بايدن يدعم إسرائيل بالسلاح ويطالبها بتخفيض أعداد الضحايا
تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT
واشنطن- في الوقت الذي تطالب فيه واشنطن تل أبيب بضرورة تقليل الخسائر البشرية في المرحلة الثانية من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لم تتوقف شحنات السلاح الأميركي من الوصول يوميا إلى إسرائيل.
ويمثل إعلان وزارة الدفاع الإسرائيلية استلامها 10 آلاف طن من السلاح والعتاد، منذ بدء عمل الجسر الجوي الأميركي بلا توقف يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول، تذكيرا بالازدواجية والنفاق الأميركي تجاه إسرائيل.
وفي مواجهة ارتفاع عدد القتلى جراء الهجوم الإسرائيلي المتجدد على جنوب غزة، تحاول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الضغط على إسرائيل لتقليل الضحايا بما فيها توفير ممرات ومناطق آمنة للمدنيين، إلا أن إدارة الرئيس لم تشر إلى أي تدابير رادعة قد تضطر إلى اللجوء إليها للضغط على إسرائيل مثل التهديد بتقييد المساعدات العسكرية.
ورغم حث وزراء الخارجية والدفاع، ومن قبلهم الرئيس بايدن ونائبته كامالا هاريس، إسرائيل علنا على تجنب الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين الناجمة عن هجماتها، تتجاهل إسرائيل هذه الدعوات، ولم تغير إستراتيجية عدوانها على جنوب غزة، التي تؤدي إلى استشهاد عدة مئات من المدنيين يوميا.
تأثير الردعوفي تصريحات لشبكة "إيه بي سي" الإخبارية، قال مسؤول أميركي إن "فكرة خفض الدعم العسكري لإسرائيل ستنطوي على مخاطر كبيرة، وعندما تبدأ في تقليل المساعدات لإسرائيل، فأنت تشجع الأطراف الأخرى على الدخول في الصراع، وتضعف تأثير الردع، وتشجع أعداء إسرائيل الآخرين".
وسخر خالد الجندي، مدير برنامج فلسطين وإسرائيل بمعهد الشرق الأوسط، من تجاهل إدارة بايدن لإدانة إسرائيل على قتلها آلاف المدنيين الأبرياء.
وأشار في تغريدة على منصة إكس إلى ما ذكرته نائبة الرئيس "لقد قُتل عدد كبير جدا من الفلسطينيين الأبرياء. وبصراحة، فإن حجم معاناة المدنيين والصور ومقاطع الفيديو القادمة من غزة مدمرة". وقال أيضا "إنهم ما زالوا لا يفهمون، كل ما يحدث من قتل ودمار ليس حدثا عرضيا، إنه على العكس عمل مقصود".
من جانبه، أشار السفير ديفيد ماك مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، الذي سبق له العمل في قنصلية بلاده بالقدس، إلى أن التزام بايدن على مدى حياته بفكرة أن نفوذ الولايات المتحدة مع إسرائيل يكون أكبر عندما تبقي إسرائيل قريبة، على الأقل علنا.
وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار ماك إلى أن موقف بايدن حاليا "يقوض مبدأين آخرين للسياسة الخارجية كان بايدن قد أعلنهما بحملته الانتخابية لعام 2020 الأول هو أهمية وجود نظام دولي قائم على القواعد، والثاني التعهد بأن تسترشد السياسة الخارجية الأميركية بالقيم الأخلاقية".
غير شفافةومع ضخامة عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي، الذي وصل لما يقرب من 17 ألف شهيد، وإصابة أكثر من 40 ألف شخص، ونزوح أكثر من 1.8 مليون شخص من منازلهم، طالب عدد متزايد من أعضاء مجلس الشيوخ إدارة الرئيس بايدن باتخاذ خطوات عملية لزيادة الرقابة على الأسلحة الأميركية الممنوحة لإسرائيل من أجل الحد من الأضرار المدنية في غزة.
وفي رسالة للبيت الأبيض، جادلت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين "الأقوياء" ومن بينهم السيناتورة إليزابيث وارن والسيناتور بيرني ساندرز، والسيناتور تيم كين، بضرورة "أن نضمن المساءلة عن استخدام الأسلحة الأميركية التي قدمناها لحليفنا الإسرائيلي".
إدارة بايدن تستمر في تقديم المساعدات العسكرية لإسرائيل (الجزيرة)وجاء هذا الخطاب في وقت يدرس فيه الكونغرس حزمة إنفاق كبيرة تشمل مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل بقيمة 14 مليار دولار، مع غياب كامل لمتطلبات الشفافية التقليدية المرتبطة بتقديم مساعدات عسكرية لدول أجنبية، وهو ما يمثل تناقضا تاما مع المعلومات التفصيلية التي توفرها إدارة بايدن حول المساعدات المقدمة لأوكرانيا.
