قد لا يجد سكان قطاع غزة الوقت للتفكير بحجم المؤامرة التي تُحاك ضدهم من أجل تهجيرهم بشكل كامل وقتل أكبر عدد من أطفالهم ونسائهم وتسوية بيوتهم بالأرض، فهم يقضون الليل والنهار في البحث عن مكان آمن لقضاء ليلة واحدة، وهم يدركون والعالم يدرك كذلك بأنه لم يعد هناك مكان آمن في غزة بكاملها. وفي زخم استعصاء التآمل بالنسبة للشعب المحاصر في غزة، نرى نحن (ممن يعيش خارج قطاع غزة) كل يوم خيوطا جديدة للمؤامرة على هذا الشعب، ونلمس واقعية انخراط بعض العرب إلى جانب إسرائيل بغية تصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل.
من منا ينسى كيف ظهر الخطاب العنصري الأوربي بعد شن روسيا حرباً غير محقة على أوكرانيا، وكيف بدأ الصحفيون والساسة الأوربيون يميزون هؤلاء بناءً على لون البشرة والعيون، وكيف قالوا لنا بشكل واضح "هؤلاء ليسوا شعوب الشرق الأوسط المعتادة على القتل والتشريد"؟!
القادة العرب فهم يصنعون في الخفاء عكس ما يقولون في العلن، فعلى الرغم من أنّ شعوب العالم الحرة أكدت على أحقية القضية الفلسطينية وبأن هذا الشعب يعاني من الظلم والتهجير والقتل والتعذيب والتهجير القسري والممنهج، إلا أن القادة العرب يمارسون أدواراً مزدوجة. فهم يدّعون المشاركة في إغاثة الشعب الفلسطيني عبر ارسال المساعدات، وخلف الأبواب المغلقة يدعون إلى الاستمرار في الحرب إلى حين القضاء على حركة المقاومة الإسلامية "حماس"
كيف ننسى بهذه السرعة تقسيمهم هذا العالم إلى حديقة أوروبا وغابة العالم؟ لم تتردد الإمبريالية الغربية لحظة واحدة في دعم إسرائيل وتجيهزها بكل ما يلزم للاستمرار في الحرب على شعب قطاع غزة. وعلى الرغم من أن قادة العالم الغربي معروفون بالمرواغة والتحايل، إلا أنهم كانوا واضحين وصريحين للغاية في دعم إسرائيل في ارتكاب عمليات المجازر الجماعية ضد أهل فلسطين.
وأما القادة العرب فهم يصنعون في الخفاء عكس ما يقولون في العلن، فعلى الرغم من أنّ شعوب العالم الحرة أكدت على أحقية القضية الفلسطينية وبأن هذا الشعب يعاني من الظلم والتهجير والقتل والتعذيب والتهجير القسري والممنهج، إلا أن القادة العرب يمارسون أدواراً مزدوجة. فهم يدّعون المشاركة في إغاثة الشعب الفلسطيني عبر ارسال المساعدات، وخلف الأبواب المغلقة يدعون إلى الاستمرار في الحرب إلى حين القضاء على حركة المقاومة الإسلامية "حماس".
هذا النوع من المراوغة السياسية واللعب غير النظيف أشارت إليه صحيفة "لكسبرس" الفرنسية حين أشارت إلى أن الإمارات تقدم دعماً سريّاً لإسرائيل لمواجهة حماس، حيث تشير الصحيفة إلى أنّ الإمارات هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتنع عن توجيه أي انتقادات لاذعة للكيان الصهيوني، فيما يبدو أن العلاقات الاقتصادية والعسكرية لها الأسبقية.
ويبدو بأن التعاون بين العرب وإسرائيل يذهب إلى أكثر من التأييد السياسي غير العلني لإسرائيل، حيث كشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" الإسرائيلية عن تفاصيل خطة إسرائيلية أمريكية لتوطين سكان غزة خارج القطاع ونقلهم إلى أربع دول، هي العراق وتركيا واليمن مصر. تلعب إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائهما "لعبة تغيير المصطلحات"، حيث تعارض الولايات المتحدة على سبيل المثال مفهوم التهجير القسري للفلسطينيين وتدعو إلى هجرة طوعية، والسؤال هو كيف تتم الهجرة الطوعية؟
تتم الهجرة الطوعية عبر تسوية منازل الفلسطينيين بالأرض والانتقال من معركة الشمال إلى الجنوب في غزة وتهجير الجميع نحو الحدود المصرية. هذا هو بالضبط المقصود بالهجرة الطوعية.
ومن خلال استعراض تطورات حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني وتبعاته على الدول العربية في المنطقة، يتبين أنه على الرغم من الرفض الشعبي الواسع لأي علاقة مع إسرائيل والدعوات المتكررة لقطع هذه العلاقات، إلا أن الدول المطبعة لا تزال مصرة على موقفها في دعم إسرائيل، فلم تقم الإمارات مثلا حتى باستدعاء السفير أو السماح بالمظاهرات المؤيدة لفلسطين خلال مؤتمر المناخ أو بعده.
من خلال استعراض تطورات حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني وتبعاته على الدول العربية في المنطقة، يتبين أنه على الرغم من الرفض الشعبي الواسع لأي علاقة مع إسرائيل والدعوات المتكررة لقطع هذه العلاقات، إلا أن الدول المطبعة لا تزال مصرة على موقفها في دعم إسرائيل
لم يقف العرب عند هذا الحد وحسب، بل تتحدث وسائل إعلام عبرية عن أن الإمارات ودولة الاحتلال وقعتا اتفاقاً لتشغيل جسر بري، بين ميناءي دبي وحيفا، مرورا بالأراضي السعودية والأردنية، بهدف تجاوز تهديدات الحوثيين بإغلاق الممرات الملاحية. ويبدو بأن هذا القرار جاء لإنقاذ إسرائيل من ورطة إغلاق الطرق البحرية للإمدادت والواردات والصادرات الإسرائيلية التي كانت تمر عبر باب المندب والبحر الأحمر.
ويبدو أن هجمات الأحد الماضي ضد السفن التجارية الإسرئيلية بالصواريخ والطائرات المسيرة من قبل الحوثي والانتقال من مرحلة احتجاز السفن إلى استهددافها؛ هو الذي دفع إسرائيل إلى البحث عن طرق برية بعيدة عن الممرات البحرية الخطيرة، كالطريق الذي يصل ميناء دبي بميناء حيفاء عبر السعودية والأردن.
علينا ختاماً أن نؤكد على أنّ الأنظمة الاستبدادية العربية تنظر إلى حماس بعين العداء، وذلك لأنها تذكير لها بقدرة الشعوب على إنتاج المقاومة ضد الاستبداد والديكتاتورية. وعليه، فإن الحائل الوحيد دون تحول هذا الخطاب العدائي والتأييدي لإسرائيل إلى خطاب علني هو الخوف من الشعوب الثائرة، التي تدعم حركات التحرر حول العالم وعلى رأسها حماس. ولكن اليوم يجري خلط كبير وخطير بين العداء لحماس والتأمر على الشعب الفلسطيني لتهجيره من أرضه المتجذر فيها منذ آلاف السنوات، وعلينا أن نكون حذرين للغاية من أن هذا التأمر يصب في مصلحة المشروع الاستبدادي الإسرائيلي والأمريكي.
twitter.com/fatimaaljubour
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة إسرائيل الفلسطينية إسرائيل فلسطين غزة جرائم عدوان مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب الفلسطینی فی دعم إسرائیل القادة العرب على الرغم من إلا أن أن هذا
إقرأ أيضاً:
الأمم المتحدة تعتمد قرارا يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرض دولته
اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في لجنتها المختصة بحقوق الإنسان والشؤون الإنسانية، قرارا يؤكد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرض دولته، وحقه في الاستقلال والحرية والانعتاق من الاحتلال الإسرائيلي دون أي تأخير، باعتباره حق غير قابل للتصرف، ولا يخضع لأي شروط او تحفظ وغير قابل للمساومة والتفاوض، او ما يسمى بالتدابير «الأمنية»، التي يختلقها الاحتلال الإسرائيلي.
وأكد القرار على ما جاءت به محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري حول عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي والمطالبة بإنهائه دون أي تأجيل، لما يشكله كعقبة أمام قدرة الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في تقرير المصير واستقلال دولته.
وصوتت 170 دولة لصالح مشروع القرار، بما في ذلك كندا وأستراليا ودول الاتحاد الأوروبي كافة وغالبية دول أمريكا الجنوبية والدول الآسيوية والأفريقية، فيما صوتت 6 دول فقط ضد القرار وهي: إسرائيل والولايات المتحدة والأرجنتين والبارغواي، وميكرونيزيا، ونارو.
وقامت نحو 119 دولة عضو في الأمم المتحدة برعاية القرار قبل عرضه للتصويت من قبل اللجنة، وتوزعت هذه الدول أيضا بين مختلف التكتلات الجغرافية الأفريقية والأوروبية والآسيوية واللاتينية.
وتبرز أهمية القرار أنه يأتي في ظل استمرار جريمة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، وخاصة في قطاع غزة المحاصر، ما يعتبر رفضا دوليا عارما لهذه الجرائم ودعوة للاستناد إلى القانون الدولي عند النظر للقضية الفلسطينية في كامل جوانبها دون أي ازدواجية للمعايير، ودون عرقلة لمجرى العدالة الدولية، التي تتجسد فيما أقرته محكمة العدل الدولية.
وأكد المراقب الدائم لدولة فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور، تصميم دولة فلسطين على المضي قدما في تعزيز الدعم الدولي لحقوق الشعب الفلسطيني، خاصة في ظل ما يعانيه من ظلم على يد الاحتلال الإسرائيلي، وذلك لصد كافة المحاولات الإسرائيلية التي تهدف لنزع هذا الدعم القانوني الدولي في المحافل الدولية، إلى أن يتم تحقيق العدالة ومحاسبة إسرائيل على جرائمها وحماية الشعب الفلسطيني وأرضه من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك جرائم التهجير القسري والتجويع وضم الأراضي وبناء المستعمرات وإرهاب المستعمرين.
وشدد على بذل كل الجهود الممكنة في المحافل الدولية حتى يتم فرض وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة وإدخال المساعدات وضمان توزيعها بشكل كاف وفعال لإنقاذ أرواح المدنيين الأبرياء، بما في ذلك العائلات المحاصرة في شمال قطاع غزة والذي يتعرض للإبادة والتجويع والقتل والتدمير.
اقرأ أيضاًمصطفى بكري: حسين فهمي قدم رسالة دعم لفلسطين بمهرجان القاهرة السينمائي
شيخ الأزهر يتلقى برقية تعزية من الرئيس الفلسطيني في وفاة شقيقته
رئيس الوزراء: مصر موقفها ثابت في إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية