لماذا تبدو السعودية مترددة في الالتزام تجاه الحرب في غزة؟
تاريخ النشر: 8th, December 2023 GMT
نشر موقع "أوريون 21" الفرنسي تقريرا يستعرض موقف السعودية من تصاعد الصراع في غزة وسلط الضوء على ترددها في المشاركة النشطة في مواجهة العدوان الإسرائيلي.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إنه قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كانت السعودية منخرطة في تطبيع علاقاتها مع إسرائيل. ومع ذلك، فإن التشكيك في هذا المشروع والتعبير عن التضامن مع الفلسطينيين لا يمكن أن يؤدي إلى اضطراب في خطط التحول الاقتصادي والاجتماعي التي يراهن عليها ولي العهد محمد بن سلمان لبقائه السياسي، ومن هنا يأتي حذره الشديد في التزاماته الملموسة لصالح غزة.
وبين الموقع أن رد الفعل السعودي العلني على أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر اتخذ طابع التحدي في البداية، وبعيدًا عن التعليقات المتحيزة لإسرائيل التي تدفقت من العواصم الغربية (أبو ظبي)، فإن الموقف الذي تم تبنيه في الرياض ألقى باللوم فيما حدث في إسرائيل على الحرمان الذي لحق بالشعب الفلسطيني.
وأكد البيان الرسمي لوزارة الخارجية ما أعلنه فيصل بن فرحان آل سعود، رئيس السياسة الخارجية للمملكة، في افتتاح الدورة 78 للجمعية العامة للأمم المتحدة أنه: على الرغم من التلميحات بعكس ذلك، أي تأكيد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على أن السعودية مستعدة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بشرط موافقة الأخيرة على "جعل الحياة أسهل للفلسطينيين"؛ تظل المملكة متمسكة بمبادئ مبادرة السلام العربية لسنة 2002 وإذا كانت واشنطن وتل أبيب راغبتين في استكمال العملية التي بدأها أنور السادات في كامب ديفيد سنة 1978، فسيتعين على إسرائيل أن تتراجع على حدود سنة 1967 وأن تحل قضية اللاجئين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
منع أي تدابير ملموسة
وأبرز الموقع أن رسالة الرياض بعثت الأمل في المنطقة، وينطبق الشيء نفسه على المحادثة الهاتفية التي أجراها محمد بن سلمان مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في 12 تشرين الأول/أكتوبر. بالإضافة إلى ذلك؛ فإن فكرة انضمام االسعودية إلى "محور المقاومة" في طهران كانت فكرة خيالية بطبيعة الحال.
ومع ذلك، فإن احتمال استخدام سلاح النفط لم يكن غير معقول، حتى لو كان أنصار هذه الفكرة قد بالغوا في تقدير مدى جدواها.
وفي سنة 1973، قبل وقت طويل من وصول قدرة إنتاج النفط في الولايات المتحدة إلى مستويات غير مسبوقة اليوم، كان الحظر الذي فرضته منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) قد أدى إلى زيادة أسعار المنتجات النفطية، وبالتالي، سمح بممارسة الضغوط السياسية.
ولكن في وقت اتسم باستسلام وتراجع الدول العربية، كان من الطبيعي تماما أن يبدأ الرأي العام، الذي روعه ما يحدث في غزة، في الرغبة في تشكيل جبهة موحدة تضامنًا مع الفلسطينيين.
ومع مرور الأسابيع وارتفاع عدد الضحايا في غزة، تبين بشكل مدهش أن الثقة الممنوحة للسعودية في غير محلها.
وعلى الرغم من عدم ذكر مصادر، أشارت التقارير الواردة من وسائل الإعلام المرتبطة بالدوحة إلى أن الرياض، إلى جانب ثلاث "دول مؤثرة" أخرى، عملت على عرقلة مقترحات تدعو أعضاء جامعة الدول العربية إلى تجميد العلاقات الدبلوماسية والتجارة مع إسرائيل، وحظر استخدام المجال الجوي والقواعد العسكرية (الأمريكية) لإعادة إمداد الجيش الإسرائيلي، والتعبير علنًا عن رغبتها في تطبيق الحظر على النفط.
وحافظ النظام على رقابة مشددة قدر الإمكان على المواطنين السعوديين، فمن ناحية، شمل ذلك الاستفادة من سلطات المراقبة الواسعة التي تتمتع بها الدولة وسلطاتها القانونية التقديرية - الناشئة عن الغياب المستمر لقانون العقوبات - لإبقاء حرية التعبير ضمن الحدود، ومن ناحية أخرى؛ كان من الضروري اتخاذ تدابير أكثر شخصية تستهدف مجموعات المصالح الوطنية الرئيسية.
مخاطبا المسلمين، أرسل النظام عبد الرحمن السديس، رئيس الشؤون الدينية في المسجد الحرام، في 10 /تشرين الثاني/نوفمبر، لتذكير المشاركين في صلاة الجمعة بأن التعليق على ما يحدث في غزة هو من اختصاص حكام السعودية وحدهم، الذي يجب على جميع المواطنين الخضوع لهم.
وأورد الموقع أنه من خلال اهتمامهم بشباب البلاد، حرص القادة السعوديون على استمرار المهرجان الكبير، "موسم الرياض"، وكأن شيئًا لم يكن.
كما أن حقيقة استمرار الحفلة بينما تم إلغاء الفعاليات الثقافية والاحتفالات الدينية، بما في ذلك عيد الميلاد، تضامنٕا مع محنة غزة في بقية المنطقة، يسلط الضوء فقط على أولويات النظام السعودي.
وبدلا من استخدام النفوذ الاقتصادي لإجبار القوى الغربية على تغيير سياساتها، اتخذ ولي العهد ومساعدوه جميع الخطوات اللازمة لضمان استمرار ثاني أكبر منتج للنفط في العالم في العمل كالمعتاد.
وهكذا، في سياق النكبة الفلسطينية الجديدة، يبدو أن النظام يتطور من خلال مزيج من الاستسلام وجلد الذات وعلامات الفضيلة، كما أنه يستنكر الفظائع التي ارتكبت ويدعو إلى وقف العنف ويعقد اجتماعات ويدعو إلى الظهور بمظهر المعني بالأمر، ويدعو دائمًا إلى حل الدولتين.
ومن ناحية أخرى، وإدراكًا منه لمصالحه الخاصة، يتخلى النظام عن أي عمل من شأنه أن يخلف تأثيرا ماديا على القضية الفلسطينية، ليحكم على سكان غزة (والضفة الغربية على نحو متزايد) بمعاناة مصيرهم وحدهم.
منطق البقاء على قيد الحياة للنظام
وأفاد الموقع أنه لتفسير هذا النوع من موقف الانتظار والترقب، فإن الجمود الناتج عن عقود من الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة، والذي تفاقم بسبب التعاون السري مع إسرائيل، التي سعت سرًّا لمساعدة واشنطن على نقل التقنيات النووية إلى الرياض خلال الأشهر الأخيرة، يلعب بالتأكيد دورًا مهمًّا.
ويلعب انعدام الثقة المستمر بين السعودية وإيران دورا أيضا، على الرغم من الانفراج الأخير الذي توسطت فيه الصين.
وقبل سنة واحدة فقط، التقى كبار المسؤولين العسكريين السعوديين سرًّا مع نظرائهم البحريني والإماراتي والقطري والأردني والمصري والإسرائيلي في اجتماع استضافته الولايات المتحدة لتنسيق إستراتيجية مشتركة لمواجهة إيران، ولا شك في أن ازدراء الأسرة الحاكمة السعودية الشديد لإيديولوجية الإخوان المسلمين وحماس له أهمية أيضًا في السياق الحالي.
وأشار الموقع إلى أن الركيزة الأولى تتمثل في مشروع التنمية، فوفقا لأحدث التقديرات، يبلغ معدل البطالة بين الشباب 23.8 بالمئة، بينما يُمنعون من الوصول إلى الخدمات العامة ذات الأجر الجيد، كما أن دخل الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 40 سنة أو أقل منخفض أيضًا.
