حتى يكون البيت أجمل من الطريق إليه
تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT
فلا بد مما ليس من بد!
إذا كانت جملة الافتتاح هي جواب ما يمكن أن يكون جواب الشرط، فإنه يمكن البدء بأنه ليس هناك أجمل من البيت.
المهم: أن يكون البيت سالما مستقرا محميا بأهله، لا أن يكون في مرمى التهديد!
خمسون ألف بيت أو أكثر، وما زال العدّ مستمرا!
دوما سيظل الشعراء المبدعون بوصلة للإنسانية، لذلك ونحن نرى مئات آلاف الفلسطينيين، أبناء شعبنا الذين تركوا بيوتهم، الذي هجرتهم آلة العدوان، من أبناء الشمال الغزيّ الذين لاذوا بالجنوب في خان يونس ورفح، فإن هؤلاء، وأولئك الذين هدمت بيوتهم، سيجعلون كل إنسان يعود إلى بيته يتذكرهم:
وأَنتَ تعودُ إلى البيت، بيِتكَ، فكِّرْ بغيركَ
لا تنس شعب الخيامْ
وأَنت تنام وتُحصي الكواكبَ، فكِّرْ بغيركَ
ثَمَّةَ مَنْ لم يجد حيّزا للمنام
تلك الكلمات، من قصيدة «فكر بغيرك» لمحمود درويش، التي شغل البيت الجزء الأكبر منها.
في عام 1948، كان يتم تشريد قرى فلسطينية، فيلجأ القرويون لقرى قريبة، وما يلبث أن يقضوا بعض الوقت، حتى تصلهم العصابات الصهيونية، فيصبح الضيف والمضيف لاجئين معا، وهذا ما يحدث الآن هناك، على الشاطئ الغربي للبحر الأبيض المتوسط، حيث تتمنى غزة لو استلقت بهدوء لمرة واحدة..
ليس هناك أجمل من البيت، فيه يكون كل إنسان ملكا وأميرا، فكما يقول المثل الشعبي الفلسطيني: «في دار قنطار، وفي دار الناس وقية».
«البيت أجمل من الطريق إلى البيت»، عبارة لمحمود درويش تم تزيين جدارية فنية للفنان عصام بدر في مدخل مبنى جريدة الأيام. الجريدة التي كتب الشاعر درويش افتتاحيتها الأولى في عددها الأول عام 1995، وهو الصديق الأكثر قربا من رئيس تحريرها الكاتب الصحفي القاص أكرم هنية.
«عندما كنت خارج الوطن، كنت أعتقد أن الطريق سيؤدي إلى البيت، وأن البيت أجمل من الطريق إلى البيت. ولكن عندما عدت إلى ما يُسمى البيت، وهو ليس بيتا حقيقيا، غيّرت هذا القول وقلت: ما زال الطريق إلى البيت أجمل من البيت لأن الحلم ما زال أكثر جمالا وصفاء».
نحن إذن مع تصور لمحمود درويش: كان محمد درويش خارج فلسطين، يحب الرجوع إلى البيت، ويراه أجمل من الطريق، لكنه مع عودته «المنقوصة»، بعد اتفاقية أوسلو، استشعر بأنه لم يعد بعد، ليس فقط لأنه لم يعد إلى حيفا، بلده في فلسطين المحتلة عام 1948 فقط، بل لأنه رأى بقلبه أنه لا أمان للاحتلال. لذلك عاد ليحلم بالطريق إلى البيت، كون حلمه الكامل ما زال أكثر جمالا وصفاء، وفقا له.
«البيت أجمل من الطريق إلى البيت»، كأنه بيت شعر من قصيدة، بل كأنه الغاية والهدف لكل إنسان.
«عشب على حجر»
وهذا مقتبس من قصيدته الأكثر شهرة، التي هي بعنوان: «على هذه الأرض ما يستحق الحياة»؛ كأنني وضعت حجرا مكان العشب، فقلت مرة:
حجر على حجر
فماذا تعني الحضارة غير جدار البيت، حتى لو كان جدارا يكمل مربع الكهف!
هل هو قدر الفلسطيني منذ 75 عاما، ألا يشعر بالأمان في البيت، فلا يعرف حنينه بدقة، أهو حنين لبيت أم لبيت قديم أم لأطلال بيت تهدم؟!
«ليتني حجر»، هكذا هتف درويش عام 2008 في لحظة رؤيوية لما سوف يكون:
لا أَحنُّ إلى أيِّ شيءٍ
فلا أَمس يمضي، ولا الغَدُ يأتي
ولا حاضري يتقدِّمُ أَو يتراجَعُ
لا شيء يحدث لي!
ليتني حَجَرٌ. قُلْتُ. يا ليتني
حَجَرٌ ما ليصقُلَني الماءُ
أَخضرُّ، أَصفَرُّ ... أُوضَعُ في حُجْرَة
مثلَ مَنْحُوتةٍ، أَو تماريـن في النحت...
أو مادَّة لانبثاق الضروريِّ
من عبث اللا ضروريّ ...
يا ليتني حجرٌ
كي أَحنَّ إلى أيِّ شيء !»
ولا أدري لم هتفت يوما ثمانينيا كان أو تسعينيا؟:
وأحن إلى أي شيء أكونه
حتى أحسّ بكيان الزهور
ولم أكن قد قرأت قصيدة درويش، التي ظهرت في «أثر الفراشة».
أما محمود درويش فأبدعها في سياق جمعي وجودي، في حين كان منطلق عبارتي خلاصا فرديا، في تكوين فضاء خاص بي: بيت وأسرة..وعمل..
وهكذا يظل البيت هو الناظم الأكبر لخلاصنا الفردي والوطني.
عندما تحقق خلاصي الفردي المتمثل ببيت وأسرة، دوما كنت أتذكر الفيلم العربي «شقة وعروسة يا رب»، الذي عرض فنيا مسألة الإسكان في مصر، فأحمد الله شاكرا، ولكن، في تفاصيل حياتنا اليومية، خاصة بعد الانتفاضة الثانية عام 2000، تماهى الخلاص الشخصي بالخلاص العام، في وقت صرنا معرضين للرحيل، في ظل انتهاكات الاحتلال. وكنت وغيري كثيرون وكثيرات، ونحن نتنقل بين الحواجز يوميا، في ظل خطر الإصابة، والدخان المسيل للدموع، نتمنى بعمق الوصول إلى البيت سالمين، وكنت فعلا أشعر باحتفال في كل مرة أصل سالما لأرى زوجتي وطفليّ التوأمين محمد وأسماء.
كم زاد حبي وحب الفلسطينيين لبيوتنا؛ فقد صار الوطن بيتا كذلك.
«بشارع مغرّد ومنزل مضاء».
كنت أقف عند أي «منزل مضاء» في الوطن وفي أسفاري، راجيا كل الرجاء أن أكون فيه مع أسرتي. مدندنا بعض كلمات قصيدة «جندي يحلم بالزنابق البيضاء» التي غنت ماجدة الرومي جزءا منها،:
يفهم_ قال لي_ إنّ الوطن
أن أحتسي قهوة أمي
أن أعود في المساء..
إنني أحلم بالزنابق البيضاء
بشارع مغرّد ومنزل مضاء
الآن، في بلادنا، الكثير من المنازل لم تعد مضاءة، لا بسبب قطع الكهرباء عن غزة، بل بسبب أن عشرات الآلاف من البيوت لم تعد قائمة.
لكن السؤال العربي والعالمي أيضا: ألا يحتمل أن يتكرر إطفاء البيوت في بلاد أخرى، كون الغزاة لا يرون غيرهم بشرا!
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: ما زال
إقرأ أيضاً:
اختفاء سائح بلجيكي نواحي أكادير و السلطات تستخدم جميع الوسائل للوصول إليه
زنقة 20 | الرباط
فقد سائح بلجيكي، أمس الخميس، بالمدينة الساحلية تامري شمال أكادير.
ونقلت وسائل إعلام بلجيكية، أن السائح البلجيكي الذي كان مرفوقا بأصدقائه اختفى عن الانظار بالمنطقة.
وعرفت الطريق الوطنية رقم 1 الرابطة بين أكادير في اتجاه الصويرة، أمس الخميس انزالا كبيرا لعناصر الدرك الملكي بمعية القوات المساعدة للبحث عن السائح البلجيكي خاصة في المنطقة الساحلية بين شاطئ”إمي ودّار” و”تيكرت”.
واستخدم الدرك، عناصر بشرية و كلابا مدربة وطائرات بدون طيار للعثور على السائح الذي نقلت مصادر أنه يعاني من اضطرابات نفسية.