الانتخابات الرئاسية الروسية.. ما تأثير المعارضة الخارجية على النتائج؟
تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT
موسكو- بدأ العد التنازلي للانتخابات الرئاسية في روسيا بعد أن حدد مجلس الاتحاد، اليوم الخميس، تاريخ 17 مارس/آذار 2024 موعدا لإجرائها.
ولم يعلن الرئيس الحالي فلاديمير بوتين بعدُ عن قراره بخصوص الترشح للانتخابات، لكن المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أعرب عن أمله في ذلك. ووفقا له "من الصعب القول ما إذا كان الرئيس الجديد سيكون قادرا على الحفاظ على كل ما حققه بوتين".
وكان بيسكوف صرح قبل ذلك بأن قرار بوتين النهائي بشأن الترشح سيأتي بعد الموافقة النهائية على موعد وبدء إجراءات الترشيح.
وتحديد موعد الانتخابات يعني أيضا بدء الحملة الانتخابية. وحسب التشريعات الروسية، يجب على المرشحين إخطار لجنة الانتخابات المركزية بترشحهم في غضون 20 يوما، أي قبل 27 ديسمبر/كانون الأول الجاري. وإذا ترشح أحدهم من قبل حزب سياسي، فأمامه 25 يوما لتسجيل ترشحه من تاريخ نشر القرار، أي حتى 1 يناير/كانون الثاني المقبل.
ثقة الرأي العام
ووفق استطلاع أجراه المركز الروسي لدراسة الرأي العام، فإن 61% من المشاركين يثقون بنتائج الانتخابات في روسيا. وتبعا لخلاصة المركز، تُظهر استطلاعات الرأي العام أن مستوى الثقة بنتائج الانتخابات في البلاد ارتفع خلال السنوات الثلاث الماضية بمقدار 1.3 مرات.
أما بحسب استطلاع أجراه مركز "ليفادا" (معترف به كعميل أجنبي)، فإذا أجريت الانتخابات الرئاسية الروسية يوم الأحد المقبل 10 ديسمبر/كانون الأول الجاري، فإن 58% من المستطلعين سيختارون فلاديمير بوتين من بين السياسيين الحاليين.
بيد أن أكثر ما يميز الانتخابات المقبلة هو أنها تأتي مع قرب دخول الحرب في أوكرانيا عامها الثالث، بما يسلط الأضواء مجددا على الكيفية التي ستتعاطى من خلالها المعارضة الروسية مع الملف الذي تعتبره أهم أسلحتها في التأثير على نتائج الانتخابات.
وشكّل ضم شبه جزيرة القرم وإطلاق ما تصفه روسيا بالعملية العسكرية الخاصة ضد أوكرانيا، ما يشبه لحظة تاريخية قد لا تتكرر بالنسبة للسلطة والمعارضة على حد سواء.
ففي حين اعتبر الكرملين أنه يكون بذلك قد قلل من "الأضرار" التي لحقت به نتيجة "الانقلاب الأوكراني"، وأرسل إشارة إلى دول الغرب مفادها أنه لن يتسامح بعد الآن مع انتهاكات مصالحه الحيوية، ترى المعارضة -في المقابل- أن هذه المعطيات منحتها "أدوات جديدة" في صراعها مع السلطة، لا سيما في البعدين الدعائي والإعلامي.
لكن المعارضة تعرضت مع ذلك لضربة قوية، إذ يقبع أبرز أقطابها، أليكسي نافالني، في السجن منذ 17 يناير/كانون الثاني 2021، ويقضي حكما بالسجن لمدة 19عاما بتهم "إنشاء جمعية متطرفة والتحريض على النظام العام".
المعارض الروسي أليكسي نافالني يقضي حكما بالسجن 19عاما بتهمة التحريض على النظام العام (الأوروبية) أكبر نزوح جماعيوما يضعف من تأثير المعارضة هو وجود أغلب مؤيديها في الخارج. ويُعد الروس إحدى أكبر مجموعات الشتات في العالم. وتشير بعض التقديرات غير الرسمية إلى أن ما بين 20 إلى 30 مليون روسي يعيشون في الخارج.
كما تقول مصادر المعارضة إن روسيا واجهت أكبر نزوح جماعي لها في السنوات الأخيرة بعد بدء العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا في فبراير/شباط 2022. ووفق تقديرات مختلفة، غادر روسيا من 500 ألف إلى 1.3 مليون شخص خلال العام الماضي.
ويرجّح المحلل السياسي سيرغي برسانوف، أن السلطات بموسكو في حالة تأهب قصوى على ضوء التوقعات بحصول "عمليات تدخل وتخريب من قِبل الجالية الروسية الضخمة في المنفى".
ويقول -في حديث للجزيرة نت- إن المعارضة الخارجية -بمساعدة من الدوائر الغربية- تعكف حاليا على الترويج بأن أغلبية المواطنين يعبرون عن استيائهم على نحو متزايد من السياسات الداخلية والخارجية التي يديرها الكرملين، وبأن هذه المشاعر تفاقمت بفعل الحرب المستمرة ضد أوكرانيا.
