لجريدة عمان:
2025-02-03@07:14:49 GMT

من مرطبان المخلل حتى السجاد الفاخر

تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT

من مرطبان المخلل حتى السجاد الفاخر

لن أنسى جد صديقي أحمد وهو يروي أمامنا حكايات ضياع بيته، ونهب ممتلكاته في يافا: تسللت لبيتي بعد النكبة بأيام: (كل إشي كان منهوب: بلاط الأرضية والكتب والستائر والكنبات والشموع والصحون والطناجر). انهار جد صديقي وهو يتحدث، وتذكرت على الفور الكاتبة الفلسطينية الثمانينية غادة الكرمي المقيمة في لندن وهي تتحدث في مذكراتها (البحث عن فاطمة) عن نهب بيت الأهل في حي القطمون بالقدس: (عشت في هذا المنزل حتى سن الثامنة، حين أجبرنا على الرحيل في العام 1948.

. كنت أفضل دخول المنزل، والقيام بجولة فيه من الداخل، لكن مالكه الإسرائيلي الحالي، إن جازت تسميته مالكا، لم يعطني الإذن بذلك.

كان والدي جامعا للكتب من فرط حبّه لها، وكان قد بدأ بتأليف معجم إنجليزي عربي.. قد يبدو الأمر عاديا اليوم، لكنه لم يكن عاديا في ذلك الوقت، فقلة قليلة هم من كانوا ينكبّون على تأليف المعجمات، فكل من حاول أن يفعل شيئا من هذا كان عليه أن يدرك حجم الجهد الكبير الذي سيبذله لتحقيق إنجازه.. كان قد قطع شوطا في تأليف ذلك المعجم، ويعلم الله ماذا كان سيعنيه ذلك بالنسبة له، حين تركناه في العام 1948.. ترك كتبه، وترك المعجم الذي لم يكمله، كما تركنا كل شيء).

ثم تتذكر غادة مرطبانات المخلل والمربى التي كانت تتقنها أمها وتتساءل عن مصيرها وتبدي استغرابها: هل ممكن أن يأكل اللص من طعام البيت المسروق دون أي أحساس بذنب أو عار؟ وتتساءل عن مصير ألعابها، ودفاترها وأقلامها وكلبها الوفي (روكس) الذي تركوه هناك.

النكبة هي سرقة البيت، جملة لن أنساها، قالها عمي محمود وهو يتحدث عن البيت كقاعدة للحياة وأساس التنفس، والإحساس بالأمان، لا وطن دون بيت، هُجّر عمي محمود من قريته بيت نبالا قضاء الرملة مع أهل القرية، الذين تفرقوا في قرى الضفة الغربية، عاد عمي متسللا عبر الجبال إلى بيته في القرية مع العديد من المتسللين، ليحضر بعضا من الحبوب التي تركت في البيت: (كان عنا اشوالات قمح وشعير وفريكة وذرة وسمسم، كله كان مسروق، والغنمات مسروقات، وبيارات البرتقال والليمون تبعتنا كانت منهوبة، ومخربة، عاد عمي خالي الوفاض، إلى مكان لجوئه في قرية أبو شخيدم – قضاء رام الله.

ولعل خليل السكاكيني المربي والكاتب والمناضل الفلسطيني هو الذي لخّص ألم فقد الأغراض الشخصية في حمى نكبة فلسطين حين كتب في مذكراته في وداع مكتبته الغنية، والتي سلبت من قبل الجيش الإسرائيلي إبان النكبة عام 1948، من داره في حي القطمون في القدس: «الوداع يا مكتبتي يا دار الحكمة، يا رواق الفلسفة يا معهد العلم ويا ندوة الأدب، الوداع يا كتبي لست أدري ما حل بك بعد رحيلنا، أحرقت، أنقلت معززة مكرمة إلى مكتبة عامة أو خاصة، أصرت إلى دكاكين البقالين يلف بأوراقك البصل؟ يعز علي أن أحرم منك وقد كنت غذائي الروحي وكنت ولا أزال شرها إلى هذا الغذاء، لقد كنت ألازمك في ليلي ونهاري، ولم يزرني أحد في الليل أو النهار إلا وجدني منكبا على كتبي".

