ذكرى وفاة أمـير الصعيد .. مـروّيات «الجبرتي» تتحدث عن تخاذل أبناء «هـمَّام»
تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT
يتوقف الحـكي والسرد عن الكهف الأظل والجناب الأجل أمير الصعيد شيخ العرب همّام، سواء فيما يكتب في المنصات أو في الدراما التي كتبها في حلقات السيناريست عبد الرحيم كمال وشخصها يحي الفخراني، بهذه البكائية على ملك همام الزائل ونهايته المأساوية بهزيمة وخيانة آثمة ثم التغريبة القسرية فى عمق الجنوب المصري بعيدًا عن ملاحقات عليّ بك الكبير وأتباعه المنقضون جميعهم على أملاك وملك الرجل الاستثنائي، بلا هوادة، في حين تبقي بعض الفصول غامضة وكأن النهاية كانت بهروب همام إلى إسنا ثم وفاته فى قمولا.
فلم تنته فصول قصة الأمير همام بن يوسف أو المعرف بشيخ العرب همام بهروبه إلى إسنا بعد خيانة غير متوقعة من أقرب الناس إليه وهو إسماعيل ابن عمه، فقد كانت هناك فصولًا أخري في هذه القصة المستقرة في الوجدان المصري كون همام قد ظاهر في طور المخلص في جنوب مصر الذي يسعي لتأسيس دولة عادلة ضد المماليك هؤلاء الأجانب المختطفون من أسرهم في طفولتهم إلى الرق ثم العتق وأخيرًا الولاية والحكم!
خلفاء هـمَّامأنجب عظيم بلاد الصعيد همام بن يوسف بن أحمد بن محمد بن همام بن صبيح بن سيبية الهواري، 3 من الذكور هم ..درويش وشاهين وعبد الكريم، والأول هو الذي كتب أو عاصر قصة الأفول النهائي لسطوة العرقية أو بالدقة وجود قوة سياسية وعسكرية مناهضة لحكم المماليك كانت مستقرها فى فرشوط في قنا حيث دار حكم شيخ العرب التي كان ينظم فيه شؤون أملاكه الممتدة بطول الوادي حتي إسنا بدائرة واسعة من الموظفين كان كبيرهم هو بولس منقريوس.
بعد هروب همام إلى إسنا دخل محمد بك أبوالذهب فرشوط ونهبها كاملة بما فيها أملاك «شيخ العرب» وأقاربه وموظفيه وأتباعه، دون أن يتصدي له أحد، وتذكر مصادر تاريخية أن وساطة جرت بين عليّ بك الكبير ودرويش أكبر أبناء الأمير همام بن يوسف من خلال محمد بك أبوالذهب، وقبل عليّ بك وساطة «أبوالذهب» ومنح درويش بلاد فرشوط والوقف ـ تقع وسط محافظة قنا حاليًا.
وعلى عكس المتوقع لم يحاول «درويش» ذلك الفتي الوسيم المختال بنفسه الذي كانت تصطف القاهرة نساءً ورجالًا لرؤيته كلما مر بشوارعها، أن يستعيد المجد القديم أو يُلمم ما بعثره عليّ بك ومماليكه من شتات هوارة وحلفائها من القبائل العربية المستقرة في دائرة أملاك والده السابقة وكذلك أمراء المماليك الفارين من بطش عليّ بك إلى الصعيد لأسباب مختلفة ومعهم أيضا بالضرورة الفلاحين.
يقول المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي في كتابه «عجائب الآثار في التراجم والأخبار ـ الجزء الأول» قابل درويش بن همام محمد بيك وحضر صحبته إلى مصر، وأسكنه في مكان في الرحبة المقابلة لبيته، وصار يركب ويذهب لزيارة المشاهد، ويتفرج على مصر، ويتفرج عليه الناس، ويعدون خلفه وأمامه لينظروا ذاته، وكان وجيهًا أبيض اللون، أسود اللحية، جميل الصورة، ثم إنّ عليّ بك أعطاه بلاد فرشوط والوقف، بشفاعة محمد بيك، وذهب إلى وطنه، فلم يحسن السير والتدبير، وأخذ أمره في الإنحلال وحاله في الإضمحلال، وأرسل من طالبه بالأموال والذخائر، فأخذوا ما وجدوه، وحضر إلى مصر والتجأ إلى محمد بيك، فأكرمه وأنزله بمنزل جواره.
يدين الجبرتي درويش بن همام على استحياء في سياق شروحاته لهذه الفترة وظروفها السياسية يقول: لم يحسن السير والتدبير ويلحقها بجملة: وأخذ أمره في الإنحلال وحاله في الإضمحلال، وكأنه يحمله مسؤولية عدم استعادة المجد القديم لأبيه ! في حين تظل علاقة محمد أبو الذهب بأكبر أبناء همام الطبية والكريمة من المملوك تجاه درويش غامضة وغير مفسرة، والتي ربما تكون موائمة سياسية من عليّ بك الكبير لضمان الهدوء النسبي في الصعيد.
وفي فقرة أخرى من مؤلف الجبرتي يوجه له اتهامات بشكل واضح .. «ورجع مكرمًا إلى بلاده، فلم يحسن السير ولم يفلح، وأول ما بدأ في أحكامه أنه صار يقبض على خدام أبيه وأتباعه ويعاقبهم، ويسلب أموالهم، وقبض على رجل يدعي زعيتر: وكيل البصل المرتب لمطابخ أبيه فأخذ منه أموالًا عظيمة فى عدة أيام على مرار، أخذ منه في دفعة من الدفعات من جنس الذهب البندقي أربعين ألفا، وكذلك من يصنع البرد للجواري السود والعبيد، وذلك خلاف: وكلاء الغلال، والأقصاب، والسكر، والسمن، والعسل، والتمر، والشمع، والزيت، والبن، والشركاء في المزارع».
سياسة درويش تجاه رعاياه في فرشوط والوقف ـ إقطاعيته الممنوحة له من عليّ بك الكبير، اتخذت النقيض عن سياسية والده الأمير همام بن يوسف الذي كان حسب الحجج المنسوبة إليه يعامل الفلّاحين معاملة طيبة سواء كانوا هوارة أو عربًا أو فلاحين مصريين الأصول، وكان يمدهم بالقروض التي تساعد العاجزين منهم على زراعة أراضيهم، فضلا عن كاريزمته التي امتازت بالعدل والسخاء والكرم والفطنة وحسن السياسة ما مكنه من تألف قلوب الناس في الصعيد بغض النظر عن عرقيتهم حتي مع صالح بك القاسمي حاكم جرجا وهو من المماليك.
ويثير ذلك عدة تساؤلات عن هذا التغير .. هل كان درويش كالتاجر المفلس يقلب في دفاتره القديمة؟ أم كان يضغط على أتباعه ليفي بالرشاوى والهدايا لأصحاب السلطة في القاهرة من المماليك النهمون للمال طول الوقت؟ لا توجد إجابات كافية للرد عن أسباب تحول الابن للنقيض عن والده، لأسباب ترجعها الدكتورة ليلي عبد اللطيف في شروحها لأحوال الصعيد في عهد همام، أن المؤرخون شاع بينهم في هذه الفترة أن مصر أصابها اضمحلال سري في كيانها وتغلغل في شتي النواحي فأدي هذا إلى انصرافهم عن الاهتمام بتناول الحياة فيه.
ذلك الغموض الذي اكتنف وضعية وحال أبناء همام بعد هروبه إلى أصدقائه في إسنا ثم وفاته قمولا ـ حسب الجبرتي، وهي قرية تتبع مركز نقادة جنوب غرب قنا حاليًا، كان على العكس تماما في الزخم الكبير لحياة عظيم الصعيد همام الذي كان محط أنظار المؤرخين وحتي الرحالة الأجانب ومنهم الاسكتلندي جيمس بروس الذي استضافه همام في فرشوط وهو في طريقه لاكتشاف منابع النيل في إفريقيا.
