التغير المناخي يضر الأمن العالمي والكرامة الإنسانية
تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT
قالت فضيلة التي تعمل قابلةً في مقاطعة السند في باكستان، للصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا إنها كانت تعلم تمام العلم كيف تتأهب لموسم الرياح الموسمية في 2022.
فقد غادرت هي وأمها قريتهما بعد أن خزنتا ممتلكاتهما فوق أرض مرتفعة. غير أن الأمطار كانت مختلفة ذاك العام. وعندما عادت فضيلة وأمها، كانت المياه قد غمرت القرية برمتها، ودمرت ممتلكاتهما ومنزلهما.ولجأتا مع جيرانهما إلى الخيام وسط المياه الراكدة، ما خلق أرضاً خصبة للبعوض الحامل للملاريا.
وفي هذا الإطار، قال مارك لاغون، الباحث البارز في منتدى ترينتي، والأستاذ المساعد في برنامج ماجستير العلوم في السلك الدبلوماسي بجامعة جورج تاون، وجود فارلي الطالب في جامعة براون الأمريكية: "أدّت الفيضانات الموسمية التي حطمت الأرقام القياسية في باكستان عام 2022 إلى تفاقم الإصابات المؤكدة بالملاريا بمقدار أربعة أضعاف في ستين مقاطعة. والملاريا مرض موسمي في كثير من الأحيان، ويتفشى في البيئات الأكثر دفئاً ورطوبة حيث يتكاثر البعوض بشكلٍ أسرع".
ومن المحتمل أنه بسبب تغير المناخ، تُعزى نسبة كبيرة جداً من هذه الحالات إلى البعوض الذي يحمل النسخة الأكثر فتكاً من المرض، وعادةً ما توجد في منطقة جنوب الصحراء الكبرى الأكثر حرارة في إفريقيا. أزمة ملاريا عالمية
وأضاف الكاتبان في مقال مشترك بموقع "ناشونال إنترست" الأمريكية: لن يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم أزمة الملاريا العالمية وحسب، وإنما سيشكل أيضاً تحدياً كبيراً لتحسين نتائج الصحة العامة في العالم.
Climate change will have profound effects on global health, warn Mark P. Lagon and Jude Farley. https://t.co/82t4DqjO61
— National Interest (@TheNatlInterest) December 7, 2023وتابع الكاتبان "سيفضي ارتفاع درجات الحرارة العالمية وتغير أنماط المناخ إلى نزوح السكان، وعرقلة القدرة على الوصول إلى الرعاية الصحية، وتفاقم انتقال الأمراض وتفشيها. وهذه التأثيرات ليست نظريّة. فالناس فُرادى وجماعات في جميع أرجاء العالم يشعرون بالعواقب الصحية لتغير المناخ في عصرنا هذا".
وزاد الكاتبان "من الأهمية بمكان أن ندرك تأثير تغير المناخ على صحة المجتمع، وتمكين المجتمعات من تخفيف الأضرار المترتبة على هذه الظاهرة، وبناء مؤسسات ذكية وشاملة قادرة على التصدي للأزمات المتداخلة للمناخ والصحة".
تؤدي ظاهرة تغير المناخ إلى تفاقم ندرة الموارد والصراع عليها، وتفضي إلى نزوح الناس وانتشار الأمراض. ففي سوريا، أجبر الجفاف الشديد أكثر من 1.5 مليون مزارع على الانتقال إلى المدن المُكتظة بالسكان. وأفضى نقص المياه وتدهور الأراضي إلى تفاقم انتهاكات الحقوق واشتعال فتيل الاضطرابات المدنية.
وفي ظل نزوح أكثر من 12 مليون سوري، غالباً إلى مخيمات اللاجئين المكتظة، فإن مرض السل ينتشر مثل النار في الهشيم. ويتفشى مرض السل في المناطق التي مزقتها الصراعات، حيث يؤدي غياب العاملين في مجال الرعاية الصحية، وسلاسل توريد الأدوية، والبنية التحتية الصحية القوية إلى عرقلة الوقاية من الأمراض وتشخيصها وعلاجها. وعندما تؤدي التأثيرات المناخية مثل الجفاف إلى تفاقم الصراعات والنزوح، والتعرض للأمراض المنقولة في مخيمات اللاجئين وذات الكثافة السكانية العالية، يُسرّع السكان المهاجرون في المناطق الحضرية انتقال الأمراض.
وتشكل مكافحة الأزمات الصحية المرتبطة بالمناخ أهمية بالغة بشكلٍ خاص، بالنظر إلى أن الشريحة الأقل مسؤولية عن ظاهرة تغير المناخ ستتحمل وطأة آثاره. وعلى المستوى الدولي، يعني ذلك أن أكبر الدول المُصدِّرَة للانبعاثات تاريخياً، أي دول الشمال العالمي، إما ستتجنب أو ستتكيف مع أسوأ التأثيرات المناخية، في حين سيواجه كثير من البلدان الأقل نمواً الدمار والهلاك.
“We’ve got to cut down on farming due to ‘Climate Change’…or people are going to starve…” -John Kerry pic.twitter.com/Iz7TnhhTG9
— Liz Churchill (@liz_churchill10) December 8, 2023وقد تتعرض دول جزر المحيط الهادئ، مثل توفالو، ذات الكثافة السكانية القليلة، والبصمة الكربونية المتدنية، للغرق وتختفي كلياً. فقد ألقى وزير خارجية توفالو خطاباً واضحاً أمام مؤتمر الأطراف في بروتوكول كيوتو في 2021 وهو غارق في الماء حتى ركبتيه.
