"الدين حياة" ندوة تثقيفية بمكتبة الإسكندرية
تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT
نظمت اليوم مكتبة الإسكندرية من خلال قطاع التواصل الثقافي، ندوة بعنوان "الدين حياة"، تحدث فيها الدكتور مدحت عيسى، مدير مركز ومتحف المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، و الدكتور أحمد مجاهد، رئيس قسم الدراما والنقد المسرحي بكلية الآداب جامعه عين شمس، والشيخ سلامة عبد الرازق، وكيل وزارة الأوقاف بالإسكندرية، وأحمد ناجي قمحة، رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية ومجلة الديموقراطية، وذلك بمشاركة عدد من الدعاة والواعظات.
قدمت الندوة الدكتورة الشيماء الدمرداش، مدير مشروع إحياء التراث بمكتبة الإسكندرية، وقالت في كلمتها أن الثقافة والعلم أساس الحياة، ومن أجل الوصول إلي المجد علينا إعمار الأرض وعلينا ان نكون يد واحدة لدعم الوطن بمختلف مؤسساته، ومن واجبنا ان نقوم بإعلاء القيم الإنسانية وانارة العقول في صحيح الدين.
وأدار الندوة الدكتور مدحت عيسى وتحدث عن ان الثقافة تمثل البنية لأي مجتمع لكونها انعكاسا لما يتم على أرض الواقع من منجزات مادية من إقتصاد وحراك اجتماعي وتنامي في المعرفة، وأضاف ان الجمع من اهل العلم قد استقر على ان هذه الآونة سيطرت فيها ثقافة اللا معنى حيث الانفصال التام بين الدال والمدلول.
وقال إن مفاسد ثقافة اللا معني والتي اجتمع من أجلها اليوم هذا الحفل الكريم هي الخضوع لعقليه ونفسيه منهزمة والتخريب في بناء الوعي والادراك وتدني الذوق في عصر التطور التقني السريع الذي نعيشه والذي أصاب المتلقي بتدني في الذوق فأصبح يقبل أي منطق يطرح علية ولا يهتم بالبحث والتقصي بمعرفه مصدره.
وطرح سؤال هو "أين يقع الداعية أو الفقيه والواعظ من سلم النسق الثقافي الموجود في المجتمع ومدي احتياجه للثقافة العامة؟ تم قام بالتنويه لأخطار غياب الثقافة وذكر منها قراءة الواقع قراءه سلبية تؤدي بالداعية الي الإحباط واليأس، عدم القناعة الكافية بطريق الدعوة، غياب الأهداف الرئيسية للدعوة الإسلامية وجهل الواقع والبعد عن فقهه فلا يستطيع التعرف على مشكلات مجتمعه وواقعه.
وقال إن ما يحدث في مكتبة الإسكندرية هو جزء من رؤية عميقه تتعلق بتحول صوره الإمام في ذهن المتلقي أو العامة لأن على الإمام أن يطور من أدواته بطريقه تتفق مع ما تواجهه الدولة من تطور كبير.
تحدث الدكتور مجاهد عن "الثقافة في حياه الإمام والواعظ" وقال انه يفضل كلمة تشكيل الوعي عن كلمة الثقافة وأن هناك عناصر إجبارية لتشكيل الوعي مثل المدرسة، الجامعة، الجامع والكنيسة وهناك عناصر اختيارية مثل وسائل الإعلام، السينما وقراءه الكتب وذكر أن الدين هو أحد المكونات الرئيسية للثقافة وأن هناك فرق بين الدعوة الدينية لمن هو مسلم والخطاب الديني لغير المسلم. وأضاف أن الثقافة ليست الآداب والفن فقط ولكن جميع فروع العلم.
وأوضح أن رجال الدين هم صناع الوعي الذي يجب أن نطوره بمزيد من الحوار.
وتحدث الأستاذ أحمد قمحة عن " الوعي المجتمعي ودور الإمام والواعظ" وقال ان هناك فجوة بين الدين والمثقف. وأشار إلى أهمية القراءة والاطلاع لتنمية الشخصية وان الدين متشابك مع كل الأمور الحياتية وينبغي أن نحرص على الوصول بالمواطن المصري لدرجة توعية عالية. ويجب أن يكون الانتماء للوطن وللأرض وللقيم.
وأضاف أن المثقف المثالي لا يقف عند علم واحد بل يجب أن يقرأ في جميع الفروع. ومن أجل الحفاظ على الهوية المصرية يجب أن نكون يد واحده مع الدعاة.
وأشار ان تعميق الإيمان بالله والقدرة على التبحر في أمور الدين هو دور الدعاة وعليهم غرس القيم دون الميل لأي تيار سياسي من أجل الدفاع عن الوطن. ويجب الوصول لعقول الشباب وتوجيههم توجيها صحيحا وذلك لا يكون الا بالقراءة الشاملة وتسخير العلم والوعي الكامل بالتاريخ.
وتكلم الشيخ سلامة عن "دور الامام والداعية في تحقيق الوعي" وذكر أن وزارة الأوقاف تبذل قصارى الجهد للرقي والنهوض بالمستوي التثقيفي للدعاة والواعظات، وأن هناك دورات تأهيلية وتخصصية وتثقيفية في كل المجالات ليس في الأمور الدينية فقط بل تتعلق بالتكنولوجيا الحديثة، استغلال الفضاء الخارجي وكيفية التعامل مع وسائل الاتصال وهذا من أجل التعامل مع المجتمع في صورته الحالية على أوسع نطاق وبأحدث تكنولوجيا.
الهدف من كل ذلك هو نشر الدين الصحيح والفكر الصحيح بوسطيته واعتداله وكيفية التعامل مع أحكامه وقواعده التي أظهرت لنا كيف نتعامل مع الجميع وكيف نقرأ الآخر ونتعرف على ثقافته ونستطيع مواجهته بأسلحة أحدث من أسلحته لنفوز عليه. والإمام يجب ان يري الرؤية الحالية والمستقبلية.
وفي النهاية أضاف أن علينا تربيه أبنائنا على احترام رجل الدين فهو يحمل شعلة التنوير والتثقيف والوعي الكامل.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مكتبة الإسكندرية قطاع التواصل الثقافي متحف المخطوطات من أجل یجب أن
إقرأ أيضاً:
الانتصار: هل يُعيد تشكيل الوعي لمستقبل واعد، أم مجرد فصل جديد في رواية لم يتغير سياقها؟
د. الهادي عبدالله أبوضفائر
فرحة الانتصار، التي وقف فيها الجيش والقوات المساندة له صامدين كالجبال، مُقدمين الغالي والنفيس، ليس مجرد واجب، بل كعهدٍ خالدٍ لا ينكسر. لم يكن هذا الفداء إلا انعكاساً لروحٍ، لا تعرف الانحناء، وعزيمةٍ تتحدى المستحيل، حيث امتزجت الدماء بالحلم، والتضحية بالمجد. إنها فرحة لم تكن مجرد نشوةٍ لحظية أوفرحة خاطفة، بل كانت ذروة ملحمة إنسانية، تماهت فيها دموع الشعب مع دماء الأبطال، لينسجوا معاً رايةً لا يطويها النسيان. ففي كل قطرة دمٍ سُكبت، وفي كل صرخة ألمٍ علت، كان هناك وعدٌ يولد، بأن هذا الوطن لن يكون إلا حراً، عزيزاً. أنها ملحمة إنسانية خُطّت بمداد التضحية، حيث التقى الألم بالأمل، والفقد بالمجد.
وسط قرع طبول الفرح، وفي غمرة الزهو بالنصر المستحق، يلوح في الأفق سؤال أشد عمقاً، يتجاوز لحظة النشوة ويخترق حجاب المستقبل: ماذا بعد؟ هل الانتصار خاتمة المسير، أم أنه أول الخُطى على درب لا يقل وعورةً عن دروب القتال؟ وهل النصر مجرد احتفاء بلحظة الفوز، أم يمكن تحويله إلى بذرة تُغرس في تربة المجد، فتنمو وتزدهر، لا لتذبل مع مرور الزمن، ولا لتبهت تحت وطأة الاندثار؟ إن الانتصار ليس راية تُرفع في يوم الفوز ثم تُطوى مع تعاقب الأيام، إن أعظم الانتصارات لا تُقاس فقط بما يُكتسب من أرض أو يُحقق من غايات، بل بما يُترجم إلى وعي حضاري قادر على اجتثاث أسباب الفرقة والشتات. فالشعوب التي لا تعي أن قوتها الحقيقية تكمن في وحدتها، تظل أسيرة دوائر الصراع، تتكرر أخطاؤها بأسماء مختلفة، وتتعثر خطواتها على الطرق ذاتها. أكتوبر، تفتحت فيها أزهار الحرية حينما أعلن الشعب عن رغبته في حياةٍ كريمة، لا يطالها الاستبداد ولا تُغشيها ظلال الفقر. وفي أبريل، ارتسمت ملامح التجدد بجرأة الأمل والإصرار على التغيير، حيث صار الحلم واقعاً يستحق النضال. وفي ديسمبر، ترددت أصداء الثورة لتحكي قصة شجاعة لا تعرف الاستسلام، قصة شعب أضاء درب الحرية بكفاحٍ لا يلين. ولكن، يبقى السؤال: هل لدينا الاستعداد أن نحافظ على النصر؟ هل نحن مستعدون للوقوف أمام اختبار الزمن، وحماية النصر حتى لا يصبح سراباً يذبل مع مرور الأيام؟ هل سنكتفي بظل وهج لحظي، أم سنغرس بذور هذا النصر في تربة الاستمرارية، ليرتقي من مجرد لحظة انتصار إلى مسيرة حضارية تُخلّد في صفحات التاريخ.
حينما يصمت أزير البنادق، هل ذلك إعلاناً للانتصار المطلق، وضماناً لسلام دائم وتعايش بين المكونات، أم أنه بزوغ فجر أشد تعقيداً، معركة إعادة البناء واستعادة التوازن؟. الهزيمة العسكرية، مهما بدت ساحقة، ليست سوى سطر في فصل طويل من التاريخ، فالتحدي كيف نعيد ترميم مجتمع أرهقته الحروب ومزقه خطاب الكراهيه، وأُنهكته دوامة الصراعات؟ إن سقوط الميليشيات لا يعني بالضرورة سقوط الأفكار التي أنجبتها، ولا يمحو الخراب الذي خلّفته في بنية الدولة والمجتمع. فالنسيج الاجتماعي الذي أصابه التمزق لا يلتئم تلقائياً، بل يحتاج إلى وعي عميق وإرادة سياسية صلبة لترميم الهوية الوطنية، وردم الفجوات التي تسللت منها، وبناء أسس لدولة لا تقوم على أنقاض الأزمات، بل تتجذر في العدل والاستقرار. فالانتصار ليس إسقاط كيان مسلح، بل في تأسيس نظام يحول دون ظهور كيان مماثل، وفي بناء وطن محصّن ضد التميز، عصيّ على التصدع، لا تتغذى مؤسساته على الصراعات، بل ترتكز على سيادة القانون، وتُعلي قيم المواطنة، حتى لا تتكرر المأساة في دورة أخرى.
إن سقوط الميليشيا، وإن كان منعطفاً مصيرياً، لا يعني بالضرورة محو الخوف المتجذر في الذاكرة الجمعية، ولا يضمن زوال الكراهية التي تغلغلت في النفوس. فالحرب، بطبيعتها، لا تنتهي بمجرد إسكات البنادق، بل تواصل حضورها في الوعي، تفرز أسئلتها القلقة، وتفرض تحدياتها الأشد تعقيداً: العدالة والمصالحة. وهنا، تُختبر الدولة لا كسلطة قهر، بل كحكومة قادرة على إدارة مرحلة ما بعد الحرب، حتى لا تتحول الهزيمة العسكرية للميليشيا إلى مجرد محطة في دورة أزلية من الفوضى. فالتاريخ يُعلِّمنا أن الفراغ، إن لم يُملأ ببناء راسخ، صار تربة خصبة لولادة أشكال جديدة من العنف، يعيد إنتاج الخراب بأقنعة مغايرة. أخطر ما قد تواجهه أمة خارجة من نفق الاحتراب هو أن تترك جراحها مفتوحة، نهباً لرياح الضعف والانقسام التي تنتظر فرصة جديدة لتقتات عليها. لذلك، فالهدم وحده ليس انتصاراً، ما لم يتبعه بناءٌ راسخٌ يعيد التوازن، ويمنح لكل ذي حقٍ حقه. وكما أن السلاح قد يسكت صوت الفتنة مؤقتاً، فإنه لا يستطيع اقتلاع جذورها إن لم تُجتث معها أسباب الظلم، وإن لم يُسدَّ فراغ العدالة الذي تتسلل منه الفوضى.
المسألة أعمق من مجرد استرداد المدن ورسم الحدود، إنها استعادة الإنسان، وانتشاله من الأنقاض التي شوهت وعيه وأربكت انتماءه. إنها لحظة إعادة تعريف الهوية الوطنية بعيداً عن تشظيات الأيديولوجيا وضجيج الانقسامات، لحظة يُكرَّس فيها سلطة القانون ليعلو فوق همجية السلاح، الانتصار لن يكتمل إلا حين ينعكس في نفوس الأفراد قبل أن يُسجَّل على خرائط الأرض. ومهما بلغت عظمتها، تظل لحظية ما لم تتبعها انتصارات أكثر عمقاً على جبهات الفكر، والاقتصاد، والسياسة. فالحروب قد تهزم الجيوش، لكنها لا تهزم الأفكار، ولا تمحو جذور الصراعات إن لم تُجتث بأدوات أكثر حكمة ورسوخاً. تكتمل الفرحة حين حين يتحول النصر من مجرّد تفوّق عسكري إلى نهضة شاملة، تعيد صياغة الوعي الوطني، وتمنح الشعوب أسباباً حقيقية للسلام والاستقرار. وتنتقل المعركة من ميادين السلاح إلى ساحات الأفكار التي تنبذ الكراهية، وتقتلع جذورها من العقول، وتكسر الدوائر المغلقة التي تعيد إنتاج العنف بأشكال جديدة. إنها لحظة فارقة، يُختبر فيها وعي الأمة وقدرتها على تجاوز الانقسامات، وردم الفجوات، وترميم النسيج الوطني بعيداً عن ثارات الماضي. فإعادة بناء الأوطان لا تُنجز عبر ركام الحروب، بل على أسس العدل والتنمية، لا يكون السلام حقيقياً إلا إذا كان مستداماً، ولا تكون الدولة منيعة إلا إذا كانت عادلة. فالقوة وحدها قد تفرض الاستقرار، لكنها تظل هشّةً إن لم تسندها عدالة حقيقية تحفظ الحقوق وتصون الكرامة. حتى لا تجد الحرب ما تقتات عليه وتعيد انتاج نفسها. فالحروب لا تندلع من فراغ، بل تولد من رحم الظلم، وتتغذّى على الإقصاء والتهميش، وتنمو في بيئة يغيب فيها العدل ويسود فيها الفساد.
abudafair@hotmail.com