البوابة نيوز:
2025-03-01@18:44:33 GMT

شجر الدر.. تحدت الصليبيين وقادت جيوش مصر

تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT

دخلت الملكة السلطانة شجر الدر بوابة الحكم والتاريخ منذ أن صارت زوجة السلطان الصالح نجم الدين أيوب، آخر سلاطين بني أيوب على مصر. كما اشتهرت كذلك بتدبير اغتيال زوجها الثاني عز الدين أيبك، والذي تنازلت له في البداية عن العرش. 

لكن في الواقع، فإن الجزء الأول من حياتها دائمًا ما يتعرض للتقصير في روايته. لذلك دعونا نرى الوجه الآخر للملكة التي أحبت زوجها نجم الدين وأخلصت له.

 

تتباين أقوال المؤرخين حول شجر الدر، وهل هي أيوبية كونها زوجة السلطان الصالح نجم الدين أيوب، أم أنها مملوكية بحكم أنها كانت من جواري السلطان قبل أن تلد له ولده الخليل وتصير أم ولد ثم سلطانة.

المقريزي صاحب كتاب "السلوك لمعرفة الملوك" اعتبرها أولى سلاطين دولة المماليك في مصر، رغم أن أصلها أرمني وليس تركيًا؛ حسب ما ذهب إليه عصام شبارو في كتابه "السلاطين في المشرق العربي"، فيما اعتبرها ابن إياس صاحب "بدائع الزهور"، أنها آخر سلاطين بني أيوب زوجة نجم الدين أيوب، والد تورانشاه وأم ولده خليل الذي توفي في حياة أبيه.   

 

 الحملة الصليبية السابعة على مصر

كان لسقوط بيت المقدس في الشرق عام 1244هـ، دوي هائل في الغرب، وقامت الدعوات لحملة جديدة على الشرق، والتي لم يستجب لها سوى الملك لويس التاسع ملك فرنسا، وهو الملقب بـ |القديس"، وجرت الاستعدادات على قدم وساق، وكان المستهدف هذه المرة هو مصر، وأورد المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار" أن فريدريك الثاني -والذي كان محتفظًا بصداقة البيت الأيوبي إلى الصالح نجم الدين أيوب- أرسل إليه يحذره من تلك الحملة. 

كان السلطان مريضًا في دمشق لما وصلته تلك الأنباء، فتم حمله إلى مصر حتى نزل عند أشموم طناح ليكون على مقربة من العلميات العسكرية، وكان رأي لويس قد استقر على مهاجمة مدينة دمياط، والتي تحرك إليها مبحرًا عام 647هـ (1249م)، وأعّد الصالح نجم الدين المدينة وحصنها، وكلف الأمير فخر الدين يوسف بحمايتها؛ ولم تنجح القوات في صد الموجة الأولى والتي تمكنت من اقتحام دمياط والاستيلاء عليها وتقهقر الجيش المصري، واستقر لويس وجيشه في دمياط 5 أشهر كاملة حتى تصل إليه الإمدادات. 

وفي تلك الآونة مات الملك الصالح نجم الدين أيوب (شعبان 647هـ 1249م) والمصريون في طور الاستعداد لمعركة عرفت في التاريخ بـ "معركة المنصورة". 

لم يكن هناك وريثًا للصالح نجم الدين أيوب سوى ابنه توران شاه، والذي وصفه المؤرخون، ومنهم ابن تغري بردي في كتابه "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" بأنه "مستهتر عديم الخبرة"، ووقت وفاة أبيه كان موجودًا في الشام نائبًا عنه على حصن كيفا، وديار بكر. 

 

شجر الدر

هن،ا ظهرت الزوجة والحبيبة "شجر الدر" والتي استطاعت أن تخفي خبر وفاة زوجها عن جنوده، وبدأت في إدارة الجيش مع إرسال رسالة عاجلة إلى توران شاة كي يحضر ليتسلم القيادة خلفًا عن أبيه، واستمرت في الإعداد للمعركة على قدم وساق.

