ألقى فضيلة الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة خطبة الجمعة اليوم بالمسجد الحرام، واستهلها بتوصية المسلمين بتقوى الله؛ فقد فاز التقي الأواب، وخاب الشقي المرتاب.
وقال فضيلته: الفلاحُ مَطلَبٌ عَلي، ومَأرَبٌ سَني، إليه شَخَص العاملون، وتفانى مِن أجله المُتفانون. والفلاحُ هو الظَّفَرُ ونَيلُ البغية دنيويًا أو أُخرويًا، فالدنيوي الظَّفَرُ بمَلَذات الدنيا ومُشتهياتها، والأخروي الظَّفَرُ برضا الله تعالى وجنتِه.

والذكي الألمعي اللوذعي هو مَن جَمع فِكرَه وصَوَّب نحو الفلاحِ الأُخروي نظرَه؛ إذْ هو غاية الأماني، ومُنتهى الأَراجي! وليس بينه وبينه إلا قوة عزيمة، وصبرُ ساعة، وثباتُ قلب. وإنه لا يُنال الفلاحُ الأخروي إلا بالإيمان وصالحِ العمل. وقد أثنى الله على المؤمنين بإيمانهم وعملهم، ثم وصفهم بالفلاح؛ ذلك أن أُسَّ الفلاحِ الأُخروي الشهادتان، وبابه الإسلام وأصلُ الملة، قال النبي ﷺ: “يا أيها الناس: قولوا لا إله إلا الله تُفلحوا”.
وبين الشيخ بندر بليلة أن من التزمَ فرائضَ الله تعالى أفلح، مستشهداً بأنه جاء أعرابي إلى النبي ﷺ يسألُه عن شرائع الإسلام فأعْلَمَه عنها، فقال الأعرابي: والذي أكرمك لا أتطوعُ شيئاً، ولا أَنقُصُ مما فرض الله علي شيئاً، فقال عليه الصلاة والسلام: “أفلح إن صَدق”.
ولفت إلى أن رأسَ الفرائضِ الموصلة للفلاحِ هي الصلاة، أمُّ العبادات، وعمودُ الطاعات، وهي الصارفُ عن دَواعي السوءِ ومُغرِياتِه، والعاصمُ من عَوادي الشيطانِ ومُغوِياته، مبيناً أنه لا عَجَبَ أن يُنادى بالفلاح في أذانها وإقامتها! وقال النبي ﷺ: “إن أول ما يُحاسَب عنه العبدُ يومَ القيامة من عمله صلاتُه، فإن صَلَحَت فقد أفلح وأنجح، وإن فَسَدت فقد خاب وخسِر”.
وأوضح إمام وخطيب المسجد الحرام أن التطهرَ من الذنب والحَوبة، والتوبة إلى الله والأوبة، هي سبيلُ الفلاح، ودليلُ الصلاح، وأن الذاكرُ لربه ولأنعُمِه عليه آخِذٌ بسبب الفلاح، ومَن أدى الحقوقَ إلى أربابها حاز الفلاح.. وتطهيرُ النفس من الشرك والظلم وسيئ الأخلاق موجِب للفلاح.
وأشار الشيخ بندر بليلة إلى أن نَفْسَ الإنسان بين إقبال على الخير وإدبار عنه، مبيناً أن الإقبال يُثمِرُ الانكبابَ على الطاعات، والإدبارَ يُداوَى بالاقتصار على الفرائض وشيءٍ من النوافل، مستشهداً بقول النبي المصطفى ﷺ: “إن لكل عملٍ شِرَّة، ولكل شِرَّة فترة، فمن كانت فَترتُه إلى سُنتي فقد أفلح، ومن كانت فَترتُه إلى غير ذلك فقد هلك”، فما أسعدَ العبدَ وأهناه يومَ يرى مَوازينه قد ثقُلت بالأعمال الصالحات، وخَفَّت من الأوزار والذنوب والموبقات، فثَمَّ الفلاح، وثَمَّ النجاح.
* وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور حسين آل الشيخ في خطبة الجمعة اليوم المسلمين بتقوى الله -عز وجل-.
وقال فضيلته: إن المسلمين اليوم يمرون بفتن مختلفة المصادر، متعددة الأشكال، فتن تعاظم خطرها، وتطاير شررها، وتنوعت أسبابها ومحالها.. وإن الركن الشديد الذي يأوي إليه المسلم من ويلات الفتن ومخاطرها هو الالتجاء إلى خالقه -عز وجل-، والاعتصام بحبله، وتحقيق طاعته، والتمسك بشريعته سبحانه، قال تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}، وقال تعالى: {فَفِرُّوا إلى اللَّهِ}؛ ومن هذا المنطلق جاء التوجيه النبوي من النبي صلى الله عليه وسلم، الحريص على نجاة أمته، وصيته الخالدة، بقوله: “العبادة في الهرج كهجرة إلي”. والهرج هي أيام الحروب والقتل، وأوقات الخوف والذعر، وحال اختلاط أمور الناس من جميع المحذورات والمحن التي يخافون في جوانب حياتهم، بحيث لا تنتظم أمورهم على أحسن حال، بل يكونون في أمر مريج واضطراب شديد، حينئذ لا نجاة لهم إلا باللجوء إلى ربهم، والانقطاع إليه، وقياد أنفسهم وتصرفاتهم وتوجهاتهم بشرعه ووفق أوامره وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأكمل فضيلته: هذا المنهج النبوي الذي عظّم شأن العبادة أيام الفتن، لأن الناس يعتريهم أمور بسبب الفتن تقع بينهم من العداوات والظلم والكذب والتخاصم مما هو محرم في دين الله، بل ينشغل كثير منهم عن الثبات على المنهج الحق، فأرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى أن الهجرة تبتني على ترك الوطن والدار ورغائبها لله سبحانه، وهكذا الانقطاع للعبادة والالتزام الشامل بها يقود المسلمين إلى كل ما ينجيهم من الزلل والخطل والزيغ عن الصراط المستقيم والمنهج القويم.. قال أهل العلم: “إن الناس في أوقات الفتن يرجعون إلى أهوائهم وآرائهم وأذواقهم بعيداً عن حكم الله وشرعه. فالذي ينتقل من هذه الحال إلى العبادة والإقبال على الله تبارك وتعالى يكون كالمهاجر”.
وبيّن فضيلته أن الناظر اليوم لعالمنا الإسلامي يجد أنه كلما حلت محنة وقعت فتنة، مبيناً أن بعضاً منها يسعى لتفريق صف الأمة، والاتهام لبعض بما لا يستقيم مع المنهج الذي شرعه الله سبحانه من الحرص على الاعتصام بحبل الله، وعدم التفرق والاختلاف، داعياً المسلمين إلى تقوى الله، ومحذراً أن يكون المسلم بوقًا للشيطان دون علمه، ولسانًا للأعداء، مؤكدًا أن ما خاف الأعداء شيئاً مثل اعتصام المسلمين بكتاب ربهم، واتحاد صفهم، وجمع كلمتهم، وتعاونهم على كل بر، وصبرهم على طاعة ربهم، ومنهج دينهم، ومعالجة ما يقع لهم من الفتن والمحن وفق منظور صحيح، باجتهاد يحيطه الخوف من الله، ومراعاة المسؤولية، وتحقيق مصالح الأمة.
وأضاف: ألا فأشغلوا أنفسكم أيها المسلمون بما يحفظ مصالح دينكم ودنياكم، وأعدوا العدة المستطاعة للحفاظ على ذلك. ومن أعظم ذلك الثبات على شرع الله سبحانه، والسير على ضوء سنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وحققوا عبادة التعاون المثمر والأخوة الصافية على الدين والعقيدة والمودة الإسلامية، والولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، قال تعالى: {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمنواْ إذا لَقِيتُم فِئَة فَاثبُتُواْ وَاذكُرُواْ اللَّه كثيرًا لَّعَلَّكُم تُفلِحُونَ وَأَطِيعُواْ اللَّه وَرَسُولَه وَلَا تَنَازَعُواْ فَتَفشَلُواْ وَتَذهَبَ رِيحُكُم وَاصبِرُواْ إِنَّ اللَّه مَعَ الصَّابِرِينَ}. وقال صلى الله عليه وسلم: “بَادِرُوا بالأعمال فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أو يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَه بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا”. فجاهدوا أيها المسلمون كل الفتن بالطاعة الخالصة لله، والالتزام بهذه التوجيهات الربانية، تسلموا من غوائل الفتن، وعواصف المحن، ولاسيما في مثل هذه الأزمان، التي يسعى فيها الأعداء بكل مكر للإضرار بالإسلام والمسلمين بشتى أنواع الإفساد وأسباب الشرور. ولا مخرج من ذلك إلا هجرة المسلمين من المعاصي إلى الطاعات، والبعد عن المنهيات، فلا هداية لعزة ونصر وتمكين واستقرار وأمن وأمان، إلا بتمسك المسلمين بدينهم وتحكيم شريعة ربهم، قال تعالى: {إِن تَنصُرُوا اللَّه يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}.
واختتم فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي خطبته بقوله: المخرج من كل فتنة هي في إصلاح الدنيا بالدين، وعمارة الأرض بشرع رب العالمين. ومن أحاط حياته بتقوى ربه جعل له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل بلية وفتنة عافية وعاقبة حسنة.