هذا كتاب مرعب (نهب الممتلكات العربية في حرب 1948) للمؤرخ الإسرائيلي آدم راز، ترجمة أمير مخول، صادر حديثا، عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار) في هذا الكتاب تتوضح أبعاد الجريمة بلسان أحد أهم مؤرخيهم الذي بحث ونقب في أرشيف الدولة، عن أصغر سرقة إلى أضخمها، هو كتاب خطير وقاس، قراءته تشوش نبضات القلب ويسبب تقليب صفحاته تشنجات في الأيدي، كل سطر شوكة في الحلق، كل فاصلة طعنة، كل صفحة موجة نار وحشية تكوي العينين، هذا كتاب الطعنات والنار والشوك، الذي يغامر ويقرؤه عليه أن يتحمل دما كثيرا ينزفه من الفم، منذ فترة طويلة (بعد انكشاف تفاصيل نهب المكتبات العربية في المدن الفلسطينية المحتلة عبر أفلام وكتب صدرت)، وأنا أنتظر انكشاف تفاصيل نهب البيوت، خاصة الأغراض الشخصية جدا، مثل أغراض المطبخ البسيطة التي بذلت أمهاتنا ساعات في ترتيبها والعناية بها بالعينين الحريصتين والحب الكثير، الأشياء نفسها التي لا تتحمل أمهاتنا أن يعبث بها أو حتى يغير موقعها أحد من أفراد البيت، وها هو الكتاب الدامي الذي أنتظره، بين يدي، مغلقا على طاولتي أتهيب الاقتراب منه وفتحه، قرأت كثيرا في سير المهجرين من مثقفي فلسطين كغادة كرمي وخليل السكاكيني وغيرهما الذين تحدثوا بالتفصيل عما تركوه في البيت في آخر لحظات الرحيل، حزنت جدا وأنا أقرأ عن أغراض غالية على أصحابها، مثل السجاد الفارسي وآلات الكتابة، وصنابير المياه وبلاطات المطبخ والأوراق النقدية والآلات الموسيقية والملابس وشراشف الطاولات والأواني الخزفية، وغيرها.

منذ الكلمة الأولى في الكتاب شعرت بأنني أمام قصص اعتداء همجية من فرط صراحتها، وكأنها قادمة من كوابيس، وتشبه خيال المرضى، حتى الخيال المريض نفسه لا أظنه صدق ما حدث.

وما حدث ليس فقط احتلالا للبيوت والحدائق والساحات والمؤسسات، إنه نهب دنيء شخصي وعلى مستوى الأوامر العسكرية ومنظومة تفكير الدولة وتوجهاتها، جحافل من الجنود والمستوطنين اجتاحوا كالجراد مدن يافا وحيفا وعكا والقدس والسبع وطبريا والرملة واللد وغيرها مقتحمين البيوت ليسرقوا تفاصيل ليلنا ونهارنا.

الكتاب سجل سرقة حقيقية، يجب ترجمته لكل لغات العالم وهو يروي قصص أحط أنواع الدناءة البشرية، دون أي إحساس بالذنب، ودون ربط ما يجري بما جرى للصوص فلسطين أنفسهم وهم يتعرضون للقتل والسرقة والنهب والسحل على أيدي النازيين في أوروبا.

كتاب قاتل، قراءته مجزرة نفسية للفلسطيني، ابن المدن المنهوبة، لكنه ضروري جدا، للمعرفة، معرفة الأبعاد المختلفة لبنية الاحتلال، أسوأ ما في الكتاب ليس فقط عمليات النهب ذاتها، وليس عدم شعور الناهبين بالذنب، وليس مشاركة كبار ضباط الجيش الإسرائيلي في عمليات النهب بشكل مباشر أو غير مباشر، بل هو خروج بعض الأصوات المنافقة التي كانت تدين عمليات النهب، أصوات لم تفعل أي شيء آخر غير الإدانة، أصوات سكنت في بيوت المنهوبين، واستعملت أغراضهم، ونهبت في آخر المطاف بعد أن تبين أن لا أحد لم يسرق.

في كل عائلة فلسطينية ذاكرة نهب، حتى على مستوى بسيط، قال لي صديق شاعر نقلا عن جدته في آخر أيامها على مائدة صينية دجاج محمر في مخيم الدهيشة: "كان عنا عشرين دجاجة يا ستي، لما اجو اليهود هربنا وخليناهم، يا الله يا ستي لو احنا ذبحناهم وأكلناهم مش احسن ما يوخذوهم اليهود؟

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

أبوظبي تستضيف مؤتمر الاجتماعات العربية والسفر الفاخر 2025

تستضيف أبوظبي النسخة الـ13 لمؤتمر الاجتماعات العربية والسفر الفاخر (MALT) في الفترة من 19 إلى 20 فبراير 2025، برعاية مجلس أبوظبي للتعليم للمرة الثانية على التوالي والذي تنظمه شركة “كيو إن إيه إنترناشيونال”.
ويستعرض برنامج الحوافز التابع لمجلس أبوظبي للتطوير والاستثمار السياحي (ADCEB)القدرات الاستثنائية للبنية التحتية المتطورة للإمارة وسهولة الوصول إليها كما يواصل مكتب أبوظبي للمؤتمرات والمعارض التابع لدائرة الثقافة والسياحة أبوظبي في تسليط الضوء على مكانة أبوظبي كوجهة تجمع بين التميز في المرافق والنظرة المستقبلية للأعمال والاقتصاد والابتكار والاستدامة.
واستناداً للزخم الذي شهدته دورة عام 2024، والتي استقبلت من خلاله ما يزيد عن 250 مندوباً و سهلت اكثر من 1800 اجتماع فردي، يتوقع مؤتمر الاجتماعات العربية للسفر الفاخر “MALT” هذا العام ان يحفل بجدول أعمال يجمع بين كبار المتخصصين في قطاعي سياحة الحوافز والأعمال والمؤتمرات والمعارض والسفر الفاخر و فرصة مميزة للحضور للتعرف على الاتجاهات الناشئة في القطاع.
وعبر مبارك حمد الشامسي مدير إدارة مكتب أبوظبي للمؤتمرات والمعارض عن سعادته بعودة مؤتمر MALT لإمارة ابوظبي، مشيراً، إلى أن المؤتمر يوفر للوفود المشاركة منصة تفاعلية للتعاون في قطاعنا المتطور باستمرار.
وأضاف الشامسي “نلتزم في مجلس أبوظبي للسياحة والثقافة بخلق بيئة داعمة لشركائنا في القطاع والعمل معاً لجذب المسافرين إلى منطقتنا. كما يوفر هذا الحدث أيضاً فرصة لإبراز العمق الثقافي لإمارتنا مع تعزيز مكانة أبوظبي كرائد عالمي في صناعة الفعاليات والتجارب العالمية”.
وترسخ عودة مؤتمر MALT إلى أبوظبي مكانة الإمارة كوجهة عالمية للاجتماعات والحوافز والمؤتمرات والمعارض، حيث تجمع بين البنية التحتية عالمية المستوى وسهولة الوصول الاستثنائية، والعروض الترفيهية المتنوعة.
وتوفر أبوظبي منصة جذابة لفعاليات مثل مؤتمر MALT، من خلال خدمات الاستضافة المميزة، للوفود المشاركة فيما يلعب مجلس أبوظبي للتطوير والاستثمار السياحي دوراً محورياً في هذا التحول، حيث يقدم دعماً مكثفاً لمنظمي الفعاليات طوال دورة الفعاليات، وذلك من خلال مبادرات مثل برنامج الحوافز التابع لمجلس أبوظبي للتطوير والاستثمار السياحي (ADCEB)، وبرنامج “مزايا أبوظبي” وخدمات استشارات العروض، واستراتيجيات بناء الحضور، والشراكات الاستراتيجية مع الجمعيات العالمية المتخصصة في قطاع الحوافز والمؤتمرات والمعارض مثل جمعية التميز في السفر للحوافز (SITE) والشبكة المتحدة لمنظمي الفعاليات المؤسسية الدولية (UNICEO) .
ويتماشى تعاون مجلس أبوظبي للتعليم والثقافة والسياحة مع مؤتمر MALT مع استراتيجية أبوظبي السياحية 2030، والتي تهدف إلى تسخير قطاع سياحة الحوافز والمؤتمرات والمعارض لإطلاق الفرص الاقتصادية وإبراز الثقافة المميزة للإمارة وتعزيز القيمة العالمية التي تقدمها.
وصنفت أبوظبي كأكثر المدن أماناً في العالم من قبل Numbeo للمرة الـ 8 على التوالي، حيث تقع على بُعد 6 ساعات سفر بالطائرة من ثلثي سكان العالم وحصل أكثر من 90 فندقاً محلياً على شهادات الاستدامة، بينما تضمن مبادرات مثل بطاقة أبوظبي والخدمات المصممة خصيصاً لأسواق معينة تجربة سلسة ومجزية لجميع الوفود.
وقال سيد إن سي، مدير شركة كيو إن إيه إنترناشيونال: “إن المؤتمر السنوي الثالث عشر لمؤتمر MALT منصة يتم فيها تبادل الأفكار وإقامة الشراكات وتشكيل مستقبل قطاعي الاجتماعات والحوافز والمؤتمرات والمعارض والسفر الفاخر وتتمثل مهمتنا في تمكين منظومة السفر من خلال تقديم رؤى وفرص قابلة للتنفيذ، بما يضمن مغادرة الجميع بإلهام وتجهيز لدفع عجلة التقدم في مجالاتهم الخاصة”.


مقالات مشابهة

  • العنوان أثار الجدل .. سحب كتاب "كاملات عقل ودين" من معرض الكتاب
  • دار الكتب: طرح نسخ محدودة من كتاب «مساجد مصر» في معرض الكتاب
  • تفكيك خطاب الإقصاء والتكفير في كتاب "الفرقة الناجية.. وهم الاصطفاء".. جديد الدكتور محمد بشاري في معرض الكتاب
  • جناح الأزهر بمعرض الكتاب يقدم لزواره كتاب "أهل القِبْلَةِ كُلهم موحدون"
  • احتفاء بشخصية معرض الكتاب.. قصور الثقافة تصدر كتاب "أحمد مستجير.. فارس الثقافتين"
  • دار الكتب تناقش كتاب المراغي في معرض الكتاب
  • أبوظبي تستضيف مؤتمر الاجتماعات العربية والسفر الفاخر 2025
  • إصدار جديد بالصينية.. جناح الأزهر بمعرض الكتاب يقدم كتاب «مقومات الإسلام» للإمام الطيب بـ 15 لغة
  • بمعرض الكتاب| «جولة البطل الصغير».. كتاب جديد لـ مصطفى غنايم
  • من السجاد اليدوي إلى المشغولات.. «أيادي مصر» تُجسد تراث المنيا في «بيزنس يا شباب»