في قلب العاصفة... بوتين ومساره في الشرق الأوسط والتحديات الإستراتيجية
تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT
زيارة مفاجئة وسريعة، ومباحثات مكثفة، أجراها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال جولة شرق أوسطية، شملت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أعقبت قمة دول مجلس التعاون الخليجي، والتي احتضنتها العاصمة القَطرية الدوحة، واستضافة دولة الإمارات مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP28"، وهذا كله، في ظل العدوان الإسرائيلي، الأعنف في تاريخه على الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة والضفة الغربية.
ربما اللافت في هذه الزيارة الروسية أنها لم تكن مُعلنة، ولم يمهَد لها، إذ اعتدنا في جولات بوتين السابقة أن يتم الحديث عنها، والتحضير لها قبل شهور أو أسابيع على الأقل، لكن هذه الزيارة تم إقرارها قبل يوم أو يومين على وجه التقريب، وهذا يجعلها واحدة من أبرز زياراته إلى الشرق الأوسط، كما تعد أكبر من مجرد حضور قمة كوب 28، وهذه الزيارة من أكثر الزيارات خطورة في وقت تموج فيه المنطقة بكل تلك الأحداث، والتغيرات السياسية والأمنية.
إذ لو أن الهدف منها هو التنسيق بين الدول بشأن النفط، وتخفيضات الإنتاج، لأرسل وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، وممثلين عن العملاق الروسي "شركة غاز بروم"، ولو كان هدف الزيارة هو العمل على الوصول إلى تهدئة مؤقتة لحرب غزّة أو اقتراح خريطة سلام مبدئية في المنطقة، لكان الزيارة من نصيب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، ولكن الملفات التي يحملها شخص كالرئيس الروسي بوتين أكبر من ذلك، ولعل محورها الأزمة المستعصية في الشرق الأوسط والعالم منذ عام 1948، وهي القضية الفلسطينية، خصوصاً أنه بعد زيارة الرئيس بوتين، وعودته إلى موسكو التقى بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، وبحثا ذات القضايا التي تخص أمن الشرق الأوسط، والاقتصاد العالمي، حسب ما أشارت له وسائل إعلام مختلفة.
روسيا أول دولة في العالم تعترف بــ ''إسرائيل'' كدولة بشكل قطعي، وذلك أيام الاتحاد السوفييتي، وحسب بيانات رسمية يعيش في دولة الاحتلال أكثر من مليوني نسمة من أصول روسية، وخلال الفترة بين 1989 و2006م، انتقل نحو 979000 روسي إلى إسرائيل، وأصبح هؤلاء لاعبون مؤثرون برسم السياسة والأمن في ''إسرائيل''، ولديهم نفوذ كبير جداً لدرجة أن أحد الحاخامات المتطرفين اعتبر أن ما حدث في 7 أكتوبر هو نتيجة أن من يحكم ''إسرائيل'' هم بقايا السوفييت، ويقصد هنا الروس اليهود.
ولدى موسكو تيار سياسي تدعمه دعماً غير مباشر، وهو تيار اليمين المتمثل بحزب "يمينا أو البيت اليهودي" الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، وحزب "هناك مستقبل" العلماني الليبرالي الذي يقوده يائير لبيد، بالإضافة إلى مجموعة من أحزاب الوسط واليسار في الكيان، وبالتالي نفوذها لا يمكن الاستهانة به داخل أروقة السياسة الإسرائيلية، وحتى نعلم حجم الوجود الروسي في ''إسرائيل''؛ فإن أول شخصية سياسية اتصلت ببوتين بعد حرب أوكرانيا هو السيد بينيت، وعرض عليه نقل الأموال الروسية من أوروبا والولايات المتحدة إلى ''إسرائيل'' قبل تجميدها، وأكد له أن تل أبيب لن تجمد أي أصول روسية لديها، وهذا الإتصال كان السبب وراء تأخر زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تل أبيب، إذ اشترط أن يستقيل بينيت ليجري الزيارة بعدها، وفعلاً استقال من رئاسة الحكومة، وسلمها لحليفه لابيد، بالإضافة إلى وجود حليف قوي لها متمثل بوزير الحرب السابق وعضو مجلس الحرب الحالي بيني غانتس، الذي تراه رئيس الحكومة القادم.
