الغارديان: هل ندم بايدن على منحه صكًا على بياض لنتنياهو في غزة؟
تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT
قالت الكاتب سايمون تيسدال إن الرئيس الأمريكي جو بايدن نادم الآن على الدعم القوي الذي منحه لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، وعليه التحرك قبل ان يفوت الأوان. وقال إن الهجوم على غزة لا يضر فقط بمصالح الولايات المتحدة والغرب، ولكنه يحمل مخاطر زعزعة استقرار الشرق الأوسط.
وقال تيسدال بمقال في صحيفة الغارديان: "جو بايدن لديه مشكلة اسمها بنيامين نتنياهو، وكيف يتعامل معها ملح جدا مع مرور كل يوم دموي ووحشي.
وكذا أيضا، الآمال بوقف هذه الحرب التدميرية الضخمة ومنع انتشارها من غزة والتقدم نحو سلام دائم". ويعلق الكاتب أن القصف الذي أمر به رئيس الوزراء الإسرائيلي في مرحلة ما بعد الهدنة والغزو البري لجنوب غزة يتشكل ليصبح أكثر "جهنمية" بعبارات مسؤول في الأمم المتحدة، وأكثر من القصف العشوائي الذي سبقه في الشمال.
ولدى الرئيس الأمريكي أوراق نفوذ تمكنه من الأخذ على يده، وهي ليست متوفرة للأوروبيين والقادة العرب و "يجب على بايدن أن يقود".
فقد كان من الواضح وقبل هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر أن بايدن ونتنياهو لم يكونا يتحدثان معا تقريبا. وتم حجب الدعوة التقليدية لنتنياهو كي يزور البيت الأبيض بعد فوزه في انتخابات الخريف السابقة والتي جلبت حكومة اليمين المتطرف إلى "إسرائيل".
وكان السبب الرئيسي وراء هذا، هو عدم ارتياح بايدن من السياسات المتطرفة والمعادية للفلسطينيين التي تتبناها الحكومة الجديدة وبخاصة في الضفة الغربية المحتلة. وعندما هاجمت حماس، نحى بايدن الخلافات جانبا و "وكان خطأه وربما الخداع الذاتي المتعمد هو اعتقاده أن نتنياهو هو من نفس معدنه" أي قلب طيب وصادق، كما يصف الكاتب بايدن هنا.
واقترح بايدن مباشرة حزمة مساعدات من 14 مليار دولارا ونشر حاملات طائرات للمعارك البرية وسافر إلى تل أبيب والقى خطابا عاطفيا وقدم تعازيه وتعاطفه، وكل هذا غريب على نتنياهو.
إلا ان هذا التعبير عن الدعم غير المشروط، فسره نتنياهو بأنه "صك أبيض" لعمل ما يريد لملاحقة حماس في غزة. وكان إنجازه الوحيد حتى الآن ، في ضوء عدم هزيمة "الإرهابيين"، هو ذبح غير مسبوق للفلسطينيين، حيث وصل العدد حتى الآن 16.000 شخصا.
وبعدما شك بايدن في حجم المذبحة، بدأ وببطء- بطء شديد- بتعديل موقفه، وأصدر دعوات قوية للتناسب وتوفير المساعدات الإنسانية واحترام القانون الدولي. وكان يرد في جزء من هذا على الضغوط العربية ومخاوف توسع الحرب والغضب المتزايد بين الديمقراطيين والناخبين الشباب نظرا لأفعال نتنياهو. ويعتقد الكاتب ان بايدن مصدوم بصدق، فهذه ليست إسرائيل التي دعمها لعقود وهو في الكونغرس. إلا أن نتنياهو وجنرالاته الذين يزعمون أنهم يصغون لما يقوله بايدن، في الحقيقة لا. فالهجوم البري بعد الهدنة على مدينة خان يونس، وآكبر مدينة في الجنوب والتي يفترض أنها قاعدة يحيى السنوار أنتج ضحايا بالأعداد.
وأخبر وزير الخارجية، أنطوني بلينكن نتنياهو أن صبر الولايات المتحدة ينفذ " فالخسارة الفادحة في الأرواح والتشريد على القاعدة التي شاهدنا في شمال غزة [يجب] ألا تكرر في الجنوب". ودعا بايدن، نتنياهو للتوقف عن خرق القانون الدولي، رسالة رددتها نائبته كامالا هاريس في مؤتمر دبي وأكدها وزير الدفاع لويد أوستن الذي حذر نتنياهو من "استبدال نصر تكتيكي بهزيمة استراتيجية" من خلال دفعه الفلسطينيين إلى أحضان حماس.
ويعلق الكاتب أن نتنياهو لديه الحق بمقاومة النصيحة من الخارج، حتى لو كانت الصديق والشريك العسكري والدبلوماسي والمالي الذي لايستغنى عنه، لكن هذا منطقي لو في خدمة المصالح الإسرائيلية.
وهذا هو الجوهر، فقد قدم نتنياهو، ومنذ البداية، مصالحه الشخصية على مصالح بلاده. فبعد أسوأ فشل أمني يواجه إسرائيل منذ 56 عاما، يأمل نتنياهو بإنقاذ مسيرته السياسية وشن حرب طويلة، وفي الوقت الحالي، يرفض وعن قصد المطالب الأمريكية ويتبنى الأساليب التي ستؤدي إلى خسائر إضافية كبيرة في جنوب غزة. ويواصل كسر وعوده بعدم عرقلة الإمدادات الإنسانية من مصر. وفي الوقت الحالي لا تعمل شيفرة الهاتف، أوريل كيو أر، لإجلاء المدنيين إلى مناطق آمنة، بسبب قطع الإتصالات.
والأكثر تعنتا، من وجهة نظر الجيران العرب والمجتمع الدولي، هي تصريحات نتنياهو من أجل إنشاء منطقة عازلة ودائمة في غزة المكتظة بالسكان وتفضيل الإحتلال الدائم ورفضه القاطع لمقترحات إدارة بايدن لإدارة السلطة الوطنية الفلسطينية القطاع بعد الحرب وإحياء محادثات حل الدولتين. وفوق كل هذا، فهو يتجاهل مخاطر تصعيد الكابوس الإقليمي الذي تخشاه الولايات المتحدة. ومنذ نهاية الهدنة يوم الجمعة ارتفعت مستويات العنف في الضفة الغربية وجنوب لبنان والبحر الأحمر.
وربما اعتقد نتنياهو أنه سيستفيد من "مقاومته" لأمريكا، لكن على بايدن حرمانه من هذا ومن الفكرة الخبيثة عن مواصلة الحرب التي تعاقب بشكل جماعي سكانا عزلا والتي تضر وبشكل متزايد بالمصالح الأمريكة وتدمر أمن إسرائيل على المدى البعيد.
ولا يمكن لبايدن مواصلة الجلوس بالمقعد الخلفي أو التخفي وراء مسؤوليه، ويجب عليه شخصيا رسم الخطوط، وما هو مطلوب من البيت الأبيض أفعال أقل من "العم المتعاطف" وأقل من جو القذر والكثير من رب عائلة قوي وقائد أعلى لأقوى دولة في العالم. ويحتاج بايدن للتوقف عن المناشدة وتحديد الثمن الواضح لهذا المسار المتهور (بما في ذلك عقوبات أمريكية) والتحدث مباشرة كما فعل في تشرين الأول/أكتوبر للإسرائيليين ومعارضي نتنياهو ومعارضي المتطرفين وإمكانية استبدال رئيس الوزراء بواحد مثل يائير لابيد أو بيني غانتس.
وعلى بايدن تكسير رؤوس ببعضها، فنتنياهو رجل ليس مناسبا لحكم "إسرائيل" وقيادتها وسط أزمة. ولا يهمه عدد الأموات طالما نجا. وتحويل ذكرى قتلى تشرين الأول/ أكتوبر إلى سلاح يعرض حياة بقية الرهائن، ونتنياهو يقود إسرائيل إلى طريق مسدود مميت وفوق جثث سكان غزة المكدسة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية بايدن غزة غزة بايدن طوفان الاقصي صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
فصول من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. (1) سليل الإرهاب
ابتداء من هذا العدد، تنشر بوابة «الأسبوع» فصولًا من كتاب «نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى» للكاتب الصحفي مصطفى بكري رئيس التحرير، والصادر عن دار كنوز للنشر والتوزيع. وفي الحلقة الأولى يرصد المؤلف تاريخ نتنياهو منذ الطفولة وعلاقته بوالده الذي لقنه الأفكار المتطرفة والمعادية للعرب والفلسطينيين، خاصة وأن جده كان من كبار دعاة الحركة الصهيونية. لقد رباه والده على كراهية أي يهودي يقبل بمصافحة العرب، وكان دائم الترديد على مسامعه «أن العربي إذا مد يده بالسلام، فانظر إلى يده الأخرى.. فإنك ستجد خنجرًا ممدودًا إليك».
الحلقة الأولى:-والده رباه على التطرف وكراهية العرب وجده من قادة الحركة الصهيونية
- كان يقول له: العرب أقل من أن تحدثهم أو تنظر إليهم
- المفكر الصهيوني المتطرف «جابوتنسكى» كان مثله الأعلى
في الثالث والعشرين من أكتوبر لعام 1949، ولد بنيامين تسيون نتنياهو في مستشفى “أسونا” بتل أبيب، أي بعد إعلان ولادة دولة الكيان الصهيوني بعام وخمسة أشهر تقريبًا.
كان جد بنيامين خطيبًا مفوهًا.. ومن كبار دعاة الحركة الصهيونية.. وكان يمتلك قدرات هائلة لجذب المزيد من يهود العالم، خاصة اليهود الشرقيين إلى “أرض الميعاد” حسب الوصف الصهيوني، وقد عرف عنه كرهه الشديد للعرب، ومن المؤمنين بضرورة اختفائهم من فوق ظهر الأرض.
وكان “تسيون” يرى ألا يكتفى اليهود بإقامة دولتهم في فلسطين فحسب، بل يجب أن تمتد حدودها في كل الأراضي والمناطق المجاورة لـ “أرض إسرائيل” في فلسطين على حد تعبيره.
وقد طبّع الجد ميليكوفسكي أولاده التسعة، ومن بينهم “تسيون نتنياهو” والد بنيامين بشخصيته القوية والمؤثرة.. حتى أن “تسيون” كان من فرط تأثره بآراء والده.. يردد أمام أولاده بأن العرب.. “دنس.. وأن الكلاب أفضل منهم لو أقاموا فى البلدان المجاورة لنا”.
ومن أقواله كذلك “إنك إذا سرت فى الطريق مع كلب.. أفضل من أن تسير مع عربى”.. وكان يردد على مسامع أولاده بأنه لا مجال للتعامل مع العرب إلا بإبادتهم.. وأنه لا حلول وسط فى هذه المسألة.
ومنذ صغره تشرب “بنيامين” من والده “تسيون نتنياهو” حبه لزعماء الحركة الصهيونية بل وتمجيدهم، حيث كان الأب يتغنى بآباء الحركة.. بينما نجله “بنيامين” ينقل عنه هذه الأغانى ويحفظها عن ظهر قلب.. بل ويرددها أمام أصدقائه بين الحين والآخر.. مبديًا تفاخره بأن والده هو صاحب هذه الأغانى.
وكانت هناك علاقة تربط فى ذلك الوقت بين والد بنيامين و”زئيف جابوتنسكى” مؤسس الحركة التصحيحية المتطرفة، حيث شكلت تلك العلاقة إدراك وعقلية “بنيامين نتنياهو”.. .ذلك أنه كان معروفًا عن المتطرف الصهيونى “جابوتنسكى” ميوله العدوانية الواضحة ضد العرب.. وكرهه الشديد لهم.
لقد كان كل من تسيون وجابوتنسكى يؤمنان بالعنف المطلق مع العرب وحتميته.. فيما كان يسعى “حاييم دايزمان” إلى المرونة فى التعامل معهم.
وفى هذا الجو المشحون بالعداء للعرب.. ولد “بنيامين تسيون نتنياهو”، حيث رباه والده على كراهية أى يهودى يقبل مصافحة العرب.. وكان دائم الترديد على مسامعه ”أن العربى إذا مد يده إليك بالسلام.. فانظر إلى يده الأخرى.. فإنك ستجد خنجرًا ممدودًا إليك”.!!
هذه الأفكار التى آمن بها والد “بنيامين نتنياهو” هى التى دفعت المتطرف الصهيونى جابوتنسكى لأن يعينه رئيسًا لتحرير صحيفة “هايروين” الصهيونية.. والتى من خلالها لمع اسمه وذاع صيته.. حيث تخصصت تلك الصحيفة فى مهاجمة كل يهودى أو مسئول يفكر ولو بشكل غير مباشر فى السلام مع العرب أو أن يجلس معهم على مائدة مفاوضات واحدة.
ومن الكلمات التى كان يرددها “تسيون” على مسامع ولده “بنيامين” قوله “إنك أفضل من أى عربى.. وإذا جلست فاجلس مع من هم نظراؤك.. فالعرب أقل من أن تحدثهم أو تنظر إليهم”.. إلا أن الأكثر تأثيرًا فى عقل “بنيامين نتنياهو” كانت هى تلك الكتب الصغيرة التى ألفها والده وآخرون من خلال دار النشر الصغيرة التى أنشأها.. وهى كتب تدور فى مجملها حول “أسس الحركة الصهيونية” و “كيفية إقامة دولة إسرائيل” و “إسرائيل المستقبل والأمل” و”العرب إلى الهاوية” و “إسرائيل العظمى فى كل البلاد العربية”.
كان “تسيون” حريصًا على تلقين ابنه دروسًا يومية فى السياسة.. شارحًا له بالتفصيل كيفية تفكير “جابوتنسكى” القائد الملهم له.. والذى سيصبح أيضًا القائد الملهم لنجله “بنيامين”!!
لقد عرف جابوتنسكى بكثرة تنقلاته وسفرياته بالاضافة إلى علاقاته الوطيدة بعدد من المسئولين الأمريكيين، والترويج لمقولاته أينما ذهب، فاستطاع بذلك أن يضم إلى جانبه آلاف المتطرفين والذين أمنوا بمقواته
فى العام 1940، شغل “تسيون نتنياهو” منصب السكرتير الشخصى لجابوتنسكى، وبات ملازمًا له فى كل رحلاته وتحركاته.. وأتاح له ذلك الاطلاع على العديد من الأوراق السرية التى كان يتم الإعداد والتخطيط من خلالها لإقامة دولة إسرائيل، وقد ضمت هذه الأوراق وثائق فى غاية الأهمية احتفظ بها “تسيون” وحده بعد وفاة جابوتنسكى.. وكانت هذه الوثائق تحمل عبارة تقول: “إلى كل مخلص.. إلى كل وطنى.. إلى كل شريف فى هذا الكون.. إذا ما وقعت هذه الأوراق فى يدك.. عليك أن تكون أمينًا فى تنفيذ ما بها حتى ترضى الله.. فشعب الله المختار الذى شرد ونهبت ثرواته لابد أن يعود.. وعندما يعود لابد أن يكون سيد العالم.. ومع سيادة العالم لابد من إبادة العرب الأقذار”.
هذه الأوراق السرية لم يتح لأحد الإطلاع عليها سوى “تسيلاه سيجل” والدة “بنيامين نتنياهو”.. ثم شاء القدر أن تشكل تلك الأوراق رؤية “بنيامين” فى المستقبل، حتى أنه من كثرة قراءته لهذه الوثائق حفظها وكان دائم الترديد لها.
