إلى أي حدّ تستطيع واشنطن لجم إسرائيل؟
تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT
من يراقب كيف تتطور الأمور العسكرية الميدانية، سواء في غزة أو في جنوب لبنان، لا يسعه سوى التوصّل إلى استنتاج واحد، وهو أن نظرية "وحدة الساحات" مثبتة بالوقائع الحسّية. وهذا ما بدا واضحًا من خلال التزام "حزب الله" بهدنة تبادل الرهائن والأسرى، وهو لم يكن طرفًا فيها وغير مستفيد منها سوى بـ "تبريد" مدافعه وإعادة تموضعه على طول الجبهات، التي عادت إلى سخونتها السابقة، وتحضيرًا للمراحل المقبلة.
ووفق المعطيات المتوافرة للقيادتين السياسية والعسكرية في "حارة حريك" فإن المواجهة المتوقعة سيكون لها وجهان، سياسي وعسكري، ولكل مقال مقام لدى هاتين القيادتين. وفي الاعتقاد أن المواجهة السياسية مع الذين يسعون إلى تعديل القرار الدولي 1701 ستكون أصعب من المواجهة العسكرية، وذلك بما يتناسب مع ما يُرسم للمنطقة من مشاريع جديدة في ضوء ما ستسفر عنه حرب غزة في موازين الربح والخسارة، خصوصًا أن الحديث عن إيجاد منطقة عازلة في الجنوب بدأ ينتقل من مرحلة الكلام السرّي في المجالس الدولية الضيقة إلى الضغط العلني.
والمنطقة العازلة بالمفهوم الدولي، وبالتحديد الأميركي، تعني إبعاد "حزب الله" عن خطوط المواجهة، وتحويل المناطق، التي له فيها الأمرة وكلمة الفصل، إلى مناطق منزوعة السلاح، وذلك في محاولة من المهتمين بأمن إسرائيل الشمالي لفرض أمر واقع جديد من شأنه أن يعيد الطمأنينة النسبية، التي كان يعيشها المستوطنون على طول الخط الأزرق طيلة الفترة التي تلت حرب تموز وسبقت حرب غزة.
إلا أن هذا الأمر يبدو غير واقعي طالما أن "حزب الله" هو اللاعب الأقوى في معادلة "توازن الردع"، خصوصًا مع ما يملكه من إمكانات عسكرية وقتالية، وهو القادر على تهديد إسرائيل في عمق عقر دارها في حال لجأت إلى ما تسعى إليه لجهة توسعة رقعة الحرب. وهذه المحاولة قد تلجأ إليها تل أبيب في حال واحدة فقط، وهي عدم قدرتها على تحقيق أي مما خطّطت له في "حربها الغزاوية".
ولكن إسرائيل، وقبل إقدامها على أي مغامرة في جنوب لبنان، تحسب ألف حساب لما ستكون عليه المواجهة المباشرة مع "حزب الله"، وما ستكون عليه نتائج هذه المواجهة الشاملة، وهي التي خبرت في هذين الشهرين من المواجهات مدى قدرة "الحزب" على إنزال أكبر قدر من الخسائر في المواقع المستهدفة، سواء عبر المسيّرات الانقضاضية أو عبر صواريخ "بركان"، التي أُدخلت حديثًا إلى المعركة.
ما يمكن استنتاجه من كل ما تقدّم أن لا عودة إلى قواعد الاشتباك السابقة، بعدما تحولت جبهة الجنوب إلى خط تماس قتالي يذكر بمرحلة ما قبل عام 1978. قد تهدأ الجبهة لكن قواعدها اختلفت، وهو ما يسلط الضوء على سلسلة التحركات الدولية المرتبطة بحرب غزة وتشمل لبنان. ويضع هذا الواقع الجديد القرار 1701 على نار حامية، ويطرح تساؤلات حول مهمة قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب تماشياً مع الضغوط لتنفيذ القرار والمترافق مع الحديث عن مناطق عازلة. وبينما يتوقع أن تستمر حرب غزة، وقد تطول مع ما تحمله من تداعيات، تحاول الولايات المتحدة تأسيس مسار جديد منفصل على جبهة لبنان، لكنه مرتبط بإسرائيل. وإذا كانت الوجهة هي الاستمرار بالعمل على منع انفجار الجبهة الجنوبية إلى حين تحقيق الأهداف في الملف الفلسطيني، فإن ذلك لا يلغي احتمال الحرب الكبرى، أو العمل على ترسيم منطقة أمنية فاصلة منزوعة السلاح جنوباً، رغم أنه أمر غير متاح حالياً باعتبار أن "حزب الله" لا يقبل بالخروج من ساحته الاساسية.