ويتابع برسانوف أنه "علينا أن ندرك بأن الحرب مستمرة. وبالنسبة للعدو في مثل هذه الحالة، فإن كل الوسائل مشروعة من أجل القضاء على النظام والمجتمع والروح المعنوية للمواطنين".
ويضيف أن "خصومنا مستعدون للقتل، وليس فقط نشر الأخبار الكاذبة والتلاعب والهجمات السيبرانية. إن درجة القسوة والعنف والأكاذيب اليوم وصلت إلى مستوى لا يصدق وربما لم يحدث هذا من قبل".
من جانبه، يعتبر رئيس مؤسسة تنمية المجتمع المدني قسطنطين كوستين، أن مقياس شرعية الانتخابات يكمن في إتاحة الفرصة لجميع السكان في اختيار مرشحهم، بما في ذلك أولئك الذين لديهم عقلية معارضة.
نزع الشرعية
ويقول إن المرشحين البدلاء، سواء من الشيوعيين أو الليبراليين، يمكن أن يجدوا في غياب معارضة داخلية قوية ومؤثرة فرصة لجذب أصوات القاعدة الشعبية وملء الفراغ الناجم عن "هجرة المعارضين".
أما المعارض ديمتري غودكوف، فيؤكد أن الوسيلة الأكثر فعالية في الظروف الحالية هي دعم حملة نزع الشرعية عن الانتخابات الرئاسية ونتائجها.
ويشير إلى مؤتمر "روسيا الحرة" الذي عُقد بريغا في لاتفيا تحت شعار "مناهضة الحرب"، والذي ناقش أسباب عدم تمكن المعارضة الروسية في الخارج خلال سنتين تقريبا من الحرب، من التوحد، "وبدلا من ذلك غرقت في سجالات وخلافات لا نهاية لها".
ولكنه يخلص إلى نتيجة مفادها أن الضبابية التي تلف مستقبل الاقتصاد ووجود مؤشرات على استمرار الحرب في أوكرانيا إلى أجل غير مسمى، يعتبر ورقة مهمة بالنسبة للمعارضة من جهة التأثير على حجم مشاركة المواطنين في الانتخابات وطرح نفسها كبديل للسلطة الحالية.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
ماذا بقي من المعارضة في تونس بعد إعادة انتخاب قيس سعيد؟
سلطت مجلة "جون أفريك" الفرنسية، الضوء على غياب تأثير المعارضة التونسية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ما يفرض عليها إعادة ترتيب أوراقها في حال أرادت التعبير عن صوت الناخبين المعارضين لرئاسة قيس سعيد.
وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الانتخابات الرئاسية التونسية التي جرت في بداية تشرين الأول/ أكتوبر، والتي فاز فيها قيس سعيد بأغلبية عريضة، شهدت عزوفا واضحا للناخبين عن المشاركة في العملية الانتخابية.
وأضافت المجلة أن انخفاض معدل التصويت الذي ناهز 29 بالمئة، فتح الباب للتساؤل عما إذا الـ71 بالمئة من الناخبين التونسيين الذين لم يدلوا بأصواتهم يشكلّون معارضة حقيقية، مؤكدة أنه في ظل غياب أدلة قاطعة تفسر هذا العزوف من الصعب الخروج من دائرة التكهنات.
واعتبر الباحث الجامعي بكار غريب، أن الامتناع عن التصويت لا يعبر بالضرورة عن موقف سياسي، مشيرا إلى انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات التي نُظّمت بين عامي 2021 و2024، والتي تراوحت بين 27.5 و11.4 بالمئة، وهو يعتقد أنها تعكس بشكل أكبر عدم اهتمام التونسيين بالشأن السياسي.
ونقلت المجلة عن مهندس كمبيوتر تونسي ينتمي إلى الحزب الجمهوري، أن عدم مبالاة التونسيين تجاه الشأن العام سببه عدم قدرتهم على التأثير عليه، مضيفا أنه قرر التخلي عن التزامه الحزبي بعد الانتخابات التشريعية عام 2019،
وأضاف: "لم أستطع تقديم وعود كنت أعلم أنها غير قابلة للتحقيق لأن النظام السياسي لم يكن يسمح بظهور أغلبية تفرض خطًا سياسيًا أو برنامجًا، أو حتى معارضة يمكنها أداء دورها".
اندثار عدة أحزاب سياسية
حسب المجلة، تعود الفوضى السياسية التي يشير إليها مهندس الكمبيوتر التونسي إلى سنوات عديدة مضت. فمنذ سنة 2014، انقسم المشهد الحزبي التونسي ووصل عدد الأحزاب إلى 209، ولم تستطع أي كتلة أن تتحد لتشكيل أغلبية لها تأثير ملحوظ في المعارضة.