وكانت شجر الدر تصدر الأوامر السلطانية، وكان للسلطان خادم يجيد توقيعه، وكان معها الخاتم السلطاني، وهكذا استطاعت شجر الدر أن تحافظ على قوام الجيش وتواصل المسيرة دون أن تهتز أو تضعف، ودون أن يهيئ لها التفكير في أن تنسحب، أو أن تهادن لويس في مقابل تسليمه بيت المقدس كما فعل الملك الكامل مع فريدريك من قبل. 

اتخذت شجر الدر قرارًا تاريخًا وهو أن تواصل القتال والإعداد له مهما كانت التحديات واستطاعت بحنكة ومهارة أن تُخفي خبر موت السلطان وأن تسلم توران شاه المسؤولية عندما حضر، وحفرت اسمها بأحرف من نور في تاريخ تلك الموقعة التي استطاع فيها المماليك البحرية إحراز النصر. 

 

دولة المماليك

في هذه المعركة ظهر نجم المماليك، وصار عاليًا وصارت رايتهم خفاقة خصيصًا بعد موقعة المنصورة، وانتصارهم على الصليبيين في فارسكور عام 647هـ.

ويقول المؤرخ ابن أيبك في كتابه "كنز الدرر" أنهم صاروا يرددون "نحن خلصنا مصر والشام بسيوفنا من الفرنج"، وهنا وجد المعظم توران شاه ابن الصالح نجم الدين في المماليك البحرية عقبة في طريق طموحه إلى الحكم والاستئثار به.

ساءت العلاقات بين توران شاه وبين مماليك أبيه، وبدأ في عزلهم مناصبهم، وأرسل لشجر الدر التي حافظت له على ملكه وملك أبيه يهددها ويتوعدها ويطالبها بما تركه أبيه من مال وجواهر، وخافت الأرملة على نفسها، فكاتبت المماليك البحرية بما فعلته في حقه من حفاظ على ملكه، ثم كان المقابل هو تهديدها ووعيدها. 

كل الشواهد كانت تؤكد نية المعظم توران شاه على الغدر بالمماليك البحرية، ويقول المؤرخ أبو الفدا في كتابه "أخبار البشر": لقد رآه البعض وهو سكران يجمع الشموع بين يديه ويضرب رؤوسها بسيفه واحدة بعد الأخرى ويقول هكذا أفعل بالبحرية.

وعندما وصل توران شاه إلى فارسكور تقدم إليه الفارس بيبرس البندقداري، وضربه بالسيف فأطاح بأصابعه، ففر توران إلى برج خشبي أقيم إليه وهو يصرخ جرحني، فسأله البعض هل من فعل ذلك فقال "لا والله ألا البحرية، والله لا أبقيت منهم بقية"، فهجم البحرية على البرج، فاحتمى به توران شاه فأوقدوا فيه النيران، فقفز منه إلى النيل، فلاحقوه بالنشاب، فمات جريحًا حريقًا غريقًا.  

 

سلطنة عصمة الدين أم الخليل

بعد مقتل توران شاه أجمع المماليك على تولية شجر الدر السلطنة، فهي من ناحية الأصل والنشأة أقرب إلى المماليك، وكذا فإن دورها مشهودًا في معركة المنصورة، ثم أنها من حذرتهم من غدر توران شاه، وقال عنها المقريزي "كانت أول من ملك مصر من ملوك الترك المماليك".

وأجمع المؤرخون أن شجر الدر كانت "خيرة، ذات دين، رئيسة، عظيمة في النفوس"، ووصفها بعضهم "أنها كانت أحسن تدبيرًا من زوجها الملك الصالح"، وكانت توقع باسم ولدها من الملك الصالح "والدة الخليل"، ونقش اسمها على السكة "النقود" بلقب "المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة الملك المنصور خليل".

وكان الخطباء يدعون لها على المنابر "واحفظ اللهم الجهة الصالحة، ملكة المسلمين، عصمة الدنيا والدين، أم خليل المستعصمية، صاحبة الملك الصالح". والحقيقة أن حرصها على لقب "المستعصمية" يعكس رغبتها في تمسحها بالخليفة العباسي المستعصم، كما أن تمسكها بلقب "أم الخليل صاحبة الملك الصالح" إشارة إلى صلتها بالبيت الأيوبي. 

