سودانايل:
2025-03-17@14:09:16 GMT

سواكن والصين .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT

سواكن والصين
Suakin and China
Jacke Phillips and Laurance Smith جاكي فيليبس ولورنس إسمث
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

تقديم: هذه ترجمة وتلخيص لبعض ما جاء في ورقة بحثية (مَبذولة في موقع ResearchGate) قُدمت في المؤتمر العالمي لاستكشاف روابط الصين القديمة بأفريقيا، الذي أنعقد بأديس أبابا في أكتوبر 2014م.

وتعرض الورقة الأدلة على تاريخ اتصالات الصين بالبحر الأحمر، وتأتي على ذكر بعض الأبحاث الأثرية الحديثة التي أجريت في سواكن بالسودان. وأورد المؤلفان الكثير من الخرائط لسواكن (من عصور مختلفة، منذ عام 1541م)، وصوراً لبعض الآثار المكتشفة فيها، التي تعود أصولها لدول مختلفة مثل اليمن وبلاد فارس والهند والصين.
تعمل جاكي فيليبس المتخصصة في التاريخ الثقافي بقسم الآثار وتاريخ الفن في مدرسة الدراسات الشرقية والافريقية التابع لجامعة لندن (https://shorturl.at/euMY8). أما لورنس اسمث (https://shorturl.at/nqM05) فهو أستاذ فخري في نفس المدرسة ويعمل خبيراً اقتصاديا متخصصاً في إدارة الموارد الطبيعية، والتنمية الريفية، وإدارة الموارد المائية.
وعلى الرغم من أن العنوان يوحي بأن المقال ينصب على علاقات ميناء سواكن بالصين، إلا أنه في الواقع يتناول علاقة ذلك الميناء منذ القدم مع مناطق مختلفة في العالم منها القرن الأفريقي واليمن وبلاد فارس والهند والصين.
المترجم
********** ************ ********
1/ بدأ المؤلفان مقالهما بالقول بأن البحر الأحمر، وما تقع على شواطئه من مدن أقيمت بها موانئ (port - cities) أدت أدواراً بالغة الأهمية في تاريخ الملاحة والتجارة والاتصال بين مناطق أفريقيا الداخلية وشبه الجزيرة العربية وآسيا وأوروبا وساحل شرق أفريقيا (السواحلي). وترتبط كل تلك المناطق بأراضيها الداخلية النائية، وبالعالم الخارجي. ويقوم البحر الأحمر وما فيه من موانئ بدور الوسطاء بين شبكات التجارة الإقليمية والعالمية. وذكر المؤلفان أنهما يركزان في مقالهما على الموقع الاستراتيجي لذلك الميناء في جزيرة / مدينة سواكن على الساحل السوداني الحديث، ودورها في حركة الناس والبضائع والأفكار إلى الخارج فيما يعرف بالنظام العالمي للمحيط الهندي the “Indian Ocean system” الذي يمتد شرقاً حتى يبلغ الصين، والذي توسع دوره غرباً حتى بلغ المناطق الداخلية بأفريقيا.
2/ سواكن هي جزيرة مرجانية منخفضة وهي الآن بيضاوية بشكل مصطنع يبلغ قطرها ميلاً واحداً تقريباً، وتقع في بحيرة في الطرف الغربي لقناة طويلة تخترق الشعاب المرجانية الكثيفة على ساحل البحر الأحمر السوداني. وكانت لسواكن مزايا طبيعية عديدة جعلت منها مرفأً وميناءً مثالياً، وكانت تلك المزايا سبباً في إطالة عمرها. وكانت مداخلها آمنة وتسهل نسبياً فيها الملاحة في المياه الضحلة بالنسبة للمراكب الشراعية الخشبية. وبهذا يمكن للسفن البقاء فيها بأمان لفترات طويلة من الوقت، مع سهولة مراقبتها من النقاط العسكرية والاقتصادية الاستراتيجية في كل من الجزيرة وبرها الرئيسي.
3/ بقيت سواكن مدينة مزدهرة حتى بدايات القرن العشرين، حين بدأت في الانحدار، وعُدت ضحيةً لتزايد أعداد السفن الضخمة، والتغرين (تَوضُّع الطمي silting) التدريجي في بحيرتها، وبسبب إنشاء ميناء جديد حل محلها في بورتسودان، التي تبعد عنها مسافة أربعين كيلومتر شمالاً (1). وسواكن اليوم شبه مهجورة، وقد تهدمت مبانيها ومساكن تجارها التي بُنِيَتْ في الغالب إبان سنوات القرن التاسع عشر، رغم أنها بقيت منطقة جاذبة للسُيّاح.
4/ يتناول "مشروع سواكن The Suakin Project" الذي يشمل الكثير من التخصصات لدراسة الجزيرة وما حولها من بَرّ، منذ عام 2002م في عدد من الجامعات والمؤسسات مثل جامعة كمبردج (2) وجامعة الخرطوم والمؤسسة الوطنية السودانية للآثار والمتاحف ومعهد ماكدونالد، ومؤسسات أخرى. والمشروع واسع النطاق، غير أن أهدافه النهائية تشمل مسحاً معمارياً شاملا لسواكن، وعمل اختبارات لمواقع واختبارات التنقيب وترتيب التسلسل الزمني للموقع المعين. وأثبت التنقيب في الجزيرة تسلسلا زمنيا استراتيجيا بدأ من الزمن الحالي نزولا إلى أواخر القرن الحادي عشر على "طاولة الماء water table" (3).
5/ تعتمد سواكن كلياً على التجارة مصدراً وحيداً للدخل، إذ أنها تفتقر لأي موارد زراعية أو صناعية (عدا القليل جداً من البضائع المصنوعة محليا). وبالنظر لموقعها الجغرافي وعلاقاتها السياسية، فليس من المستغرب أنه كانت لها علاقات تجارية وثيقة مع العالم الخارجي، عبر البحر الأحمر، وما هو أبعد من ذلك. ولم يُعْثَر بعد في سواكن على أي آثار كلاسيكية (4) إلا أن أوصافها الفيزيائية (الشكلية) تشابه بصورة شبه كاملة الميناء الروماني Portus Evangelon الذي ذكره عالم الفلك كلوديوس بطليموس في منتصف القرن الثاني للميلاد (نحو 100م - 180م). وسواكن هي واحدة من المواقع المحتملة لميناء Ptolemais Theron الذي ذُكِرَ، ولم يُوصَف، في منتصف القرن الأول الميلادي، بمحيط البحر الأحمر( Periplus Erythraei)؛ وقد كان في ذلك الحين نقطة تقاطع رئيسة في شبكة التجارة واسعة النطاق بين العالم القديم (الكلاسيكي) وبين مناطق بعيدة مثل الهند وسيرلانكا.