كما أثار أعضاء مجلس الشيوخ مخاوف بشأن أسلحة محددة تواصل واشنطن تزويد إسرائيل بها، بما في ذلك قذائف المدفعية التي استخدمت في هجمات عشوائية مزعومة ضد المدنيين.
وقال ماثيو دوس، نائب الرئيس التنفيذي لمركز السياسة الدولية، الذي سبق وعمل مستشارا للسياسة الخارجية للسيناتور بيرني ساندرز -للجزيرة نت- إن "إدارة بايدن ستسمح للإسرائيليين أن يفعلوا كل ما يريدون بشكل أساسي، مع القليل من الضغط هنا وهناك لوقف قتل الكثير من المدنيين".
وعن استمرار تقديم الأسلحة والذخيرة لإسرائيل في مخالفة لبعض القوانين الأميركية، أكد دوس أن "الولايات المتحدة لديها معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل" ولهذا السبب تحديدا، وعلى العكس من الحالة الأوكرانية، يحاط إرسال أسلحة أميركية لإسرائيل بالكثير من السرية.
حسابات بايدن
واعتبر السفير ماك أن موقف بايدن "يتعارض مع موقف فئات أسهمت بقوة في فوزه بانتخابات 2020 مثل الناخبين الشباب والتقدميين ومن الأقليات غير اليهودية. ومن المؤكد أن بايدن يتحدث الآن بشكل أكثر صرامة مع نتنياهو مقارنة بما كان عليه في الأسابيع الأولى بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكن بايدن لا يزال بحاجة إلى الصرامة في تصريحاته العلنية خاصة في قبول فرض شروط على المساعدات الأميركية لإسرائيل".
وعلى صفحات مجلة فورين بوليسي، ذكر ستيف سيمون وآرون ديفيد ميلر، المسؤولان السابقان بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية، أنه بعد ربط بايدن سياسة واشنطن بأهداف الحرب الإسرائيلية المتمثلة في القضاء على حماس "يجد بايدن نفسه الآن في مأزق. لقد قوضت الأزمة الإنسانية في غزة والارتفاع الهائل في عدد القتلى والمعاناة بين السكان المدنيين في غزة مصداقية الولايات المتحدة في الداخل، وفي العالم العربي والإسلامي، وفي المجتمع الدولي.
وفي المرحلة المقبلة، قد يعتمد نجاح أو فشل السياسة الأميركية على ما إذا كان بايدن قادرا على إعادة تشكيل الحملة العسكرية الإسرائيلية، وتخفيف الوضع الإنساني، وإشراك إسرائيل والشركاء الآخرين في التوصل إلى خطة قابلة للتطبيق لغزة ما بعد الحرب" حسب المصدر ذاته.
وفي حديث للجزيرة نت، ذكرت ديانا غرينوالد، أستاذة العلوم السياسية بجامعة مدينة نيويورك، والخبيرة في قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أن "الرئيس بايدن الذي يواجه عملية إعادة انتخاب صعبة، لن يبادر بفرض شروط على المساعدات الأميركية لإسرائيل، إلا إذا كان مقتنعا بأن بقاءه السياسي يعتمد على القيام بذلك".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: إدارة بایدن
إقرأ أيضاً:
ديمقراطية أميركا..من أيزنهاور إلى بايدن
هل باتت الديمقراطية الأمريكية في خطر من جراء مجمعين يكادان يطبقان عليها، لتخسر الولايات المتحدة، درَّة التاج، في تكوينها وجوهرها، منذ إعلان الاستقلال وحتى اليوم؟
لطالما فاخر وجاهر الأمريكيون بالنسق القيمي الليبرالي، الذي عُدَّت الديمقراطية فيه حجر الزاوية، وعليه قام هذا البناء الجمهوري الشاهق، غير أنه وخلال العقود الستة المنصرمة، بدت روح أمريكا في أزمة حقيقية، من جراء نشوء وارتقاء مجمعات أقل ما توصف به أنها ضد الديمقراطية.جاء خطاب وداع الرئيس جو بايدن ليعيد تذكير الأمة الأمريكية بالخطر الذي نبّه منه الرئيس دوايت أيزنهاور عام 1961، والمؤكد أن بايدن لم يذكّر الأمريكيين بالمجمع الصناعي العسكري، ذاك الذي لفت إليه أيزنهاور فحسب، بل وضعهم أمام استحقاقات مجمع جديد قادم بقوة كالتسونامي الهادر في الطريق، لا شيء يوقفه، وما من أحد قادر على التنبؤ بأبعاد سيطرته على مستقبل الديمقراطية في الداخل الأميركي.