المصدر: صحيفة الجزيرة

كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية صلى الله علیه وسلم قال تعالى الله ت

إقرأ أيضاً:

ما الفرق بين المعجزة والكرامة؟ الإفتاء تجيب

ورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول ، ما الفرق بين المعجزة والكرامة، وهل يوجد دليل على صحة كرامات الأولياء؟

وقالت دار الإفتاء في إجابتها عن السؤال، إنه قد تقرر في أصول الدين أن "ما جاز معجزةً لنبيٍّ جاز كرامةً لوليٍّ"، وأن الفرق بين المعجزة والكرامة هو أن المعجزة مقرونة بدعوى النبوة، أما الكرامة فدالّةٌ على صدق النبي الذي حصلت الكرامة بسبب الإيمان به، وتلك الكرامات الثابتة للصالحين لا يوجد أي دليل على انتهائها بانتهاء حياة الولي في الحياة الدنيا، بل وجد الدليل على عكس ذلك.

فيما ثبت من الآثار المتكاثرة المتواترة في حصول الكرامات للصالحين بعد الوفاة؛ من تكلُّمٍ بعد الموت، وحفظٍ لجسد الميت، وقراءةٍ للقرآن، واستجابة الدعاء عند قبره، ودلالةٍ على الخير في المنام، وإخبارٍ بالمغيَّبات، وذلك كله حاصل بإذن الله تعالى من غير قدرة ذاتية للولي عليها، لا فرق في ذلك بين الحي والميت.

وأوضحت دار الإفتاء، أن الإيمان بكرامات الأولياء مما أجمع عليه أهل السنة والجماعة مخالفين بذلك أهل البدع والأهواء، واعتبره علماء العقيدة أصلًا من أصول الاعتقاد، وإنكارها قد يخرج المسلم من دينه؛ إذا كان ذلك من جهة الشك في قدرة الله تعالى، كما أن إثباتها للأولياء بعد انتقالهم يقره صريح المعقول، وصحيح المنقول، والموت يطرأ على الجسد لا الروح، فلا يجوز إنكار كرامات أولياء الله الصالحين لا في حياتهم، ولا بعد انتقالهم.

ويقول الإمام العلامة المحقق السعد التفتازاني في "شرح المقاصد" (2/ 386): [وبالجملة ظهور كرامات الأولياء يكاد يلحق بظهور معجزات الأنبياء، وإنكارها ليس بعجيب من أهل البدع والأهواء؛ إذ لم يشاهدوا ذلك من أنفسهم قط، ولم يسمعوا به من رؤسائهم الذين يزعمون أنهم على شيء مع اجتهادهم في أمور العبادات واجتناب السيئات، فوقعوا في أولياء الله تعالى أصحاب الكرامات يمزقون أديمهم ويمضغون لحومهم؛ لا يسمونهم إلا باسم الجهلة المتصوفة، ولا يعدونهم إلا في عداد آحاد المبتدعة، قاعدين تحت المثل السائر: "أوسعتُهم سبًّا وأودَوْا بالإبل"، ولم يعرفوا أن مبنى هذا الأمر على صفاء العقيدة ونقاء السريرة، واقتفاء الطريقة واصطفاء الحقيقة] اهـ.

مقالات مشابهة

  • ما الفرق بين المعجزة والكرامة؟ الإفتاء تجيب
  • مطروح تحتفل بذكرى الإسراء والمعراج
  • أدب الاختلاف / د. زهير طاهات
  • آخر آية نزلت في القرآن الكريم
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد والنبوي
  • خطبتا الجمعة بالحرمين: إحسان الظن بالله من أجلِّ العبادات.. وحفظ الجار وعدم إيذائه من لوازم وشروط الإيمان
  • وزير الداخلية يؤدي صلاة الجمعة بمسجد الشرطة في التجمع الخامس
  • سنن نبوية في الجمعة الأخيرة من رجب.. اغتنمها
  • معنى الصعود في قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾
  • استخراج كارت الفلاح الذكي.. تحديات مستمرة أمام تحقيق التطوير الرقمي