صحيفة التغيير السودانية:
2024-12-28@12:39:36 GMT

السودان تحت وصاية دولية!

تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT

السودان تحت وصاية دولية!

السودان تحت وصاية دولية!

عثمان ميرغني

أحتار من أولئك الذين يستدعون التدخلَ الخارجي في بلدانهم، ويدبّجون المرافعات لتبرير هذا التدخل بوصفه الحلَّ لكل مشاكلهم، متجاهلين الشواهد الكثيرة في منطقتنا التي تؤكد أنَّ التدخل الدولي أسهم في أكثر الأحيان في تعقيد أزمات الدول، وإطالة أمدها، وأنَّه لا يمكن أن ينجح ما دامت جذور الأزمات باقية، والأطراف الداخلية عاجزة عن حل مشاكلها، وغارقة في صراعاتها.

بعد تصويت مجلس الأمن الدولي، الأسبوع الماضي، بإنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الفترة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، ارتفعت بعض الأصوات التي تنادي بتدخل دولي جديد ووضع البلد تحت طائلة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بما يعني هذه المرة تدخلاً عسكرياً دولياً. وبينما بقي عدد من هؤلاء في دائرة المطالبة بوضع السودان تحت وصاية الأمم المتحدة، ودبجوا المقالات لتسويق وتزيين ما يرونه محاسنَ هذه الوصاية، لم يجد بعض آخر حرجاً في أن يشتط ويقول إنه لا يرى للسودان مخرجاً من محنته إلا باستعمار جديد بقبعة دولية!

هذه الدعوات لا تعكس إلا المزيد من الغرق في وحل فشل النخب المتصارعة على السلطة، في بلد واعد أفقرته الانقلابات والحروب ومسلسل الخلافات السياسية العدمية التي لا تنتهي، بل قادت البلد من سيئ إلى أسوأ ووضعته في خانة الدول الفاشلة. فبعثة «يونيتامس» التي شُكّلت بطلب من حكومة عبد الله حمدوك الانتقالية وبقرار من مجلس الأمن في نهاية عام 2020، ورأى فيها البعض الآلية التي ستقود البلد إلى برّ الأحلام والأمان، وتعبر بالفترة الانتقالية إلى محطة الانتخابات، قضت أكثر من عامين ونصف العام تنظم في الجلسات واللقاءات، وغرقت بدورها في مشاحنات الأطراف المختلفة التي ازداد عددها وتكاثر ممثلوها، وكانت النتيجة المزيد من التعقيد في المشهد، والتصعيد في المشاحنات حتى انزلق البلد إلى هذه الحرب المدمرة.

لم يكن أمام مجلس الأمن خيار سوى إنهاء تفويض بعثة «يونيتامس» بعد أن أعلنت حكومة الفريق البرهان وقف تعاونها مع رئيس البعثة فولكر بيريتس، الذي اضطر إلى الاستقالة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وألحقت ذلك بطلبها من مجلس الأمن إنهاء مهمة البعثة. ولكن قبل أن يجف مداد قرار مجلس الأمن الأسبوع الماضي، بدأت ترتفع أصوات المنادين بوضع السودان تحت الفصل السابع والوصاية الدولية، لا لوقف الحرب وفرض السلام فحسب، بل كما يأملون لمعالجة كل مشاكله المتراكمة من إعادة هيكلة القوات المسلحة، وحل الحركات المسلحة كافة وإنهاء ظاهرة الجيوش الرديفة، إلى إعادة بناء الدولة السودانية ووضع دستورها الجديد وقيادتها نحو صندوق الانتخابات.

قوى الحرية والتغيير (قحت) هي الطرف الأكثر حماساً للتدخل الدولي، إذ ترى أنها أضعف الأطراف في المعادلة الراهنة لصراع السلطة. فهي لا تريد انتصار الجيش الذي تتهمه بأنه جيش الفلول وانتصاره يعني في نظرها عودة نظام الكيزان، ونسخة جديدة من ديكتاتورية عسكرية كيزانية. في الوقت ذاته فإنها ولو تعاطفت مع قوات الدعم السريع ورأت فيها مطية أو فرصة لتحقيق هدف عودتها (أي قحت) إلى السلطة الانتقالية، تظل متخوفة من طموحات قيادة هذه القوات التي استمرأت أجواء السلطة، وبالتالي فإنها لو انتصرت في الحرب فلن تسلم مفاتيح القصر وستنفرد بالحكم عاجلاً أم آجلاً، لا سيما بعد إزاحة الجيش من المشهد.

السودان بالطبع ليس جديداً على الفصل السابع الذي فُرض عليه في السابق بسبب حرب دارفور وتوالت عليه القرارات والعقوبات تحت هذا الفصل منذ عام 2005 ولنحو 15 عاماً، نُشرت خلالها قوات دولية في دارفور، ولاحقاً في منطقة أبيي.

الفرق بين الحالتين اللتين أُخضع فيهما السودان لمجلس الأمن هو أن الفصل السادس يتعلق بحل المنازعات التي يمكن أن تهدد الأمن والسلم الدوليين، بالطرق السلمية بدءاً من الوساطة والتفاوض بين الأطراف المعنية، وصولاً إلى التحكيم والتسوية القضائية أو اللجوء إلى الوكالات الدولية والمنظمات الإقليمية. وإذا فشلت كل هذه الجهود يمكن للمجلس أن يقدم توصياته، لكنها كلها تبقى ضمن دائرة الوسائل السلمية. أما الفصل السابع، فإنه وإن كان يبدأ بالتدابير التي لا تتطلب تدخلاً عسكرياً مثل المقاطعة والعقوبات الاقتصادية، فإنه يمكن أن يذهب إلى إجازة التدخل العسكري والحصار الجوي والبحري تحت بند «كل ما يلزم من إجراءات وتدابير» لفرض «حفظ السلم والأمن الدولي، أو إعادته إلى نصابه».

في الحالتين لم يتحقق للسودان الحل السحري لمشاكله، والسبب هو عجز الأطراف الداخلية عن حل مشاكلها، واستمرارها في صراعاتها. قد يجادل البعض بأن التدخل الأممي تحت الفصل السابع حقق لدارفور هدوءاً «نسبياً»، لكن تبقى الحقيقة أن الصراعات في الإقليم لم تنتهِ، بل تفاقمت، وازداد عدد الحركات المسلحة حتى أصبح من الصعب حصرها لكثرة انقساماتها، كما أن السودان كله عانى من آثار العقوبات المختلفة التي فُرضت عليه تحت طائلة هذا الفصل. لذلك يبدو محيراً أن تعود أطراف سودانية إلى تجريب المجرب والبحث مجدداً عن حلول خارجية لمشاكلها وأزماتها، سواء بالتفكير في العودة لطرق أبواب الأمم المتحدة، أو في توهم الحل الأفريقي عبر الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد).

حل أزمات السودان المزمنة يبقى داخلياً، ومن الوهم أن نمني أنفسنا بغير ذلك، مثلما أنه من التجني على ثورة ديسمبر (كانون الأول) أن يحاول البعض استخدامها لتبرير طلب التدخل الدولي باعتبار أن هذا التدخل سيحقق فرض أهدافها. ثورة ديسمبر لم تطلب استدعاء التدخل الأجنبي أو تفوض أحداً لوضع البلد تحت وصاية دولية، والذين يطلبون هذا التدخل اليوم، إنما يفعلون ذلك من أجل مصالحهم وحساباتهم للعودة إلى السلطة، لا من أجل الثورة التي وُئدت بسبب الصراعات على الكراسي.

* نقلاً عن الشرق الأوسط

الوسومالتدخل الخارجي الحرب السودان عثمان ميرغني وصاية دولية يونيتامس

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: التدخل الخارجي الحرب السودان عثمان ميرغني وصاية دولية يونيتامس الأمم المتحدة الفصل السابع السودان تحت مجلس الأمن تحت وصایة

إقرأ أيضاً:

السوداني: علاقتنا مع أميركا استراتيجية ولن نعبث بأمن سوريا

27 ديسمبر، 2024

بغداد/المسلة:  قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إن نظام بشار الأسد لم يطلب من العراق التدخل عسكريا، موضحا في حديث  تلفزيوني أن ماهر الأسد لم يدخل العراق بعد سقوط النظام.

وبسؤال: “هناك مخاوف من عبور السلاح او الفصائل المسلحة باتجاه سوريا؟”، قال السوداني “لن يكون لهذه المخاوف أي أثر ونعمل على استقرار ودعم سوريا”.. مشددا الحرص على التنسيق مع سوريا لضبط الحدود.

ولفت الى أن الحكومة العراقية والقوى السياسية متفقة على عدم التدخل في شؤون سوريا قائلا “ولن نكون جزءا في العبث بأمنها”.. “والظروف هي التي ستحدد إمكانية إجراء زيارة خاصة لسوريا”.

كما أكد على احترام إرادة السوريين والتطلع لعملية سياسية شاملة.

وقال رئيس وزراء العراق : “أبلغنا الإدارة في سوريا رؤيتنا بشأن الوضع الراهن.. “وأي خلل في سجون سوريا سيدفعنا لمواجهة الإرهاب”.

وفي السياق، أوضح رئيس الوزراء السوداني أن التهديدات الإسرائيلية للعراق تهدف لتوسيع ساحة الصراع.. مشددا على أن “العراق لن يسمح لأي طرف بزجه في الصراعات والحروب .. “ونمتلك قرار الحرب والسلم”.

كما أكد رفض بلاده لحرب الإبادة التي تنتهجها إسرائيل في غزة ولبنان.

وفي الشأن الدااخلي قال السوداني إن “حصر السلاح بيد الدولة جزء من البرنامج الحكومي ونعمل مع القوى السياسية على تنفيذه”. وتابع قائلا: “نعمل على مسار واضح وحوار وطني مسؤول لحصر السلاح بيد الدولة”.

وقال السوداني: “سنتخلص من الضغوط الإيرانية الأميركية عندما يتخلص الآخرون من فوبيا طهران وواشنطن” وأضاف: “علاقتنا مع أميركا استراتيجية وشراكة واضحة.. وأميركا قادت التحالف الدولي ضد الإرهاب وانتصرنا على داعش بدعم الأشقاء والأصدقاء”.

واضاف السوداني “تجمعنا علاقات مؤسساتية مع واشنطن وهناك تطابق في وجهات النظر..وأجرينا حوارا مهنيا مع التحالف الدولي قيم قدرات داعش والقوات الأمنية”.

ولفت الى أنه تم التوصل ” إلى دراسة منهجية حول إنهاء وجود التحالف الدولي وفق جدول زمني محدد”، مشيرا الى أن “لا زيادة في عديد قوات التحالف الدولي بالعراق وما يشاع غير صحيح”

ولفت السوداني الى أن “الكل تابع تأثيرات التوترات في المنطقة على العالم بالمرحلة السابقة”.

وقال السوداني: “علاقتنا مع المملكة العربية السعودية إيجابية وهناك تطابق بوجهات النظر.. وزيارتنا الأخيرة إلى المملكة ناقشت الأوضاع في سوريا وعدم التدخل بشأنها الداخلي.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • فضل الله برمة لـ «التغيير»: الحكومة المدنية تسعى لوقف الحرب ولا شرعية لحكومة بورتسودان التي ترفع شعارات التقسيم وتقتل الناس على أساس الهوية
  • وزير الخارجية السوداني: الثقة الكبيرة التي نوليها للرئيس التركي هي الأساس
  • وزير خارجية إيران يحذّر من التدخل المدمّر في مستقبل سوريا
  • السوداني: علاقتنا مع أميركا استراتيجية ولن نعبث بأمن سوريا
  • الدفاع المدني يحتفي بتخريج دورة التدخل في حوادث المواد الخطرة
  • وزير الخارجية: لا تهاون في الأمن المائي لمصر
  • شبكة دولية تتوقع استمرار أزمة انعدام الأمن الغذائي باليمن حتى مايو القادم
  • وحدة السودان بين تعددية الجيوش والمليشيات وتعددية المراكز الجغرافية السياسية
  • حملة غير مسبوقة لقوات أمن السلطة داخل مخيم جنين في الضفة الغربية المحتلة
  • تحذير أممي من خطر المجاعة في السودان: تتفشى بـ5 مناطق وتهدد 17 أخرى