وكانت أولى إنجازتها إجلاء جيوش لويس التاسع عن دمياط بعد مفاوضات ودفع فدية لإطلاق سراحه، ودفعوا نصف الفدية، ثم افتدوا 12 ألف أسير بالنصف الآخر. 

وكان ضمن أعمالها بناء قبة ضريحية لزوجها الملك الصالح نجم الدين أيوب ونقل رفاته إليها، والتي صارت رمزًا ومزارًا للماليك البحرية، واحتفظت فيها بمقتنيات السلطان، وتعد هي أول من يبنى قبة ضريحية في وسط الحيز العمراني وقد ألحقت تلك القبة بالمدرسة الصالحية وهي موجودة إلى الآن بشارع المعز لدين الله الفاطمي.

 

القلاقل تواجه السلطانة

واجهت سلطنة شجر الدر معارضات كثيرة على توليها الحكم، وبدأ البيت الأيوبي في التكتل ضدها وضد المماليك، وبدأ الخليفة المستعصم العباسي يعيب على أهل مصر أن تملكهم امرأة.

وهنا، رأى المماليك أن شجر الدر لن تصلح بالقيام بالمهمة، فاختاروا أن يزوجوها من عز الدين أيبك التركماني، لتنتقل السلطة إليه، ويصير هو السلطان. 

 

أيبك وشجر الدر

والحقيقة أن زواج أيبك من شجر الدر لم يكن هو الحل بالنسبة لاستقرارها كسلطانة، إذ أن الخلاف بدأ بينهما عندما عزم عز الدين أيبك على الزواج من أميرة أيوبية كي يعزز مركزه في العرش.

وهنا بدأت شجر الدر تخطط للخلاص منه، وكان أن أغرت خدمه ودبرت مقتله وكأنه سقط في أثناء الاستحمام، ووضعت الجثة في فراشها، واستعدت الأمير قطز وروت له قصة أن السلطان سقط في الحمام فمات، ولكن قطز استجوب الخدم وعرف الحقيقة. 

وهنا سمح قطز لزوجة عز الدين أيبك الأولى أم المنصور علي، بالدخول هي وبعض الجواري على شجر الدر، وضربوها بالقباقيب حتى توفيت. وصارت أم المنصور علي توزع حلوى خاصة على أهالي القاهرة أربعين يومًا، حتى أطلقوا على هذا النوع من الحلوى أم علي. 

وماتت شجر الدر بعد حياة حافلة، أحبت سيدها، ودافعت عن مصر بكل ما تملك، ثم وصلت لسدة الحكم، ثم كان لغيرتها دورًا في أن تنتهي حياتها، لتدفن بعد ذلك في قبتها الشهيرة التي لازالت قائمة بشارع الأشراف في القاهرة. 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: العرش فی کتابه

إقرأ أيضاً:

نجم الدين أربكان.. 14 عاما على رحيل مؤسس الحركة الإسلامية بتركيا

14 سنة مرت على رحيل رئيس الوزراء التركي الأسبق نجم الدين أربكان، القائد المؤسس لحركة "الرؤية الوطنية" وأحد أبرز الشخصيات السياسية الإسلامية في تاريخ تركيا.

وكرّس أربكان حياته السياسية لتوحيد صفوف المسلمين حول العالم، ونادى بضرورة تحقيق وحدة سياسية وتكنولوجية وثقافية واقتصادية بين الدول الإسلامية، مؤمنا بأن هذه الوحدة هي مفتاح النهضة والتقدم.

وكان من أبرز إنجازاته تأسيس مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية، والتي قدمها لتكون "وصفة إنقاذ" للعالمين التركي والإسلامي، واضعا نصب عينيه هدف توحيد المسلمين تحت مظلة واحدة.

المولد والنشأة

وُلد نجم الدين أربكان يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 1926، بولاية سينوب شمال تركيا. ونظرا لعمل والده رئيسا لمحكمة الجنايات، تنقل بين عدة مدن خلال طفولته، وبدأ تعليمه الابتدائي في مدرسة الجمهورية بولاية قيصري (وسط البلاد)، وأكمله في مدينة طرابزون المطلة على البحر الأسود (شمال البلاد).