6/ تقلبت أحوال التجارة في سواكن بين مراحل علو وهبوط، وذلك بحسب حالة الاستقرار المحلي، وأوضاع الشؤون السياسية في العالم. وسُجِّلَ في التاريخ أن أول مستوطنة في سواكن كانت قد نشأت منذ بداية القرن التاسع الميلادي. وعند حلول القرن الثالث عشر بدأ التجار من مختلف أرجاء العالم يديرون أعمالهم من سواكن بصورة مكثفة، أو حتى يتخذونها مقراً لهم. غير أن العمري (5) كتب في حوالي عام 1340م بأن "سواكن ليست مملكة عظيمة، وليست بها مخازن تجارية كبيرة". وبعد ذلك بفترة قصيرة نسبيا تدهورت أحوال ميناء مهم في عَيذاب (يقع علي ساحل البحر الأحمر في مثلث حلايب. المترجم) يقع على بعد 360 كيلومتر شمالاً من سواكن، حتى تدمر تماماً في 1428م. وغدت سواكن بعد ذلك واحدة من أهم موانئ البحر الأحمر على الساحل الإفريقي؛ وظلت تحتفظ بذلك الوضع الرفيع لنحو نصف قرن كامل (6). ولم يصل الأوربيون إلى سواكن إلا في سنوات متأخرة بعد ذلك، ولم يسجل لهم أي نشاط تجاري مع ميناء سواكن إلا من بدايات القرن الخامس عشر. وفي عام 1517م سيطر العثمانيون على مصر وزحفوا جنوباً واحتلوا سواكن وبقية الموانئ على شاطئ البحر الأحمر (ويجدر بالذكر هنا بأن تركيا كانت قد تعهدت قبل سنوات بإعادة إعمار سواكن. المترجم). https://shorturl.at/qzJPW). وظل العثمانيون بعد ذلك هم من يديرون التجارة عبر ميناء سواكن، بينما بقي أفراد قبائل البجا في الساحل، وسلطات دولة الفونج السنارية يتحكمون في طرق سير القوافل التجارية القادمة للميناء من باقي أنحاء السودان. وفي عام 1541م أحرق البرتغاليون ميناء سواكن، ولكن العثمانيين أفلحوا في إعادة بنائه وتشغيله. وشهدت نهايات القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر انحساراً في التجارة، غير أنها عادت للازدهار مجدداً في القرن التاسع عشر. وعادت السيطرة على سواكن مجددا للمصريين في 1821م، وأعلن ذلك رسمياً في عام 1865م. وآلت السيطرة على المدينة والميناء للبريطانيين بعد أن احتلت بريطانيا مصر في عام 1873م. وازدهرت التجارة من سواكن بأكثر مما كانت عليه بعد افتتاح قناة السويس في 1869م، إلا أن البحرية في سواكن لم تعد تتسع للسفن الكبيرة. لذا قام البريطانيون بتشييد ميناء جديد في "بورتسودان" على بعد أربعين كيلومتر من سواكن. وما أن حل عام 1922م حتى هُجرت سواكن فعلياً.
7/ كانت التجارة الخارجية في سواكن شرقاً خارج القرن الأفريقي نفسها تجارة "غير مباشرة" إلى حد كبير، وعلى الأرجح بشكل عام بعد عملية الانتقال إلى نموذج ثلاثي الأطراف يتكون من ثلاث مناطق من الاتصال: منطقة غرب البحر الأحمر إلى الخليج الفارسي (العربي)، ومنطقة إعادة الشحن بين كامباي (بالهند) وملقا (بإسبانيا)، وفي منطقة شرقية من ملقا إلى جنوب الصين. وتشير بعض الكتابات الصينية (التي أثيرت حولها بعض الشكوك) إلى أنه كانت هناك علاقات تجارية غير مباشرة بين أفريقيا والصين إبان عهد أسرة هانHan (202 قبل الميلاد حتى 220م). أما أول الكتابات المقبولة التوثيق فهو تقرير حربي كتبه ديو هوان في غضون سنوات أسرة تانق (618 - 907م) وصف فيه الموانئ والمواقع على البحر الأحمر والأراضي النائية في داخل أفريقيا. وفي منتصف القرن التاسع والقرن العاشر الميلادي صدرت عدد من النصوص العربية التي تناولت الرحلات التجارية التي سُيرت بين الخليج الفارسي (العربي) والصين، مثل "كتاب المسالك والممالك" لأبي القاسم عبد الله ابن خرداذبة، و"أخبار الصين والهند" لأبي زيد السيرافي. وليس هناك من دليل على أن تجار سواكن قد سافروا إلى شرق آسيا، ربما بسبب أخطار مثل تلك الرحلة. بل إن الرحالة المسلم بزرك بن شهريار (صاحب كتاب "عجائب الهند") الذي عاش في القرن العاشر الميلادي كتب بما يفيد أنه: "إذا بلغ الرجل الصين دون أن يلقى حتفه في الطريق، فهذه معجزة في حد ذاتها؛ أما إذا ما عاد الرجل سالماً لأهله من تلك الرحلة فهذا أمر لم نسمع به قط". وعلى الرغم من ذلك فالسجلات الصينية توضح لنا أن الصينيين كانوا على معرفة بأفريقيا، وأنهم قاموا برحلات بحرية إليها ومن أمثلة ذلك ما قام به الادميرال زينق هي من رحلة من بلاده إلى عدن ومقديشو ثم عبر الساحل السواحلي (بكينيا وتنزانيا الحديثة) في رحلاته الأربع الأخيرة من بين سبع رحلات قام بها، وأيضاً في رحلته السابعة عام 1433م، والتي وصل فيها حتى ميناء جدة. ويتزامن تاريخ رحلة ذلك الأدميرال مع تاريخ أول ظهور لأي كمية من الخزف الصيني في علم الطبقات السواكني (Suakini stratigraphy).
8/ إن أفضل دليل آثاري متوفر لدينا عن صلات سواكن بالعالم الخارجي هو الخزف (ceramics) المستورد الذي عُثِرَ عليه بالجزيرة. فهو لا يبرز فقط باعتباره شيئاً "مختلفا" عما اُكْتُشِفَ من آثار، ولكنه (عندما يمكن التأكد من أصله وتاريخه) يوفر لنا تاريخاً لعلاقات سواكن الخارجية عبر الزمان والمكان. ومن جانب آخر، كان غالب ما يُصدر من السودان عبر سواكن، بين القرنين السادس عشر والتاسع عشر، يشمل الرقيق والذهب والحيوانات الحية والمواد النباتية والحيوانية التي كانت تُجلب لسواكن بالقوافل من الغرب عبر بر سواكن، وتحملها المراكب عبر الميناء. وفي خارج السودان يصعب التعرف على أن كل تلك "البضائع" كانت قد صُدرت من أو عبر ميناء سواكن تحديداً، على الرغم من أنها كانت بالفعل كذلك.
وكانت الأخشاب هي المادة "الخام" الوحيدة التي كانت تُجْلَبُ من خارج السودان وتم اكتشافها أثناء عمليات التخليص والاستكشاف. وكشفت التحليلات التي أجريت حديثاً حول بنية تلك الأخشاب في سواكن خطل فكرة أن "تيك يافا Java Teak" كان قد استورد لسواكن كثَقّالات ballast من جنوب شرق آسيا لاستخدامها في البناء. ولا يوجد دليل الآن على أن الأخشاب المستوردة كانت من نوع شورية Shorea التي جلبت من جنوب شرق آسيا وجنوبها لاستخدامها في ديكورات النوافذ. وأثبتت التحاليل التي أجريت على أخشاب سواكن أنها كانت من أنواع أشجار محلية.
9/ كانت غالب المواد المستوردة عبر سواكن تتكون من مواد مصنعة، مثل الفخار والخزف (الصيني) والأواني الزجاجية أيضاً. وكان ذلك الزجاج يأتي – بكميات محدودة - من مناطق إسلامية أو أوروبية. بينما كان الفخار والخزف (الصيني) يأتي من مصر والجزيرة العربية والخليج الفارسي (العربي) والهند وجنوب شرق آسيا والصين. ووجدت مواد مشابهة لتلك التي اُكْتُشِفَتْ في سواكن في الساحل السواحلي (بكينيا وتنزانيا الآن)، وفي مناطق بعيدة عن البحر الأحمر.
