه جزيرة القرم، كانت وزارة الدفاع ترعى مجموعات من المرتزقة والمتطوعين للقتال في شرق أوكرانيا نيابة عن جمهورية لوهانسك الشعبية، وأراد بريغوجين المشاركة وتواصل مع ديمتري أوتكين، وهو جندي محترف يحمل الاسم الرمزي "فاغنر".
وأثبت رجال بريغوجين أنهم قوة قتالية فعالة ومنفذون قساة، حيث كانوا مسؤولين عن اغتيال زعيم انفصالي واحد على الأقل في لوهانسك. ومع ذلك، في أعقاب اتفاقية وقف إطلاق النار "مينسك 2" لعام 2015 في أوكرانيا، انخفض الطلب على مرتزقة بريغوجين وأوتكين، وتم حل الوحدات. كان من الممكن أن تختفي "الشركة"، أو مجموعة فاغنر؛ إلا أن بريغوجين كان يتطلع إلى بناء شركة عسكرية خاصة على غرار "بلاك ووتر" الأمريكية.
وأوضحت المجلة أنه عندما وصل الربيع العربي إلى سوريا في أوائل آذار/مارس 2011، سحق نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد الاحتجاجات بوحشية. ومع تحول الاحتجاجات إلى حرب أهلية، حرصت روسيا والغرب على البقاء على الهامش. وعبر المحيط الأطلسي، حذرت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأسد من أن أي استخدام للأسلحة الكيميائية سيؤدي إلى عواقب.
في ذلك الصيف، زار السفيران الفرنسي والأمريكي لدى سوريا مدينة حماة والتقيا بالمتظاهرين، فأرسل رجل الأعمال السوري محمد جابر حافلات مليئة بموالين للنظام لاقتحام السفارتين انتقاما، كما نظم جابر "الشبيحة"، في لجان مقاومة شعبية.
وكان لمحمد وشقيقه أيمن تاريخ طويل من العمل لصالح عائلة الأسد؛ حيث تزوج أيمن جابر من عائلة الأسد، مما فتح الباب أمام الحصول على عمولات في قطاعات الطاقة والحديد والصلب.
وفي نهاية كانون الثاني/يناير 2011، أرسل الأسد الجيش لسحق الانتفاضة في حماة. لكن وحشية الأسد وسياساته الطائفية أدت إلى انشقاقات. ولتعزيز الصفوف، بدأت إيران في إرسال الرجال.
خسر الأسد أراضٍ كبيرة، وفي نيسان/أبريل 2013، أصدر النظام مرسوما يسمح لشركات النفط وغيرها بتوظيف مرتزقة لحماية الأصول. وقدم القانون الجديد للأخوين جابر فرصة، وبالفعل في عام 2012، كان الأخوان يجريان محادثات مع مجموعة "موران"، وهي شركة عسكرية خاصة.
وبينت المجلة أن المرتزقة والشركات العسكرية الخاصة تُعدّ غير قانونية في روسيا بموجب المادة 359 من القانون الجنائي الروسي لعام 1996. لكن الحرب على الإرهاب كانت نعمة على صناعة الأمن، مما سمح للمتعاقدين الروس بالعمل لدى شركات غربية. كما فتحت أزمة القرصنة قبالة سواحل الصومال هذه الصناعة أمام رواد الأعمال الروس.
لا أحد يعرف على وجه اليقين من الذي ربط جابر بمجموعة "موران"، فيما يؤكد الصحفيون الروس أن سفير سوريا لدى روسيا وجهاز الأمن الروسي توسطا الصفقة.
وأشارت المجلة إلى أنه في عام 2012، سجل نائب رئيس "موران"، فاديم غوسيف، كيانا جديدا باسم "الفيلق السلافي المحدود" في هونغ كونغ. وعندما شرّع الأسد استخدام المرتزقة، كانت حملة التجنيد للفيلق السلافي جارية بالفعل. وكان أحد الرجال الذين انضموا يُدعى أندريه، والذي أنهى خدمته في الجيش، وأراد الانضمام إلى إحدى شركات الأمن البحري، وعندما سمع عن فرصة لحراسة منشآت غاز، سجل على الفور.
في نيسان/أبريل 2013، عندما استعد أندريه للمشاركة، شن نظام الأسد هجوما بغاز السارين على جزء من دمشق، مما أسفر عن مقتل ما يصل إلى 1400 شخص. وكان الرئيس فلاديمير بوتين يكره الانخراط في تدخل آخر في الشرق الأوسط، فيمت كان الأمريكيون مترددين، وعندما صرح وزير الخارجية آنذاك جون كيري بأن الأسد يمكنه تجنب الضربات الجوية إذا سلم جميع الأسلحة الكيميائية، تدخل الدبلوماسيون الروس.
وبينما تعاونت موسكو مع الولايات المتحدة بشأن تسليم الأسلحة الكيميائية، وصل الفيلق السلافي. وانضم أندريه إلى "الموجيك"، الذين كانوا يتألفون من موظفي مجموعة "موران" بقيادة أوتكين.