وفي عام 1943، أنهى دراسته الثانوية بمدرسة إسطنبول للبنين بتفوق، ليلتحق بعدها بجامعة إسطنبول التقنية، حيث بدأ دراسته مباشرة من السنة الثانية نظرا لتفوقه، وتخرج عام 1948 من كلية الهندسة الميكانيكية، ليبدأ بعدها العمل معيدا في قسم محركات الاحتراق الداخلي بالجامعة نفسها.

إعلان

وفي عام 1951، أتم إيفاده من قِبل جامعة إسطنبول التقنية إلى جامعة آخن التقنية في ألمانيا لإجراء أبحاث علمية، وهو ما شكل نقطة تحول بارزة في حياته.

خلال فترة دراسته بألمانيا، أعد 3 أطروحات بحثية، إحداها لنيل درجة الدكتوراه، وذلك في أثناء عمله في مركز البحوث الألماني (DVL)، المتخصص في الأبحاث الخاصة بالجيش الألماني، وهو ما لفت انتباه وزارة الاقتصاد الألمانية إلى إنجازاته العلمية.

وفي إطار تلك الدراسات، قدم أربكان تقريرا حول كيفية تقليل استهلاك الوقود في المحركات، كما أعد أطروحة الدكتوراه حول التفسير الرياضي لكيفية احتراق الوقود في محركات الديزل.

وبفضل هذه النجاحات، دُعي أربكان للعمل في أكبر مصنع للمحركات في ألمانيا، وهو المصنع المسؤول عن إنتاج محركات دبابات ليوبارد، حيث عمل مهندسا رئيسيا، وأجرى أبحاثا متقدمة حول محركات الدبابات.

أول محرك محلي بعد إطلاق حملة الصناعات الثقيلة

استلهم نجم الدين أربكان رؤيته حول حملة التصنيع الثقيل في تركيا من تجربته بألمانيا، وجعل هذا الهدف جزءا أساسيا من مشروعه السياسي تحت مظلة "الرؤية الوطنية".

وفي مواجهة الآراء التي كانت تسود آنذاك والتي ادعت أن تركيا غير قادرة على الإنتاج، قرر أربكان عام 1956، إلى جانب مجموعة من زملائه، إنشاء مصنع "غوموش موتور" لإنتاج أول محرك محلي في تركيا.

بدأ المصنع بإنتاج محركات ذات أسطوانة واحدة وأسطوانتين، بمعدل استهلاك للديزل أقل من نظيراتها الأوروبية، حيث كان استهلاكها لا يتجاوز 5.5 لترات في الساعة.

لاحقا، انتقلت ملكية معظم أسهم المصنع إلى اتحاد مزارعي الشمندر ومصانع السكر، وتم تغيير اسم المصنع إلى "بنجر موتور"، وبدأ الإنتاج المتسلسل في مارس/آذار 1960.

أربكان عمل في أكبر مصنع للمحركات في ألمانيا (مواقع التواصل) من اتحاد الغرف التجارية إلى عالم السياسة

وفي عام 1966، عُيّن أربكان رئيسا لدائرة الصناعة في اتحاد الغرف التجارية، ثم أصبح أمينا عاما للاتحاد، قبل أن يُنتخب عضوا في مجلس الإدارة، وبعد عام واحد فاز برئاسة الاتحاد.

إعلان

وخلال هذه الفترة، تزوج من نرمين ساعاتجي أوغلو، وأنجبا 3 أولاد، هم زينب وإليف ومحمد فاتح.

لعب أربكان دورا نشطا في دعم رأس المال المحلي، وسعى إلى تعزيز الاستثمار في الأناضول، لكن انتخابات رئاسة اتحاد الغرف التجارية اعتُبرت غير نافذة، وتم الطعن فيها أمام مجلس الدولة، مما أدى إلى إبعاده عن منصبه بقرار من ولاية أنقرة، وهو ما دفعه إلى دخول المعترك السياسي.