منذ بداية طوفان الأقصى، وقفت روسيا مع الفلسطينيين في تصريحاتها، واعتبرت حدث 7 أكتوبر هو نتيجة حتمية لسياسات الحكومات الإسرائيلية، وتحديداً حكومة بنيامين نتنياهو، ضد الفلسطينيين، إذ أن الأخير حرق مراكبه جميعها مع الروس بعد وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سدة البيت الأبيض، وفي مناسبات عدة أكدت القيادة الروسية أن الحل الأمريكي للقضية الفلسطينية الناقص يجب أن ينتهي، ويجب البحث عن حل جديد يُحيي حل الدولتين، ويُنهي المعاناة الفلسطينية.
علاقة حركة حماس بالقيادة الروسية، تطورت بشكل كبير في السنوات الماضية، وخلال عملية تبادل الأسرى الأخيرة، أطلقت المقاومة الفلسطينية سراح أسيرتين من الجنسية الروسية، وقالت الحركة إنها نفّذت هذا الأمر استجابةً لتدخل الرئيس الروسي، ولم توضح ما هذه الجهود التي بذلها بوتين حينها. وبعد الإفراج أعربت وزارة الخارجية الروسية عن امتنانها لحركة حماس لاستجابتها لدعواتها الملحة لإطلاق سراحهما، والموقف الروسي المتوازن الأخير، جعل موسكو تحظى بالقبول لدى الفلسطينيين من كل الاتجاهات، بالإضافة إلى أن مقاربتها الدبلوماسية التي جعلها مقبولة في الشارع الإسرائيلي، خصوصاً وأن حلفاءها في تل أبيب يثقون بها، ويدركون قيمة الدور الروسي في المنطقة.
المقاربة الأمنية والإستراتيجية الروسية التي طرحها الرئيس بوتين في جولته، وناقش بها المسؤولين في الرياض وأبو ظبي، جوهرها العمل على وقف هذه الحرب الطاحنة وقفاً شاملاً في غزّة ومحيطها، وضخ المساعدات الإنسانية العاجلة في قطاع غزة، وأهمية البناء على مسألة الأسرى لتكون بداية هدنة طويلة هذه المرة، من خلال إتمام عملية المبادلة لبقية الأسرى، من دون تبييض السجون الإسرائيلية الذي ترفضه تل أبيب تماماً، ومن ثم الذهاب نحو حكومة جديدة في كيان الاحتلال يقودها غانتس وتياره بعيداً عن عسف تيار اليمين المتطرف، والذي لم يعد له أي داعم شعبي أو نخبوي حقيقي داخل دولة الاحتلال، وهذه الرؤية تتقاطع إلى حد معقول مع ما تريده إدارة بايدن، لأن كيان الاحتلال فعلياً يحقق تقدماً ميدانياً في قطاع غزّة، ولكنه لن ينهي حماس، وهذا يُطيل أمد الحرب، وفواتيرها من المدنيين الأبرياء، ويزيد الضغط على بايدن لإنهائها، بعد أن منحت واشنطن الإسرائيليين مهلة محددة، حتى نهاية العام الجاري لإنهاء العمليات العسكرية في غزّة.
أما فيما يخص قطاع غزة، ربما ترى القيادة الروسية أنه من الأفضل أن تحكم القطاع سلطة فلسطينية جديدة بعيداً عن الحالية، وبالتوافق مع حركة حماس، بشرط عدم المساس بسلاحها، خصوصاً وأن الحُكم لحركة تحرر وطني هو عبء أكثر منه فائدة، وربما هذه القناعة، وصلت إليها قيادات الحركة التي باتت الآن، تُفضل التفرّغ للصراع مع كيان الاحتلال، بدلاً من الحكم فقط.