كوارث المناخوعلى المستوى الفردي، يقول الكاتبان، ستُوقِع الكوارث المرتبطة بالمناخ أبرياءً في حبائل محنٍ متعددة الأوجه. فالأعاصير في جنوب آسيا ستؤدي إلى تفاقم مشاكل الاتجار بالبشر القائمة أصلاً.
على سبيل المثال، في 2020 عندما اجتاح إعصار أمفان الكارثي ولاية البنغال الغربية، عاشت إحدى العائلات أوقاتاً عصيبة، حتى أنها وافقت على السماح لرجلٍ بأن يوظف ابنتها، 17 عاماً، في المدينة، وإذا به يجعلها سجينة عالم قسري لتجارة الجنس. وبما أن تغير المناخ يؤدي إلى أعاصير أكثر تواتراً وأشد وطأة، فإن قصصاً مماثلة ستصبح أكثر شيوعاً.
الكرامة الإنسانية
وأكد الكاتبان ضرورة أن تسترشد القدرات المؤسسية على مواجهة الأزمات المتداخلة للمناخ والصحة والتفاوت المترتب عليها من منظور الكرامة الإنسانية،الذي يقرُّ بالقدرات الفطرية للناس ومواهبهم وإمكاناتهم التي تمكنهم من المساهمة في المجتمع.
ويقرُّ أيضاً هذا المنظور بالرغبة الإنسانية الأساسية في التقدير أو الهوية، حسب ما كتبَ عنها فرانسيس فوكوياما الذي يعمل في جامعة ستانفورد.
ويقتضي النهج المراعي للكرامة وجود مؤسسات شاملة قادرة على وضع حلول ملموسة وعملية. وسيساعد هذا المنظور على تجاوز الجمود والتشرذم والانقسامات الأيديولوجية في الهيئات المتعددة الأطراف لتعزيز الحلول الموضوعية.
تغير المناخ والأمراض
وأوضح الكاتبان أن التصدي لتغير المناخ والأمراض يتطلب هذا النهج. وأن الجهود الحالية التي يبذلها الصندوق العالمي لتمكين المجتمعات من مكافحة تحديات الصحة العامة هي بمنزلة نموذج عملي لإنجاز ذلك.
ويدعم الصندوق العالمي العاملين في مجال الصحة المجتمعية أمثال نهين كبا من مدينة لارسم الفيتنامية، الذي يتنقل بدراجته النارية لتعليم أبناء مجتمعه، الذين يعيشون في فقر مدقع اعتماداً على الزراعة والحصاد من الغابات المحيطة، كيفية الوقاية من الملاريا وحماية أنفسهم منه، وإحالة المرضى إلى المنشآت الصحية لفحصهم وعلاجهم عند الحاجة.
ويشجِّع الصندوق العالمي نهين كبا على رعاية مجتمعه ودعمه بدل أن يفرض هليه وجهة نظره لاحتياجات المجتمع. ويقرُّ الصندوق بقيمة أفراد المجتمع بوصفهم عاملين في المجال الصحي وشركاء فاعلين، وبالطبع بوصفهم مرضى وأُسَر.
مبادرة موساسوا
وبالمثل ساعدَ الصندوق العالمي على إطلاق مبادرة "موساسوا" التي تمثل جهوداً ثلاثية لمكافحة الملاريا بذلتها حكومات إسواتيني، وموزمبيق، وجنوب إفريقيا في أعقاب إعصار فريدي الذي دمَّرَ موزمبيق في وقتٍ سابق من العام الجاري. وتُخلِّف الأعاصير التي تفاقمها ظاهرة تغير المناخ المياه الراكدة التي تمثل أرضاً خصبة للبعوض الحامل للملاريا.
وسرعان ما أمدَّت الاستجابة المدعومة من الصندوق العالمي، مراكز النزوح بمعدات الإغاثة من الفيضانات، والأغذية، والنامويسات، ما أدى إلى الحد من الوفيات بهذا المرض المترتب على تغير المناخ.
وبدعم الجهود في المنطقة لتقديم المساعدات لمكافحة الملاريا، دعمَ الصندوق العالمي قيادة الدولة وقدراتها ومجتمعاتها في إطار حماية نفسها، ما سيساعد على إنقاذ الأرواح مُستقبلاً.
وتؤكد التأثيرات بعيدة المدى لتغير المناخعلى الصحة العامة، بما في ذلك طفرات الملاريا والسل، الحاجة الملحة للنظر في القدرات البشرية، والإقرار بالمجتمعات المُهمَّشَة على نحو لائق، ودعم المؤسسات القوية لأصحاب المصلحة الكثيرين لمواجهة الأزمات الصحية المرتبطة بالمناخ بشكلٍ مُباشر.
وبما أنَّ هذه المبادئ تسري في أركان الصندوق العالمي منذ 2002، فهو يحرص على تمكين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والمجتمعات من التصدي للأمراض المعدية القاتلة التي تسارعت وتيرتها بسبب الآثار المناخية. وإذ تستمر ظاهرة تغير المناخ في مفاقمة التحديات للصحة العامة، نجد أنَّ الاستفادة من هذا النموذج وتوسيع نطاقه واستنساخه أمر بالغ الأهمية، وفق الكاتبَين.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة ظاهرة تغیر المناخ الصندوق العالمی إلى تفاقم
إقرأ أيضاً: