في كل المواجهات التي تمت مع الكيان الصهيوني ومع الداعمين له ابتداء من أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وأستراليا وغيرهم من القوى المهيمنة نجد أن الإجرام يفوق كل التصورات ويتجاوز القيم والمبادئ الدينية والأخلاقية والإنسانية وكل القيم الحضارية وحقوق الإنسان وحتى الحيوان، فامتلاك القوة والاحتكام لسطوتها، وقهر الأمم والشعوب بناء على اختلال موازين القوى لصالح هذه القوى أغراها حتى داست كل القيم والمبادئ والأخلاق المتحضرة التي تتخذها ذريعة لممارسة السلب والنهب للثروات والمواقف، وتعزيز هيمنتها الاقتصادية والسياسية على بقية أطراف المجتمع الدولي.
قد تكون تلك القوى أن أحسنا الظن بها أنها غير مدركة لحجم الإجرام الذي تمارسه لإرهاب الآخرين لكن العقول السليمة والفطرة النقية تدرك ذلك وتعي حجم الخسارة الإنسانية التي غادرت عالم الحضارات الطاغية والمعتدية على غيرها من بني البشر والتاريخ خير شاهد على ما نقول سواء في القريب أو البعيد من أزمانه وأوقاته وليس ذكر هذه الدول السالفة الذكر إلا ليتذكر فقط، وهناك دول لا تقل إجراما على سابقتها. اذا ما هي دلالة استخدام الإجرام الممنهج ضد الآخرين؟ هناك عدة اعتبارات يمكن الإشارة إلى أهمها وهي: إحداث أكبر قدر من الدمار والهلاك والإبادة حتى يعلم المجني عليه وغيره أن العواقب ستكون وخيمة ومدمرة إذا لم ينصاعوا لتحقيق مطالب المجرمين من تجار الحروب ومصاصي دماء الشعوب، وهو ما تم فعلا في أعقاب إبادة مدينتي هيروشيما ونجازاكي في اليابان واستسلامها، فقد أصبحت أمريكا هي القوة الأولى عالميا بعد أن استسلمت اليابان وأصبحت أساطيلها تجوب الدنيا شرقا وغربا، حتى أن المحور المقابل والمتمثل في المعسكر الاشتراكي لم يستطع مجاراتها في السيطرة والنفوذ، وهو الأمر الذي شجعها على إقامة الأحلاف المؤيدة لها والسعي لإرضائها حتى ولو كان ذلك على حساب الشعوب كما هو حال زعماء الوطن العربي الذين اختاروا الانحياز للمعسكر الرأسمالي. تحقيق الهزيمة النفسية والصدمة القوية لدى المخالفين وإحداث الرعب مما يسهل السيطرة أطول فترة ممكنة بدون مقاومة أو التفكير في الخلاص من تلك القوى المجرمة، فمازالت فرنسا تستعمر حتى الآن وتستأثر بخيرات القارة الإفريقية بسبب تلك المجازر وتمكين الخونة والعملاء وتحطيم القوى الوطنية الساعية للتحرير من الاستعمار وويلاته، ولولا الإرادة التحررية من قبل رجال المقاومة في جنوب إفريقيا لظل الاستعمار البريطاني يمارس سطوته من خلال نظام الفصل العنصري الذي سلم البلاد للمستعمر ورضى بمقام العبيد. إثبات الوجود أمام العالم الإنساني والدول خاصة عندما تم مصادرة الإرادة الدولية في أروقة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، سواء من خلال استخدام حق النقض (الفيتو) أو الاستعانة بمن يملك هذا الحق كمساومة وعملية تبادل للأدوار وخلط الأوراق وإظهار العجز الدائم للقانون والأخلاق أمام القوة والطغيان بكل إشكاله وأنواعه، وأبرز مثال على ذلك إعطاء فلسطين بشعبها وترابها وحضارتها وإنسانها كهدية لليهود مكافأة لهم على أدوارهم الإجرامية في حق أبناء الأمة العربية والإسلامية، ولتكون كقاعدة متقدمة لحماية مصالح القوى الاستعمارية القديمة والحديثة. تسويق المنتجات العسكرية والصناعية، فعندما يشاهد العالم اثار الدمار الواقع على الأرض وبرغب بحماية نفسه فإنه يلجأ إلى شراء تلك الأسلحة لإرهاب الآخرين من التفكير بالإقدام على مواجهته أو حتى التفكير المجرد، ولذلك فهناك صفقات أسلحة تدر أرباحاً خيالية، ومستفيدون يستأثرون بخيرات شعوبهم، وشركات تعمل جاهدة على استمرارية الإنتاج والتصنيع هذا في الجانب العسكري، أما في الجانب المدني فإن الصناعات الأخرى يكون لها حضور وطلب لدى الأمم المصادرة إرادتها وحريتها. وليست النقاط السابقة إلا جزء يسير من الاستراتيجية الكبرى القائمة على معادلة الاستئثار بالخيرات وتسويق المنتجات السياسية والاقتصادية وغيرها، ولذلك فإننا نجد الاندفاع الكبير لصانعي القرار السياسي في الكيان الصهيوني والداعمين له في تحقيق كل أنواع الإجرام ضد الشعب الفلسطيني وكل من يقف حائلا أمامهم، سواء من خلال الاستراتيجية الاستخباراتية أو العمليات القمعية الإجرامية، فإن التمادي والجرأة على القتل والإجرام هو أساس النشأة والاستمرار والوجود وهو السمة البارزة في العلاقة المحرمة بين النشأة والسقوط، لأن القوة قد تعطي مساحة للتحرك في عالم الظلم والطغيان لكن الاستمرار والدوام لا يكون إلا بالعدل والإيمان ولذلك فإن الاستطراد القانوني بوجب التطرق إلى أهم الجرائم التي يمارسها الكيان الصهيوني ومن تحالف معه من المجرمين والخونة والعملاء الذين كان لهم أدوار لا تقل عن الإجرام الذي ترتكبه الأيادي المتعطشة للدماء. أولا: الإبادة الجماعية: يعرف النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الإبادة الجماعية: أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد أهلاك جماعة قومية أو أثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه أهلاكا كليا أو جزئيا، المادة (6) من النظام، ومن جملة الأفعال لم يترك الكيان الصهيوني أي فعل الا ومارسه وارتكبه على أرض الواقع وتحت سمع وبصر العالم أجمع، وهذه الأفعال هي (أ) قتل أفراد
الجماعة (ب) الحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة (ج) إخضاع الجماعة عمدا لاحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كليا أو جزئيا، (د)فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة، (هـ) نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى. أما الجريمة الأولى فالعالم يشهد أنه في كل مواجهة لا تقل الضحايا عن الآلاف بفعل الأسلحة المحرمة دوليا والتي تنتجها مصانع الغرب لإهلاك الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، سواء في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا أو غيرها من البلدان العربية والإسلامية، وهذه الأسلحة بأثارها المدمرة تهلك الحرث والنسل وتخلق التشوهات في الأجنة وأرحام الأمهات، حتى الأرض تدمرها وتجعلها غير صالحة للعيش عليها، وهو ما يحقق الجريمة الثانية ويمهد لها (ب) إلحاق الضرر الجسدي والعقلي الجسيم بأفراد الجماعة الذين يتم فتح السجون والمعتقلات لإيوائهم في ظروف غير آدمية، وغير إنسانية، وإلى جانب ذلك أساليب التحقيق القذرة وأبرز مثال على ذلك ما شهده سجن أبو غريب في العراق بعد احتلاله وغيرها من السجون التي انتهكت الإنسانية على شهود من الملأ والعالم أجمع. تأتي الجريمة الثانية (ج) إخضاع الجماعة عمداً لاحوال معيشية يقصد بها أهلاكها الفعلي كليا أو جزئيا، فما فرض الحصار وبناء الأسوار والمحاصرة لأبناء الأرض وأصحابها ومنع الطعام والشراب والماء والغذاء والدواء سوى أحد، لأدوات الإجرامية لقتل إرادة أبناء الشعب الفلسطيني وجعله يرضخ لإملاءات المجرمين المتسلطين عليه، ولأن الإجرام كل متكامل فإن وعي الفلسطينيين بالقضية وسعيهم لمواجهة العدوان من خلال إنجاب الأطفال، فغزة تعتبر من المعدلات الكبيرة في الإنجاب، هنا نجد أن المجرمين يحصدون أرواح الأطفال والشباب والنساء وحتى الحيوان لم يسلم من إجرامهم ووحشيتهم. فالكيان الصهيوني منذ احتلاله واغتصابه لأرض فلسطين وهو يرتكب المجازر بحق أبناء شعبنا الفلسطيني واحدة تلو أخرى، ولم تتوقف آلته الإجرامية من سفك دماء الأبرياء شيوخا وأطفالا ونساء وعزل لا يحملون السلاح فقد فتكت بهم تلك الآلة الإجرامية على مرأى ومسمع العالم أجمع، ونور على سبيل المثال لا الحصر بعضا من جرائم الإبادة الجماعية وموثقة باعترافات المجرمين أنفسهم وهي الآتي: مذبحة بلدة الشيخ 1947م ودير ياسين 1948م ومذبحة أبو شوشه والطنطورة 1948م ومذبحة قبية 1953م وقليقيلية 1956م وكفر قاسم 1956م وخان يونس 1956م وتل الزعتر 1976م وصبرا وشاتيلا 1982م والمسجد الأقصى 1990م والحرم الإبراهيمي 1994م ومخيم جنين 2002م، وغيرها، ومازال الإجرام مستمرا، وها هي أعداد العدوان والإجرام الأخير تتجاوز خمسة عشر ألف شهيد وأكثر من خمسمائة ألف إنسان تم تهجيرهم من منازلهم حتى أن الأرض تعاني من جحيم الأسلحة المحرمة دوليا، ومن ذلك الأضرار النفسية والتشوهات في الأجنة والإعاقات التي تسببها لمن حالفهم الحظ ولم يقتلهم المجرمون أو يدفنوهم تحت الأنقاض. إن العجز الدائم الذي يعترى المجتمع الدولي في نصرة الحق الفلسطيني ليس وليد اللحظة، بل أنه يعطي للمجرم أساسات بقائه واستمراره فقد شرعن له احتلالاً ووجوداً، وأدان الضحية وصاحب الحق، وحوله من معتدى عليه إلى مجرم وإرهابي أن طالب بحقه وسعى لاسترداده، وبينما تفلح القرارات التي يسنها لإدانة الضحية، لم يستطع أن يعاقب المجرم والظالم ولو بشطر كلمة حتى أن هناك أكثر من مائة وأربعين إدانة لهذا الإجرام، ولم يُعمل بها أو تؤثر على سلوك القائمين على إدارة العملية الإجرامية الممنهجة بكافة هيئاتها وسلطاتها، وحتى الأحزاب والجماعات الصهيونية. لقد عانى أبناء الشعب الفلسطيني الإذلال والمهانة والقتل والإجرام وها هو اليوم يسعى لاسترداد كامل حقوقه على أرضه المسلوبة والمغتصبة فإرادة التحرير انطلقت رغم إرادات الخيانة والعمالة، والإجرام والطغيان حتى أنها كشفت ما كان مستوراً ومخفيا عن العالم أجمع للأنظمة العربية والإسلامية وأيضا أنظمة الإجرام المتصهين والمساند للصهينة في إجرامهم سراً وعلانية، ولم تعد مسألة التحرير إرادة وطنية بل أن شعوب الأرض تحركت تنصر القضية العادلة- لشعب جرد السلاح واغتصب أرضه وهجر وسفكت دماء أبنائه من أجل إرغامه على السكوت والقبول بعيشة الهوان والذل.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
حي كرم الزيتون… شاهد آخر على الإجرام الأسدي والأهالي رغم هول المعاناة متفائلون بغد أفضل
حمص-سانا
تهجير، وقهر، ومعاناة في المخيمات، بعض من قصة أبناء حي الزيتون بمدينة حمص، الذين أجبرهم النظام البائد تحت النار على ترك منازلهم لأكثر من عقد من الزمن، لكن النصر أعادهم إليها.
خراب ودمار خلفته آلة الإجرام الأسدي في كل مكان، فالجدران بين مهدم ومتصدع آيل للسقوط في أي لحظة، والطرقات مليئة بالحفر والأتربة، والبنية التحتية معدومة، حيث لا كهرباء ولا مياه ولا حتى صرف صحي، ومع ذلك عاد الأهالي إلى الحي بمعنويات عالية وأمل بغد أفضل في سوريا الجديدة.
سانا زارت الحي الذي انهمك فيه بعض الأهالي بنقل مواد البناء لترميم بيوتهم، وإلى جانبهم أطفال يلعبون بالرمل والحصى وقد غمرتهم الفرحة بالعودة إلى منازلهم، في صورة تجسد عودة نبض الحياة من جديد للسوريين المنهكين ولجميع المناطق التي طالتها يد الإجرام.
أم عيسى إحدى سكان الحي منذ خمسين عاماً، كانت شاهداً حقيقياً على الأحداث الأليمة التي مرت على الحي خلال سنوات الحرب، هذه السيدة تجلس اليوم بأمان أمام منزلها سعيدة بلقاء جيرانها، متجاوزة حزنها على فقدانها ابنها الشاب الذي تقوم بتربية ابنه حالياً، فيما وصفت أم طارق الحال بقولها: “بعد رحلة تهجير امتدت لأربعة عشر عاماً، كان خبر النصر وتحرير البلاد من الطغاة والظلم أجمل شيء ممكن أن يحدث، وأزال كل معاناة عشناها”، معربة عن ثقتها بأن جميع أبناء البلد سيكونون يدا واحدة لإعادة إعماره.
يوافقها الرأي أيمن أبو ناصر الذي أكد أن الأهالي اليوم يد واحدة في تنفيذ العديد من الأعمال الخدمية ضمن الإمكانات المتاحة، معرباً عن أمله بالإسراع بتأمين المدارس لأبناء الحي، والمنقطعين دراسياً، ويضيف: “منذ بدء الثورة هجرنا النظام إلى عدرا البلد في دمشق، ومنها إلى لبنان، أولادنا كبروا بدون مدارس ولا تعليم، عدنا يوم التحرير ورأينا كيف أن النظام البائد أعاد البلد خمسين سنة للوراء، لكن علينا البدء ببناء ما تم تخريبه ودماره”.
الشاب عبد الهادي، من سكان الحي العائدين يقول: “عانينا الكثير من ظروف استغلال أصحاب البيوت والقائمين على المخيمات في لبنان، وبعد 13 سنة عدنا وفوجئنا بالخراب الكبير في منازلنا، ونحتاج لمبالغ كبيرة لإعادة تأهيلها”، مؤكداً أن كل ذلك يهون فداء للنصر والتحرير، فيما أعرب يوسف اليوسف عن أمله بعودة جامع أحمد الرفاعي بالحي لاستقبال المصلين، ولا سيما مع اقتراب حلول الشهر الفضيل، أما والد الشهيد عامر عبد الكريم القصير، فما زال يحتفظ بذكرى تشييع ولده محمولاً على الأكتاف من أهل الحي، قبل تهجيرهم من قبل النظام المجرم.
ويصف مختار الحي المهندس صفوان حلاوة واقع الحي بالقول: “الحي قبل التحرير كان يعاني من سوء إهمال للخدمات بشكل كبير، ولا سيما البنى التحتية، ومع عودة المهجرين إثر التحرير باتت الحاجة ماسة لتأمينها، ولا سيما المدارس، والمستوصف الصحي”، مشيراً إلى أنه لا توجد خدمات لليوم بالرغم من عودة نحو ستة آلاف شخص، والأعداد في زيادة يومياً.
ويقع حي كرم الزيتون في الجهة الشرقية لمدينة حمص، ويعد أكبر الأحياء مساحة، ممتداً بين مستوصف باب الدريب شمالاً وشركة الفوسفات جنوباً، وبين طريق باب الدريب غرباً وشارع الستين شرقاً.