الأمر وفق المصدر السياسي مرتبط بما سيحدده الاميركيون مستقبلاً، إن كان باستمرار الضغط على إسرائيل لمنعها من شن حرب على لبنان، والبحث مجدداً في ملف الترسيم، إنما بطريقة مختلفة لا تبدو واشنطن في صددها تقديم عروض لـ "حزب الله" لعدم الانخراط في حرب كبرى محتملة، ومنها أثمان سياسية في لبنان.
ومن بين هذه الأثمان الانتخابات الرئاسية إذ يعتقد كثيرون أنه بات مطلوبًا رئيس لمرحلة ما بعد حرب غزة.
المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله حرب غزة
إقرأ أيضاً:
معهد واشنطن: هذه مصالح إسرائيل في سوريا وهكذا يمكن أن تتحقق
يرى الجنرال الإسرائيلي المتقاعد أساف أوريون أن سقوط نظام الأسد يحمل فرصا كبيرة لـ"إسرائيل" وكذلك العديد من التهديدات.
في تقريره الذي نشره معهد واشنطن، يقول أوريون إن سقوط نظام الأسد يأتي ضربة قاسية لإيران ومحور "المقاومة". ويفسر ذلك بقطع حلقة حيوية في القوس الاستراتيجي طهران - بغداد - دمشق - بيروت، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى قطع الطريق اللوجستي إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط، مما يشكل نكسة كبيرة لطموحات إعادة تسليح حزب الله، ويفصل العمق الاستراتيجي الصناعي لإيران عن مختلف جبهات القتال على حدود "إسرائيل".
ويضيف: "في غضون ذلك، تسعى روسيا للحفاظ على قواعدها في سوريا مع تقليص وجودها العسكري هناك، مما قد يوسّع حرية إسرائيل في التحرك في المنطقة".
مع ذلك، يرى أوريون أن الحالة الجديدة قد تأتي بمجموعة من التهديدات الناشئة. "فبإمكان الإرهابيين الجهاديين - سواء كانوا بقايا تنظيم "الدولة الإسلامية"، أو عناصر متطرفة من الجماعات المتمردة التي أطاحت بالأسد، أو جهات فاعلة أخرى- أن يتقدموا بالقرب من المجتمعات الإسرائيلية في منطقة مرتفعات الجولان".
ويتابع: "قد يتم تحويل ترسانة النظام، التي تشمل العديد من الأسلحة المتقدمة، ضد إسرائيل. كما يمكن للعناصر السنية العربية المتطرفة - وبعضها مدعوم من تركيا - أن تشكل تهديدات للاستقرار في الأردن المجاور، وهو ركيزة أساسية في بنية الأمن القومي الإسرائيلي"، كما أن إيران قد "تسعى للحفاظ على نفوذها الإقليمي أو حتى توسيعه للتعويض عن خسائرها. وعلى الرغم من فرار القوات الإيرانية ووكلاء إيران من سوريا، إلا أن طهران على اتصال ببعض الفصائل المتمردة المنتصرة وتبحث عن طرق جديدة للنفوذ".
ويزعم أوريون أن الأهداف الرئيسية لـ"إسرائيل" في سوريا هي: حماية سكان "إسرائيل" وسيادتها؛ وصد العناصر المعادية عن حدودها؛ ومنع وقوع أسلحة استراتيجية في أيدي المتطرفين؛ وتعزيز استقرار الأردن؛ ومنع إعادة تأسيس خطوط الإمداد الإيرانية وتلك التابعة لوكلائها إلى "حزب الله" وعناصر أخرى؛ ومواجهة أي عودة محلية لتنظيم "الدولة الإسلامية" أو غيره من التنظيمات الإرهابية الجهادية السنية، وضمان احتفاظ "إسرائيل" بقدر كافٍ من حرية العمل للدفاع عن نفسها وإزالة أي تهديدات في المنطقة، من بلاد الشام إلى إيران - من جانب واحد إذا لزم الأمر، ولكن من الأفضل بالتعاون مع الآخرين. ما يعني، بزعم أوريون، عدم وجود أطماع للاحتلال الإسرائيلي في سوريا".
ويؤكد أوريون أن "إسرائيل" اتخذت بالفعل إجراءات لتحقيق تلك الأهداف، تمثلت في تعزيز دفاعاتها في مرتفعات الجولان فور سقوط الأسد. ثم أطلقت عملية "سهم بَشان"، والتي تضمنت جزءاً منها مئات الغارات التي دمرت معظم ترسانة سوريا، مع التركيز على القواعد العسكرية، والدفاعات الجوية، والصواريخ الباليستية، ومستودعات الأسلحة، والطائرات العسكرية، والأصول البحرية، ومنشآت الإنتاج والتطوير المختلفة، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية.
