زواج الأقارب.. بين الإباحة الشرعية والضريبة الصحية
تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT
في حين ينتشر زواج الأقارب بشكل كبير في المجتمعات العربية بما فيها المجتمع القطري باعتباره أحد مظاهر العادات والتقاليد والأعراف السائدة في المجتمع، مع التركيز بصفة خاصة على الزواج من أبناء العمومة، وذلك بهدف «الحفاظ على اسم العائلة» وتوطيد العلاقات الأسرية، يُفضّل بعض الناس تجنب هذا الزواج بداية من الدرجة الرابعة، أي من بنت العم أو العمة أو بنت الخال أو الخالة، إما نتيجة المشكلات المعتادة التي تحدث داخل العائلة الواحدة بسبب اختلاف الزوجين مما يؤدي إلى النزاع والقطيعة فيفضل البعض الابتعاد عن زواج الأقارب، أو تفاديا لظهور الأمراض الوراثية المحتملة في الأطفال «والتي قد تحول حياة الأسرة إلى جحيم من المعاناة».
«العرب» استطلعت آراء بعض المختصين لبيان ما يتعلق بحكم زواج الأقارب في الشرع، وبيان الرأي الطبي في زواج الأقارب.
د. حسن البريكي: يُظهر الصفات المرضية الكامنة
ينوه الدكتور حسن البريكي، خبير الإصلاح الأسري بمركز الاستشارات العائلية «وفاق» بأن قضية زواج الأقارب أمر اشتهر عند العرب خاصة، منذ قديم الزمان، ويعتبر من الظواهر الاجتماعية ذات الارتباط الجذري بالعادات والتقاليد التي ينظر لها على أنها مصدر أمان اجتماعي واستقرار عائلي؛ فهو يعتبر وسيلة للمحافظة على تماسك القبيلة وترابطها الاجتماعي.
وأوضح الدكتور البريكي أن معدل زواج الأقارب يختلف في نسبة حدوثه بين الشعوب والأجناس، وتتأثر هذه النسب بعادات وأديان كل بيئة. وتشير بعض الإحصائيات في بعض الدول الخليجية أن نسبة 50 % من السكان متزوجون من الأقارب.
وأضاف: مع تطور العلم في هذا العصر ولا سيما علم الوراثة، فقد تبين أن لزواج الأقارب الكثير من المساوئ الصحية، فالعديد من الأطباء والمختصين في علوم الأجنة لا يحبذون زواج الأقارب بسبب المخاطر التي تنجم عنه؛ لأنه يساهم في زيادة احتمال ظهور العيوب والأمراض الوراثية عند الأجيال، وقد أظهرت بعض الدراسات الطبية أن نسبة ظهور الأمراض الوراثية الناتجة عن زواج الأقارب هي الأعلى بالمقارنة مع الزواج من الأباعد، حيث إن 37 % من حالات استسقاء الدماغ، واعتلال الجهاز العصبي عند الأطفال حديثي الولادة ترجع إلى الزواج بين الأقارب وتعدد الحمل.
وأوضح أن أن الزواج من الأقارب حسب الدراسات، يعد واسطة إلى إظهار الصفات المرضية الكامنة وتكثيفها في النسل عوضا عن إبادتها وتشتيت شملها، كما أنه يفضي إلى إقلال النسل وإلى العقم؛ وذلك لأن ما قد يحمله الإنسان من الصفات المرضية الطفيفة تتكاثف بالزواج بالأقارب فتبدو جلية مع الزمن عدا ما قد يعتري الإنسان من إنتان أو تسمم يؤثران في نسله.
وتؤكد تلك الدراسات أن ما بين 5 % إلى 8 % من مجمل الأزواج في العالم يعانون من مشكلة عدم الإخصاب، والتي ترجع لأسباب عديدة من بينها زواج الأقارب، وأن اختيار الرجل لإحدى قريباته يعد مسؤولا عما يزيد على 3 و13 % من الأمراض النفسية والعصبية لدى أفراد الأسرة، وبحسب تلك الدراسات فإنه يوجد أكثر من 13 مليون مواطن عربي مصاب بالإعاقة معظمها كانت نتيجة أمراض وراثية كان من بينها التزاوج بين الأقارب، ناهيك عن ارتفاع معدلات الطلاق والمشاكل الزوجية بين الأقارب بنسبة أكبر من حالات الزواج العادية كما أكدت بعض الدراسات الاجتماعية.
