شفق نيوز:
2024-06-30@01:18:31 GMT

مَن يُصلح الملح إذا فسِد؟

تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT

مَن يُصلح الملح إذا فسِد؟

   لا تكاد جلسة أو سهرة أو لقاء يخلو من حديث عن الفساد والإفساد، فأينما وليت وجهك في وسائل النقل أو المقاهي والمناسبات وفي الصحف والمجلات ووسائل الإعلام المختلفة، حيث امتلأت بالدراسات والبحوث عن ظاهرة ظنّ البعض إنها ولدت للتو، بل ونسي الكثير بأننا في بلاد يزدحم فيها القيل والقال وكثرة السؤال، وتعج فيها أشكال وألوان من الفساد المتراكم ليس اليوم بل عبر حقب التاريخ وغيومه المدلهمة ككتل الليل الظلماء، كما أن هذا المطر الملوث بالسحت الحرام لم يهطل في هذا الشتاء فقط، ولم تلد الفضيلة اليوم كي تعادي الرذيلة بشكلها المزركش والمعاصر، إنه صراع محتدم بين الأخلاق العليا والأخلاق الدنيا، بين عزة النفس ودناءتها، وأكوام من التربية الفاسدة وحقب من الحكم الأعرج، وأكداس من الموروثات التي تبيح المال العام وتستسهل الاغتناء دون القيم والنبل؟ 

   منذ البدء كان الفساد إنسانياً يبدأ في البيت والمدرسة وينتهي في دوائر الحكومة من القاعدة حتى الهرم ولا ينتهي في دهاليز السجون وغرف الإعدام، لأنه في الأساس إنتاج تربية منحرفة مذمومة رغم كل ما يحيط بها من زركشة وتجميل وإغراء في السلطة والمال والنساء، فهي أساس النخر في أبدان الدول والكيانات كما هي علة النفس والروح حينما يسقط الإنسان عن مجموعة ما فطر الله به خلقه من عزة في النفس وطهارة في القلب واليد.

 

   هذا الزمن القاتم ينتج سيلا من الأسئلة المرة عن الفساد والافساد في دول ورثت أقدم حضارات الانسان، لكنها عجزت من أن تضع لها قانونا يحترمه الجميع ويؤمن به ويطبقه، عجزت عن مسائلة أي موظف مسؤول أو وزير أو حاكم يتقاضى معاشاً لا يتوافق إطلاقاً مع حجم قصره أو عمارته أو عدد سياراته ونفقاته وغنائه الفاحش خلال سنوات قليلة جداً ولا يُسأل عنها أو يُحاسَب؟   عجزت عن محاسبة كيفية تحول الوزارات الى ممالك وإمارات أما للأشخاص وعوائلهم وعشائرهم وأما للأحزاب دونما الوطن والشعب، حيث يتصرف المسؤول وزيراً كان أو نزولاً لأصغر مدير، كأمير أو مالك لتلك الوزارة أو الدائرة متنمراً ومشعراً المواطن بأنه ذي فضل عليه أو أنه أعلى شأناً منه علماً بأنه ما تمّ توظيفه إلا لخدمة هذا المواطن؟ 

   في طوفان الفساد هذا وفي لحظة من صحوة الضمير وفي الانتشاء قال أحد كبار الفاسدين، لقد سرقتُ وأنا تلميذٌ صغير طباشير من الصف، ثم ذات سنة وأنا ما زلت دون الثانية عشرة من عمري سرقت مدفأة نفطية من مدرستي يوم الجمعة وأخذتها للبيت، رحبت بي أمي وشعرتُ بأنها سعيدة جداً، لم تسألني من أين أتيت بها ولم يسأل والدي عن مصدرها حينما عاد إلى البيت، أحسست بأن الأمر عادي وقد أسعدتهما بذلك! 

وفي سقوط نظام الرئيس صدام حسين تجلى هذا الانحراف الجماعي بشكل واضح وامام مرأى الجميع، وفي خضم عمليات السلب والنهب العلني شاهدتُ أحد الموظفين الذي كان يؤم المصلين أحياناً بغياب الإمام، قد ملأ سيارته البيك آب بمقتنيات من أحد المعسكرات القريبة من بيته قلت له ما هذا يا رجل: أجابني وهو فرح بأنها غنائم(!) وهنا الالاف ان لم يكونوا مئات الالاف فعلوها في أنفالات* كوردستان وغزوة الكويت وقبلها فرهود اليهود وأخيرا فرهود العراق!

   لم تأت هذه السلوكيات من فراغ بل جاءت كناتج متراكم لمنظومة تربوية اجتماعية متوارثة عبر الأجيال، لا ترى السرقة عملاً دنيئاً ولا الاختلاس أو نهب المال العام جريمة مخلة بالشرف، وتدرك شعوب منطقتنا إن معظم عمليات النهب والسلب التي جرت في تاريخ بلدانهم منذ الغزوات وحتى اليوم، نتيجة لتلك الموروثات المتأصلة إلا من رحم ربي، حتى أن فاعلها لصاً كان أو فاسداً أو مرتشياً أو مختلساً كان يعتبر إنساناً شجاعاً يتباهى بلصوصيته كما يتباهى اليوم فاسدو الدولة بما جمعوه من سحت حرام معتبرين عملهم فرصة العمر في تحصيل الأرزاق!؟ 

أين الحل وما سبيله؟ 

   سؤال أكثر إيلاماً من إجابته التي يحتار المرء فيها مع تلاطم أمواج الفساد تحت حكم نظام سياسي فاسد من أخمس قدميه حتى قمة رأسه، فقد اختلط الحابل بالنابل، وأصبح القاضي والجلاد شخص واحد، وغدى الفساد وينابيعه وأسباب انتشاره اقرب للمشروعية والمقبولية الاجتماعية،  واختلطت احاديث الجميع فاسدين وغير فاسدين، في هستيريا الاستعراض والقيل والقال من حديث العامة والخاصة دونما إيجاد حل لإيقاف هذه الحمى النزفية التي تنخر الأجساد والكيانات، وتحيل الأوطان الجميلة إلى مساكن هزيلة وفنادق بائسة يضمحل فيها البشر ويهزل؟ 

وفي خضم هذا الطوفان هل ما زال الملح نقيا أم جرفته أمواج الفساد فتلوث؟

وهل ما يزال الكي آخر العلاج أم انه سيحرق الأخضر واليابس!؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الأنفالات: تسمية أطلقها نظام الرئيس صدام حسين على حملات عسكرية لإبادة الكُرد في نهاية ثمانينيات القرن الماضي وذهب ضحيتها 182000 مائة واثنين وثمانين ألف مواطن مدني معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ.

المصدر: شفق نيوز

كلمات دلالية: العراق هاكان فيدان تركيا محمد شياع السوداني انتخابات مجالس المحافظات بغداد ديالى نينوى ذي قار ميسان اقليم كوردستان السليمانية اربيل نيجيرفان بارزاني إقليم كوردستان العراق بغداد اربيل تركيا اسعار الدولار روسيا ايران يفغيني بريغوجين اوكرانيا امريكا كرة اليد كرة القدم المنتخب الاولمبي العراقي المنتخب العراقي بطولة الجمهورية الكورد الفيليون الكورد الفيليون خانقين البطاقة الوطنية مطالبات العراق بغداد ذي قار ديالى حادث سير الكورد الفيليون مجلة فيلي عاشوراء شهر تموز مندلي

إقرأ أيضاً:

ندوة في «بيت الخير» لمكافحة غسل الأموال

دبي:
«الخليج»
نظّمت «بيت الخير» دورة تدريبية بعنوان: «الالتزام ومكافحة غسل الأموال» بالتعاون مع معهد المنهل للثقافة والكمبيوتر، حيث شارك فيها 15 موظفاً من المسؤولين والعاملين في الأقسام المالية والتمويلية في الجمعية، بهدف تعزيز ثقافتهم ومعرفتهم .
وتناولت الورشة عدّة محاور، أبرزها الهيكلية اللازمة لضمان نظام فعّال لمكافحة غسل الأموال، والتدابير التي يتعين على المؤسسات اتخاذها، والمنهج القائم على المخاطر في المجال، وآليات الإبلاغ عن العمليات المشتبه فيها، إضافة للتعريف بالسلطات المختصة وصلاحياتها ومواردها.
وتطرّقت الدورة إلى أهمية التدريب في تنمية الوعي ونشر المعرفة وتعزيز الخبرات وإكساب المهارات، واعتبار التوعية الخطوة الأولى في تحصين المجتمع ضد جرائم غسل الأموال، ونقطة الانطلاق لمواجهتها، عن فهم وإدراك للأساليب والوسائل التي تتبعها الجماعات الإجرامية المنظمة، وما تسببه من مخاطر.
وفي ختام الدورة التي استمرّت على مدار يومين، قام سعيد مبارك المزروعي، نائب المدير العام، بتكريم د. سامح النصيري، تقديراً لجهوده في تقديم الدورة، مشيراً إلى أهمية عقد دورات تدريبية حول مكافحة غسل الأموال في مختلف القطاعات وعلى أوسع نطاق ممكن، لدعم الجهود الحكومية التي تسعى إلى ضمان النمو الاقتصادي المستدام، ومؤكداً أن دولة الإمارات قطعت أشواطاً كبيرة بهذا المجال، حيث أصبحت مركزاً عالمياً رائداً بفضل إطارها التنظيمي القوي الذي يتيح للمؤسسات والشركات مزاولة أعمالها بمنتهى الشفافية والثقة.

مقالات مشابهة

  • النزاهة النيابية:زعماء الأحزاب المتنفذة حماة الفساد
  • سر نجاح الزيتون المخلل وطريقة تحضيره.. «اعمليه زي المحلات»
  • تعرف على مميزات ومواصفات سيارة كاديلاك XT4 وحش الكروس أوفر
  • ندوة في «بيت الخير» لمكافحة غسل الأموال
  • عاجل.. ترامب: «بايدن» يدمر نظام الحماية الاجتماعية والتأمين الصحي في أمريكا
  • من دون أدوية.. نظام غذائي وأطعمة صحية تخفض الكوليسترول الضار في الدم
  • أوكرانيا تتطلّع إلى المستقبل بينما تواصل القتال
  • روسيا تشن هجوما صاروخبا على أوكرانيا .. و ترسل 10 آلاف مجند إلى العملية العسكرية الخاصة
  • سيارة BMW X3 الأكثر مبيعًا تنطلق في عصر جديد
  • أسعار البيض اليوم الخميس 27-6-2024 في الأسواق وبورصة الدواجن