وتابعت المجلة قائلة إنه بعدما رجع المرتزقة إلى اللاذقية؛ كان جابر غاضبا من أداء الفيلق، وكان المرتزقة يعلمون أن الكرملين لن يكون سعيدا أيضا. وفي آذار/مارس، وافق الأسد على تسليم مخزونه من الأسلحة الكيميائية، مما سمح لروسيا بتقديم نفسها للغرب كجهة فاعلة مسؤولة. وأشارت مهمة الفيلق السلافي، إلى أن روسيا كانت تدعم الأسد سرا.
وفي 28 أيار/مايو، أحضرت طائرتان الفيلق السلافي إلى موسكو، حيث استقبلهم جهاز الأمن الفيدرالي، وتم استجواب الجميع ثم إطلاق سراحهم، ولكن في حزيران/يونيو، أصبح غوسيف وقائد آخر أول مواطنين يُتهمون وفق المادة 359 المتعلقة بالارتزاق.
إن إنزال مثل هذه العقوبة سمح للكرملين بالنأي بنفسه عن الشركة العسكرية الخاصة. ومع ذلك، سيكون من الخطأ وصف مغامرتهم السورية بالفشل: فبفضل أوتكين، لم يُقتل أحد، ولقد أثبتت المهمة أنه، في السياق الصحيح، يمكن أن يكون المرتزقة مفيدين.
وتحول القلق بشأن استخدام الأسد للأسلحة الكيميائية إلى تهديد اعتبره الغرب وجوديا. وفي شتاء عام 2014، أطلقت الولايات المتحدة عملية "العزم الصلب" وبدأت في قصف تنظيم الدولة.
كما أعلنت الإدارة عن برنامج لتسليح المعارضين لمحاربة تنظيم الدولة ودخلت في شراكة مع وحدات كردية.
وأضافت المجلة أنه في عام 2015، تدخلت روسيا رسميا في سوريا؛ حيث يرى كيريل سيمينوف، الخبير الروسي في شؤون الشرق الأوسط، بأن سوريا كانت وسيلة لروسيا لإعادة فتح القنوات الدبلوماسية مع الأمريكيين بعد الأحداث في أوكرانيا. وكان التدخل في سوريا سيجبر الأمريكيين على التعاون بشأن قضية مهمة، وهي هزيمة تنظيم الدولة.
ووصلت المجموعة الأولى من مقاتلي فاغنر في أيار/مايو؛ حيث لا يُعرف من صاحب قرار إرسال الشركة إلى هناك. ويعتقد مصدر في وزارة الدفاع أن بريغوجين أخذ زمام المبادرة، وحصل على موافقة بوتين. وجلبت فاغنر في الغالب مدربين ومتخصصين في الدبابات إلى حمص.
ولمدة شهر تقريبا؛ قامت الشركة بتدريب "صقور الصحراء"، وهي الشركة العسكرية الخاصة المحلية للأخوين جابر، ثم بدأت قوات فاغنر في الاشتباك مع العدو في اللاذقية. ولكن سرعان ما أصابت قذيفة موجهة خيمة المدفعية التابعة للواء مارات، مما أسفر عن مقتل تسعة، وأصيبت وزارة الدفاع بالذعر؛ لم تكن هناك خطة بعد لكيفية إخفاء الإصابات.
وذكرت المجلة أن المجموعة لم تمكث في روسيا طويلا؛ فبعد أكتوبر/تشرين الأول، أدرك المخططون العسكريون الروس والسوريون أن قوات الأسد المشتتة لا يمكنها استعادة الأراضي. وتم اتخاذ القرار باعتبار فاغنر قوة مرتزقة وعدم إدراج خسائرهم في الإحصائيات الرسمية.
في الواقع، على الرغم من عدم شرعيتهم، أثبت المرتزقة أنهم مفيدون في دونباس كقوات يمكن إنكار وجودها. وفي سوريا، كان المرتزقة قوة يمكن إنكارها للجمهور في الداخل، كما أدت الاستعانة بمصادر خارجية للحرب للمتعاقدين إلى خفض التكاليف السياسية للتدخل.
في يناير/كانون الثاني 2016، وصل مارات وزملاؤه المرتزقة مرة أخرى. كان هو و300 مرتزق آخر سيندمجون مع "صقور الصحراء" التابعة لأيمن ومحمد جابر ويشنون هجوما على الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون.
واختتمت المجلة التقرير بالقول إنه يبدو من قبيل المصادفة غير المرجحة أن الفيلق السلافي أولا، ثم شركة بريغوجين وأوتكين، وقعا صفقات مع الأخوين جابر، وربما كان بريغوجين وأوتكين يعتقدان في ذلك الوقت أن الصفقة مع آل الأسد ستخفف من اعتماد فاغنر المالي على وزارة الدفاع. إلا أن الاستقلال كان سيثبت أنه سيف ذو حدين وسيضع رجال بريغوجين في مسار تصادمي مع الولايات المتحدة.