وتابع الدكتور البريكي: قرر كثير من علماء تحسين النسل أن ضعف الذرية يرجع في كثير من الأحيان إلى عامل الوراثة، فكلما كانت الزوجة ذات قرابة أوثق كلما ظهر أثر الوراثة أكثر، والسبب في ذلك أن جميع الصفات والاستعدادات السيئة في الأصول القريبة تنتقل إلى الذرية والأعقاب. ومن هنا استحب بعض علماء الشرع ألا تكون الزوجة قريبة من الزوج، ذكر ذلك الحافظ ابن حجر عن الإمام الشافعي، رحمهما الله.
د. طارق شعبان: أحد أسباب إعاقات الأطفال
قال الدكتور طارق شعبان، استشاري أمراض النساء والولادة: من باب العادات والأعراف في بعض الثقافات تفضل القرابة كمعيار يؤسس عليه الزواج والتركيز بصفة أخص على القرابة القصوى، أي الزواج من أبناء العمومة. إذ ينص الموروث الشعبي على أن الزواج المفضل هو الزواج الداخلي.
وأضاف ان زواج الأقارب يعتبر مخلفات الوضع البدائي لنظام الأمومة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أنّ المجتمع الأبوي عند قدماء العرب كان يعتقد أنّ الطفل يرث صفات خاله وهذا - أي الخال - كان مهتمًا بصفات صهره.
وأشار إلى أن الثقافة الشعبية تنص على الحقيقة التالية: كلما تزوجت المرأة خارج العائلة كلما تبع هذا الزواج نقل أموال أهلها إلى الغير (الآخر) عبر الإرث. ونظرا للصبغة الفلاحية التي تطبع المجتمعات سابقًا، فإن الأرض تشكل مركز الاهتمام الرئيسي.
ورغم أن القاعدة الطبية الشرعية لا تمانع من زواج الأقارب، لكنها تحث على توخي الحذر والحيطة، حيث تؤكد معظم الدراسات العلمية عن الأمراض الوراثية الشائعة، ومن أبرزها أمراض هيموغلوبين الدم «خضاب الدم» والعيوب الخلقية الاستقلابية والأمراض أحادية الجينات الشائعة، أنها السبب الرئيسي للكثير من الأمراض والإعاقات لدى الأطفال.
وأوضح أن العديد من الأبحاث العلمية التي أجريت حول زواج الأقارب كشفت أن الإصابة بتلك الأمراض والإعاقات لدى الأطفال من أبوين قريبين واضحة بسبب عدم إجراء الفحص الطبي لدى الزوجين قبل الزواج، حيث تكون الفرصة أكبر لدى الزوجين من الأقارب في حمل صفات وراثية متنحية عندما يكون كل واحد من الأبوين حاملاً للصفة المسببة للمرض. وحسب بعض الدراسات، فإن زواج الأقارب يورث 82 مرضاً، مثل الإجهاض المتكرر، الإعاقات المتعددة، مرض الحويصلات المتعددة بالكلية، مرض الثلاسيميا، مرض زيادة الحديد بالدم، مرض ضمور عضلات الوجه والكتفين، مرض الأورام المتعددة بالقولون، وزن المواليد يكون أقل من زيجات غير الأقارب، وغيرها من الأمراض.
وأكد الدكتور شعبان أن كل إنسان يشارك أخاه أو أخته في نصف عدد المورثات التي يحملها ويشارك أعمامه وأخواله في ربع عدد المورثات، ويشارك أبناء وبنات عمه أو خاله في ثمن عدد المورثات العامل الوراثي المتنحي في أحد الوالدين أو كليهما ليس له القدرة على التعبير عن نفسه، إلا إذا اجتمع مع عامل وراثي متنح مماثل له حينئذ تظهر الصفة الوراثية التي يحملانها معاً في المولود على هيئة المرض المعني. فإذا تزوج إنسان بابنة عمته أو خالته أو ابنة عمه أو خاله وكان كل منهما يحمل نفس العامل الوراثي المتنحي لمرض ما فهناك احتمال إن 25% من أولادهما ستظهر عليهم تلك الصفة و50% منهم يحملون العامل الوراثي المتنحي بدون ظهور أي أعراض، 25% منهم لن يحملوا هذه الصفة. أما إذا كانت درجة القرابة بعيدة فإن احتمال تواجد الجينات المماثلة أقل وبالتالي يكون احتمال حدوث المرض في الأولاد أقل.
وأضاف: بالرغم من ذلك هناك جوانب إيجابية. فإذا كان بالأسرة عوامل وراثية مرغوبة ليست في غيرها من الأسر مثل صفات الجمال والذكاء والقوة أو طول العمر وغيرها، حينئذ يكون زواج الأقارب أفضل من زواج الأباعد، شريطة ألا يستمر الزواج بين الأقارب جيلًا حتى لا تتحول الأسر إلى مجتمعات صغيرة مغلقة، وهو ما ثبت وراثيًا أنه مضر.
د. فؤاد الشعبان: نعمل على استكشاف العلاقة بين زواج الأقارب و»التوحد»
في حين أنَ زواج الأقارب لا يزال «متهم» بزيادة فرص الإصابة باضطرابات طيف التوحد، فإنَّ نتائج الدراسة التي أجراها معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، التابع لجامعة حمد بن خليفة، تتحدّى الافتراض بأن هذا الزواج يساهم في انتشار طيف التوحّد، مؤكدة أن الاعتقاد السائد حول ارتباط زواج الأقارب باضطرابات طيف التوحد التي يزداد بها الأطفال، هو خاطئ ولا أساس له من الصحة ولا يمت للعلم بصلة.
وشارك في هذه الدراسة علماء وباحثون من مؤسسة كليفلاند كلينك الطبية وجامعة أوريغون للصحة والعلوم الأمريكية بناء على تحليل معلومات السجل الوطني القطري والمسح السكاني لاضطراب التوحد، إذ قام الدكتور فؤاد الشعبان من مركز بحوث الاضطرابات العصبية في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي وفريقه بفحص 891 طفلا، سواء من المصابين باضطراب طيف التوحد أو بدونه، ليكشف التحليل عدم وجود ارتباط كبير بين قرابة الوالدين وخطر الإصابة بالتوحد.
وتتناقض نتائج هذا البحث، الذي يستند إلى عينة كبيرة ومنهجيات بحث قوية، مع الدراسات السابقة بشأن زواج الأقارب بوصفه أحد العوامل المسببة للإصابة بالتوحد، ويتحدى هذا الاكتشاف السردية الحالية، ويؤكد الحاجة إلى مزيد من البحث لفهم العوامل المعقدة التي تسهم في انتشار اضطرابات طيف التوحد.
تشخيص أكثر دقة
وقال الدكتور فؤاد الشعبان، الباحث الرئيسي في معهد قطر لبحوث الطب الحيوي، «لا يتحدى هذا البحث المعتقدات السائدة فحسب، بل يسلط الضوء أيضا على أهمية الدراسات المعتمدة على الأدلة في تشكيل فهمنا للحالات الطبية المعقدة، مثل اضطرابات طيف التوحد»، لافتا إلى أنه مع استمرار المجتمع العلمي في كشف الظروف والأسباب المحيطة بالتوحد، فإن مثل هذه الدراسات تمهد الطريق لتشخيص أكثر دقة وتدخلات فعالة وأنظمة دعم معززة للأفراد والعائلات المتأثرة بهذا الداء. وأضاف «نحن واثقون من أن النتائج التي توصلنا إليها قد أثارت الاهتمام بين العلماء على مستوى العالم، مما أسهم في التطلع لإجراء مزيد من البحث والاستكشاف في العلاقة بين الأقارب واضطراب طيف التوحد في مجموعات سكانية أخرى».
يذكر أن معهد قطر لبحوث الطب الحيوي يعد معهدا بحثيا رائدا بجامعة حمد بن خليفة، ويستهدف معالجة الأولويات الصحية الوطنية لدولة قطر، التي تضمنتها إستراتيجية قطر الوطنية للبحوث، وذلك من خلال مراكزه البحثية المتخصصة: مركز البحوث التطبيقية للسرطان والمناعة، ومركز بحوث السكري، ومركز بحوث الاضطرابات العصبية.
د. محمود أبو المعاطي: لم يرد به نهي صريح.. والإنسان يتخير الأكفأ ديناً وخلقاً
قال الشيخ الداعية الدكتور محمود عبدالعزيز أبو المعاطي، أستاذ الفقه المقارن وعضو مكتب الفتوى سابقاً: إن زواج بنت العمة، أو بنت العم، أو بنت الخال، أو بنت الخالة، إباحته تعتبر من المعلوم من دين الإسلام بالضرورة، وأما ما ورد من آثار تنصح بزواج الأباعد دون الأقارب، فكلها لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما ثبت عنه أن الإنسان يتخير الأكفأ دينا وخلقا.
وأضاف د. أبوالمعاطي: وما يثار طبيا عن زواج الأقارب من أنه سبب لكثير من الأمراض دعوى تحتاج إلى برهان، بل إن كثيرا من الأطباء يفندون هذه الإشاعة ويهونون منها.
وأشار الدكتور أبو المعاطي إلى ما قال الدكتور محمد البار في هذا الشأن: من أن الأمراض الوراثية التي نسميها متنحية موجودة لدى الزوج، وموجودة لدى الزوجة، وكلاهما يبدو سليما من هذه الأمراض التي هي تزداد بزواج الأقارب، ونسبة الأمراض الوراثية - عبر جيل واحد - الموجودة في المجتمع لا تزيد عن 2 % من التشوهات الموجودة في الأطفال المواليد عند ولادتهم، وهي حوالي 2-3 %، أو من 3 % إلى 4 % فهناك نسبة زيادة، ولكنها ليست على نطاق.
وتابع أن زواج الأقارب لم يرد به نهي صريح في الإسلام، ولا حث عليه، فهو متروك لاختيار الناس ما هو أنسب لهم، ولعل هذا النهج يؤكد ما توصل إليه الطب الحديث في هذا الموضوع، وهو أن زواج الأقارب ليس ضارا على طول الخط، فقد يكون نافعا، في حالة ارتفاع نسبة الذكاء والجمال والقوة في العائلة، وبالتي فالقول بأن زواج الأقارب كله ضرر، مع كون الإسلام أباحه، كلام تعوزه الصحة العلمية.
وواصل د. أبوالمعاطي حديثه بقوله: لم تأت آية أو حديث صحيح في المنع من زواج الأقارب، بل قد جاءت الأدلة الشرعية بخلاف هذا، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ ) الآية... الأحزاب /50. وقد تزوج النبي صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش رضي الله عنها، وهي ابنة عمته، وزَوَّج ابنته فاطمة من ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، مما يدل على أنه لا حرج من زواج الأقارب. وعلى هذا، فمنع زواج الأقارب، أو القول بأنه سبب لانتشار الأمراض أو وجود جيل مشوه أو مريض، كلام غير صحيح.
وأشار إلى أنه قد يوجد في زواج الأقارب ـ أو غيرهم ـ ما يسبب شيئاً من ذلك، ولكنه ليس أمراً غالباً، بل يبقى في حدود القليل أو النادر. ولا شك أن الأصل هو الجواز والإباحة، بل في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أسوة وأعظم بها من أسوة، حينما زوج ابنته علياً رضي الله عنهما وعن نسلهما، فهي بنت ابن عمه وهم أقارب، ولا شك طبعاً في الجواز ولا أحد يقول إنه غير جائز، لكن القضايا الطبية أو المعينة وهذه تبدو لي قضايا عينية، أما أن القاعدة كلها: منع زواج الأقارب فهذا ليس جائزاً، والفقهاء لهم كلمة قريبة من هذه، فهم يقولون: الزواج من القريبة أصبر، ومن البعيدة أنجب. هكذا يقولون: الزواج من القريبة أصبر؛ لأنها تصبر عادة وتتحمل كثيراً، والمحافظة على الرحم والمحافظة على القرابة تجعلها تتحمل كثيراً، ومن الغريبة أنجب، بمعنى أن الولد يكون أكثر نجابة.
وأضاف: أيضاً ابن عمر أمر بالإغراب، أن يُغرب بمعنى يتزوج من البعيدة. فعلى كل حال، لا شك أن الأصل هو الجواز، وأما إذا كانت هناك قضية خاصة، على معنى أنه إذا كان هناك فعلاً مرض معين أو حالة معينة يُخشى منها، كما لو كان في الأسرة مرض معين، مثلاً مرض وراثي: فهذا شيء آخر. ولا شك أن العلم الحديث توصل إلى ما لم يتوصل إليه الأقدمون، والأشياء المدركة بحس أو المدركة بشيء بشرط أن تكون فعلاً مقاييس معينة ليست تخمينية، فهذه لا مانع من الأخذ بها.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: قطر زواج الأقارب المجتمع القطري العادات والتقاليد العلاقات الأسرية الأمراض الوراثیة طیف التوحد من الأمراض الزواج من من زواج إذا کان
إقرأ أيضاً:
إبنتي ترفض زواج والدها الخائن
سيدتي، قارئة وفية أنا لفضاء آدم وحواء وركن قلوب حائرة الذي يزين موقع النهار أونلاين، لما يحمله من حكايا وتجارب إنسانية تحاكي قلب الموجوعين والمهمومين.
ولا أخفيك سيدتي أنني واحدة ممن ظللن الطريق ولم يبقى لواك طوق نجاة. لجأت إليك في غمرة همي حتى تزيني طريقي برأيك السديد.
سيدتي، أنا إمرأة حائرة في مصيري ومصير إبنتي التي قلبت تصرفاتها حياتي رأسا على عقب.
كيف لا وهي لم تتقبل فكرة طلاقي من والدها وإنصرافه عنا ليحيا الحياة التي لطالما كان ينشدها.
حيث أن طلاقنا تمّ بالتراضي بعد أن أعرب زوجي عن نيته في الزواج من إمرأة أخرى لطالما عشقها.
فما كان مني وإنتفاضا لكرامتي إلا أن طلبت منه الطلاق فأنا لا أقوى أن أحيا وأنثى أخرى تشاركني في زوجي.
من جهتها إبنتي الكبرى وبالرغم من أنها في العشرينات من عمرها، دخلت في حالة من الحزن والهياج.
وقد بـتّ بالكاد أعرفها، حيث أنها فضلت العزلة ولم يعد لديها الرغبة في التقدم أو الفلاح في دراستها الجامعية.
وهي دائمة البكاء والحسرة، وهذا بالرغم من أن طليقي تنازل لي عن عش الزوجية.
كما أنني أعمل ولي ما يكفيني لأن أحيا معززة مكرمة مع أبنائي عدا النفقة التي تصلني شهريا.
لقد أصبحت منهارة سيدتي أمام هذا الوضع الذي لم أحسب يوما حسابه.
كما أنني متوجسة من دوام الحال على ما هو عليه لأنه ومهما حصل فعودتي إلى طليقي أمر محسوم فيه. وعدم تقبل إبنتي للأمر لن يغير من الهمّ شيئا.
أم جيهان من الغرب الجزائري.
الردّ:هوّني عليك أختاه ولا تتذمري من ردة فعل إبنتك التي أٍجدها طبيعية. فعادة ما يكون تعلق البنت بأبيها أكثر من تعلقها بوالدتها، وأحيانا يكون هذا التعلق مرضيا.
أختاه، لم تذكري في ثنايا رسالتك إن كانت إبنتك على علم بأن والدها كان على علاقة بإنسانة منذ الزمن البعيد. ومن أن شوقه لأن تكون له لم ينطفئ يوما.
والدليل أنه حتى وبعد أن أنجب من الأبناء من هم اليوم في سنّ الرشد. إلا وأن شغفه بحب الماضي جعله يؤثر على نفسه تحطيم أسرته من أجل أن يحيا السعادة. هذه السعادة التي لا تعكس سوى أنانيته ولامسؤوليته.
ومن هذا الباب عليك أختاه ان تفتحي باب الحوار مع إبنتك، ومن أن تفهميها أنك غير مسؤولة على ما حدث بينك وبين والدها.
كما أنه عليك أن ترسّخي في ذهنها فكرة أنه في الوقت الذي ينعم فيه والدها بحياة وردية إلى جانب من يحبّ. فقد إنتهى بك المطاف وكأي أم مطلقة في مجتمعنا مسؤولة عن أبنائك لوحدك.
وكأني بك لا تستحقين الإرتباط من جديد وإعادة بناء حياتك مع من يهتمّ لأمرك ويقدّرك.
خاطبي إبنتك بكل عقلانية وأفهميها أنك لها وبها ومعها ، ومن أنه يجب عليها هي الأخرى أن تشدّ أزرك لتكملا معا مشوار الحياة. فتنجح هي في دراستها، وتكون قدوة لإخوتها الصغار.
ولتصادقيها بالقدر الذي يجعلها قريبة منك تبوح لك بما يؤلمها حتى تتمكني من إحتوائها.
ولتذكّريها من أن الطلاق يحدث في عديد البيوت ومن أنّك ستكونين لها الأم والأب معا. وأنك لن تتخليّ عنها لأنها ببساطة روحك وفلذة كبدك التي تمشي على الأرض.
ردت: س.بوزيدي.