السودان تحت وصاية دولية!
تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT
السودان تحت وصاية دولية!
عثمان ميرغني
أحتار من أولئك الذين يستدعون التدخلَ الخارجي في بلدانهم، ويدبّجون المرافعات لتبرير هذا التدخل بوصفه الحلَّ لكل مشاكلهم، متجاهلين الشواهد الكثيرة في منطقتنا التي تؤكد أنَّ التدخل الدولي أسهم في أكثر الأحيان في تعقيد أزمات الدول، وإطالة أمدها، وأنَّه لا يمكن أن ينجح ما دامت جذور الأزمات باقية، والأطراف الداخلية عاجزة عن حل مشاكلها، وغارقة في صراعاتها.
بعد تصويت مجلس الأمن الدولي، الأسبوع الماضي، بإنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الفترة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، ارتفعت بعض الأصوات التي تنادي بتدخل دولي جديد ووضع البلد تحت طائلة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بما يعني هذه المرة تدخلاً عسكرياً دولياً. وبينما بقي عدد من هؤلاء في دائرة المطالبة بوضع السودان تحت وصاية الأمم المتحدة، ودبجوا المقالات لتسويق وتزيين ما يرونه محاسنَ هذه الوصاية، لم يجد بعض آخر حرجاً في أن يشتط ويقول إنه لا يرى للسودان مخرجاً من محنته إلا باستعمار جديد بقبعة دولية!
هذه الدعوات لا تعكس إلا المزيد من الغرق في وحل فشل النخب المتصارعة على السلطة، في بلد واعد أفقرته الانقلابات والحروب ومسلسل الخلافات السياسية العدمية التي لا تنتهي، بل قادت البلد من سيئ إلى أسوأ ووضعته في خانة الدول الفاشلة. فبعثة «يونيتامس» التي شُكّلت بطلب من حكومة عبد الله حمدوك الانتقالية وبقرار من مجلس الأمن في نهاية عام 2020، ورأى فيها البعض الآلية التي ستقود البلد إلى برّ الأحلام والأمان، وتعبر بالفترة الانتقالية إلى محطة الانتخابات، قضت أكثر من عامين ونصف العام تنظم في الجلسات واللقاءات، وغرقت بدورها في مشاحنات الأطراف المختلفة التي ازداد عددها وتكاثر ممثلوها، وكانت النتيجة المزيد من التعقيد في المشهد، والتصعيد في المشاحنات حتى انزلق البلد إلى هذه الحرب المدمرة.
لم يكن أمام مجلس الأمن خيار سوى إنهاء تفويض بعثة «يونيتامس» بعد أن أعلنت حكومة الفريق البرهان وقف تعاونها مع رئيس البعثة فولكر بيريتس، الذي اضطر إلى الاستقالة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وألحقت ذلك بطلبها من مجلس الأمن إنهاء مهمة البعثة. ولكن قبل أن يجف مداد قرار مجلس الأمن الأسبوع الماضي، بدأت ترتفع أصوات المنادين بوضع السودان تحت الفصل السابع والوصاية الدولية، لا لوقف الحرب وفرض السلام فحسب، بل كما يأملون لمعالجة كل مشاكله المتراكمة من إعادة هيكلة القوات المسلحة، وحل الحركات المسلحة كافة وإنهاء ظاهرة الجيوش الرديفة، إلى إعادة بناء الدولة السودانية ووضع دستورها الجديد وقيادتها نحو صندوق الانتخابات.
قوى الحرية والتغيير (قحت) هي الطرف الأكثر حماساً للتدخل الدولي، إذ ترى أنها أضعف الأطراف في المعادلة الراهنة لصراع السلطة. فهي لا تريد انتصار الجيش الذي تتهمه بأنه جيش الفلول وانتصاره يعني في نظرها عودة نظام الكيزان، ونسخة جديدة من ديكتاتورية عسكرية كيزانية. في الوقت ذاته فإنها ولو تعاطفت مع قوات الدعم السريع ورأت فيها مطية أو فرصة لتحقيق هدف عودتها (أي قحت) إلى السلطة الانتقالية، تظل متخوفة من طموحات قيادة هذه القوات التي استمرأت أجواء السلطة، وبالتالي فإنها لو انتصرت في الحرب فلن تسلم مفاتيح القصر وستنفرد بالحكم عاجلاً أم آجلاً، لا سيما بعد إزاحة الجيش من المشهد.
السودان بالطبع ليس جديداً على الفصل السابع الذي فُرض عليه في السابق بسبب حرب دارفور وتوالت عليه القرارات والعقوبات تحت هذا الفصل منذ عام 2005 ولنحو 15 عاماً، نُشرت خلالها قوات دولية في دارفور، ولاحقاً في منطقة أبيي.