كل ربيع يبدأ بزهرة

عند اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في 12 أكتوبر/تشرين الأول 1969، سعى أربكان للترشح عن حزب العدالة، الذي كان من أبرز الأحزاب في تلك الفترة، لكنه لم يُقبل ضمن قائمة الحزب.

وبدلا من ذلك، قرر الترشح مستقلا بمدينة قونية، وفاز بمقعد برلماني بعد حصوله على عدد من الأصوات يكفي لانتخاب 3 نواب.

وفي أثناء فترة عمله البرلماني عن قونية، واجه انتقادات من بعض السياسيين، في حين وصف البعض نجاحه بالقول "زهرة واحدة لا تصنع الربيع"، فرد عليهم قائلا "نعم، زهرة واحدة لا تصنع الربيع، لكن كل ربيع يبدأ بزهرة".

تأسيس حزب النظام الوطني

في 26 يناير/كانون الثاني 1970، أسس أربكان بصفته نائبا عن قونية، حزب النظام الوطني بمشاركة 17 من رفاقه. ومنذ تأسيس الحزب تبنى أربكان سياسة مناهضة للرأسمالية والتوجهات الغربية.

كما شكلت مواجهة الصهيونية أحد المحاور الرئيسية في خطابه السياسي، وساهم في إبراز القضية الفلسطينية في الساحة السياسية التركية وجعلها موضوعا للنقاش العام.

وبوصفه زعيما لحركة "الرؤية الوطنية"، ركز أربكان على مفهوم "الأخلاق أولا، والروح المعنوية"، وسعى إلى ترسيخ هذا المبدأ بين الشباب وأعضاء حزبه من خلال أنشطة حزب النظام الوطني.

الدعوة للصلاة في آيا صوفيا

أثارت التوجهات السياسية لأربكان ورفاقه اهتمام عديد من الأوساط، خاصة بعد انقلاب 12 مارس/آذار 1971، حيث أُغلق حزب النظام الوطني في مايو/أيار من العام نفسه بتهمة "مخالفة مبادئ العلمانية".

إعلان

وكان من بين الأسباب التي أوردتها المحكمة في قرار إغلاق الحزب، دعوة أربكان في خطاباته العامة إلى إقامة الصلاة في جامع آيا صوفيا (وكان متحفا وقتئذ)، وهو ما اعتُبر تحديا للنظام العلماني.

وبعد إغلاق الحزب، لم يتراجع أربكان عن مسيرته السياسية، بل أسس حزب "السلامة الوطني" في 11 أكتوبر/تشرين الأول 1972، إلى جانب رفاقه السابقين.

وتمكن الحزب من تحقيق نجاح ملحوظ في انتخابات عام 1973، حيث حصل على 48 مقعدا في البرلمان، إضافة إلى 3 مقاعد في مجلس الشيوخ، ليصل مجموع ممثليه في البرلمان إلى 51 نائبًا.

عقب الانتخابات، أجرى أربكان مفاوضات مع رئيس حزب الشعب الجمهوري وقتها، بولنت أجاويد، وأسفرت هذه المفاوضات عن تشكيل حكومة ائتلافية بين الحزبين، شغل فيها أربكان منصب نائب رئيس الوزراء.

"المجاهد أربكان" ودوره في عملية قبرص

في تلك الفترة، تصاعدت قضية جزيرة قبرص لتصبح الشغل الشاغل للساسة الأتراك، وتقدمت على سائر القضايا الداخلية.

وخلال هذه الأزمة، لعب أربكان دورا بارزا في دعم العملية العسكرية التي نفذها الجيش التركي في 20 يوليو/تموز 1974، والتي عُرفت باسم "عملية السلام في قبرص"، وبسبب موقفه الحازم تجاه القضية، بدأ يُلقب في الأوساط السياسية بـ"المجاهد أربكان".

لكن سرعان ما ظهرت خلافات بينه وبين شريكه في الحكومة بولنت أجاويد بشأن ملف قبرص، مما أدى إلى انهيار الائتلاف الحكومي بين حزب الشعب الجمهوري وحزب السلامة الوطني في 17 سبتمبر/أيلول 1974.