وإدراكًا لاعتماد الاقتصاد المستمر على عائدات النفط والأزمة الاجتماعية؛ راهن ولي العهد في سنة 2016 بمستقبله على رؤية 2030. وتنبأت هذه "الرؤية" بالتحول الكامل لقطاعات تتراوح من السياحة إلى الطاقة إلى التصنيع، وكان عليها أن تعيد توجيه الموارد العامة.
في الواقع، من المقرر أن تبدأ أكبر استثمارات الدولة في سنة 2025، عندما يخصص صندوق الثروة السيادية للدولة 175 مليار دولار (161 مليار يورو) سنويا لتمويل سلسلة من المشاريع العملاقة، بما في ذلك أشهرها، مدينة نيوم المستقبلية.
أما الركيزة الثانية التي تفسر موقف الانتظار والترقب السعودي بشأن فلسطين، فهي مرتبطة بضرورة الحفاظ على ضمانة الأمن الخارجي.
ومع ذلك؛ استغل ولي العهد ظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب؛ حيث إن العلاقات الأمنية مع الصين، والتي تم إضفاء الطابع المؤسسي عليها من خلال انضمام السعودية إلى منظمة شنغهاي للتعاون كشريك حوار في آذار/مارس 2023، لا يمكن تجاهلها على الإطلاق. وكانت مخصصة جزئيا لعمليات النقل التكنولوجية والعلمية الرئيسية (الطائرات دون طيار، والاتصالات، والأقمار الصناعية، والقطارات عالية السرعة) التي نفذتها بكين إلى المملكة.
ومع تحول السعودية إلى ثاني أكبر مصدر للنفط الخام إلى الصين على مدى العقد الماضي - فإن إنشاء خط مقايضة عملات بقيمة 7 مليارات دولار (6.47 مليار يورو) مؤخرًا ومضمون المفاوضات الحالية بشأن عقد توريد آجل جديد يشير إلى أن السعودية ستحتل المركز الأول قريبا. ومن المتوقع أيضًا أن تتعمق العلاقات الأمنية الثنائية مع الصين.
الولايات المتحدة لا تزال ضرورية
وذكر الموقع أنه على أية حال، بالنسبة لمحمد بن سلمان، كما هو الحال مع أسلافه، فإن الحامي الأجنبي الوحيد الذي يتمتع بالمصداقية الحقيقية يظل الولايات المتحدة. فقبل اضطرابات السابع من تشرين الأول/أكتوبر، كانت المناقشات حول معاهدة دفاع مشترك مماثلة لتلك التي أبرمتها الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية واليابان تمضي قدمًا كجزء من المفاوضات حول اتفاق التطبيع مع إسرائيل.
ونظرا للاضطراب الذي من المتوقع أن تولده هذه الحرب، فإن تكلفة تأمين التوقيع السعودي على السلام مع إسرائيل في البيئة الحالية قد زادت، بالرغم أنه من المؤكد أنها ستواجه عقبات كبيرة في الكونجرس الأمريكي، إلا أنها قد تتطلب موافقة واشنطن على معاهدة دفاعية صارمة، أشبه بمعاهدة حلف شمال الأطلسي.
واختتم الموقع أنه بالنسبة لمحمد بن سلمان، فإن الظروف التي خلقتها المعاناة في غزة مواتية بشكل متناقض، وإذا لعب بأوراقه بشكل صحيح، فقد تضطر الطائرات والدبابات الأميركية قريبًا إلى دعم نظامه ضد أعدائه في الداخل والخارج. وفي الوقت الذي تحاول فيه واشنطن فك الارتباط عن الشرق الأوسط، فإن هذا من شأنه أن يشكل ضربة ملحوظة، حتى لو كان ذلك يعني إدارة ظهرها لآلاف الضحايا، بما في ذلك أكثر من 6000 طفل، قتلوا على يد الجيش الإسرائيلي في غزة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية السعودية غزة العدوان محمد بن سلمان التطبيع السعودية غزة التطبيع العدوان محمد بن سلمان صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة إسرائيلية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة تشرین الأول مع إسرائیل الموقع أنه الموقع أن ولی العهد بن سلمان فی غزة
إقرأ أيضاً:
???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
???? عبد الرحمن عمسيب ، الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه
( عميد التَنوير ، نِحرِير النبوءاتِ العَتيقة )
في أعمق لحظاتي مع نفسي صدقاً ، لا أراني أعظَمُ مَيلاً للحديث عن الشخصيات، إن تكرَّمَت وأسعفَتني الذاكرة ، فقد كتبتُ قبل عن فيلسوفِ الغناء مصطفى سيد أحمد ، والموسيقار الكابلي ، والمشير البشير ، وشاعر افريقيا الثائر ؛ الفيتوري .