10/ عُثِرَ في سواكن على بقايا سلع ومواد (ware) من اليمن ومواقع على الساحل السواحلي، ومن "رأس الخيمة" (بالإمارات العربية المتحدة) وتنسب كل تلك المواد لليمن (Yemeni Yellow Ware)، ربما تكون قد صُنِعَتْ باليمن في الفترة بين منتصف القرن الثالث عشر إلى القرن الرابع عشر أو الخامس عشر الميلادي. وهذا يدل على أنه كان بسواكن في تلك الحقبة ميناء عامر بالنشاط. وفي القرن الخامس عشر الميلادي كانت عدن من أكبر وأهم الموانئ في المنطقة المعروفة الآن باليمن، على الرغم من أن ميناء المخا Moccha (الذي يقع شمال "باب المندب" على الساحل العربي) كان أيضاً من الموانئ النشطة في ذلك الزمان. ويعتقد بعض المؤرخين والآثاريين بأن ازدهار ميناء سواكن جاء نتيجة لاضمحلال ميناء عَيذاب. وفي تلك السنوات كانت سواكن مرتبطة إدارياُ بجدة، حين كانت الطرق التجارية الأكثر استخداماً تمتد بين جدة وسواكن.
11/ كان بسواكن في القرن الخامس عشر وبدايات القرن السادس عشر الميلادي خزف فارسي مرقط باللون الأزرق. وكان موجوداً أيضا في مناطق الخليج الفارسي (العربي) والساحل العربي الجنوبي وساحل شرق أفريقيا. وكذلك عُثِرَ على ذلك الخزف في القاهرة القديمة (الفسطاط)، ويمتد تاريخ تلك الاكتشافات جميعا للفترة بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر. وكانت تلك المواد تمر عبر مضيق هرمز على السواحل الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، أو من عدن لسواكن.
ووُجدت بسواكن أيضاً بقايا سلع منزلية هندية يعود تاريخها إلى الفترة ما بين القرن الثالث عشر إلى منتصف القرن السادس عشر. وتعود تلك السلع لمنطقة غوجارات في شمال غرب الهند. وقد عُثِرَ على بقايا ذات المواد في المناطق حول مضيق هرمز وصحار (في عمان) وفي رأس الخيمة (بالأمارات العربية المتحدة).
12/ وعُثِرَ بسواكن أيضاً على بقايا خزف صيني صلب وأواني حجرية صينية مما يدل على وجود صلات تجارية بينهما منذ القرن الثالث عشر الميلادي، إن لم يكن قبل ذلك. ووجدت ذات الأواني الحجرية الصينية في منطقة جلفار (بالأمارات العربية المتحدة الآن) وكان تاريخها يعود للقرنين السادس عشر والسابع عشر.
13/ وفي ختام المقال تناولت الكاتبة والكاتب "حركة الحج pilgrimage traffic" أي السفر بالبحر إلى مكة من مختلف البلدان، الذي يرتبط بشكل مباشر بالجوانب التجارية والسياسية المتأصلة لعلاقة سواكن الخارجية. وقد أتاح الحج التواصل والنقل عبر مسافات طويلة بين الأفراد غير القادرين على التواصل المباشر. وكان الحجاج من شمال أفريقيا والشرق الأدنى يسافرون عبر طرق القوافل، وبعضهم يعبر أيضاً البحر الأحمر من سواكن أو عيذاب قبل ركوب السفن إلى جدة. ومن بين 93,250 حاجاً تم تسجيلهم بين عامي 1877 و1880م، جاء 61,750 منهم (حوالي الثلثين) عن طريق البحر و31,500 (حوالي الثلث) عن طريق البر. وجاء أكثر من نصف الحجاج المنقولين بحراً من بلدان ما وراء خليج عدن من الشرق، بما في ذلك حوالي 15000 هندي، و12000 ماليزي، و6000 فارسي، وحتى 100 صيني. وكانت السفن التي تحمل أولئك الحجاج تتوقف في سواكن لأغراض تجارية أو لحمل المزيد من الحجاج المسافرين لجدة. وكنت سواكن تُعد مستودعاً للبضائع (entrepôt) وأكثر الموانئ أماناً، وغدت مكاناً طبيعيا تتوقف فيه الرحلات البحرية. وكان المتنصرون (الذين تحولوا للمسيحية) من الآسيويين يسافرون بحراً من الهند إلى الأماكن التي يعدونها مقدسةً في أوروبا عبر سواكن.
خاتِمَة
نخلص إلى أن سواكن لم تكن تشارك فقط في التجارة داخل منطقة البحر الأحمر ومع شبه الجزيرة العربية على جانبها الشرقي، ولكنها كانت مرتبطة أيضاً بشكل كامل بشبكات التجارة الأوسع في المحيط الهندي. ويشمل ذلك صلات بين المسافات المتوسطة (medium – distance links) إلى جنوب آسيا وروابطها الأطول مسافةً عبر جنوب شرق آسيا والصين. وربما كانت السفن الصينية تنتقل عبر ميناء قوانغتشو guangzhou، الأقرب لأغلب مراكز الإنتاج التي تم التعرف عليها في جنوب شرق الصين. لا يمكن أن تشير كميات الخزف الصيني والسيلادون (4) التي تم العثور عليها أثناء عمليات التنقيب حتى الآن إلى ما إذا كانت سواكن نشطة في تجارة كبيرة للسيراميك نفسه مباشرة إلى الصين أم لا. هذا إلى جانب احتمال أن تكون بعض السفن قد تجولت في شرق آسيا وحتى داخل الصين نفسها قبل أن تنتقل إلى سواكن وعبرها، مما قد يشير إلى أن بعضها على الأقل جاء إلى جزيرة سواكن من خلال تبادلها، إما عن طريق التجارة أو العرض، باعتبارها ملكية خاصة للبحارة والتجار. ورغماً عن أن الأدلة لا تزال محدودة للغاية حتى الآن، فمن الممكن أن تكون الروابط الصينية مع البحر الأحمر قد تم تأسيسها في وقت مبكر من عهد أسرة سونغ اللاحقة، عندما كانت سواكن على الأرجح مستوطنةً صغيرة وغير مهمة. ومع ذلك، فإن تواريخ الغالبية العظمى من تلك المواد الصينية يعود إلى أسرتي مينغ وتشينغ؛ وتتزامن مع الفترة التي كانت فيها سواكن هي الميناء الرئيس على ساحل البحر الأحمر الأفريقي بين مصوع ومصر.
*********** ************** *************
إحالات مرجعية
1/ للمزيد عن قصة إنشاء ميناء بورتسودان يمكن النظر في مقالين تجدهما في الرابطين https://shorturl.at/HSUXY و https://shorturl.at/ijkzG
2/ انظر استعراض لكتاب د. شادية طه الموسوم "التعلق بتراث مهجور: دراسة حالة سواكن في السودان" في هذا الرابط https://rb.gy/mlp5gt
3/ لشرح المقصود من "طاولة الماء" (أي منسوب الماء / السطح العلوي لمنطقة التشبع) يمكن قراءة ما كتب عنها في هذين الرابطين https://shorturl.at/etzH0 و https://shorturl.at/ovAK7
4/ تشير كلمة سيلادون هنا للأواني الفخارية المزججة بلون السيلادون الأخضر. https://www.britannica.com/art/celadon
5/ لعل العمري المقصود هو المؤرخ والأديب الدمشقي ابن فضل الله العمري في بلاط السلطان الناصر قلاوون، تاسع سلاطين الدولة المملوكية البحرية.
6/ أشارت الكاتبة والكاتب في الحاشية إلى أن "مصوع"، وهو الميناء الأفريقي الآخر على البحر الأحمر، لم يبرز كميناء مهم إلا بعد عام 1557م، عندما سيطر عليه العثمانيون؛ على الرغم من أن بعض الكتابات التاريخية أشارت إلى أنه ميناء يماثل سواكن في القدم.

 

alibadreldin@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الجزیرة العربیة جنوب شرق آسیا البحر الأحمر القرن التاسع منتصف القرن السادس عشر الخامس عشر على الساحل فی القرن بعد ذلک على أن فی عام کانت ت إلى أن

إقرأ أيضاً:

نبوءة ميرشايمر.. هل اقتربت الحرب المدمرة بين أميركا والصين؟

في فبراير/شباط الماضي اتخذ الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب وإدارته قرارًا بفرض رسوم جمركية على جميع واردات الصلب والألومنيوم الصينية إلى الولايات المتحدة في أول استهداف من قبل إدارة ترامب لبكين خلال ولايته الجديدة.

وتعد بكين المنتج الأول للصلب عالميا، ورغم أن أميركا أصبحت تستورد القليل من الصلب مباشرة من الصين، منذ التعريفات التي فرضها ترامب خلال ولايته الأولى وأبقت عليها إدارة جو بايدن، فإن الصلب الصيني كان يشق طريقه إلى أميركا عبر أطراف أخرى، حيث يتم شراء بعضه من قبل دول أجنبية وإعادة شحنه إلى الولايات المتحدة.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تعلموا من الصين كيف تديرون ظهوركم لأوروبا وأميركاlist 2 of 2الصين وأميركا في 2025 والصراع الذي قد يغير شكل العالمend of list

وكما هو متوقع لم يتأخر الرد الصيني طويلا، حيث أعلنت بكين أنها ستفرض رسوما جمركية بنسبة 15% على الواردات الأميركية من الدجاج والقمح والذرة والقطن، وبنسبة 10% على اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان، وهو ما ينذر بالمزيد من التوترات التجارية بين البلدين.

وتعكس حرب التعريفات المحتدمة تلك مخاوف أميركية واضحة من الصعود الاقتصادي للصين بعد زهاء عشرين عاما من النمو المذهل والمستدام الذي جعل بكين منافسا حقيقيا للولايات المتحدة على صدارة الاقتصاد العالمي (17.8 تريليون دولار هي الناتج الإجمالي لبكين مقابل 27.7 تريليون دولار للولايات المتحدة وفق بيانات البنك الدولي لعام 2023).

إعلان

هذه المنافسة الاقتصادية تخفي بين طياتها صراعا سياسيا أكبر حول هوية من يهيمن على النظام العالمي خلال العقود القادمة. فمنذ سقوط الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينيات، انفردت الولايات المتحدة بالقرار العالمي بلا شريك، ولم ينازعها أحد هذه الهيمنة أو يقارب.

ولكن اليوم، تعترف إستراتيجية الأمن القومي الأميركية بأن الصين هي الفاعل الوحيد الذي لديه "الرغبة والقدرة" على تغيير النظام العالمي، وما يجعل الأمور أسوأ -من وجهة نظر أميركية- أن ذلك الفاعل يأتي من فضاء سياسي وثقافي مختلف تماما عن الفضاء الغربي الذي هيمنت قيمه وأنظمته على العالم خلال العقود الماضية.

بالنظر إلى هذه الحقيقة، لا يعد الصراع بين واشنطن وبكين اليوم مجرد صراع بين فيلين ضخمين يتحركان فوق الرقعة الدولية، بل منافسة تعيد تشكيل العالم الذي نعرفه، وهو ما يجعل الأمر مثار اهتمام لحقل دراسات العلاقات الدولية.

وبينما تتقدم الصين بخطى حثيثة لتصبح قوة عظمى على الصعيد العالمي يتزايد الاهتمام بنظرية دشنها في تسعينيات القرن العشرين، جون ميرشايمر عالم السياسة الأميركي الشهير، وتعرف باسم "الواقعية الهجومية" وهي تحمل تنبؤا متشائما لمستقبل النظام الدولي بشكل عام وللصراع الأميركي الصيني بشكل خاص.

الواقعية.. بين الدفاعيين والهجوميين

ينقسم منظرو العلاقات الدولية في الوقت الراهن تيارين رئيسيين، التيار الواقعي والتيار المثالي. ويعتقد أن التيار المثالي "الليبرالي" -الأحدث- نشأ من رحم حركة التنوير الأوروبية، وتقوم نظريته على عدة افتراضات على رأسها رفض الاعتراف بأن التنافس على القوة أو الصراع حالة طبيعية للعلاقات بين الدول، وفي المقابل اعتقاد أن الغاية النهائية للجميع هي تحقيق الاستقرار والسلام العالمي.

وقد تلقى أنصار هذا التيار دفعة قوية في أعقاب انهيار الاتحاد السوفياتي وهيمنة أميركا وحدها على العالم وسقوط جدار برلين الذي كان إيذانا بانضمام شرق أوروبا إلى قافلة الديمقراطية الليبرالية.

إعلان

ساعتها، سرت موجة من التفاؤل بشأن مستقبل النظام العالمي، إثر انتهاء الصراع الأيديولوجي بين الشرق والغرب بانتصار الليبرالية بشقيها السياسي المتمثل في "الديمقراطية التمثيلية" والاقتصادي المتمثل في الرأسمالية والسوق الحرة، وظهرت تنظيرات تعكس هذا الطابع المتفائل مثل نظرية "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" لعالم السياسة الأميركي فرانسيس فوكوياما الذي توقع متفائلا نهاية الصراعات بين الدول باعتناق العالم كله للديمقراطية الغربية.

ولأن الديمقراطيات لا تتقاتل (كما اعتقد المثاليون وقتها) فالأمل قائم في أن حالة الحرب ستكون من التاريخ وأنه لن يكون هناك حاجة للاقتتال مستقبلا.

وقد امتد هذا التفاؤل ليشمل العلاقات بين الغرب والصين، مفترضا أن التطور الاقتصادي في بكين سيقوّي الطبقة الوسطى التي ستحول الصين في نهاية المطاف إلى دولة ديمقراطية باعتبار أنه "لا ديمقراطية بدون طبقة وسطى" حسب ما انتهى إليه بارينغتون مور، عالم الاجتماع والفيلسوف والمؤرخ الأميركي، في عمله الكبير "الأصول الاجتماعية للديمقراطية والدكتاتورية".

على الجانب الآخر، يؤكد أنصار النظرية الواقعية على الطبيعة التنافسية والصراعية للنظام الدولي، ويرون أن القوة شيء لا بد منه في العلاقات الدولية، ويشككون في دور الأخلاق وتأثيرها في مجال السياسة الدولية.