رغم ذلك، استمر حزب السلامة الوطني في المشاركة في الحكومات الائتلافية التي تشكلت لاحقا، لكن الساحة السياسية شهدت حالة من الاضطراب، خاصة مع فضائح "حكومة الأحد عشر"، و"سوق النواب"، و"اتفاق فندق كونش"، التي شغلت الرأي العام عام 1978.

وبعد انقلاب 12 سبتمبر/أيلول 1980 العسكري، أصبح أربكان وحركته السياسية من بين الأهداف الرئيسية للنظام العسكري الجديد، حيث تم تعليق الأنشطة الحزبية وإبعاد عديد من السياسيين عن المشهد السياسي.

إعلان رحلة السجن

كان "تجمّع القدس" -الذي نظمه حزب السلامة الوطني في قونية في السادس من سبتمبر/أيلول 1980- أحد الأسباب التي استند إليها الانقلاب العسكري في قرار حظر الحزب.

وخلال هذه المرحلة، أطلق على نضال أربكان السياسي اسم "القضية"، والتي كانت الأساس الذي تربى عليه جيل جديد من السياسيين في تركيا، ليصبح لاحقا من ركائز التغيير السياسي في البلاد.

وبعد الانقلاب، احتُجز أربكان لفترة طويلة في مدينة إزمير (غرب)، ثم جرى عرضه على المحاكمة وصدر بحقه حكم بالسجن، ليمضي بعدها 9 أشهر خلف القضبان، لكن خروجه من السجن لم يكن نهاية المطاف، بل بدأ فورا في التخطيط لتأسيس حزب جديد يكمل مسيرته السياسية.

تأسيس حزب الرفاه

رغم الحظر السياسي المفروض عليه، ساهم أربكان بتأسيس حزب الرفاه يوم 19 يوليو/تموز 1983 ليكون بديلا عن حزب السلامة الوطني الذي تم حله.

وتولى أحمد تكدال رئاسة الحزب في البداية، حتى رُفع الحظر السياسي عن أربكان، ليعود بقوة إلى المشهد السياسي وينتخب بالإجماع رئيسا لحزب الرفاه خلال المؤتمر العام الذي عُقد يوم 11 أكتوبر/تشرين الأول 1987.

وبعد توليه رئاسة الحزب، ازدادت شعبيته زيادة ملحوظة، خاصة بعد نجاح حزب الرفاه في إدارة البلديات التي فاز بها في الانتخابات المحلية.

في هذه المرحلة، بدأت أفكار "الرؤية الوطنية" التي تبناها أربكان تأخذ طابعا عمليا، حيث قدم حزب الرفاه نموذجا جديدا للإدارة المحلية، وحقق نتائج لافتة في انتخابات 27 مارس/آذار 1994، حيث فاز برئاسة بلديات كبرى مثل إسطنبول وأنقرة، إلى جانب عديد من المدن الأخرى.

حزب الرفاه يصبح القوة السياسية الأولى

خاض أربكان الانتخابات البرلمانية في 20 أكتوبر/تشرين الأول 1991، وعاد إلى البرلمان نائبا عن قونية، لكن الانتصار الأكبر جاء في الانتخابات العامة لعام 1995، عندما حصل الحزب على 21.7% من الأصوات، ليصبح الحزب الأول في تركيا.

إعلان

دخل أربكان البرلمان مجددا نائبا عن قونية، لكن الرئيس سليمان دميريل رفض تكليفه بتشكيل الحكومة، مما دفع أحزاب اليمين التقليدية، وهما حزبا "الطريق القويم" و"الوطن الأم" إلى تشكيل حكومة ائتلافية لم تستمر سوى 3 أشهر قبل أن تنهار.

تولي رئاسة الوزراء

أخيرا، كلف الرئيس دميريل نجم الدين أربكان بتشكيل الحكومة، فتوصل إلى اتفاق مع حزب الطريق القويم برئاسة تانسو تشيلر، وتمكن من تشكيل الحكومة الـ54، ليصبح رئيسا للوزراء في 28 يونيو/حزيران 1996.

وخلال رئاسته للحكومة، ركّز أربكان على تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية، وعمل على تأسيس مجموعة "الدول الثماني" (D-8)، التي جمعت بين 8 دول إسلامية ناشئة، في مبادرة لمواجهة نفوذ القوى الكبرى مثل مجموعة السبع الصناعية.

