هل حث الشرع على احترام خصوصية الآخرين
تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT
يسأل الكثير من الناس عن حث الشرع على احترام خصوصية الآخرين اجابت دار الافتاء المصرية وقالت أمر الشرع الشريف بالستر وغض الطرف عن عثرات الناس وعيوبهم، وعدم تتبع عوراتهم، وعدم التشهير بهم؛ لئلا يكون سببًا في نشر السوء من وجه، وسترًا وعونًا على التوبة وإصلاح النفس من وجه آخر؛ فعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وفي رواية أخرجها الإمام ابن ماجه في "سننه": «مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ»؛ قال الإمام الصنعاني في "سبل السلام" (2/ 638، ط. دار الحديث): [من ستر مسلمًا اطلعَ منه على ما لا ينبغي إظهارهُ من الزلاتِ والعثراتِ، فإنه مأجور بما ذكره من سترهِ في الدنيا والآخرة؛ فيسترهُ في الدنيا بألَّا يأتي زلةً يَكْرَهُ اطلاعَ غيرهِ عليها، وإن أتاها لم يُطلعْ الله عليها أحدًا، وستره في الآخرة بالمغفرة لذنوبه وعدم إظهار قبائحه وغير ذلك] اهـ.
وقد حرص الإسلام على احترام خصوصية الإنسان، وهو أمر داخل في مقصد حفظ العرض، وهو أحد المقاصد الكبرى للشريعة، وشرع الله عزَّ وجلَّ لأجل ذلك من الأحكام والتشريعات ما يحفظ به للإنسان حقه في الخصوصية، في هيئته وصورته، وهذا ليس مقصورًا على أن يخترق الإنسان سترًا مسدلًا أو أن ينظر إلى عورةٍ، بل هو نهيٌ عن عموم اختراق خصوصية الآخرين بغير علمهم وبغير ضرورة لذلك.
ولما كان حفظ خصوصيات الجسد في هيئته وصورته أمرًا واجبًا؛ لا يحل استباحته إلا لسبب مما استقر على تسميته بأسباب الإباحة، وهي حالات تبيح -على خلاف الأصل- ما كان محظورًا؛ كأن يكون له سلطة قانونية تبيح له هذا التصوير: فقد جعلت الشريعة الإسلامية من آدابِ الطريق العام: غض البصر؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ عَلَى الطُّرُقَاتِ» فَقَالُوا: مَا لَنَا بُدٌّ؛ إِنَّمَا هِيَ مَجَالِسُنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا المَجَالِسَ، فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهَا» قَالُوا: وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلاَمِ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ» متفق عليه.
وإذا كان من آداب الطريق، غض البصر، وكفُّ الأذى، فإن الاطلاع على خصوصية الناس دون علمهم يشتمل على تجاوز غض البصر إلى استراق النظر وخرق الخصوصية التي كفلها الشرع الحنيف لعباده. وممَّا سبق يُعلَم الجواب عمَّا جاء بالسؤال.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الله ع
إقرأ أيضاً:
حكم الدعاء بعبارة "يا غارة الله" وبيان معناها
حكم الدعاء.. قالت دار الإفتاء المصرية، إنه يجوز للداعي أن يقول في دعائه "يا غارة الله" ولا حرج عليه في ذلك شرعًا، وذلك لأن أمر الدعاء مبناه على السَّعة وَتَخَيُّر الداعي ما شاء من الأدعية، دون ما اشتمل على الإثم والسوء.
مفهوم الدعاءوأكدت الإفتاء أنه يجب على المسلم أن يُحَسِّن ظنه فيما يسمعه من المسلمين، وأن يحمل كلامهم على أفضل وأصح ما يحتمله من المعاني.
وأوضحت الإفتاء أن الدعاء بهذه الصيغة فيه إظهار لليقين بنصر الله وتحقيق وعده لعباده بالنصر والتأييد؛ إذ إن الداعي يخاطب جند الله الذين قيضهم الله لنصرة عباده بأمره جل جلاله؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾.
مفهوم الدعاء وبيان أنه من أفضل الطاعات
وقالت الإفتاء إن الدعاء والتضرع من أَجَلِّ وأشرف القرب والطاعات التي يتقرب بها المكلفون إلى الله جل جلاله؛ قال تعالى: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60].
وروى الإمام الترمذي في "سننه" عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على المنبر: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ».
وحقيقة الدعاء في اللغة: الرغبة إلى الله تعالى فيما عنده من الخير والابتهال إليه بالسؤال ينظر: "تاج العروس" للعلامة الزبيدي (38/ 46، ط. دار الهداية).
الدعاء
ولا يبعد معناه الاصطلاحي عن معناه اللغوي؛ قال الإمام الخطابي في كتابه "شأن الدعاء" (1/ 4، ط. دار الثقافة العربية): [ومعنى الدعاء: استدعاء العبد ربَّه عز وجل العناية واستمداده إياه المعونة. وحقيقته: إظهار الافتقار إليه، والتبرؤ من الحول والقوة، وهو سمة العبودية، واستشعار الذِّلة البشرية، وفيه معنى الثناء على الله عز وجل وإضافة الجود والكرم إليه] اهـ.
وجاء في "التحرير والتنوير" للإمام الطاهر بن عاشور (24/ 182، ط. الدار التونسية): [الدعاء يطلق على سؤال العبد من الله حاجته، وهو ظاهر معناه في اللغة، ويطلق على عبادة الله على طريق الكناية؛ لأن العبادة لا تخلو من دعاء المعبود بنداء تعظيمه والتضرع إليه] اهـ.
حكم الدعاء
وقال الإمام النووي في "الأذكار" (ص: 395، ط. دار الفكر): [اعلم أنَّ المذهب المختار الذي عليه الفقهاء والمحدثون وجماهير العلماء من الطوائف كلها من السلف والخلف أنَّ الدعاء مستحب] اهـ.
صيغة الدعاء
أمَّا صيغة الدعاء فالأصل أن مبناها على السعة؛ للإطلاق في قوله تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]، والقاعدة: أن المطلق يظل على إطلاقه حتى يأتي ما يقيده؛ قال الإمام الزركشي في "البحر المحيط" (5/ 8، ط. دار الكتبي): [الخطاب إذا ورد مطلقًا لا مُقَيِّد له حُمِل على إطلاقه] اهـ.