وقد كان والده حريصًا على ألا ينسى نجله “بنيامين” ما تحمله تلك الوثائق من أفكار ومعتقدات، حتى أنه كان يطلب منه ترديدها فى إطار حلقات استماع كان يعقدها بحضور بقية اخوته، لدرجة أن والدته “تسيلاه” كانت تشفق عليه من والده الذى كان دائم الإصرار على تلقينه كل دروس الصهيونية.
وكانت “تسيلاه” ذاتها صهيونية متطرفة.. فهى من أسرة ثرية تنتمى لرجل أعمال يهودى، لديه العديد من المشروعات المتعددة والمترامية الأطراف، سواء فى الولايات المتحدة أو إسرائيل.. حيث كان يخصص ريعًا سنويًا من هذه المشروعات، بالإضافة إلى مساهمات كبيرة من أجل تنشيط الحركة الصهيونية.
وكان لدى والد “تسيلاه” تطلع دائم بأن يسخر كل القوى الدعائية لصالح إسرائيل والحركة الصهيونية.. ولذا فقد كان يسعى للسيطرة على وسائل الإعلام المختلفة من أجل دعاية مؤيدة للصهيونية.
وحين اشتد عود “تسيلاه” وأصبحت زميلة لـ”تسيون” فى حركة جابوتنسكى، جمعهما كره مشترك لعائلة وايزمان.. ومن هنا تبرز طبيعة العداء الذى حمله “بنيامين” عن والده ووالدته لرئيس إسرائيل الأسبق عيزرا وايزمان.
كانت والدة “بنيامين” تعشق القانون.. ورأت أن دراستها له يمكن أن تفيد الحركة الصهيونية أكثر بكثير من دراستها لأى فرع من فروع العلم الأخرى، حيث رأت أن القانون سيعلمها المنطق وتفنيد الحجج المضادة التى يمكن استخدامها ضد إسرائيل، خاصة من جانب العرب فى حال إقامة دولة إسرائيل.. وكان ولعها بالقانون وسيلة لتحقيق حلم الصهيونية الكبرى وتنفيذ تعليمات “جابوتنسكى” فى أن دراسة القانون مفيدة لأسس الحركة.. وأنها ستعطيها قوة جديدة تضاف إلى قوة المفكرين للحركة.
كانت “تسيلاه” مؤمنة بأن “جابوتنسكى” على حق حين أدرك أن الخطابة وحدها ليست كافية لدعم أسس الحركة.. وأنه لابد من سفراء لهذه الحركة فى مختلف دول العالم وأن سفراء هذه الحركة لابد أن يكونوا على قدر كبير من العلم والفهم الكامل لمتطلبات الحركة فى العقود القادمة.
وكان جابوتنسكى حريصًا على توجيه تلاميذه إلى دراسة فروع العلم المختلفة.
وقد برز تفوق “تسيلاه سيجل” بشكل واضح لدى دراستها للقانون بالجامعة العبرية بالقدس.. وعرف عنها الصراحة والجدية فى عملها ودراستها.. ودفعتها دراستها للقانون إلى السفر إلى لندن، حيث انضمت هناك إلى الحركات الصهيونية الناشئة فى ذلك الوقت، وأبرزت اهتمامًا ملحوظًا بأنشطتها داخل تلك الحركات، حتى أنها أصبحت واحدة من القيادات المعروفة بتخطيطها الجيد من أجل إقامة دولة إسرائيل.. واستطاعت “تسيلاه” الارتباط فى ذلك الوقت بمن يعرفون بزعماء وآباء الحركة الصهيونية فى إنجلترا.. وتمكنت بفضل تلك الروابط الوثيقة من أن تسافر إلى العديد من البلدان الأوروبية.