أربكان (وسط) أصبح رئيسا للوزراء في يونيو/حزيران 1996 (مواقع التواصل) مرحلة 28 فبراير/شباط وانقلاب ما بعد الحداثة

أصبحت حكومة نجم الدين أربكان، التي تشكلت بالتحالف مع حزب الطريق القويم برئاسة تانسو تشيلر، محور الجدل السياسي، حيث وُجهت إليها اتهامات بـ "تهديد النظام".

وفي 24 يناير/كانون الثاني 1997، وجه المدعي العام لمحكمة التمييز تحذيرا رسميا إلى حزب الرفاه، وذلك بسبب ظهور أعضاء من الحزب خلال زيارة أربكان إلى قيصري، مرتدين زيًا موحدا وقبعات عسكرية.

وبعد حملة إعلامية مكثفة استمرت لعدة أيام، وقع التدخل العسكري الذي عُرف لاحقا باسم "انقلاب 28 فبراير/شباط ما بعد الحداثة"، حيث فرض الجيش قيودا على الحكومة من دون اللجوء إلى القوة العسكرية المباشرة.

وكُشف لاحقا أن أربكان، الذي عاد من اجتماع مجلس الأمن القومي في ذلك اليوم متوترا وحزينا، كان قد خطط لإلقاء خطاب إلى الأمة، لكنه قرر إلغاء البث بعد الاجتماع.

الاستقالة من رئاسة الحكومة

وفي 27 مايو/أيار 1997، رفع المدعي العام لمحكمة التمييز، ورال ساواش، دعوى أمام المحكمة الدستورية للمطالبة بحل حزب الرفاه نهائيا.

إعلان

وفي 30 يونيو/حزيران 1997، قدم نجم الدين أربكان استقالته إلى الرئيس سليمان دميريل، وذلك وفقا لاتفاق التحالف، الذي كان من المفترض أن ينقل رئاسة الحكومة إلى حزب الطريق القويم بقيادة تانسو تشيلر.

لكن دميريل لم يُكلف تشيلر بتشكيل الحكومة الجديدة، بل منح هذه المهمة إلى رئيس حزب الوطن الأم، مسعود يلماز، الذي شكل الحكومة الـ55.

وبعد ذلك، أصدرت المحكمة الدستورية في 16 يناير/كانون الثاني 1998 قرارا بحل حزب الرفاه ومنع 6 من قادته، بمن فيهم نجم الدين أربكان، من ممارسة السياسة لمدة 5 سنوات.

وعلّق أربكان وقتها على هذا القرار قائلا: "هذا القرار ليس سوى نقطة بسيطة في مجرى التاريخ، لا يمكن لهذا القرار أن يؤثر قيد أنملة على حزب الرفاه أو على مبادئه. بل على العكس، الشيء الوحيد الذي سيترتب على هذا القرار هو أن حزب الرفاه سيصل إلى الحكم منفردًا في المستقبل. ومن الواضح تماما أن هذه القضية ستنمو وتتوسع أكثر من أي وقت مضى".

تأسيس حزب الفضيلة قبل حظر حزب الرفاه

لم ينتظر أعضاء حزب الرفاه صدور قرار حظره، فبادروا في 17 ديسمبر/كانون الأول 1997 إلى تأسيس حزب الفضيلة، ليكون رابع الأحزاب التي تمثل تيار الرؤية الوطنية، وتولى رجائي قوطان رئاسة الحزب.

وشهد المؤتمر العام لحزب الفضيلة في 14 مايو/أيار 2000 تنافسا بين جناحين داخل الحزب، أحدهما يعرف بـ"التقليدي" بقيادة رجائي قوطان، والآخر بـ"التجديدي" بقيادة عبد الله غل، حيث حصل كل منهما على دعم مؤيديه.