لا أجدُني مضطراً لمدح الرّجال ، ولكنها إحدى لحظات الإنصاف ، ومن حسن أخلاق الرجال أن ينصفوا أعداءهم، دعك من أبناء جلدتهم ونبلائها ، والرجلُ ليس من قومنا فحسب، بل هو شريف قوم وخادمهم ، خطابه الجَسور يهبط حاملاً “خطاب” ابن يعمر الإيادي لقومه ، وخطبة درويش “الهندي الأحمر” ، و”بائية” أبي تمّام ، وتراجيديا الفيتوري في “التراب المقدّس” ..
عبد الرحمن ، لم يكن حالة مثقفٍ عادي ، “عمسيب” مثالٌ للمثقف العضوي قويّ الشَّكِيمَة ، العاملِ علَى المقاومة والتغيير والتحذير ، المحاربِ في ميادين التفاهة والتغييب والتخدير ، المتمرّد على طبقته ، رائد التنوير في قومه ، ظلّ يؤسس معرفياً وبأفقٍ عَالمٍ لنظرية اجتماعية ، نظرية ربما لم تُطرح في السوح الثقافية والاجتماعية من قبل ، أو لربما نوقشت على استحياء في همهمات أحاديث المدينة أو طُرحَت في ظلام الخرطوم عَهداً ثم غابت . هذا الرجل امتلك من الجسارة والثقافة العميقة بتفاصيل الأشياء وخباياها ، ما جعله يُقدم على تحطيم الأصنام السياسية والثوابت الاجتماعية وينفض الغبارَ عن المسكوت عنه في الثقافة والاجتماع والسياسة.
عمسيب قدم نظريةً للتحليل الاجتماعي والسياسي ، يمكن تسميتها بنظرية ( عوامل الاجتماع السياسي) أو نظرية ( النهر والبحر) في الحالة السودانية ، فحواها أن الاجتماع البشري يقوم على أسس راسخة وليس على أحداث عابرة . فالاجتماع البشري ظلّ منذ القدم حول ( القبيلة Tribe ) ثم ( القوم Nation ) ثم ( الوطن Home) ثم ( الدولة country) . هذا التسلسل ليس اجتماعيٌ فحسب، بل تاريخيٌ أيضاً ، أي أن مراحل التحَولات العظيمة في بِنية المجتمعات لا يصح أن تقفز فوق الحقب الاجتماعية ( حرق المراحل).. فالمجتمعات القَبَلية لا يمكنها انتاج (دولة) ما لم تتحول إلى (قومية) ، ثم تُنتج (وطن) الذي يسع عدد من القوميات ، ثم (دولة) التي تخضع لها هذه القوميات على الوطن ، مع تعاقد هذه القوميات اجتماعيا على مبادئَ مشتركة، وقيمٍ مضافة ، كالأمن والتبادل الاقتصادي وادارة الموارد ، والحريات الثقافية ونظام الحكم .
هذه النظرية تشير إلى أن الاجتماع السياسي في السودان ظل في مساره الطبيعي لمراحل التسلسل التاريخي للمجتمعات والكيانات ، إلى أن جاءت لحظة ( الاستعمار) Colonization . ما فعله الاستعمار حقيقة ، أنه وبدون وعي كامل منه ، حرق هذه المراحل – قسراً – وحوّل مجتمعات ما قبل الدولة ( مجتمعات ما قبل رأسمالية) إلى مجتمعات تخضع للدولة.
فالمجتمعات التي كانت في مرحلة ( القبيلة) او تلكَ في مرحلة( القومية) قام بتحطيم بنيتها وتمحوراتها الطبيعيه وتحويلها إلى النموذج الرأسمالي الغربي ، خضوع قسري لمؤسسات الدولة الحديثة، مجتمع ما بعد استعماري ، تفتيت لمفاهيم الولاءات القديمة الراسخة ، بل وتغييرها إلى نظم شبه ديموقراطية، وهذا بالطبع لم يفلح، فبعد أن حطّم المستعمر ممالك الشايقية ودولة سنار ومشيخات العرب بكردفان ومملكة الفور ، وضم كل ذلك النسق الاجتماعي ( القبلي / القومي) إلى نسق الوطن/ الدولة.. أنتج ذلك نخب وجماعات سياسية ( ما بعد كولونيالية ) تعيش داخل الدولة ، لكنها تدير الدولة باللاوعي الجمعي المتشبّع بالأنساق التقليدية ( القبيلة / الطائفة / القومية) ، أي مراحل ماقبل الوطن والدولة.
ما نتج عن كل هذه العواصف السياسية والاجتماعية ، والاضطرابات الثقافية، أن هذه المجتمعات والقوميات التي وجدت نفسها فجأة مع بعضها في نسق جديد غير معتاد يسمى ( الدولة) ، وأقصدة بعبارة ( وجدت نفسها فجأة) أي أن هذا الاجتماعي البشري في الاطار السياسي لم يتأتَ عبر التمرحلات الطبيعيه الانسانية المتدرجة للمجتمعات، لذا برزت العوامل النفسية والتباينات الثقافية الحادة ، الشيئ الذي جعل الحرب تبدأ في السودان بتمرد 1955 حتى قبل اعلان استقلاله . ذات الحرب وعواملها الموضوعيه ومآلاتها هي ذات الحرب التي انطلقت في 2002 ثم الحرب الأعظم في تاريخنا 2023 .
أمر آخر شديد الأهمية، أن دكتور عبد الرحمن ألقى حجرا في بركة ساكنة، وطرق أمراً من المسكوت عنه ، وهو ظاهرة الهجرات الواسعة لقوميات وسط وغرب افريقيا عبر السبعين عاما الماضية ( على الأقل) , فظاهرة اللجوء والهجرات الكبيرة لقبائل كاملة من مواطنها لأسباب التصحر وموجات الجفاف التي ضربت السهل الافريقي، ألقت بملايين البشر داخل جغرافيا السودان، مما يعني بالضرورة المزيد من المنافسة العنيفة على الأرض والموارد وبالتالي اشتداد الحروب والصراعات بالغة العنف، وانتقال هذا التهديد الاستراتيجي إلى مناطق ومجتمعات وسط وشمال السودان ( السودان النّهري)
اذن ، سادتي ، فنظرية (الاجتماع السياسي ، جدلية الهوية والتاريخ ) هذه تؤسس لطرائق موضوعيه ( غير منحازة) لتفسير الظواهر الاجتماعية والثقافية وجدليات الحرب والسلام ، وتوضّح أسباب ظاهرة تعدد الجيوش والميليشيات القبلية والمناطقية والخطابات المؤسسة ديموغرافياً ، وما ينسجم معها من تراكمات تاريخيه وتصدّعات اجتماعية عميقة في وجدان تلك الجماعات العازية .. التوصيات البديهية لهذا الخطاب ، أن الحلّ الجذري لإشكاليات الصراع في السودان هو بحلّ جذور أزمة الهوية، والهوية نفسها لم تكن ( أزمة) قبل لحظة الاستعمار الأولى ، بالتالي تأسيس كيانات جديدة حقيقية تعبّر عن هويات أصحابها والعقد الاجتماعي المنعقد بين مجتمعاتها وقومياتها .
النظرية التي أطلق تأسيسها دكتور عبد الرحمن، لم تطرح فقط الأسئلة الحرجة ، بل قدمت الإجابات الجسورة وطرقت بجراءة الأبواب المرعبة في سوح الثقافة والاجتماع والسياسة في السودان.
Mujtabā Lāzim
إنضم لقناة النيلين على واتساب