في السابع عشر من يناير (كانون الثاني) من عام 1961 ألقى أيزنهاور خطاباً وداعيّاً متلفزاً من مكتبه الرسمي، وبطريقة لا تُنسى، حذَّر فيه من أن تتحول "الصناعة العسكرية المعقدة" في بلده إلى قوة عنيفة.
يومها قال جنرال السياسة الذي نجح في قيادة قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية إن "المؤسسة العسكرية الضخمة" مع "صناعة أسلحة هائلة" تعملان معاً سعياً وراء "نفوذ لا مبرر له" في "كل مدينة وكل مبنى تشريعي وكل مكتب عائد إلى الحكومة، مما قد يؤدي إلى كارثة تنبع من بروز قوة في غير محلها".
عبر ستة عقود ونيف بدا أن توقعات "الجنرال آيك" قد تحوّلت إلى واقعِ حال عبر تحالف ثلاثي الأطراف، اختصم في واقع الأمر الكثير من لمحات ومسحات الديمقراطية الأمريكية.
تمثلت أضلاع المثلث في أصحاب المصانع العسكرية الأمربكية، تلك التي تدرّ "لبناً وعسلاً وذهباً" على حَمَلة أسهمها، في السر والعلن، فيما الضلع الثاني مثَّله جنرالات وزارة الدفاع الأمريكية، الذين يقودون وعلى الدوام المعارك الأمريكية على الأرض، وغالباً ما يعودون لاحقاً بعد نهاية خدمتهم للعمل مستشارين برواتب هائلة في المؤسسات الصناعية العسكرية، بينما الجهة الثالثة يمثلها أعضاء الكونغرس، من الشيوخ والنواب، أولئك الذين يشرّعون قرارات الحروب، وعادةً ما يتلقون ملايين الدولارات تبرعات من الشركات العسكرية الكبرى، والعمل لها لاحقاً، بعد نهاية تمثيلهم التشريعي، أعضاء في مجالس إداراتها.
خلق هذا المجمع بلا شك روحاً جديدة في الداخل الأمريكي، باتت تمثل قوة ضاغطة على عملية صناعة القرار الأمريكي، وخصمت ولا شك من مساحات الديمقراطية الغنَّاء، وقدرة البروليتاريا الأمريكية العاملة المكافحة، وأقنان الأرض البؤساء، على تمثيل ذواتهم تمثيلاً عادلاً، فيما المحكمة العليا في البلاد أخفقت في حسم قضية التبرعات للمرشحين للمناصب الحكومية، من عند أصغر عمدة لمدينة أمريكية نائية على الحدود الجنوبية في تكساس، وصولاً إلى مقام الرئاسة.
جاء بايدن في خطاب تنصيبه ليشير إلى ما سمَّاه "المجمع الصناعي التقني"، الذي يبدو أنه لا يقل ضراوة عن العسكري، لا سيما أن بصماته تمتد عبر المحيطات إلى بقية أنحاء وأرجاء الكون الفسيح.
"بعد ستة عقود من الزمان ما زلت أشعر بنفس القدر من القلق إزاء الصعود المحتمل للمجمع الصناعي التكنولوجي الذي قد يشكل مخاطر حقيقية على بلدنا أيضاً"... هكذا تكلم بايدن.
بايدن لم يترك مجالاً للشك في أن الأمريكيين يُدفنون، وعلى حد تعبيره، تحت سيل من المعلومات المُضلّة والمضلِّلة، التي تُمكن من إساءة استخدام السلطة، فيما الصحافة الحرة تنهار، والمحررون يختفون، بينما وسائل التواصل الاجتماعي تتخلى عن التحقق من صحة الحقائق أو زيفها.
أظهر بايدن أن هناك مخاوف حقيقية تخيِّم فوق ديمقراطية أمريكا، من جراء تزاوج الثروة والسلطة، عبر أطراف المجمع الصناعي التقني، الذي بات يمثله رجالات من نوعية إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ وجيف بيزوس، ومجالس إدارات شركات مثل أبل وغوغل، وأساطين رجال أعمال يتعاطون مع قرابة التريليون دولار، مما يجعل فكرة الديمقراطية المختطَفة من القلة أمراً قائماً وليس جديداً.
هل الديمقراطية الأمريكية في خطر حقيقي وليس وهمياً؟
تركيز السلطة والثروة يؤدي مباشرةً إلى تآكل الشعور بالوحدة والغرض المشترك، ويقود إلى انعدام الثقة، وحينها تصبح فكرة الديمقراطية مرهِقة ومخيِّبة للآمال، ولا يشعر الناس فيها بأنهم يتمتعون بفرصة عادلة.
يقول الراوي إن روما القديمة قد أفل نجمها حين غابت روح الديمقراطية عن حناياها ومن ثناياها... ماذا عن روما العصر؟