الفرق بين الحالتين اللتين أُخضع فيهما السودان لمجلس الأمن هو أن الفصل السادس يتعلق بحل المنازعات التي يمكن أن تهدد الأمن والسلم الدوليين، بالطرق السلمية بدءاً من الوساطة والتفاوض بين الأطراف المعنية، وصولاً إلى التحكيم والتسوية القضائية أو اللجوء إلى الوكالات الدولية والمنظمات الإقليمية. وإذا فشلت كل هذه الجهود يمكن للمجلس أن يقدم توصياته، لكنها كلها تبقى ضمن دائرة الوسائل السلمية. أما الفصل السابع، فإنه وإن كان يبدأ بالتدابير التي لا تتطلب تدخلاً عسكرياً مثل المقاطعة والعقوبات الاقتصادية، فإنه يمكن أن يذهب إلى إجازة التدخل العسكري والحصار الجوي والبحري تحت بند «كل ما يلزم من إجراءات وتدابير» لفرض «حفظ السلم والأمن الدولي، أو إعادته إلى نصابه».
في الحالتين لم يتحقق للسودان الحل السحري لمشاكله، والسبب هو عجز الأطراف الداخلية عن حل مشاكلها، واستمرارها في صراعاتها. قد يجادل البعض بأن التدخل الأممي تحت الفصل السابع حقق لدارفور هدوءاً «نسبياً»، لكن تبقى الحقيقة أن الصراعات في الإقليم لم تنتهِ، بل تفاقمت، وازداد عدد الحركات المسلحة حتى أصبح من الصعب حصرها لكثرة انقساماتها، كما أن السودان كله عانى من آثار العقوبات المختلفة التي فُرضت عليه تحت طائلة هذا الفصل. لذلك يبدو محيراً أن تعود أطراف سودانية إلى تجريب المجرب والبحث مجدداً عن حلول خارجية لمشاكلها وأزماتها، سواء بالتفكير في العودة لطرق أبواب الأمم المتحدة، أو في توهم الحل الأفريقي عبر الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد).
حل أزمات السودان المزمنة يبقى داخلياً، ومن الوهم أن نمني أنفسنا بغير ذلك، مثلما أنه من التجني على ثورة ديسمبر (كانون الأول) أن يحاول البعض استخدامها لتبرير طلب التدخل الدولي باعتبار أن هذا التدخل سيحقق فرض أهدافها. ثورة ديسمبر لم تطلب استدعاء التدخل الأجنبي أو تفوض أحداً لوضع البلد تحت وصاية دولية، والذين يطلبون هذا التدخل اليوم، إنما يفعلون ذلك من أجل مصالحهم وحساباتهم للعودة إلى السلطة، لا من أجل الثورة التي وُئدت بسبب الصراعات على الكراسي.
* نقلاً عن الشرق الأوسط
الوسومالتدخل الخارجي الحرب السودان عثمان ميرغني وصاية دولية يونيتامسالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: التدخل الخارجي الحرب السودان عثمان ميرغني وصاية دولية يونيتامس الأمم المتحدة الفصل السابع السودان تحت مجلس الأمن تحت وصایة
إقرأ أيضاً:
بن شرادة: أوصى اللجنة الاستشارية بعدم التدخل في القوانين الانتخابية المنجزة من لجنة 6+6
حث عضو مجلس الدولة الاستشاري، سعد بن شرادة، اللجنة الاستشارية المشكلة من قبل البعثة الأممية في ليبيا، على عدم التدخل في القوانين الانتخابية المنجزة من لجنة 6+6.
وقال بن شرادة، عبر حسابه على “فيسبوك”:” أعضاء اللجنة الاستشارية الذين تم اختياركم من قبل البعثة الأممية، يمكنكم مناقشة المسار الاقتصادي والحكم المحلي والملف الأمني، ولكن أوصيكم بأن لا تدخلوا في قانون الانتخابات المنجز من لجنة 6+6 كما تريد البعثة أقحامكم في ذلك”.
وأكد، بن شرادة، أن البعثة الأممية لم يروق لها قانون الانتخابات منذ صدوره لا لشي إلا لتعطيل الانتخابات وحرمان الليبيين من صندوق الانتخاب واستبدال الأجسام الموجود والتي يبدوا أنها وجدت ضالتها فيهم وخير دليل تقرير الخبراء الذي صدر مؤخرا و كل النهب الذي تكلم عليه لا يخلوا من مشاركة الشركات التي جنسيتها من الدول المتدخلة في الشأن الليبي”.
ولفت إلى أن قانون الانتخاب هو الطريق الوحيد لإيصال الصندوق للمواطن للسماح له في اختيار رئيس دولته وعضو برلمانه”.
وتابع:” نقول لكم إذا فتح قانون الانتخابات سوف تجدون أنفسكم في مستنقع التجاذبات السياسية وسيل لعابها في وضع نصوص إقصاءات لبعضها وستشاهدون البعثة تساعدهم في العبث بالقانون”.
ونوه بأن قانون الانتخابات صدر بعد نقاشات مع كل الأطراف التي كانت تريد إقصاء بعضها لبعض، ولكن أعضاء لجنة 6+6 كان لهم موقف تاريخي باتخاذ قرار بأن يكون القانون لا يقصي أي مواطن من الدخول في سباق الانتخاب ويترك للشعب الليبي هو صاحب القرار في إقصاء أي ليبي عبر ورقة يضعها في صندوق الانتخابات”.