هذه الطروحات الروسية، وبعض التفاصيل الأخرى مثل توقيع اتفاقيات عسكرية وأمنية واقتصادية مهمة مع الرياض وأبو ظبي، وتنسيق وتطوير العلاقات في ظل المخاطر الأمنية، والعقوبات الدولية على موسكو، تدفع للقول: إن الدول العربية باتت تَعي أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد كسابق عهدها، وبالتالي بات من المهم البحث عن شراكات أخرى مع الروس والصينيين على وجه الخصوص، بالإضافة إلى أن دول الخليج تسعى إلى اعتماد سياسات أكثر توازناً مع اهتزاز صورة واشنطن في العالم والمنطقة. وفي إطار هذه الاعتبارات، فإن جولة بوتين وسط العاصفة، وتداعياتها، سيكون لها ما بعدها، ليس فقط على مسار العلاقات الثنائية بين روسيا وكل من الإمارات والسعودية اللتان زارهما، ولكن على طبيعة وحضور الدور الروسي في منطقة حيوية مثل الشرق الأوسط، وعلى مستقبل قضاياها الإستراتيجية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وأزمة الصراع الدولي في سورية ولبنان واليمن وغيرها.
نستطيع أن نستشف مما سبق أن الزيارة الروسية بما تحمله من أبعاد، تحظى بقبول من حركة حماس، وبالتالي نستطيع أن نعلم أن هذه المبادرة واقعية، وغير إقصائية خصوصاً لحماس التي تشهد شعبية عارمة في الشارع الفلسطيني على مستوى الضفة الغربية والقدس وقطاع غزّة،وفي الوقت نفسه، فإن الرئيس بوتين يَعرض رؤيته والتعاطي العربي معها على الرئيس الإيراني، خصوصاً وأن طهران تمثل قوة كبيرة لديها وزنها وأدواتها العسكرية والسياسية في المنطقة، وقبول إيران بهذه الرؤية يعني قبول الجميع بها، وموسكو قدمت ورقتين عسكريتين لطهران في السابق، وذلك لضمان أمنها بعد أي تسوية مستقبلية، الأولى كانت دخول مدمرة ديلمان الإيرانية إلى بحر قزوين وهو أمر لم تسمح به موسكو من قبل، والثانية إعلان نائب وزير الدفاع الإيراني مهدي فرحي، أن بلاده أنهت شراء طائرات: "هليكوبتر ميل 28" الهجومية، ومقاتلات "سوخوي-35"، وطائرات التدريب "ياك 130ط، لضمها إلى الوحدات المقاتلة في الجيش الإيراني.
ودون شك، فإن المجال الجيو إستراتيجي للروس مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإيرانيين وحالة الشرق الأوسط وما يجري فيها، لكن طهران تشترط دائماً بأن يوافق الشارع الفلسطيني المتمثل بحماس والجهاد الإسلامي على أية تسوية تخض فلسطين، وأن تكون هذه التسوية بعيدة كل البُعد عن تجميد أو سحب سلاح المقاومة. وبالتالي لن يكون هناك ترحيل فلسطيني من غزّة كما حدث في لبنان 1982، والانتصار في غزّة هو الدافع الأساسي نحو تحقيق معادلة الدولة الفلسطينية.
وربما نستطيع أن نستشف مما سبق أن الزيارة الروسية بما تحمله من أبعاد، تحظى بقبول من حركة حماس، وبالتالي نستطيع أن نعلم أن هذه المبادرة واقعية، وغير إقصائية خصوصاً لحماس التي تشهد شعبية عارمة في الشارع الفلسطيني على مستوى الضفة الغربية والقدس وقطاع غزّة، وبالتالي، إما نجاح روسي في ظل هذه الفرص، وستكون المكاسب الروسية، ليس في المقاطعات الأوكرانية التي ضمتها، وتحصيل الاعتراف الغربي بها بضغط إسرائيلي، والوصول إلى المياه الدافئة التي حلُمت بالتموضع في مراسيها وموانئها زمناً طويلاً، وإما في حضور أمني واقتصادي وعسكري قوي ينافس دول الغرب في الشرق الأوسط، أو إخفاق للمبادرة، تفرضه سياسة اليمين المتطرف الإسرائيلي بزعامة بنيامين نتنياهو في إمعانه بالإجرام، وحربه الهمجية المدمِرة في غزّة لاجتثاث الشعب الفلسطيني، وهنا سيكون لبوتين كلام وتخطيط آخر.
*سفير ليبيا لدى إيران
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير الشرق الأوسط روسيا العلاقات الشرق الأوسط روسيا علاقات رأي أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بالإضافة إلى الشرق الأوسط ة الفلسطینی نستطیع أن حرکة حماس قطاع غز ة تل أبیب فی غز ة
إقرأ أيضاً:
5 قضايا رئيسية يجب مراقبتها قبل زيارة ترامب للسعودية والشرق الأوسط
ترجمة وتحرير: “يمن مونيتور”
المصدر: معهد الشرق الأوسط (واشنطن)، كتبه: بريان كاتوليس، زميل أول في المعهد.
أكد الرئيس دونالد ترامب هذا الأسبوع عزمه زيارة المملكة العربية السعودية ودولًا أخرى في الشرق الأوسط في وقت لاحق من ربيع هذا العام (مايو/أيار القادم). ستُسلط هذه الزيارة الضوء على المنطقة بشكل أكبر، في وقت تُركز فيه أولويات ترامب على الشؤون الداخلية وأسلوبه الفريد في الحرب الاقتصادية.
يأتي تأكيد هذه الزيارة في وقت تتصاعد فيه التوترات في الشرق الأوسط، مع إرسال الولايات المتحدة المزيد من السفن والطائرات الحربية إلى المنطقة، في ظل تهديد ترامب لإيران بشن هجمات، وشنه حملة عسكرية ضد الحوثيين في اليمن، وتصعيد إسرائيل لهجماتها العسكرية في قطاع غزة ولبنان. تتزامن هذه الديناميكيات الإقليمية المتصاعدة مع تصاعد الحرب الاقتصادية العالمية التي يشنها ترامب ضد الأصدقاء والأعداء على حد سواء، في الوقت الذي تتعثر فيه جهوده لإحلال السلام مع روسيا وأوكرانيا.
لا يبدو أن الوضع الأمني المتدهور بسرعة في الشرق الأوسط، إلى جانب تزايد حالة عدم اليقين في المشهد الجيوسياسي الأوسع، يشكلان ظروفًا مواتية لزيارة دبلوماسية ناجحة للرئيس الأميركي، ولكن الكثير يمكن أن يحدث بين الآن وحتى موعد هذه الرحلة.
تحليل- يواصل ترامب قصف الحوثيين.. هل هي مقدمة لحرب مع إيران؟ هل تسقط ضربات واشنطن الحوثي؟ حملة عسكرية أم ضغط سياسي؟ معهد واشنطن يقيّم الحملة الأمريكية ضد الحوثيينقضايا رئيسية يجب مراقبتها قبل زيارة ترامب المُخطط لها للشرق الأوسط
عندما تولى ترامب منصبه في وقت سابق من هذا العام، واجه مشهدًا في الشرق الأوسط مختلفًا بشكل كبير عن المشهد الذي تركه وراءه في عام 2021، كما لاحظ خبراء معهد الشرق الأوسط في نهاية عام 2024. كان التحولان الأكبر في المشهد هما العودة إلى حرب كبرى بين إسرائيل وبعض جيرانها، وتهديد متضائل، ولكنه لا يزال قائمًا من إيران وما يسمى بمحور المقاومة.
قبل زيارة ترامب المُخطط لها، لا يزال من غير المؤكد ما إذا كانت المنطقة ستتخذ خطوات نحو مزيد من الاستقرار على هاتين الجبهتين الرئيسيتين، العلاقات العربية الإسرائيلية وإيران؛ ولكن في غضون ذلك، من المؤكد أن قضايا إقليمية وعالمية مُختلفة ستُؤثر بشكل أكبر على ديناميكيات الشرق الأوسط. فيما يلي خمس قضايا رئيسية ينبغي مراقبتها في الأسابيع التي تسبق زيارة الرئيس المُحتملة.
١. حرب أم سلام على الجبهة العربية الإسرائيلية؟
إن طموح ترامب لأن يكون صانع سلام وموحدًا، ورغبته المزعومة في الفوز بجائزة نوبل للسلام، تُشكل نهجه في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى جهوده المتعثرة لتحقيق سلام سريع ورخيص في حرب أوكرانيا. تولى ترامب منصبه مع وجود وقف إطلاق نار هش بين إسرائيل وحماس وحزب الله – فقد انهار وقف إطلاق النار في غزة تمامًا، بينما لا يزال وقف إطلاق النار في لبنان على حافة الانهيار.
في الرياض، سيستمع ترامب إلى خطابٍ متواصل من القادة السعوديين حول ضرورة إيجاد مسارٍ واضحٍ لحل الدولتين على الصعيد الإسرائيلي الفلسطيني، وهي رؤيةٌ مشتركةٌ على نطاقٍ واسعٍ في العالم العربي، وإن كانت لا تتوافق مع عقلية الحكومة الإسرائيلية الحالية. لم تضيق الفجوة بين إسرائيل وشركاء أمريكا العرب المقربين في الأشهر التي تلت تولي ترامب منصبه، وهدفه في التوسط في اتفاق تطبيعٍ سعوديٍّ إسرائيليٍّ لا تدعمه حاليًا أي استراتيجيةٍ واضحةٍ لتضييق الفجوة أو منع تفاقم الصراعات.
٢. الحرب أم الدبلوماسية مع إيران؟
عادت إدارة ترامب إلى تكتيكاتها المتمثلة في “الضغط الأقصى” على إيران، مع استمرار كل من واشنطن وطهران في إرسال إشارات متضاربة حول ما إذا كان هناك اتفاق يمكن التوصل إليه أو ما إذا كان صراع أوسع قد يحدث. وكما توجد فجوة بين الحكومة الإسرائيلية الحالية والرأي الإجماعي بين شركاء أمريكا العرب بشأن فلسطين، فهناك انقسام كبير بين هذين المعسكرين بشأن إيران. يسعى معظم شركاء الولايات المتحدة القدامى في الخليج إلى خفض التصعيد مع طهران، مما يمثل تحولًا كبيرًا في موقف بعض الدول الرئيسية مقارنة بما كان عليه الحال قبل عقد من الزمان؛ لكن الحكومة الإسرائيلية قد تستعد لمزيد من الهجمات ضد شبكة إيران الإقليمية، ربما كمقدمة لضربة مباشرة أوسع نطاقًا على إيران وبرنامجها النووي.
يبدو من غير المرجح أن يُخاطر ترامب بجولة مهمة في الشرق الأوسط دون وضوح أكبر بشأن هاتين القضيتين الرئيسيتين، الجبهة العربية الإسرائيلية وإيران، لكن ترامب هو الرئيس الأقل قابلية للتنبؤ على الإطلاق. ويُعدّ السؤال الرئيسي الثاني في الأسابيع المقبلة هو ما إذا كان سيسعى إلى إجراء محادثات أو اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران بالتنسيق مع إسرائيل.
خطة ترامب العسكرية لليمن: هل تنجح في إنهاء تهديد الحوثيين؟.. صحيفة أمريكية تجيب الحوثيون وإيران وأمريكا.. هل يتجه صدام البحر الأحمر نحو المجهول؟! صنعاء بعد القنابل الأميركية.. خوف السكان وتحدي الحوثيين٣. التهديدات المستمرة من الشبكات الإرهابية
المسألة الثالثة التي يجب مراقبتها في الفترة التي تسبق الزيارة المحتملة هي انتشار التهديدات المزمنة والمستمرة من جماعات إرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) والجماعات التابعة لتنظيم القاعدة، بما في ذلك تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (الذي يتخذ من اليمن مقراً له)، حسبما أبرزتها تقييمات التهديدات الأخيرة التي أجراها مجتمع الاستخبارات الأمريكي ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. لم تتصدر هذه الجماعات دائرة الأخبار في أمريكا مؤخرًا، لكن تحركاتها المحتملة قبل زيارة الرئيس الأمريكي قد تُشكل المشهد الإقليمي بطرق غير متوقعة.
٤. العلاقات الاقتصادية والتكنولوجية وعلاقات الطاقة مع المنطقة
تبدو إدارة ترامب مهتمة بشدة بتعزيز العلاقات الاقتصادية وعلاقات الطاقة مع حلفائها المهمين في الشرق الأوسط، مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كما يتضح من الاجتماعات والإعلانات الأخيرة المتعلقة بهاتين الدولتين. ومن العوامل غير المتوقعة تأثير سياسات ترامب الاقتصادية العالمية، بما في ذلك تصعيد حروبه التجارية، على العلاقات مع شركائه الرئيسيين في الشرق الأوسط فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية والتكنولوجية وسياسات الطاقة.
٥. الشرق الأوسط كجبهة محورية في منافسة جيوسياسية أوسع
المجال الخامس الذي يجب مراقبته عن كثب على المدى القريب هو كيفية تطور العلاقات الأوسع بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، وما قد يكون لذلك من تأثير على الشرق الأوسط. شهدت الأشهر الأولى لترامب في منصبه مناورة لتوطيد العلاقات مع روسيا وتكثيف المنافسة مع الصين، لكن لكِلا البلدين نهجه الخاص وعلاقاته الخاصة مع الشرق الأوسط. انتقدت روسيا بشدة تهديدات ترامب ضد إيران هذا الأسبوع، وتواصل الصين مسيرتها الطويلة في بناء العلاقات في جميع أنحاء المنطقة.
في ظل هذا المشهد المعقد، تتاح للولايات المتحدة فرصٌ مهمةٌ لإيجاد مساراتٍ للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط، سواءً على الصعيد العربي الإسرائيلي أو على الصعيد الإيراني، حتى في ظل استمرار المنطقة في مواجهة مخاطر توسع الصراعات القائمة والتهديدات المستمرة من الشبكات الإرهابية. ولكن، لاغتنام هذه الفرص، تحتاج إدارة ترامب إلى استراتيجيةٍ أوضح لمعالجة مخاوف الشركاء الإقليميين الرئيسيين بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي لم يُحل بعد، بما في ذلك الحرب الدائرة في غزة التي تُهدد بتشريد الملايين، واحتمال نشوب صراعٍ أكبر مع إيران. كما تتاح للولايات المتحدة فرصةٌ لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع القوى الإقليمية الرئيسية، ولكن يبقى أن نرى ما إذا كانت سياسات ترامب الاقتصادية العالمية الأوسع نطاقًا ستُسهّل أو تُعقّد الجهود المبذولة لاغتنام هذه الفرصة.
من شأن الإعلان عن زيارة رئاسية إلى الشرق الأوسط أن يُطلق سلسلة من الجهود السياسية المنسقة على جبهات متعددة لضمان إحراز تقدم قبل الرحلة وأثناءها. ولكن مع رئيس أمريكي يفتخر بتقلباته، وفي ظل هذه الفترة المليئة بعدم اليقين، من المنطقي طرح السؤال التالي: هل ستتم هذه الزيارة أصلًا