سياسية درويش بن همام تجاه رعاياه في إقطاعيته واستيلاءه على أموالهم وممتلكاتهم جعلت لعاب عليّ بك الكبير ومعه محمد بك أبو الذهب، يسيل نحو المزيد من المال والكنوز من بئر همام الأب الذي لم يكن قد نضب بعد رغم نهبه أكثر من مرة بعد هزيمة صاحبة! يروي الجبرتي .. «ووصلت أخبار بذلك إلى علي بيك، فعين عليه أحمد كتخدا وسافر إليه بعدة من الأجناد والمماليك، وطالبه بالأموال حتي قبض منه مقادير عظيمة، ورجع بها إلى مخدومه، واقتدي به بعد ذلك محمد بيك في أيام إمارته ،وأخذ منه جملة، وكذلك أتباعه من بعده حتي أخرجوا ما في دورهم من المتاع والأواني والنحاس قناطير مقنطرة، ثم تتبعوا الحفر لأجل استخراج الخبايا وهدموا الدور والمجالس ونبشوها وأخربوها، وحضر درويش المذكور بأخرة إلى مصر جاليًا عن وطنه، ولم يزل بها حتي مات كآحاد الناس».
على ما يبدو أن الحلقة الأخيرة في نهاية مشروع همام بإقامة دولة جامعة للأعراق والعصبيات فضلًا عن الفلاحين وكذلك المماليك المناوئين للحكم المركزي في القاهرة، يكون مقرها في الصعيد، كتبها درويش أكبر أبنائه الذي رشح من قبل هوارة أنفسهم ليخلف أباه بهذه السياسة التي فرقت ولم تجمع أو تعيد المجد الآفل.
ولم تذكر المصادر التاريخية أية ذرية لدرويش ولم يعرف كونه تزوج وأنجب أو لا، فقد أورد الجبرتي ذرية لشقيقه في ترجمته لهما يورد .. «واستمر شاهين وعبد الكريم يزرعان بأرض الوقف أسوة بالمزارعين ويتعايشون حتي ماتا، فأما شاهين فقتله مراد بيك في سنة أربع و عشرين ومائتين وألف أيام الفرنسيين لأمور نقمها عليه وخلف ولدًا يدعي محمدًا، وأما عبد الكريم فقد مات على فراشه قريبا من ذلك التاريخ، وترك ولدًا يدعي همامًا دون البلوغ يوصف بالنجابة حسبما نقل إلينا من السفار، وكاتبته وكاتبني في بعض المقتضيات، ورأيت ابن عمه المذكور حين أتي إلى مصر بعد ذهاب الفرنسيين وتردد عندي مرارًا».
انتهت حلم دولة همام العادلة بنهاية أكثر من مأساوية ولم تنته الذرية وهي الهمامية عبر أجيالًا مستمرة عبر القرون تحمل اللقب وتزهو بالتاريخ وتحي ذكري وفاة الجد الأكبر في مثل هذه الأيام أول فصل الشتاء.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ذكرى وفاة الجبرتي مرويات المماليك إسنا محمد بیک إلى مصر همام ا
إقرأ أيضاً:
في ذكرى ميلاده.. الفنان محمد رضا من الهندسة لعالم الفن
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تحل اليوم الموافق ٢١ ديسمبر، ذكرى ميلاد الفنان الراحل محمد رضا، والذي حقق نجاحاً كبيراً مع الجمهور، من خلال تأدية العديد من الشخصيات الكوميدية.
البداية مع الفنرغم أن الفنان محمد رضا درس الهندسة التطبيقية، بل وعمل أيضاً في مجال هندسة البترول، إلا أن عشقه للفن جعله يلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ليحول مسار حياته العملية إلى عشقه الحقيقي "الفن"، ويتأثر بالفنان القدير يوسف وهبي، لتبدأ مسيرته الفنية.
شق طريق الكوميديا فسكن قلوب الجماهيراشتهر الفنان محمد رضا بالادوار الكوميدية، وتميز في أداؤه الكوميدي بتجسيد الأدوار التي يمزج فيها بين الشرير صاحب القلب الطيب، ليخرج الضحكات بأداء الشر بملامح طفولية ومواقف كوميدية.
أبرز أعماله الفنيةقدم الفنان محمد رضا العديد من الأعمال الفنية أبرزها فيلم "منتهى الفرح، هي والرجال، زقاق المدق، ٣٠ يوم في السجن، وفاء للأبد، بين القصرين، لعبة الحب والجواز، من أجل حبي، وعاد الحب".
وعلى مستوى الدراما قدم مسلسل "قهوة رضا، سبع صنايع، زيارة وديه، ساكن قصادي، أحلام الوحوش، عطش السنين".