فى ذلك الوقت.. كان “جابوتنسكى” المرتبط بآباء وزعماء هذه الحركة يعزز من وضعية “تسيلاه” ولأن “تسيون نتنياهو” كان رئيسًا لتحرير صحيفة “هايروين” ويتابع أنشطة “تسيلاه” رأى أنه من المناسب الارتباط بهذه الفتاة التى تشاركه الفكر والحلم فى إقامة دولة إسرائيل.. وخصوصًا أن العديد من الصفات الأخرى ربطت بينهما.. وفى مقدمتها الكره الشديد للعرب وضرورة العمل على إزالتهم من الوجود.
ولذا.. حين التقى “تسيون” و “تسيلاه” كونا ثنائيًا مشتركًا.. وكانا يكرهان أى شخص يحمل جنسية أية دولة- حتى ولو كان يهوديًا- يتحدث عن العرب بلغة لا يرغبانها.
كل هذه المؤثرات النفسية المعقدة لكل من «تسيون وتسيلاه» ورثها عنهما فيما بعد ابنهما «بنيامين» الذى قدر له فيما بعد تولى رئاسة حكومة إسرائيل لأكثر من مرة.
ومع حدوث الزواج بين “تسيون وتسيلاه” استجابت الزوجة لمطالب زوجها وقررت التفرغ لمعاونته.. ومع وفاة “جابوتنسكى” كان همهما الأول هو كيفية العمل على تنفيذ وصاياه التى يحتفظ بها “تسيون” والذى رأى أن تنفيذها يمكن أن يتم من خلال طبع كتيبات ونشرها على جميع يهوديّ العالم حتى يتجمع اليهود حول الفكرة الصهيونية الأساسية وهى “إسرائيل العظمى”.
وبالفعل بدأت سلسلة كتب “تسيون” فى الظهور بفضل معاونة زوجته والتى تلقت بدورها دعمًا من والدها رجل الأعمال المعروف فى الولايات المتحدة، الذى أخذ على عاتقه نشر كتب “تسيون” بين يهود أمريكا.. ثم انتشرت الكتب فى العديد من الدول الأوروبية عبر اليهود الأمريكان.
وبدأ صيت “تسيون” ينتشر بين اليهود فى العالم.. غير أن والد “تسيلاه” لم يرق له ذوبان شخصية ابنته فى شخصية زوجها.
فى العام 1946 قرر “تسيون” أن يكون أبًا من آباء الصهيونية، رافضًا أن يكون مجرد داعٍ لها.. فنصحته “تسيلاه” بأن يحصل على درجة الدكتوراه باعتبار أن ذلك سوف يسهم فى وضعه العلمى بين صفوف اليهود.. وكانت ترى أن هذا الطموح يمكن أن يجعله على رأس دولة إسرائيل.
وبالفعل حقق “تسيون” طموحه، وحصل على درجة الدكتوراه من كلية “درونس” فى فيلادلفيا بالولايات المتحدة غير أن هذه الدرجة العلمية خلقت له العديد من المشاكل مع الزعامات اليهودية الموجودة فى الولايات المتحدة خصوصًا بعد شعورهم بأنه يسعى إلى تخطيهم فى طريقه للصعود إلى قمة سلم الدولة الوليدة.
فى ذلك الوقت ثار الكثير من الجدل بين القيادات اليهودية فى الولايات المتحدة، حيث كان البعض يرى أن التفاوض مع العرب يمكن أن يمثل إحدى وسائل إقامة دولة إسرائيل، إلا أن “تسيون” كان يرى عكس ذلك معتبرًا أن العنف هو الوسيلة الأساسية لإقامة الدولة.
وحين احتدم الخلاف بين الزعامات الصهيونية فى الولايات المتحدة قرر “تسيون نتنياهو” العودة إلى إسرائيل فى العام 1948وذلك بعد وقت قصير من قيامها على أرض فلسطين المحتلة.
ولم يكن “تسيون” على وفاق مع مسئولى الدولة الإسرائيلية الوليدة معتبرًا أنهم تنكروا لنضاله ودوره فى إقامة دولة إسرائيل.. حيث كان يرى أن كتبه وأبحاثه التى انتشرت فى العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة قد أسهمت فى إقامة هذه الدولة.. والحصول على تأييد الأوروبيين والأمريكان.. فى حين كان ساسة إسرائيل ينظرون إليه بازدراء لأنه كان أنانيًا ومحبًا لذاته.
ورغم رفض ساسة إسرائيل التعاون معه إلا أنه كان يسعى إلى مشاركة القيادات الإسرائيلية فى مناظراتهم وندواتهم حول مستقبل الدولة الإسرائيلية.. وكان يردد دائمًا أنه تلميذ لجابوتنسكى، وأنه من أكثر الذين تحملوا العبء الأكبر من أجل إقامة هذه الدولة.
ووسط هذه الأجواء جاء “بنيامين تسيون نتنياهو” إلى الدنيا فى عام 1949.. حيث شهد هذا العام صراعًا مريرًا ومعقدًا بين تسيون ومناحم بيجين الذى تولى فيما بعد رئاسة الوزارة الإسرائيلية وعقد اتفاقية كامب ديفيد مع الرئيس المصرى الراحل أنور السادات.
كان الصراع فى مجمله يدور حول الحركة التصحيحية التى أرسى قواعدها “جابوتنسكى”.. وكان مناحم بيجين يرى أنه أكثر قدرة من تسيون على السيطرة على مقاليد الأمور داخل الحركة المتطرفة.
هذا الصراع الذى نشأ بين تسيون ومناحم بيجين لم يكن ليختفى أبدًا عن ذاكرة الطفل “بنيامين” الذى شب على كراهية “بيجين” منذ صغره، حيث اعتبره السبب الأساسى وراء القضاء على مستقبل والده السياسى.
ومنذ ذلك الحين تملكت “بنيامين نتنياهو” رغبة جامحة فى كيفية الانتقام لوالده وإعادة الاعتبار إليه.. وكان يرى أن ذلك لن يتحقق إلا بوصوله إلى مقعد رئاسة الوزراء فى إسرائيل.
وبالرغم من انضمام “بنيامين نتنياهو” إلى ذات تكتل الليكود الذى أوصل “مناحم بيجين” إلى رئاسة الوزراء فى إسرائيل إلا أنه كان يعتبر أن ما أقدم عليه “بيجين” من توقيع معاهدة للصلح مع مصر بمثابة خطأ إستراتيجى لا يغتفر.. وكان يرى أن “بيجين” تسرع فى التوقيع على هذه المعاهدة.. بينما كان بإمكانه المماطلة لسنوات طويلة يحصل خلالها على السلام دون التفريط فى شبر واحد من الأرض التى احتلتها إسرائيل فى شبه جزيرة سيناء.
لقد شهد “بنيامين” كيف أن بيجين أزاح والده عن طريقه، وكان بيجين يردد دائمًا أن “تسيون نتنياهو” لم يحارب مع منظمة “أتسل” وهى المنظمة العسكرية الإسرائيلية “الوطنية” وأنه لم يقدم أى تضحيات.. ولذا رفض منحه أى منصب.
من جانبه قرر “تسيون” ألا يستسلم لأفكار “بيجين” والقيادات اليمنية الإسرائيلية وأخذ على عاتقه أن يكون زعيمًا لحركة “حيروت” إلا أن الحركة رفضته.. مما فسره بأن هناك مؤامرة على مستقبله السياسى.
لقد نصحه أحد أصدقائه بالتخفيف من أفكاره المتطرفة للغاية إلا أن زوجته “تسيلاه” رفضت أن يقدم تسيون أية تنازلات فى هذا الصدد.. وطالبته بالتمسك بموقفه.. وأن يترك السياسة ويلتحق بالسلك الأكاديمى فى الجامعة العبرية.
اقرأ أيضاً«نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى».. كتاب جديد لـ مصطفى بكري يكشف فيه بالوثائق استراتيجية الكيان الصهيوني للهيمنة على المنطقة
نتنياهو وحلم إسرائيل الكبرى (2)
مصطفى بكري عن كتابه «حلم إسرائيل الكبرى»: يكشف سيناريو ما هو متوقع