أما بالنسبة للقسم البري من العملية، فقد سيطرت القوات الإسرائيلية على "منطقة الفصل" في سوريا، في انتهاك لاتفاقية فك الاشتباك للأمم المتحدة لعام 1974 والتي أنهت رسمياً الحرب بين العرب وإسرائيل في العام الذي سبق. كما استولت على موقع جبل الشيخ السوري. وبعد تحذير السوريين من الاقتراب من هذه المنطقة العازلة، رتبت القوات الإسرائيلية بعد ذلك لنزع سلاح المجتمعات السورية المحلية، وهو ما فعلته بهدوء.
ومع ذلك لا ينفي أوريون وجود أهداف إضافية تشمل الحصول على نفوذ يمكن أن يساعدها في التفاوض على تحسين الترتيبات الأمنية في الجولان. ومع ذلك، كلما طال أمد هذا الوجود، كلما زاد النظر إليه على أنه استيلاء غير قانوني على الأراضي، وكلما ارتفع خطر إثارة ردود فعل ضد إسرائيل - سواء في شكل قوات محلية تحاول تحرير الأراضي السورية، أو جهات فاعلة دولية تمارس المزيد من الضغوط السياسية، أو كليهما.
ولتبديد هذه المخاوف يقترح أوريون:
التوضيح بأن اتفاقية فك الارتباط لعام 1974 لا تزال سارية المفعول كأساس للأمن المشترك في الجولان، رغم تضررها بشكل كبير على مدار العقد الماضي. والتأكيد أن وجود القوات الإسرائيلية في سوريا هو مجرد وضع مؤقت إلى أن يتم الاتفاق على ترتيبات أمنية مُرضية وتنفيذها.
كما يقترح إنشاء خطوط اتصال بين "إسرائيل" والحكومة السورية الناشئة، مع التأكيد على مزايا أمن الحدود لكلا الطرفين.
كما يقترح أوريون الحفاظ على منطقة عازلة قوية بين المجتمعات الحدودية الإسرائيلية والتهديدات المحتملة في سوريا. ويتم ذلك مبدئياً من خلال نشر قوات إسرائيلية في الخطوط الأمامية، مدعومة بتفاهمات مع السوريين المحليين، وإذا أمكن، مع الحكومة في دمشق، على حد تعبيره.
ويؤكد أوريون ضمان حرية "إسرائيل" في التحرك في سوريا (في المقام الأول في المجال الجوي للبلاد) من أجل منع عودة إيران، وإعادة تسليح حزب الله، وعودة ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية"، أو أي تهديدات أخرى. وينبغي الحفاظ على هذه الحرية على الرغم من الاحتجاجات المتوقعة من السلطات الجديدة في دمشق بشأن سيادة سوريا.
كما يقترح أوروبون الحفاظ على الوجود الأمريكي الحالي على حدود سوريا مع الأردن والعراق. وهذا من شأنه أن يُمكّن استمرار التعاون بين الولايات المتحدة و"إسرائيل".
ويقترح كذلك ضمان رؤية استخباراتية إسرائيلية شاملة لجميع الجهات الفاعلة ذات الصلة في سوريا ما بعد الأسد وتعزيز العلاقات مع الجهات المعتدلة، بالتنسيق مع الحكومات العربية الشريكة في دول الخليج ومناطق أخرى. ويمكن أن يشمل هذا التواصل الفصائل الكردية، والدرزية، والعربية السنية في مختلف أنحاء البلاد.
وتنشيط العلاقات الإسرائيلية مع المجتمعات المحلية عبر حدود الجولان.
وربط الاعتراف الدولي بسوريا، وشطب جماعات من قوائم الإرهاب الدولية، وتمويل إعادة إعمار سوريا، وغير ذلك من المساعدات للحكومة السورية الجديدة بمتطلبات أمنية أساسية؛ منها إزالة أي أسلحة استراتيجية تشكل تهديداً للدول المجاورة، وتمنع أي جهات فاعلة من استخدام أراضيها لتهديد هذه الدول المجاورة، وتزيل أي عناصر إرهابية من الفصائل التي تشكل الحكومة المقبلة، وتُنفّذ ترتيبات أمنية مع "إسرائيل" والأردن ولبنان.
كذلك الاستفادة من الوضع الجديد في سوريا لتعزيز الترتيبات الأمنية في لبنان، وخاصة فيما يتصل بتأمين حدودهما المشتركة ومنع نقل الأسلحة إلى "حزب الله".