واشنطن- في الوقت الذي تطالب فيه واشنطن تل أبيب بضرورة تقليل الخسائر البشرية في المرحلة الثانية من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لم تتوقف شحنات السلاح الأميركي من الوصول يوميا إلى إسرائيل.

ويمثل إعلان وزارة الدفاع الإسرائيلية استلامها 10 آلاف طن من السلاح والعتاد، منذ بدء عمل الجسر الجوي الأميركي بلا توقف يوم 10 أكتوبر/تشرين الأول، تذكيرا بالازدواجية والنفاق الأميركي تجاه إسرائيل.

وفي مواجهة ارتفاع عدد القتلى جراء الهجوم الإسرائيلي المتجدد على جنوب غزة، تحاول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الضغط على إسرائيل لتقليل الضحايا بما فيها توفير ممرات ومناطق آمنة للمدنيين، إلا أن إدارة الرئيس لم تشر إلى أي تدابير رادعة قد تضطر إلى اللجوء إليها للضغط على إسرائيل مثل التهديد بتقييد المساعدات العسكرية.

ورغم حث وزراء الخارجية والدفاع، ومن قبلهم الرئيس بايدن ونائبته كامالا هاريس، إسرائيل علنا على تجنب الخسائر الفادحة في صفوف المدنيين الناجمة عن هجماتها، تتجاهل إسرائيل هذه الدعوات، ولم تغير إستراتيجية عدوانها على جنوب غزة، التي تؤدي إلى استشهاد عدة مئات من المدنيين يوميا.

تأثير الردع

وفي تصريحات لشبكة "إيه بي سي" الإخبارية، قال مسؤول أميركي إن "فكرة خفض الدعم العسكري لإسرائيل ستنطوي على مخاطر كبيرة، وعندما تبدأ في تقليل المساعدات لإسرائيل، فأنت تشجع الأطراف الأخرى على الدخول في الصراع، وتضعف تأثير الردع، وتشجع أعداء إسرائيل الآخرين".

وسخر خالد الجندي، مدير برنامج فلسطين وإسرائيل بمعهد الشرق الأوسط، من تجاهل إدارة بايدن لإدانة إسرائيل على قتلها آلاف المدنيين الأبرياء.

وأشار في تغريدة على منصة إكس إلى ما ذكرته نائبة الرئيس "لقد قُتل عدد كبير جدا من الفلسطينيين الأبرياء. وبصراحة، فإن حجم معاناة المدنيين والصور ومقاطع الفيديو القادمة من غزة مدمرة". وقال أيضا "إنهم ما زالوا لا يفهمون، كل ما يحدث من قتل ودمار ليس حدثا عرضيا، إنه على العكس عمل مقصود".

من جانبه، أشار السفير ديفيد ماك مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق الأوسط، الذي سبق له العمل في قنصلية بلاده بالقدس، إلى أن التزام بايدن على مدى حياته بفكرة أن نفوذ الولايات المتحدة مع إسرائيل يكون أكبر عندما تبقي إسرائيل قريبة، على الأقل علنا.

وفي حديث مع الجزيرة نت، أشار ماك إلى أن موقف بايدن حاليا "يقوض مبدأين آخرين للسياسة الخارجية كان بايدن قد أعلنهما بحملته الانتخابية لعام 2020 الأول هو أهمية وجود نظام دولي قائم على القواعد، والثاني التعهد بأن تسترشد السياسة الخارجية الأميركية بالقيم الأخلاقية".

غير شفافة

ومع ضخامة عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي، الذي وصل لما يقرب من 17 ألف شهيد، وإصابة أكثر من 40 ألف شخص، ونزوح أكثر من 1.8 مليون شخص من منازلهم، طالب عدد متزايد من أعضاء مجلس الشيوخ إدارة الرئيس بايدن باتخاذ خطوات عملية لزيادة الرقابة على الأسلحة الأميركية الممنوحة لإسرائيل من أجل الحد من الأضرار المدنية في غزة.

وفي رسالة للبيت الأبيض، جادلت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين "الأقوياء" ومن بينهم السيناتورة إليزابيث وارن والسيناتور بيرني ساندرز، والسيناتور تيم كين، بضرورة "أن نضمن المساءلة عن استخدام الأسلحة الأميركية التي قدمناها لحليفنا الإسرائيلي".

إدارة بايدن تستمر في تقديم المساعدات العسكرية لإسرائيل (الجزيرة)

وجاء هذا الخطاب في وقت يدرس فيه الكونغرس حزمة إنفاق كبيرة تشمل مساعدات عسكرية جديدة لإسرائيل بقيمة 14 مليار دولار، مع غياب كامل لمتطلبات الشفافية التقليدية المرتبطة بتقديم مساعدات عسكرية لدول أجنبية، وهو ما يمثل تناقضا تاما مع المعلومات التفصيلية التي توفرها إدارة بايدن حول المساعدات المقدمة لأوكرانيا.

كما أثار أعضاء مجلس الشيوخ مخاوف بشأن أسلحة محددة تواصل واشنطن تزويد إسرائيل بها، بما في ذلك قذائف المدفعية التي استخدمت في هجمات عشوائية مزعومة ضد المدنيين.

وقال ماثيو دوس، نائب الرئيس التنفيذي لمركز السياسة الدولية، الذي سبق وعمل مستشارا للسياسة الخارجية للسيناتور بيرني ساندرز -للجزيرة نت- إن "إدارة بايدن ستسمح للإسرائيليين أن يفعلوا كل ما يريدون بشكل أساسي، مع القليل من الضغط هنا وهناك لوقف قتل الكثير من المدنيين".

وعن استمرار تقديم الأسلحة والذخيرة لإسرائيل في مخالفة لبعض القوانين الأميركية، أكد دوس أن "الولايات المتحدة لديها معايير مزدوجة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل" ولهذا السبب تحديدا، وعلى العكس من الحالة الأوكرانية، يحاط إرسال أسلحة أميركية لإسرائيل بالكثير من السرية.

حسابات بايدن

واعتبر السفير ماك أن موقف بايدن "يتعارض مع موقف فئات أسهمت بقوة في فوزه بانتخابات 2020 مثل الناخبين الشباب والتقدميين ومن الأقليات غير اليهودية. ومن المؤكد أن بايدن يتحدث الآن بشكل أكثر صرامة مع نتنياهو مقارنة بما كان عليه في الأسابيع الأولى بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكن بايدن لا يزال بحاجة إلى الصرامة في تصريحاته العلنية خاصة في قبول فرض شروط على المساعدات الأميركية لإسرائيل".

وعلى صفحات مجلة فورين بوليسي، ذكر ستيف سيمون وآرون ديفيد ميلر، المسؤولان السابقان بالبيت الأبيض ووزارة الخارجية، أنه بعد ربط بايدن سياسة واشنطن بأهداف الحرب الإسرائيلية المتمثلة في القضاء على حماس "يجد بايدن نفسه الآن في مأزق. لقد قوضت الأزمة الإنسانية في غزة والارتفاع الهائل في عدد القتلى والمعاناة بين السكان المدنيين في غزة مصداقية الولايات المتحدة في الداخل، وفي العالم العربي والإسلامي، وفي المجتمع الدولي.

وفي المرحلة المقبلة، قد يعتمد نجاح أو فشل السياسة الأميركية على ما إذا كان بايدن قادرا على إعادة تشكيل الحملة العسكرية الإسرائيلية، وتخفيف الوضع الإنساني، وإشراك إسرائيل والشركاء الآخرين في التوصل إلى خطة قابلة للتطبيق لغزة ما بعد الحرب" حسب المصدر ذاته.

وفي حديث للجزيرة نت، ذكرت ديانا غرينوالد، أستاذة العلوم السياسية بجامعة مدينة نيويورك، والخبيرة في قضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، أن "الرئيس بايدن الذي يواجه عملية إعادة انتخاب صعبة، لن يبادر بفرض شروط على المساعدات الأميركية لإسرائيل، إلا إذا كان مقتنعا بأن بقاءه السياسي يعتمد على القيام بذلك".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: إدارة بایدن

إقرأ أيضاً:

أسلحة أميركية لإسرائيل بقيمة 6.5 مليارات دولار منذ بدء حرب غزة

ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الولايات المتحدة قدمت مساعدات عسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي بقيمة تفوق 6.5 مليارات دولار منذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

كما قالت القناة الـ12 الإسرائيلية إن مسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن راجعوا مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت "سطرا بعد سطر قائمة جميع شحنات الأسلحة إلى إسرائيل، وذلك للرد على ادعاء (رئيس الوزراء) بنيامين نتنياهو حول تأخير إدارة بايدن في شحنات الأسلحة".

وكان نتنياهو قد أثار حفيظة واشنطن منتصف الشهر الجاري بعدما خرج في مقطع فيديو اتهمها فيه بـ"حجب الأسلحة والذخائر عن إسرائيل"، وقال مسؤولون أميركيون إنه لا علم لديهم عما كان يتحدث عنه رئيس الوزراء الإسرائيلي.

لكنه عاد وأكد الأحد الماضي أن الخلاف مع الولايات المتحدة بشأن التأخير في تسليم الأسلحة المتعلق بحرب غزة سيتم حله قريبا.

وقال خلال اجتماع لحكومته "أقدر كثيرا دعم الرئيس جو بايدن والإدارة الأميركية لإسرائيل -معنويا وماديا- بوسائل الدفاع ووسائل الهجوم، لكن منذ نحو 4 أشهر كان هناك انخفاض كبير في إمدادات الأسلحة القادمة من الولايات المتحدة إلى إسرائيل، وعلى مدى أسابيع عديدة ناشدنا أصدقاءنا الأميركيين تسريع الشحنات، وقد فعلنا ذلك مرارا".

ضغوط إسرائيلية

وأشار إلى أن إسرائيل حصلت على بعض الأسلحة، لكن كمية أخرى كبيرة لم تصل، وأكد أن كبار المسؤولين الإسرائيليين مارسوا ضغوطا على نظرائهم الأميركيين "على أعلى مستويات، وعلى جميع المستويات" من أجل تسريع تسليم الأسلحة.

وأضاف نتنياهو "بعد أشهر لم يطرأ تغيير على الوضع، قررت التعبير عن الأمر علنا بناء على سنوات من الخبرة ومعرفة أن هذه الخطوة ضرورية لحل الأزمة".

وختم حديثه بالقول "في ضوء ما سمعته في اليوم الأخير آمل وأعتقد أن هذه القضية سيتم حلها في المستقبل القريب".

وأرسلت الولايات المتحدة إلى إسرائيل كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات منذ بداية العدوان على غزة، بحسب بيانات إسرائيلية وأميركية.

ووقعت إسرائيل أوائل يونيو/حزيران الجاري صفقة لشراء 25 مقاتلة أميركية من طراز "إف-35" بقيمة 3 مليارات دولار، وفق بيان لوزارة الدفاع الإسرائيلية. كما وقع بايدن في أبريل/نيسان الماضي حزمة مساعدات لإسرائيل تبلغ 26.4 مليار دولار، من بينها 14 مليارا مساعدات عسكرية.

مقالات مشابهة

  • البيت الأبيض والسلام في أوكرانيا
  • إدارة بايدن أرسلت كمية ضخمة من الذخائر لإسرائيل.. مصادرة تكشف التفاصيل
  • الصراع الأمريكي على الإخلاص لإسرائيل
  • أوباما يدعم بايدن بعد مناظرته أمام ترامب: اختيار ما بين الحقيقة والكذب
  • ترامب: بايدن ضعيف كفلسطين ويجب السماح لإسرائيل بمواصلة حربها ضد حماس
  • بايدن: منعت وصول قنابل لإسرائيل لحماية المدنيين ودعمناها في مواجهة إيران
  • أسلحة أميركية لإسرائيل بقيمة 6.5 مليارات دولار منذ بدء حرب غزة
  • نائب أميركي كبير يطالب إدارة بايدن بإغلاق رصيف غزة العائم
  • إدارة بايدن تعيد النظر بشأن المتعاقدين العسكريين الأميركيين بالعمل في أوكرانيا
  • تقرير يكشف السبب الحقيقي وراء تباطؤ شحنات الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل