سلطنة عمان تحقق مستهدف الإيرادات غير النفطية حتى نهاية الربع الثالث
تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT
كفاءة التحصيل وزيادة وعي القطاع الخاص وتعافي الأنشطة الاقتصادية.. عوامل ترفع حجم ضرائب الشركات.. والحصيلة تقارب 700 مليون ريال حتى الآن هذا العام
تطوير النظام الضريبي يندرج ضمن تقدم مشهود في تسهيل الاستثمار وتحول متزايد للخدمات الحكومية نحو الرقمنة والشفافية
قدمت الحكومة حزما متعددة من الإعفاءات وخفضا لبعض الرسوم لمساندة القطاع الخاص ورواد الأعمال في تخطي تبعات الجائحة، وأثر ذلك على حجم الإيرادات غير النفطية لكن المردود كان جيدا عبر ما شهدته مختلف القطاعات من تعافٍ بدءا من 2021 ثم نمو بمعدلات جيدة خلال العامين الماضي والحالي
حددت سلطنة عمان مستهدفها للإيرادات غير النفطية خلال العام الجاري بنحو 3.
وبنهاية الربع الثالث من العام الجاري، نجحت سلطنة عمان في تحقيق المستهدف من الإيرادات غير النفطية حيث بلغت حصيلة الإيرادات غير النفطية المحققة فعليا حوالي 2.5 مليار ريال عماني وهو ما يمثل نسبة 75 بالمائة من مستهدف الإيرادات غير النفطية لهذا العام بأكمله.
وبشكل تفصيلي، تباين أداء مختلف روافد الإيرادات العامة غير النفطية خلال العام الجاري، ووفق بيان الميزانية العامة للدولة لعام 2023، تتضمن الإيرادات غير النفطية المستهدفة حصيلة متوقعة من ضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية بحوالي 590 مليون ريال عماني و560 مليون ريال عماني من ضريبة الدخل على أرباح الشركات والمؤسسات و800 مليون ريال إيرادات الحكومة من توريد توزيعات أرباح جهاز الاستثمار العماني و1.3 مليار ريال عماني إيرادات من رسوم الخدمات الحكومية.
وترصد الإحصائيات الرسمية الخاصة بالإيرادات غير النفطية المحققة فعليا والتي وردت في النشرة الإحصائية الشهرية الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات أن ضريبة الدخل على أرباح الشركات والمؤسسات برزت هذا العام كرافد رئيسي للإيرادات غير النفطية حيث سجلت زيادة غير مسبوقة، وصعدت حصيلة هذه الضريبة إلى ما يقارب 700 مليون ريال عماني وذلك مقارنة مع 488 مليون ريال خلال الفترة نفسها من العام الماضي، وكان حجم ضرائب الشركات خلال العام الماضي بأكمله قد بلغ 533 مليون ريال عماني، فيما سجلت هذه النوعية من الضرائب 446 مليون ريال عماني خلال عام 2021, وهو ما يضع حصيلة ضرائب الدخل على أرباح الشركات والمؤسسات المحققة هذا العام عند مستوى قياسي يعكس ما يشهده الاقتصاد الوطني من نمو جيد والتعافي في أنشطة القطاع الخاص مصحوبا بزيادة وعي المجتمع الضريبي في القطاع الخاص والتحسن المتواصل في كفاءة أنظمة تحصيل الضرائب مع توسع مستمر في الخدمات الإلكترونية وافتتاح فروع جديدة لجهاز الضرائب في مختلف المناطق والمحافظات تسهيلا لإنجاز المعاملات الضريبية، كما تُسهم الندوات التعريفية والتوعوية بدور مهم في التعريف بمنظومة الضرائب وأهميتها في جهود الاستدامة المالية وأهم الخدمات المتاحة عبر البوابة الإلكترونية لجهاز الضرائب والتي يتم تقديمها للخاضعين للضريبة، ومن المتوقع أن يُسهم تدشين النظام المركزي الموحد للتحصيل الضريبي والزيادة المستمرة في نشر الوعي الضريبي لدى مجتمع الخاضعين للضريبة والمجتمع بشكل عام واستمرار نمو الاقتصاد في رفع متواصل لكفاءة المنظومة الضريبية في سلطنة عمان وزيادة حجم الإيرادات الضريبية ورفع إسهامها في رفد الإيرادات العامة للدولة.
وضمن جملة الإصلاحات التي تبنتها سلطنة عمان بهدف الوصول للاستدامة المالية عبر زيادة مستمرة في الإيرادات من خارج قطاعي النفط والغاز، يعد نمو القطاع الخاص من الركائز المهمة لتحقيق هذه الطموحات، ومنحت سلطنة عمان مدى واسعا من الحوافز وبرامج الدعم لتشجيع نمو القطاع الخاص كما تجري تطويرا متواصلا واسع النطاق في بيئة الأعمال والاستثمار وكذلك مجموعة التشريعات ذات العلاقة بمختلف الجوانب المالية والاقتصادية وبيئة الاستثمار، ويتركز توجه السياسات الحكومية على تسهيل وتشجيع الاستثمارات الخاصة ومن ضمنها تقديم إعفاءات ومزايا للمشروعات الجديدة خاصة في قطاعات التنويع الاقتصادي، فيما يندرج التطوير المستمر لكفاءة النظام الضريبي في سلطنة عمان ضمن التقدم المشهود في تسهيل إجراءات الاستثمار والتحول المتزايد للخدمات الحكومية نحو الرقمنة والشفافية.
ورغم الحاجة إلى تسريع جهود تعزيز الإيرادات غير النفطية، اتبعت سلطنة عمان دائما نهج التوازن بين متطلبات دعم النمو وتشجيع الاستثمار وبين أولويات الاستدامة المالية، وقدمت حزما متعددة لتحفيز الاستثمارات وإعفاءات وتأجيلا لبعض الضرائب وخفضا لبعض الرسوم الحكومية ضمن جهود مساندة القطاع الخاص ورواد الأعمال على تخطي تبعات الجائحة، وهو ما أثر على حجم الإيرادات غير النفطية لكن في الوقت ذاته كان المردود جيدا لهذه المساندة عبر ما شهدته مختلف القطاعات الاقتصادية من تعافٍ بدءا من عام 2021 ثم نمو بمعدلات جيدة خلال العامين الماضي والحالي.
كما تضمنت إجراءات تسهيل الاستثمار خفض وإلغاء ودمج رسوم 288 خدمة حكومية مع بدء تطبيق المرحلة الثانية من دليل "تسعير” الخدمات الحكومية، والتي بدأ سريانها خلال الربع الأول من 2023. وطُبّق التسعير على 557 في المرحلة الأولى، أما خدمات الجهات المستهدفة في المرحلة الثالثة من تطبيق الدليل فهي المجلس الأعلى للقضاء ووزارة الصحة ووزارة الإسكان والتخطيط العمراني ووزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه وكذلك وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.
ويهدف دليل "تسعير” الخدمات الحكومية إلى دعم التنمية الاقتصادية والاستقرار المالي بما يتماشى مع رؤية عُمان 2040، وبما يسهم في تطوير عملية تحديد الرسوم لتكون شاملة من خلال دراسة كافة مراحل "رحلة المستفيد" وإحداث التوازن بين السعر وجودة الخدمة المقدمة وتنافسيتها.
وفيما يتعلق بالروافد الأخرى للإيرادات غير النفطية، تشير الإحصائيات إلى أن حصيلة الضرائب على السلع والخدمات بلغت 471 مليون ريال عماني والإيرادات الأخرى 1.1 مليار ريال عماني بنهاية الربع الثالث من العام الحالي، ويتضمن بند الإيرادات الأخرى الرسوم الحكومية وتوزيعات أرباح الشركات التابعة لجهاز الاستثمار العماني، وهو ما يضع الحصيلة المحققة فعليا لهذه الروافد دون مستهدفاتها للعام الجاري، لكن الارتفاع الملموس في حجم ضريبة الدخل على الشركات عوّض هذا التراجع ووضع إجمالي الإيرادات غير النفطية بشكل عام عند مستوياتها المستهدفة هذا العام.
ومن جانب آخر، تمثل الإيرادات غير النفطية المحققة فعليا خلال الأرباع الثلاثة الأولى من هذا العام ما يقرب من 28 بالمائة من إجمالي الإيرادات العامة لسلطنة عمان حتى نهاية سبتمبر والتي بلغت 8.8 مليار ريال عماني، وكان متوقعا أن تبلغ الإيرادات غير النفطية نسبة 33 بالمائة ويرجع انخفاض النسبة مقارنة مع المستهدف إلى زيادة في الحصيلة الفعلية للإيرادات العامة من قطاعي النفط والغاز خلال الفترة المشار إليها إذ كلما ارتفع حجم هذه الإيرادات نتيجة زيادة أسعار الطاقة عن المقدر لها في الميزانية العامة، انخفضت نسبة الإيرادات غير النفطية إلى إجمالي الإيرادات.
وفي إطار سعيها نحو تقوية المركز المالي للدولة، تسعى جهود رفع الإيرادات غير النفطية لسلطنة عمان إلى زيادة مصادر الدخل من مصادر متنوعة ومستدامة مثل ضريبة الدخل للشركات والرسوم ورفع كفاءة الاستثمارات الحكومية لزيادة حجم توزيعات الأرباح من الاستثمارات الحكومية.
وإضافة إلى الإيرادات غير النفطية، ما زالت أسعار الطاقة عند مستويات جيدة تعزز حجم الإيرادات العامة وتحقق فائضا للميزانية، ومع إعادة هيكلة الميزانية واستبعاد مصروفات النفط والغاز، تخطو سلطنة عمان نحو تعزيز روافد الدخل النفطية من خلال زيادة القيمة المضافة لأنشطة النفط والغاز، ويتضمن ذلك رفع إسهام قطاع الغاز في رفد المالية العامة عبر إيرادات بيع وتصدير الغاز العماني، وإبرام عقود التصدير مع عدد من الدول والشركات العالمية، فيما قدمت شركة تنمية طاقة عمان إسهامًا فعالًا في تعزيز الإنفاق الإنمائي منذ تأسيسها ونقل مصروفات النفط إليها واستبعاد مصروفات النفط من الميزانية العامة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الإیرادات غیر النفطیة إجمالی الإیرادات الإیرادات العامة ملیون ریال عمانی ملیار ریال عمانی أرباح الشرکات حجم الإیرادات القطاع الخاص النفط والغاز ضریبة الدخل بالمائة من سلطنة عمان خلال العام هذا العام الدخل على وهو ما
إقرأ أيضاً:
سلطنة عمان تؤكد مكانتها العالمية كراعية للسلام وحل الخلافات الشائكة
عوض باقوير: الدبلوماسية العمانية تخفّض من درجة التصعيد
د. نورة المجيم: العالم يثمّن الأصوات العاقلة رغم الانقسامات العالمية
د. محمد العريمي: عودة المفاوضات خطوة نحو كسر الجمود وبناء الثقة بين الطرفين
خميس القطيطي: عمان رصيد كبير في تقريب وجهات النظر على الساحة الدولية
تؤكد عودة المباحثات الأمريكية الإيرانية فـي مسقط مكانة سلطنة عمان البارزة على الساحة الدولية كطرف محايد وصوت للعقل والحكمة، حيث يلجأ إليها العالم كلما تصاعدت التوترات الإقليمية والعالمية، وظهرت تهديدات الحرب فـي الأفق. ومع استئناف المباحثات بين واشنطن وطهران فـي مسقط حول الملف النووي الإيراني، تحقق الدبلوماسية العمانية مجددا نجاحا جديدا فـي تعزيز التفاهم وإبعاد شبح الحرب عن المنطقة والعالم، مما أسهم فـي تهدئة الأوضاع ومنح العالم بارقة أمل فـي الحلول السلمية. وقد رحب المجتمع الدولي بالدور العماني الفاعل فـي قيادة المرحلة الأولى من المفاوضات بنجاح، وهو ما شهدت عليه كافة الدول. وعندما توجهت الأنظار إلى مسقط يوم السبت الماضي، تراجعت التهديدات العسكرية وحلّ الهدوء الحذر فـي المنطقة، مع الأمل فـي تعزيز أوجه التقارب بين الطرفـين خلال الجولة القادمة من المفاوضات، والمقرر عقدها فـي مسقط السبت المقبل. وقد أشار محللون سياسيون إلى أن استئناف المباحثات الأمريكية الإيرانية بعد انقطاع دام نحو عشر سنوات، فـي وقت شهد تصاعدا ملحوظا فـي التوترات بين الجانبين، يمثل إنجازا كبيرا للدور التاريخي الذي تقوم به سلطنة عمان فـي تقريب وجهات النظر، وتغليب صوت العقل فـي النزاعات الدولية، واستخدام دبلوماسية الحوار كوسيلة رئيسية لحل الأزمات.
خفضت درجات التصعيد
قال المحلل السياسي المكرم عوض بن سعيد باقوير عضو مجلس الدولة: إن الجولة الأولى من المفاوضات التي جرت فـي سلطنة عمان بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية تعد ذات أهمية سياسية كبيرة، خاصة فـي ظل التوترات المستمرة وشبح الحرب بين واشنطن وطهران. وأكد أن الدبلوماسية العمانية أدت دورا محوريا فـي خفض درجة التصعيد، حيث أظهرت الجولة الأولى نتائج إيجابية تمثلت فـي تبادل الحوار بين الطرفـين الإيراني والأمريكي لبضع دقائق، مما يعد مؤشرا إيجابيا على أن بداية المفاوضات كانت واعدة.
وأضاف باقوير: إن سلطنة عمان قد تصدرت المشهد السياسي والإعلامي، مما أضفى بُعدا إيجابيا على دورها البارز فـي ضرورة وقف التصعيد فـي المنطقة، والدعوة إلى اعتماد الحوار والدبلوماسية كوسيلة أساسية لحل النزاعات. ولفت إلى أن تلك المفاوضات الصعبة، التي عقدت فـي سلطنة عمان، كانت لحظة فارقة للعالم، خاصة أن سلطنة عمان تمتلك خبرة تراكمية واسعة فـي التعامل مع الملف النووي الإيراني، حيث سبق لها أن أسهمت فـي المفاوضات بين طهران وواشنطن فـي السنوات الماضية، وصولا إلى توقيع الاتفاق النووي الإيراني عام 2015، بعد جولات مكوكية من التفاوض فـي عدة عواصم عالمية، بما فـي ذلك مسقط التي احتضنت الجولة قبل الأخيرة.
وأشاد باقوير بالدور البارز الذي تؤديه سلطنة عمان على الصعيدين السياسي والدبلوماسي، مؤكدا أن العالم يقدر جهود سلطنة عمان وقيادتها الحكيمة فـي إيجاد حلول ومقاربات سياسية، ليس فقط فـي الملف النووي الإيراني، بل فـي العديد من القضايا المعقدة الأخرى.
وأشار باقوير إلى أن البيانات السياسية الصادرة عن عواصم صنع القرار والدول العربية التي تشيد بجهود سلطنة عمان تنعكس بشكل إيجابي على المكانة المرموقة لبلادنا ودورها المحوري فـي تقديم حلول واقعية للفرقاء فـي عدد من القضايا الصعبة. وأضاف: إن هذا الإنجاز الدبلوماسي المهم، الذي تصدَّر نشرات الأخبار العالمية ووكالات الأنباء الدولية والصحف الكبرى، يعزز من مكانة سلطنة عمان ويعكس مصداقيتها واعتمادها على الحوار كوسيلة مثلى لحل القضايا والخلافات فـي المنطقة وعلى مستوى العالم.
عمان صوت العقل
من جهتها أكدت الدكتورة نورة صالح المجيم، المحللة السياسية والباحثة فـي الشؤون الآسيوية من دولة الكويت، أن عودة المباحثات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران فـي سلطنة عمان تمثل تطورا بالغ الأهمية على أكثر من صعيد، خاصة فـي ظل التوتر المتصاعد فـي المنطقة واحتمالية اندلاع مواجهات عسكرية فـي أي لحظة.
وأوضحت المجيم أن أهمية استئناف المباحثات تتجلى فـي عدة زوايا، أولها التهدئة وتجنب التصعيد، مشيرة إلى أن المفاوضات تعكس رغبة الطرفـين فـي تجنب المواجهة العسكرية والبحث عن حلول دبلوماسية للأزمات المتراكمة، مثل البرنامج النووي الإيراني، والأمن الإقليمي، بالإضافة إلى ملفات سوريا والعراق واليمن. ولفتت إلى أن مجرد الجلوس على طاولة واحدة يمثل إشارة واضحة إلى أن النوايا لا تقتصر على التصعيد.
وتناولت المجيم البُعد الإقليمي، حيث أكدت أن المنطقة تشهد تصعيدا مستمرا، خاصة فـي ظل تداعيات الحرب فـي غزة، وتوترات البحر الأحمر، والتمدد الإيراني. وأشارت إلى أن عودة المفاوضات قد تسهم فـي تهدئة الجبهات الساخنة، وإرسال رسائل طمأنة لحلفاء واشنطن فـي الخليج.
وأضافت الباحثة الكويتية: إن هذه المباحثات بالنسبة للولايات المتحدة قد تكون جزءا من استراتيجية احتواء إيران دون الانجرار إلى حرب. وفـي المقابل، فإن الوضع الداخلي فـي إيران يشهد اضطرابات، والعقوبات خانقة، مما يدفعها للبحث عن منفذ لتخفـيف الضغوط الاقتصادية والسياسية، بينما تحاول الحفاظ على مكاسبها الإقليمية.
وعن الترحيب الإقليمي والعالمي بدور سلطنة عمان فـي استضافة المباحثات، قالت المجيم: «إن هذا الترحيب يمنح جهود سلطنة عمان زخما ومشروعية، ويؤكد أن العالم، رغم الانقسامات، لا يزال يثمّن الأصوات العاقلة، ويبحث عن منافذ للحوار عبر دول تجمع ولا تفرّق». وأضافت أن هذا الترحيب يعكس تقديرا كبيرا للدور العماني المتزن، ويُضفـي على وساطتها بعدا سياسيا ومعنويا مهما.
وأوضحت أن الترحيب الواسع الذي لقيته سلطنة عمان يعزز من مكانتها فـي المجتمع الدولي، حيث يُمنح غطاءً سياسيا ودبلوماسيا قويا للاستمرار فـي دورها كوسيط. كما أكدت أن البيئة الإقليمية تشهد استقطابا حادا، لكن دور سلطنة عمان المقبول من جميع الأطراف أسهم فـي كسر الثنائية التقليدية، وفتح الباب أمام حلول توافقية قائمة على الحوار، بدلا من الغلبة.
وأضافت المجيم: إن كل ترحيب بهذا الدور يُعتبر دعما لاستقرار الخليج والمنطقة الأوسع، حيث إن أي نجاح فـي التهدئة بين واشنطن وطهران سيخفف من الضغوط الأمنية والسياسية على دول الجوار، ويمنح الفرصة لتركيز الجهود على التنمية بدلا من المواجهة.
كما أكدت أن الترحيب العالمي يعكس اعترافا دوليا بأن سلطنة عمان ليست مجرد مضيف محايد، بل لاعب ذكي يُجيد إدارة الملفات الحساسة فـي أكثر القضايا تعقيدا. وذكرت أن هذا يعزز من مكانتها السياسية والدبلوماسية فـي المنظمات والمحافل الدولية، ويؤكد أن الحلول لا تأتي فقط عبر السلاح أو الاصطفافات الحادة، بل عبر الحوار والصبر والدبلوماسية.
وأشارت الدكتورة نورة إلى أن احتضان سلطنة عمان للمباحثات بين الجانبين الأمريكي والإيراني يحمل دلالات عميقة على المستوى الدولي، حيث يرى العالم فـي سلطنة عمان نموذجا للدبلوماسية الهادئة والذكية التي تؤثر فـي التوازنات العالمية. وأضافت: إن المجتمع الدولي، خاصة فـي أوروبا وآسيا، له مصلحة مباشرة فـي منع أي تصعيد عسكري بين واشنطن وطهران، لما سيترتب عليه من تهديد للممرات البحرية الحيوية، فضلا عن تأثيره على التفاهم بشأن القضايا المتراكمة مثل الملف النووي وأمن الخليج.
وأكدت المجيم أن الدور العماني فـي الوساطة بين واشنطن وطهران سيعزز النظرة العالمية إلى سلطنة عمان بشكل ملموس، ليس فقط من الناحية السياسية، بل على مستوى السمعة الدولية، والفرص الاقتصادية، والمكانة الجيوسياسية. كما قالت: «العالم بات ينظر إلى سلطنة عمان كـ«صوت عقل» فـي منطقة تموج بالتوترات والصراعات. حيادها وهدوؤها السياسي، وعدم انخراطها فـي المحاور، منحاها احتراما دوليا قلّ نظيره فـي الشرق الأوسط».
وختمت تصريحها، بأن عودة المباحثات بين الولايات المتحدة وإيران، وخاصة بوساطة سلطنة عمان، تمثل خطوة إيجابية نحو التهدئة، وتدل على وجود إرادة سياسية لدى الطرفـين لتفادي المواجهة المباشرة، ما يبعث برسالة طمأنة للعالم.
ثقة فـي الدور العماني
وقال الدكتور محمد بن مبارك العريمي كاتب وباحث فـي الشؤون السياحية: إن عودة المباحثات بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية إيران الإسلامية فـي مسقط تُعد تطورًا استراتيجيًا وسياسيًا بالغ الأهمية، خاصة فـي ظل التوترات المتصاعدة بين طهران وواشنطن. وأضاف: إن هذه المباحثات تُعتبر كسرًا للجمود الثنائي بين الطرفـين، وأن اختيار مسقط تحديدًا لاستضافة هذه الاجتماعات يعكس ثقة متبادلة فـي الدور العماني والدبلوماسية العمانية كوسيط محايد ومؤتمن على سرية وخصوصية المحادثات.
وأشار العريمي إلى أن هذه المباحثات تأتي فـي لحظة بالغة الحساسية، حيث قد يؤدي أي انزلاق فـي المفاوضات إلى مواجهة عسكرية مدمرة، ليس فقط لإيران، بل للمنطقة بأسرها. وأضاف: إن وجود مسقط كمنصة حوار يعكس إرادة جزئية لتفادي الأسوأ، ويعكس رغبة الطرفـين فـي البحث عن حلول سياسية ودبلوماسية تراعي مصالح جميع الأطراف، خاصة إيران وأمريكا ودول المنطقة.
وأكد العريمي أن احتضان سلطنة عمان لهذه المباحثات يبعث برسالة واضحة للعالم مفادها أن الحوار لا يزال ممكنًا بين واشنطن وطهران، بالرعاية العمانية النزيهة، رغم حدة الاستقطاب الذي شهدناه فـي الفترة الأخيرة، والذي لا يزال قائمًا. كما أضاف أن هذا الدور العماني يُظهر أهمية وجود أطراف إقليمية مثل سلطنة عمان، التي تمتلك حكمة سياسية ونظرة ثاقبة، فضلا عن النفوذ الهادئ المتزن والعقلاني، مما يجعلها مؤهلة للقيام بدور جسر التواصل بين المتنازعين.
وأشار العريمي إلى أن الترحيب الواسع بالدور العماني يعكس اعترافًا دوليًا متزايدًا بنهج سلطنة عمان القائم على الحياد الإيجابي والبناء فـي منطقة تعاني من انقسامات حادة واستقطابات خطيرة. وقال: «سلطنة عمان تُظهر للعالم أنها صوت عقلاني رزين قادر على تقريب وجهات النظر، فـي وقت يحتاج فـيه العالم إلى مسارات دبلوماسية حقيقية».
وفـي سياق الحديث عن أهمية هذه المباحثات، أوضح العريمي أن نزع فتيل التوتر بين واشنطن وطهران له أهمية استراتيجية بالغة، حيث إن أي تصعيد عسكري بينهما لن يبقى محصورًا بينهما، بل سينعكس سلبًا على الأمن الإقليمي والدولي، خاصة فـي ظل الاعتماد العالمي على موارد النفط والغاز فـي دول الخليج. وأكد أن الشعوب فـي إيران ودول الجوار، وكذلك الغرب، ستدفع ثمنا باهظًا إذا نشبت حرب فـي المنطقة، وبالتالي فإن أي تقدم فـي الحوار يعني خطوات نحو الاستقرار وحماية الأرواح والموارد الطبيعية. وتابع العريمي قائلا: «من هنا، ومن خلال هذه المنطلقات، نرى الدبلوماسية العمانية حاضرة لتقديم ما يمكن تقديمه من أجل تفادي الانزلاق إلى حرب وصدام مباشر بين إيران وأمريكا».
وفـي حديثه عن الاختلافات بين المباحثات التي جرت فـي سلطنة عمان فـي عهد الرئيس الأمريكي باراك أوباما عام 2015 والمفاوضات الحالية تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، قال العريمي: «الفارق بين المباحثات فـي عهد أوباما عام 2015 وما يحدث فـي عهد ترامب اليوم كبير فـي الشكل والمضمون».
وأوضح العريمي أن المباحثات فـي عام 2015 كانت جزءًا من مسار دبلوماسي منسق بدعم دولي، وأدت إلى توقيع الاتفاق النووي بين إيران والقوى العالمية. وأضاف: إن إدارة أوباما أبدت انفتاحًا وجدية كبيرة فـي التفاوض مع حرص على إبقاء القنوات الدبلوماسية مفتوحة وسرية لضمان نجاح المسار.
أما فـي عهد ترامب، فإن الوضع كان مغايرًا تمامًا، حيث تبنت الإدارة سياسة «الضغط الأقصى» على إيران، وانسحب ترامب من الاتفاق النووي فـي عام 2018، مما أدى إلى تصعيد حاد فـي التوترات. وأشار إلى أن ترامب أبدى رغبة مبدئية فـي التفاوض، لكنه فرض شروطًا متشددة، مما جعل المباحثات فـي عهد ترامب تقتصر على محاولات لتقريب وجهات النظر، ولم تتبلور فـي مسار تفاوضي منتظم.
وأكد العريمي أن المباحثات فـي 2015 كانت مفاوضات مباشرة ومثمرة، بينما كانت محاولات التقارب فـي عهد ترامب محدودة وغير مؤسسية، وقد أجهضتها المواقف المتصلبة من الجانبين فـي تلك الفترة.
طرف موثوق
فـيما أكد الباحث والمحلل السياسي خميس القطيطي أن سلطنة عمان قد عادت مجددًا إلى الواجهة السياسية والإعلامية الدولية باستضافتها للمحادثات بين جمهورية إيران الإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية. وأشار إلى أن هذه المحادثات تأتي فـي وقت حساس، حيث شهدت الأيام التي سبقتها تصاعدًا فـي التصريحات بين الطرفـين، وتزامنت مع تحريك حاملات طائرات وقطع حربية أمريكية باتجاه مياه الخليج والشرق الأوسط، فـي محاولة للضغط على إيران بخصوص برنامجها النووي. من جانبها، كان الرد الإيراني قويا، معبرًا عن حالة الردع التي تمتلكها طهران، مؤكدًا قدرتها على حماية أمنها القومي ومصالحها وقدراتها، خاصة فـيما يتعلق ببرنامجها النووي وبرامج الصواريخ الموجهة التي تمتلكها. وأوضح القطيطي أن رفع لغة التهديد من كلا الطرفـين يُفهم بشكل جيد، حيث يدرك كل منهما خطورة تصاعد المواجهة، وأن كلا الطرفـين سيتضرر، بل إن المنطقة بالكامل ستتأثر بشدة فـي حال اشتعلت المواجهة. كما أشار إلى أن هذه التطورات قد تدفع إيران إلى تسريع برنامجها النووي بشكل تصاعدي فـي حال تصاعدت الأمور نحو التصعيد العسكري. من هنا، فإن قرار الطرفـين بإجراء محادثات فـي مسقط بوساطة عمانية يشير إلى إرادة مشتركة للبحث عن حلول سياسية ودبلوماسية، على غرار ما حدث فـي عام 2015 عندما تم توقيع الاتفاق النووي، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة لاحقًا فـي عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
وأشار القطيطي إلى أن اختيار سلطنة عمان كوسيط لهذه المفاوضات يعكس رصيدها الكبير فـي تقريب وجهات النظر بين الأطراف المختلفة فـي قضايا دولية متعددة. وأوضح أن السياسة العمانية تقوم على مبادئ إنسانية واضحة، تتمثل فـي عدم التدخل فـي شؤون الآخرين والحياد الإيجابي، وهو ما جعل عمان طرفًا موثوقًا يتمتع بمصداقية عالية فـي العلاقات الدولية. وأكد القطيطي أن عمان تجيد التعامل مع هذه اللقاءات السياسية بمزيد من الصبر والهدوء والحنكة، دون الحاجة إلى ضوضاء أو تصعيد إعلامي، ما جعلها منارة للسلام ومحطة لقاء بين الفرقاء. وأضاف أن مسقط أصبحت قبلة السلام، نظرًا لما تحمله سلطنة عمان من دور محوري فـي تعزيز الأمن والسلم الدوليين، بما يتماشى مع مبادئ الأمم المتحدة. وتابع القطيطي قائلًا: «لقد أدت سلطنة عمان دورًا محوريًا فـي تجنب المنطقة ويلات الحروب وتخفـيف حدة التوترات والصراعات، والآن تعود مجددًا إلى الساحة الدولية كعنوان للمحبة والسلام والاستقرار». وأعرب القطيطي عن أمله فـي أن تتمكن الأطراف من التوصل إلى اتفاق جديد فـي الملف النووي الإيراني، بما يسهم فـي تقليص شبح التصعيد العسكري والحد من التوترات. وأكد أن أي نجاح يُحرز فـي هذا المسار التفاوضي سيكون له انعكاسات إيجابية على العديد من القضايا الإقليمية والدولية الأخرى، خاصة فـي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والعدوان المستمر على قطاع غزة والأزمة الإنسانية المتدهورة. وأشار إلى أن التوجه الدولي نحو الحوار يسهم فـي كبح جماح التصعيد فـي ملفات إقليمية ودولية متعددة، ويُسهم فـي تجنب الحروب المدمرة. وقال: «الحوار هو السبيل الأمثل لإعادة صياغة العلاقات الدولية، بحيث يسودها الاحترام المتبادل، ويُمكن للدول أن تستفـيد من التعاون الدولي والتبادل التجاري والانفتاح على معالجة القضايا العالمية بما يحقق تطلعات الشعوب».