في تلك الأثناء، رفع المدعي العام لمحكمة التمييز، ورال ساواش، دعوى لحظر حزب الفضيلة أيضا، ليتم حله في 22 يونيو/حزيران 2001 بقرار من المحكمة الدستورية، بناء على الأدلة التي قدمها المدعي العام صبيح قاناد أوغلو، الذي عُين في المنصب بعد تولي أحمد نجدت سيزر رئاسة الجمهورية.

وعقب قرار الحظر، علق نجم الدين أربكان على الأمر قائلًا "لقد فقدنا حصاننا، ولكن طريقنا لا يزال مفتوحا". وبعد شهر واحد فقط، أسس أتباع أربكان حزب السعادة، ليكون خامس الأحزاب التي تمثل تيار الرؤية الوطنية.

إعلان

في المقابل، أسس مجموعة من السياسيين المنشقين عن تيار الرؤية الوطنية، بقيادة رجب طيب أردوغان وعبد الله غل، حزب العدالة والتنمية، الذي فاز في الانتخابات المبكرة عام 2002 وتمكن من تأسيس الحكومة منفردا، بينما لم يتمكن حزب السعادة من تجاوز العتبة الانتخابية ودخل في عزلة سياسية.

العودة إلى الساحة السياسية ورئاسة حزب السعادة

بعد انتهاء فترة منعه من العمل السياسي التي استمرت 5 سنوات، عاد أربكان إلى قيادة حزب السعادة في مايو/أيار 2003، حيث انتُخب رئيسا للحزب.

وفي 30 يناير/كانون الثاني 2004 اضطر أربكان إلى الاستقالة من رئاسة الحزب والتخلي عن عضويته، بعد الحكم عليه بالسجن في القضية المعروفة إعلاميا باسم "قضية التريليون ليرة المفقودة"، التي تتعلق بالمخالفات المالية في حسابات حزب الرفاه.

ونظرا لحالته الصحية، تم قبول طلبه بتأجيل تنفيذ العقوبة، وخلال إعادة المحاكمة أبقت المحكمة الجنائية التاسعة في أنقرة على حكم السجن الصادر بحق أربكان لمدة عامين و4 أشهر، لكنها قررت أن يقضي عقوبته في منزله تحت الإقامة الجبرية.

وفي 19 أغسطس/آب 2008، أصدر رئيس الجمهورية آنذاك عبد الله غل، عفوا خاصا عن أربكان بسبب "حالته الصحية الدائمة"، مما أدى إلى رفع الإقامة الجبرية عنه.

وفاة نجم الدين أربكان

في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2010، انتُخب أربكان مجددا رئيسا لحزب السعادة خلال مؤتمر استثنائي للحزب.

وبعد بضعة أشهر، وفي الذكرى الـ14 لانقلاب ما بعد الحداثة (انقلاب 28 فبراير/شباط)، فارق أربكان الحياة في 27 فبراير/شباط 2011، بسبب فشل في الجهاز التنفسي وقصور في القلب.

ونُقل جثمانه إلى المقابر في الأول من مارس/آذار 2011، بعد صلاة جنازة مهيبة، أقيمت في مسجد الفاتح بإسطنبول، تنفيذا لوصيته التي طلب فيها عدم إقامة جنازة رسمية له.

مقالات مشابهة

  • المماليك بعد المذبحة: هل انتهوا تمامًا أم عادوا في أدوار جديدة؟
  • عصير قمر الدين
  • الاعيسر: هذا الشهر الفضيل يمثل فرصة عظيمة للعبادة، وتكريس العمل الصالح
  • الاتحاد الرياضي في محافظة حلب يكرم ابن الشهيد عبدالقادر الصالح
  • مسلسلات رمضان 2025.. قنوات و مواعيد عرض مسلسل قلبي ومفتاحه لـ مي عز الدين
  • غارة إسرائيلية قرب ضريح هاشم صفي الدين
  • بالقرب من ضريح صفي الدين.. غارة إسرائيليّة على دير قانون النهر!
  • نجم الدين أربكان.. 14 عاما على رحيل مؤسس الحركة الإسلامية بتركيا
  • غدًا.. حزب الله يقيم عزاء حسن نصر الله وهاشم صفى الدين
  • فاطمة عمر.. تحدت الإعاقة وأصبحت أيقونة مصر في رفع الأثقال