ثم جاء دستور 2022، الذي صاغه قيس سعيد، ووضع به حدا للنموذج شبه البرلماني الذي كان قائماً في البلاد مع تعزيز صلاحيات الرئاسة وفرض انتخاب النواب عبر قوائم فردية بدلاً من الانتماءات الحزبية.
ومن خلال إلغاء دور الأحزاب السياسية في تعيين النواب، ساهم الدستور الجديد في إقصاء العديد منها. وفي حين بقيت بعض الأحزاب مثل "المسار" و"الجمهوري" موجودة على الساحة، اختفت أحزاب أخرى كان مصيرها مرتبطًا بشكل وثيق بزعمائها أو مؤسسيها، مثل حزب "تحيا تونس"، الذي أسسه يوسف الشاهد من أجل خوض انتخابات 2019، و"نداء تونس" الذي تفكك بعد وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، وكذلك "قلب تونس"، حزب رجل الأعمال والمرشح الرئاسي في 2019 نبيل القروي.
كما اندثر "تيار المحبة" الذي يرأسه الهاشمي الحامدي و حزب "الائتلاف الوطني التونسي" الذي أسسه ناجي جلول.
استهداف المعارضين
أوردت المجلة أنه أمام هذا التفكّك الحزبي، حاول بعض المعارضين أن يقفوا في وجه الرئيس سعيد من خلال إنشاء جبهة الإنقاذ، التي جمعت بين التقدميين والإسلاميين وغيرهم من التيارات السياسية المختلفة.
لكن بسبب نقص التمويل وغياب القاعدة النضالية ورفض فئة واسعة من الشعب عودة الإسلاميين إلى الحياة السياسية، فضلا عن الانقسامات الداخلية، وجدت الحركة نفسها أما طريق مسدود خاصة في ظل اعتقال العديد من قادتها، حسب التقرير.
في 17 نيسان/ أبريل 2023، اعتُقل راشد الغنوشي مؤسس حركة النهضة، وعدد من أعضاء مكتبه التنفيذي. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، لقيت عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر المصير ذاته.
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية 2024، تم اعتقال لطفي المرايحي والعياشي زمال، بينما انطلقت حملة ملاحقات ضد عدة شخصيات معارضة أخرى، من بينها عبد اللطيف المكي وعماد الدايمي ونزار الشعري ومنذر الزنايدي، الذين عبّر معظمهم عن نيتهم الترشح للانتخابات المقررة في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر.
وأضافت المجلة أن الشخصيات المعارضة البارزة لم تدعُ رغم كل ما حدث لانتخاب مرشح منافس لقيس سعيد، رغم أنه كان من الممكن دعم زهير المغزاوي، كشخصية تُجسد معارضة يسارية قومية، أو العياشي زمال الذي استطاع رغم وجوده في السجن الوصول إلى نهاية السباق الانتخابي.
وبدلا من ذلك، فضّلت بعض الأطراف الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، ولم تطرح فكرة تشكيل جبهة موحدة، مما أخمد روح الحماس لدى قسم كبير من الناخبين، وساعد سعيد على الفوز في الانتخابات من الجولة الأولى، حسب المجلة.
وتابعت المجلة أن التيار الديمقراطي كان من بين الأحزاب القليلة التي رفعت صوت المعارضة في هذه الظروف الصعبة، بينما فضل آخرون، مثل حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد أو حركة "تونس إلى الأمام" بقيادة النقابي السابق عبيد البريكي، الانضمام إلى صفوف مؤيدي الرئيس، كما ساهمت التطورات الأيديولوجية داخل بعض الأحزاب السياسية التقليدية نحو المواقف الوسطية في إضعاف المعارضة.
"فشل" المعارضة بعد 2011
نقلت المجلة عن ناشط سياسي سابق قوله إن المعارضة التونسية دفعت ثمن قلة خبرتها، فبعد تكميم أفواهها واضطرارها إلى العمل السري في عهد بورقيبة، ومن ثم في عهد بن علي، لم تتمكن من رفع صوتها فعلياً إلا بعد 2011.
ويضيف: "لم نعمل قط على بناء قاعدة مشتركة من القيم التي نؤمن بها. نحن نختلف بشأن القيم الأساسية للعيش المشترك مثل احترام الآخر ومكانة الدين وتكريس الحريات الفردية. هذه البنية ليست سهلة ولم يكن من الممكن تحقيقها دون تنازلات. بالنسبة لمعارضي الإسلاميين، كان ينبغي عليهم الاعتراف بأن الإسلام السياسي جزء من المجتمع التونسي، وأنه رغم كونه أقلية، ينبغي قبوله وإيجاد سبل للتعايش معه".
ويقول الباحث في علم الاجتماع ماهر حنين، إن المعارضة اليسارية كانت حاضرة بشكل كبير منذ 2011، مضيفا أن "النواة الصلبة للفكر اليساري في طور التجديد من خلال القضية الفلسطينية ومعاداة الصهيونية ومعاداة الغرب".