وبغض النظر عن مسماه الأكاديمي وتطور رؤاه النظرية، فإن ذلك التيار هو الذي ساد فعليا خلال معظم فترات التاريخ البشري، حيث تعود جذور النظرية الواقعية إلى أعمال ثوقيديدس، وهو مؤرخ وجنرال يوناني اشتهر بأفكاره حول الحرب البيلوبونيسية بين أثينا وإسبرطة، التي رأى أنها نشبت جراء مخاوف إسبرطة من الصعود الكبير لقوة أثينا، ومنه استقى عالم السياسة الأميركي غراهام تي أليسون مصطلح "فخ ثوقيديدس" لوصف النزعة الواضحة للحرب عندما تشعر قوة عظمى بالتهديد من قبل قوة جديدة صاعدة.

إعلان

على مدار التاريخ، طرح الواقعيون أفكارهم حول دور القوة في تشكيل النظام الدولي والدور الهامشي للأخلاق في هذا السياق، وقد تفاوتت تلك الأفكار في مدى تماسكها وحتى "تطرفها" كما فعل نيقولا ميكافيللي الفيلسوف الإيطالي الشهير الذي انتقد النزعة الأخلاقية في السياسة، وتوماس هوبز، فيلسوف السياسة الإنجليزي الذي طرح أفكاره حول حالة "الفوضى الطبيعية" التي وصفها بأنها "حرب الكل ضد الكل".

ورغم أن اهتمام هوبز تركز في المقام الأول على العلاقة بين الأفراد والدولة فإنه أشار إلى أنه بمجرد قيام الدول، يصبح التحرك نحو القوة والسلطة أساسا لسلوكها؛ مما يدفعها إلى محاولة استغلال الدول والشعوب الأخرى.

صورة لكتاب "لفايثان" للفيلسوف الانجليزي توماس هوبز (الجزيرة)

غير أن أفكار الواقعيين القدامى (التقليديين) من أمثال هوبز وميكافيللي تعرضت لنقد شديد بسبب اختزالها للعوامل المؤدية للصراع في النزعات الشخصية والطبائع الشريرة للبشر وبقدر أقل في الموقع الجغرافي للدول وطبيعة نظامها السياسي، وهو ما تطلب ظهور جيل جديد من الواقعيين يقدم إطارا نظريا أشمل وأقدر على تفسير الصراعات الدولية.

في مقدمة هؤلاء يجيء اسم كينيث والتز الذي وضع في كتابه الصادر عام 1979 بعنوان "نظرية العلاقات الدولية" حجر الأساس لما باتت تُعرف بـ"الواقعية الجديدة" أو البنيوية، وإسهامها الأهم حول "الطبيعة الفوضوية للنظام الدولي".

يرى والتز أنه بخلاف الدول، بمختلف هياكلها السياسية، التي تكون غالبا منظمة في صورة هيراركية فإن النظام الدولي "فوضوي" بطبعه بغض النظر عن هوية الفاعلين الأساسيين فيه. وداخل هذا النظام الدولي الفوضوي فإن جميع الدول لديها وظائف متشابهة تقريبا وهي تختلف فقط من حيث تفاوت "القدرات" وليس الأدوار، وعلى رأس هذه الوظائف مسألة "ضمان البقاء والسعي للأمن".

إعلان

وفي مسألة الأمن، ينقسم الواقعيون على الأغلب إلى شطرين: الشطر الأول، الأكثر تفاؤلا، هم أنصار ما تُعرف بـ"الواقعية الدفاعية" أمثال ستيفن والت وباري بوزان ممن يرون أن الدول سرعان ما ستدرك أن تكاليف الحرب تتجاوز فوائدها بشكل جلي، وأنه في غياب أي تهديد واضح فإن الدول لا تمتلك حافزا واضحا لاعتناق نظرة أو تبني سياسة ذات طابع توسعي.

يعد الأمن إذن من وجهة نظر الواقعيين الدفاعيين مسألة "دفاعية بحتة"، وبالنسبة لهؤلاء فإن التعاون بين الدول يظل أيسر وأكثر قابلية للتحقق في معظم الحالات من الصراع بينها، وأن تكاليف الدفاع "بما يشمل حوز الأسلحة الدفاعية" أقل من تكاليف التوسع.

وفي مقابل هذه النظرة المتفائلة، تبرز نظرة قاتمة يرى أنصارها أن الدول لا تسعى إلى الأمن بمعناه السلبي أو الدفاعي، بل تسعى إلى مراكمة القوة وتوسيع الفوارق بينها وبين الدول الأخرى، وأن السبيل الوحيد لبقاء الدول هو أن تصبح دائما "أكثر قوة"؛ مما يقودها لخوض صراع لا يمكن لجمه على النفوذ، وتبنّي رؤية توسعية على حساب الآخرين.

يرسم الواقعيون الهجوميون رابطة مباشرة بين مراكمة القوّة وبين الأمن، فضمان الأمن يفرض على الدولة مضاعفة قدراتها باستمرار وتحقيق الأفضلية على الخصوم، ولن يتأتى لأي دولة أن تتمتع بالأمن المطلق إلا إذا امتلكت وضعا مهيمنا في النظام الدولي أو على الأقل في محيطها الإقليمي.

وفي هذه الحالة فإن تلك القوة العظمى أو المهيمنة سوف تتمكن من ردع خصومها المحتملين وإرغامهم على تقديم تنازلات؛ مما يساعدها على تقوية وضعها، وفي حال إخفاقها في تحقيق هذه الأفضلية فإن الخصوم سوف يمتلكون الفرصة لتقوية أنفسهم على حسابها، وهو ما يحولهم بمرور الوقت إلى مصدر تهديد لها، وساعتها تصبح الحرب أو الصراع مسألة وقت لا أكثر.

مأساة سياسة القوى العظمى

يعد جون ميرشايمر، عالم السياسة الأميركي أبرز منظري الواقعية الهجومية، وقد طرح أفكاره حول ذلك الأمر في كتابه "مأساة سياسة القوى العظمى" مشيرا إلى أن النظام الدولي يتمتع بخمس خصائص أساسية تعمل مجتمعة لتجعل الصراع على القوة هو المحرك الأساسي لسياسة الدول، التي تسعى دائمًا إلى زيادة قوتها على حساب خصومها ومنافسيها.

إعلان

أول هذه الخصائص هي فوضوية النظام الدولي التي تعد حجر الأساس الذي تنطلق منه رؤى الواقعيين، وتعني باختصار أن النظام الدولي يخلو من سلطة عليا تمنع اعتداء أي دولة على أخرى وتلجأ إليها الدول الأكثر ضعفا لحمايتها من تغول الدول الأقوى، وبالتالي لا سبيل سوى اعتماد كل دولة على نفسها في حماية وجودها.

بعد ذلك تأتي الخصيصة الثانية وهي امتلاك ما تُعرف بـ"الدول العظمى" دون غيرها قوة عسكرية هجومية كبيرة؛ مما يمنحها موقعا أفضل في النظام الدولي ولكنه يزيد في الوقت نفسه من التنافس فيما بينها.

يزداد هذا التنافس حدة في ضوء الخصيصة الثالثة للنظام وهي عدم وجود طريقة تتأكد عبرها الدول من نيات بعضها؛ مما يجعلها في حالة شك دائم، واستعداد لاحتمال تعرض مصالحها للاعتداء، خاصة أن خريطة التحالفات الدولية دائمة التبدل والتغير.

فمثلا الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي تحالفا معًا ضد ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، ولكن سرعان ما بات العداء بينهما هو السائد بعد زوال الخطر المشترك الذي كان يهدد كلا منهما.

في خضم هذا الوضع الدولي الملبد بالغيوم، يعد البقاء هو الهدف الأسمى للدولة، والبقاء يستند إلى الأمن وتعد الدول المنافسة هي التهديد الرئيسي للأمن وهذه هي السمة الرابعة للنظام الدولي، أما السمة الخامسة فهي أن الدول التي تتصرف في هذا المناخ هي فواعل "عقلانية" إجمالا، أي أن تصرفاتها يمكن أن تفسر في أغلب الأحيان وفق حسابات المكسب والخسارة وليس بناء على العواطف كما يفعل البشر عادة.

تعمل هذه الخصائص الخمس، بحسب ميرشايمر، على جعل الدول تتصرف بعدوانية اتجاه الدول الأخرى متى شكّت في نياتها، أو حتى بمجرد ارتفاع مكانتها في النظام الدولي؛ مما يجعلها تمثل تهديدا لموقع القوة المهيمنة.

ويخبرنا التاريخ القريب عن الطريقة التي تعمل بها هذه الدينامية، فخلال حقبة الحرب العالمية الثانية وما بعدها، مثلت الولايات المتحدة أكبر قوة عسكرية عالميا، وكانت هي مصدر التسليح لدول الحلفاء بعد انخراطها في الحرب، وكانت أول البلدان حصولا على القنبلة النووية واستخدامًا لها عندما قصفت هيروشيما وناغازاكي، وظلت تحرص دائما على أن تكون لها يد السبق على خصومها.

إعلان

بيد أنه حين امتلكت الولايات المتحدة القنبلة النووية، أشعلت التنافس النووي الذي كانت شرارته حاضرة بالفعل خلال الحرب، التي كان طرفها الآخر، وهو الألمان، يسعى بدوره لامتلاك السلاح الأقوى الذي سينهي كل الحروب.

وداخل معسكر الحلفاء أنفسهم، عقد السوفيات العزم على امتلاك ترسانتهم النووية الخاصة ونجحوا في إجراء أول تجربة نووية ناجحة عام 1949، فاقت توقعات الأميركيين الذين اعتقدوا أن السوفيات لن ينجحوا في تصنيع قنبلة نووية قبل منتصف الخمسينيات.

منذ ذلك الحين، غذت الشكوك المتبادلة سباق تسلح نووي ظل قائما طوال الحرب الباردة واستمر إلى ما بعدها، فحين صنع الأميركيون القنبلة الهيدروجينية 1951 سار السوفيات على خطاهم وصنعوا قنبلتهم بحلول عام 1955.

وعلى إثر ذلك التنافس كاد العالم يشهد حربًا نووية في أزمة الصواريخ الكوبية 1962 عندما علمت الولايات المتحدة أن الاتحاد السوفياتي نشر منظومة صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية في كوبا، فسارعت إلى التصعيد، قبل احتواء الأزمة بإلغاء السوفيات خطتهم.

في نهاية المطاف، اقتنع الأميركيون والسوفيات بأن أيا منهم لن يكون بمقدوره فرض الهيمنة على الآخر من خلال السلاح النووي لأن كل طرف يملك منه ما يكفي تماما لتدمير الآخر، بل وإفناء الحضارة البشرية عن بكرة أبيها؛ مما أدى إلى سيادة حالة من "السلام النووي" فرضتها الحسابات العقلانية للمكسب والخسارة.

وفي نهاية المطاف، كانت الحرب الباردة بمنزلة سلام ممتد أوجده التوازن بين القوتين الكبيرتين، وإن جادل بعض المفكرين من العالم الثالث بأنها لم تكن سلاما إلا في الكتلتين الغربية والشرقية وليس في دول الجنوب العالمي.

سياسات الهيمنة

بعد انهيار الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينيات، بدا أن الولايات المتحدة في طريقها إلى الهيمنة المطلقة على العالم في غياب قوة منافسة.

إعلان

ورغم أن هذا صحيح نسبيا فإنه سرعان ما ثبت أن الهيمنة المطلقة مهمة مستحيلة حتى في غياب المنافسين لأن العالم كبير جدا، تغطي المياه مساحة شاسعة من سطحه، بحيث لا تمتلك أي دولة بمفردها إمكانيات وموارد تكفي لفرض السيطرة الفعلية على سائر العالم.

لذلك فإن الولايات المتحدة وحتى في ذروة قوتها لم تهيمن على كل مناطق العالم وذلك بسبب ما يسميه ميرشايمر "القوة المانعة للمياه"، أي وجود مساحة شاسعة من المياه تفصلها عن العالم.

ونتيجة لذلك، تعين على الدول العظمى أن ترسم أهدافها ومجالات نفوذها تباعا، ففي البداية يتعين عليها أن تسيطر على محيطها الإقليمي، بحيث تأمن أنه لن يصبح أبدا هدفًا لهجوم من جيرانها، ويتطلب ذلك أن تكون أقوى من جيرانها بفارق واضح لا يمنحهم هامش المناورة لمعاداتها.

الولايات المتحدة وحتى في ذروة قوتها لم تهيمن على كل مناطق العالم وذلك بسبب ما يسميه ميرشايمر "القوة المانعة للمياه"، أي وجود مساحة شاسعة من المياه تفصلها عن العالم. (الجزيرة)

ثم بعد ذلك، على كل دولة عظمى أن تمنع منافسيها المباشرين من ممارسة دور مهيمن في محيطها ذلك، لأن تلك الدولة أو الدول المنافسة متى أمنت جانب محيطها ستحاول أن توسع نفوذها، وساعتها من الممكن أن تسعى لاختراق الحديقة الخلفية لمنافسيها.

بعد ذلك يأتي دور بسط الهيمنة إلى بقية العالم ومحاولة اختراق المحيط الإقليمي للمنافسين بما يبقيهم دائما مشغولين بتأمين أنفسهم وجوارهم الإقليمي عن التوسع في بقية العالم.

يجادل ميرشايمر بأن تلك المبادئ تفسر سلوك الولايات المتحدة الأميركية منذ نشأتها حتى الآن، وستفسر تبعا لذلك سلوك أي قوة عظمى في العالم، لقد نشأت الولايات المتحدة كمستعمرات صغيرة أخذت في التوسع حتى وصلت إلى المحيط الهادي غربا، واستولت على تكساس من المكسيك، واشترت ألاسكا من روسيا ولويزيانا من فرنسا وغزت كندا سعيا لضم أجزاء منها.

إعلان

وعندما أمنت الولايات المتحدة جوارها الإقليمي، تدخلت في العالم القديم لأجل فرض التوازن والحيلولة دون هيمنة الدول العظمى الأخرى على مناطقها، كما فعلت بدخولها الحرب العالمية الأولى عام 1917 إلى جانب كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا ضد ألمانيا والنمسا والدولة العثمانية.

وفي الحرب العالمية الثانية دخلت الولايات المتحدة الحرب على جبهتين، الأولى في أوروبا إلى جانب بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفياتي ضد ألمانيا لإنهاء سيطرة الألمان على أوروبا بعد هزيمة فرنسا وبريطانيا عام 1941.

وبعد الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر، أعلنت الحرب ضد اليابان وكرست جانبا كبيرا من قواتها لمحاربة الإمبراطورية اليابانية التي كانت تسيطر على مساحات شاسعة من محيطها الإقليمي الخاص على اليابسة الآسيوية في كوريا والفلبين وإندونيسيا والصين، وانتهت الحرب باستسلام اليابان في أغسطس/آب 1945.

وبعد هزيمة فرنسا في معركة ديان بيان فو الشهيرة على يد الثوار الفيتناميين الشيوعيين بقيادة هوشي منه عام 1954، خشيت الولايات المتحدة من انتشار الشيوعية الذي سيعني امتداد الهيمنة السوفياتية إلى جنوب آسيا؛ مما دفعها إلى إرسال قواتها لدعم حكومة فيتنام الجنوبية الحليفة ضد الفيتكونغ (الشيوعيين) في الشمال واستمرت الحرب لمدة 18 عامًا.

وفي ثمانينيات القرن العشرين دعمت الولايات المتحدة المقاتلين الأفغان الذين كانوا يحاربون القوات السوفياتية التي دخلت أفغانستان لدعم الحكومة الشيوعية، وفي التسعينيات قادت الولايات المتحدة تحالفا دوليا ضد العراق لوأد طموحاته المزعومة للهيمنة على منطقة الخليج والشرق الأوسط.

الصين ضد أميركا

يرى ميرشايمر أن الصين، بوصفها قوة عالمية صاعدة، تسير على نفس الخطى التي سارت عليها أميركا قبل عقود.

في البداية، تسعى بكين لتكون القوة المهيمنة في محيطها الإقليمي، لكنها تجد أن ذلك المحيط ليس خاليا وأن عليها أن تشتبك مع النفوذ الأميركي فيه، بداية من تايوان التي تعتبرها الصين جزءًا من أراضيها والتي تحظى بحماية أميركية واضحة، وصولا إلى كوريا الجنوبية واليابان، وهما خصمان رئيسيان للصين وحليفان رئيسيان للولايات المتحدة يستضيفان العشرات من القواعد العسكرية الأميركية وعشرات الآلاف من الجنود الأميركيين.

إعلان

لذلك مثلما تمثل الصين تحديا للولايات المتحدة، فإن أميركا هي أكبر تحدّ للصين لأنها توجد في حديقة الصين الخلفية، مانعة إياها من امتلاك الهيمنة المطلقة في محيطها الإقليمي.

تاريخيا مرت العلاقات الصينية الأميركية بمنعطفات عدة، منذ انتصار الشيوعيين في الحرب الصينية الأهلية، وقيام جمهورية الصين الشعبية 1949، دعمت الولايات المتحدة القوميين الصينيين الذين انتهت الحرب بهزيمتهم وفرارهم إلى جزيرة تايوان، ومنذ ذلك العام انقسمت الصين إلى دولتين، الأولى في البر الرئيسي وهي جمهورية الصين الشعبية، والثانية في جزيرة تايوان يحكمها القوميون وتتحالف مع الولايات المتحدة.

خريطة لتايوان والبر الرئيسي للصين و"خط الوسط" بينهما (الجزيرة)

في البداية، لم تعترف الولايات المتحدة بجمهورية الصين الشعبية وظلت علاقة العداء تحكم البلدين حتى شعرت واشنطن بأنها بحاجة إلى الصين لاحتواء الاتحاد السوفياتي؛ مما دفع نحو تحول تاريخي بإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين مطلع السبعينيات. ومنذ ذلك الحين بدأت بكين تخوض تحولا اقتصاديا خاصا، وحققت منذ ذلك الحين معدلات نمو إعجازية.

ووفقا لنبوءة ميرشايمر، فإن الثروة تعد بمثابة "قوة كامنة" بمعنى أن أي دولة تمتلك فائضا كبيرا منها سوف تتحول إلى قوة عسكرية كبيرة بمرور الوقت.

ورغم أن الولايات المتحدة لا تزال صاحبة اليد العليا عالميا على صعيد القوة العسكرية، فإن الصين تعتبر ثاني أكبر مُصنِّع عسكري في العالم، وتسود الآن حالة من القلق الشديد في واشنطن من احتمال تفوق الصناعات العسكرية الصينية على نظيرتها الأميركية في المستقبل القريب في حين يشتكي البنتاغون من أن الصناعة العسكرية الأميركية تكافح للحاق بمعدل تقدم الصناعات العسكرية الصينية، وأنها لا تزال تفكر بعقلية عصر السلم، في الوقت الذي تعمل فيه الصناعات العسكرية الصينية بمنطق زمان الحرب.

إعلان

على صعيد الإنفاق العسكري لا تزال الولايات المتحدة في المركز الأول بفارق كبير عن باقي منافسيها، بل تكاد تمثل نصف الإنفاق العسكري العالمي كله، بحوالي 883 مليار دولار في عام 2024، لكن هذه الفجوة تضيق إذا أخذنا بالاعتبار مسألة تعادل القوة الشرائية والنفقات غير المعلنة للجيش الصيني.

لا تزال واشنطن كذلك في المرتبة الأولى على صعيد نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج القومي الإجمالي بنسبة 3.4% رغم أن هذه النسبة انخفضت كثيرا مقارنة بنسبة 7% في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.

في المقابل نما الإنفاق العسكري الصيني بشكل كبير خلال العقود الماضية، وحسب الأرقام الرسمية تنفق الصين نحو 219 مليار دولار مقارنة بـ25 مليارا تقريبا في عام 1995، وهناك بعض التقديرات التي ترى أنه بأخذ مسألة تعادل القوة الشرائية في الاعتبار فإن هذا الرقم يرتفع إلى ما بين 500 و700 مليار دولار، وهو ما يجعله يقترب جدا من السقف الأميركي.

وبالطبع يوجه الجزء الأكبر من هذا الإنفاق لتقوية الترسانة العسكرية الصينية، في نطاقات مختلفة، جميعها مخصص لزيادة قدرة الصين على فرض نفوذها في محيطها الإقليمي ومواجهة الحصار الذي تفرضه عليها الولايات المتحدة.

بادئ ذي بدء، تسير الصين بخطى حثيثة في طريقها إلى أن تصبح القوة البحرية الكبرى في العالم عام 2035، بل يعتقد أنها حققت ذلك بالفعل (على الصعيد الكمي المتعلق بعدد السفن وليس النوعي الذي تتفوق فيه الولايات المتحدة حتى الآن).

وفيما بين عامي 2014 و2018 أنزلت الصين إلى المياه عدد سفن أكبر من مجموع ما لدى ألمانيا والهند وإسبانيا وبريطانيا مجتمعة، ويعد الأسطول البحري الصيني أداة رئيسية لفرض هيمنة بكين ومنافسة الولايات المتحدة في البحار الإقليمية المحيطة بالصين، ولاحقا في المياه البعيدة منها إذا لزم الأمر.

إعلان

وبالتزامن، شرعت الصين في تقوية سلاحها الجوي بما يخدم الغرض ذاته. فمثلا تشير التقديرات إلى أن مدى الطائرة "إتش-20″، وهي قاذفة صينية يعتقد أنها ستصدر خلال سنوات قليلة، يبلغ حوالي 8500 كلم، ومن المتوقع أن تسع القاذفة حمولة لا تقل عن 10 أطنان، تستوعب الأسلحة التقليدية والنووية.

وفي ضوء ذلك، سيعزز إدخال القاذفة بشكل كبير مدى الصين الإستراتيجي؛ مما يسمح لها بتهديد أهداف داخل وخارج سلسلة الجزر الثانية، بما فيها القواعد العسكرية الأميركية الرئيسية في غوام وهاواي.

والواقع أن ذلك كان دائما هدف الصين، سواء أثناء تطويرها للقوة البحرية المتنامية أو ترسانتها الصاروخية بما في ذلك الصواريخ الفرط صوتية، وأحدثها "دونغ فينغ-27″، وهو الأخير ضمن سلسلة صواريخ تحمل الاسم نفسه الذي يعني "رياح الشرق"، ويُعتقد أن مداه يقترب من 8000 كلم، وهو مدى الصواريخ الباليستية العابرة للقارات.

الصاروخ الصيني الفرط صوتي "دونغ فينغ -26" (أسوشيتد برس)

وقد ذكر تقرير صيني تسرب في فبراير/شباط 2023، أن هذا الصاروخ مُصمَّم لتعزيز قدرة الصين على الإبقاء على أهداف أميركية معرضة للخطر خارج سلسلة الجزر الثانية، التي تمثل الحدود البحرية الشرقية لبحر الفلبين، وتمتد بشكل شبه خطي من جزر بونين اليابانية وجزر البركان، مرورا بجزر ماريانا وكارولين الغربية وصولا إلى غرب غينيا الجديدة.

تعد الصواريخ الصينية تحديدا مصدر خطر كبير لأنها ببساطة يمكن أن تغير قواعد اللعبة تماما، فهذه الصواريخ، إلى جانب أنظمة المراقبة والاستهداف المحدثة، ستسمح للصين بمهاجمة حاملات الطائرات الأميركية أو سفن حلفائها الضخمة في غرب المحيط الهادي. كما تمكن الصواريخ بكين من فرص إستراتيجية "حظر الوصول" التي تعني منع منافسيها وفي مقدمتهم الولايات المتحدة من نشر قطعهم في مناطق الصراع منذ البداية.

إعلان

تركز الصين حاليا على استخدام صواريخها الباليستية المضادة للسفن، وغيرها مثل صواريخ كروز للدفاع الجوي، وسفنها المتنوعة خاصة النماذج المحدثة جدا من المقاتلات السطحية والسفن البرمائية وأنظمة المراقبة البحرية الخاصة بها، في بناء منطقة حظر وصول صارمة تمتد إلى حدود "سلسلة الجزر الأولى"، وهي أول مجموعة من الأرخبيلات في المحيط الهادي التي تقابل شرقي آسيا، وتبدأ من شمالي إندونيسيا لتمر بالفلبين وصولا إلى اليابان.

وبهذه الوتيرة، يعتقد الخبراء أن الصين ستتمكن بحلول عام 2030 من إحكام السيطرة على هذه المنطقة، وستتحرك سفن البحرية الصينية فيها بحرية تامة، وستُمنع القوات الأجنبية أيًّا كانت من التصرف بحرية فيها.

تصادم حتمي؟

منذ عام 2008 لم تقترب أية حاملة طائرات أميركية بالفعل من جزيرة تايوان. يعطينا ذلك لمحة إضافية عن خطط الصين البحرية، فعلى الرغم من أن قدراتها أقل من الولايات المتحدة حتى الآن، فإنها تمتلك نقطة تميز واضحة وهي "محدودية الأهداف".

خريطة الصين (الجزيرة)

ففي حين أن قطع البحرية الأميركية تنتشر في كل العالم تقريبا، تركز الصين حتى الآن على هدف واحد هو السيطرة على المياه الدولية المحيطة بها، التي تعتبرها، بشكل أو بآخر، باحتها الخلفية.

غير أن بكين لن تتمكن من تحقيق مراميها في السيطرة الإقليمية، التي تكفل تحقيق الهدف النهائي للدولة (أي دولة) في النظام الدولي وهو الأمن، إلا بالصدام مع الولايات المتحدة التي تفرض عليها حصارا في محيطها الإقليمي.

وبمجرد أن يتسنّى لها فعل ذلك يمكننا توقع ما سيحدث لاحقا: انتشار واسع على مختلف المسارح العالمية ثم منافسة للولايات المتحدة في باحتها الخاصة كما تقول نبوءة ميرشايمر.

تعد تلك وصفة مضمونة لحرب مدمرة، حتى من منظور الواقعيين القدامى من أمثال ثوقيديدس الذين وصفوا تلك النزعة الواضحة للحرب عندما تشعر قوة عظمى بالتهديد من قبل قوة جديدة صاعدة، بما يعني أن مستقبل العالم كله ربما يتوقف على طبيعة الخيارات التي يتخذها القادة الأميركيون والصينيون خلال السنوات القادمة.

إعلان

ومع ذلك فإن هناك من يقللون من ذلك الاحتمال ويجادلون بأن نظرية ميرشايمر تبالغ في التعويل على القدرات العسكرية وتتجاهل الطرق الأخرى التي يمكن من خلالها للدول أن يمارس بعضها الضغوط على بعض.

تفشل نظرية ميرشايمر كذلك في اعتبار احتمال أن الصين ربما تسعى للالتفاف على الوجود الأميركي مستغلة عامل الزمن دون الدخول في صدام مباشر، حيث ستعمل على تعظيم قدراتها الاقتصادية والتكنولوجية وتستمر في اتباع مقاربة دفاعية خاصة في محيط إقليمي مليء بالكبار أمثال الهند واليابان وبدرجة أقل إندونيسيا.

كما أن الردع النووي قد يؤدي الدور الكابح الذي مارسه إبان الحرب الباردة، بالنظر إلى امتلاك كل من واشنطن وبكين أسلحة دمار شامل.

في النهاية، إذا تمكنت الصين من تعظيم قدراتها خلال العقود المقبلة من خلال تفادي الصدام مع الولايات المتحدة فلربما ينشأ نظام عالمي جديد ثنائي القطب شبيه بالحقبة السوفياتية، وهو ما يعني عالما أكثر استقرارا وإن بشكل نسبي.

أما إذا تحققت نبوءة ميرشايمر ووقع الصدام "الحتمي" فإننا سوف نودع العالم الذي نعرفه إلى الأبد.

مقالات مشابهة

  • نبوءة ميرشايمر.. هل اقتربت الحرب المدمرة بين أميركا والصين؟
  • منصور بن محمد يقدم واجب العزاء في وفاة زوجة علي رضا الهاشمي
  • منصور بن محمد يقدّم واجب العزاء في وفاة زوجة علي الهاشمي
  • الحوثيون يقولون أنهم هاجموا حاملة الطائرات الأمريكية التي انطلقت منها هجمات السبت
  • تقرير أمريكي: إدارة ترامب تواجه نفس الخيار الذي أربك بايدن بشأن إنهاء تهديد الحوثيين بالبحر الأحمر (ترجمة خاصة)
  • «استاد آل مكتوم» يحتضن «ودية» الكويت والصين
  • عاجل . البنك المركزي اليمني يكشف عن نقل مراكز البنوك التي كانت بصنعاء الى إلى عدن. ضربة موجعة للمليشيا الحوثية
  • بينها الصينية.. تقديم خطب ودروس المسجد الحرام بأكثر من 11 لغة
  • معهد أمريكي يُحذّر من الأثر البيئي لحملة الحوثيين ضد الشحن بالبحر الأحمر (ترجمة خاصة)
  • منصور بن زايد يحضر مأدبة الإفطار التي أقامها محمد بن بطي آل حامد