في أغسطس 2023، صدر عن دار نشر بنجوين كتاب "نول الزمن: بين الإمبراطورية والفوضى من البحر المتوسط حتى الصين"، للكاتب الأمريكي ديفيد كابلان.

هذا الكتاب من الكتب المهمة في مجال الجغرافيا السياسية خصوصا في عالم اليوم الذي يعج بالصراعات والتحولات في موازين القوى. وهو نموذج للتفكير السياسي الغربي، وازدواجية المعايير لديه، ورفع شعارات الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في الوقت الذي يغمض فيه عينيه عن حقوق الشعوب وما تعانيه من ظلم واستبداد في هذه المنطقة المهمة من العالم الممتدة من البحر الأبيض حتى الصين، والتي تشكل العالم الإسلامي أو الشرق الأوسط الكبير بمفهومه الأوسع طبقا للسياسة الأمريكية، والذي تبناه كذلك شيمون بيريز في كتابه الشرق الأوسط الكبير.



التعريف بالمؤلف

روبرت ديفيد كابلان مؤلف أمريكي يهودي بارز، متخصص في السياسة والشؤون الخارجية والجغرافيا السياسية المتعلقة بالشرق الأوسط الكبير. وقد ظهرت كتاباته على مدى ثلاثة عقود في عدة صحف ومجلات أمريكية مثل  أتلانتيك، واشنطن بوست، نيويورك تايمز، نيو ريبابليك، ناشيونال إنترست، وول ستريت جورنال، وفورين أفيرز. ومن أكثر  مقالاته شهرة وتأثيرا مقال "الفوضى القادمة"، الذي نشر في مجلة أتلانتيك  عام 1994، والذي فسر فيه صراعات العالم المعاصر على أنها صراع بين البدائية والحضارة. ويركز في مقالاته على عودة ظهور التوترات الثقافية والتاريخية التي تم تعليقها مؤقتا خلال الحرب الباردة.

منذ 2008 وحتى الآن، تنقل كابلان بين عدة مواقع بحثية كبيرة تقدم الرأي والمشورة لمراكز صنع القرار وصياغة السياسة الخارجية الأمريكية، مثل: مركز الأمن الأمريكي الجديد، ستراتفور، مجلس سياسة الدفاع، ومعهد أبحاث السياسة الخارجية. وقد صنفته مجلة فورين بوليسي عام 2012 كواحد من "أفضل 100 مفكر عالمي" في العالم.

عرض الكتاب

في صفحات الكتاب الأربعمائة، وعبر زياراته المتعددة للمنطقة، وعبر لقاءاته مع القادة والنخب الفكرية والسياسية وعبر أفكاره الذاتية التي تكونت لديه خلال هذه الرحلات واللقاءات والقراءات المتعددة لكثير من المفكيرين والمؤرخين الغربيين، يقدم كابلان رؤيته التاريخية والواقعية والمستقبلية لمنطقة الشرق الأوسط الكبير. كما يقدم أيضا تقييما للسياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة وما أخطأت فيه، ما يجب أن تكون عليه هذه السياسة. ويمكن أن نقدم رؤيته تحت العناوين التالية:

صناعة وقراءة التاريخ

كتاب كابلان هو في جزء منه دراسة للحضارات.إذ يعتبر الجغرافيا يمكن لها أن تشكل الثقافات والسياسات. ولذلك، يستحضر كتابات توينبي عن التاريخ والتي تحدثت بشكل كبير عن صعود وسقوط الحضارات منذ بداية التاريخ المسجل. ويقتبس واحدة من خلاصاته التاريخية: العمل هو روح الأرض، فهو الذي ينسج ويرسم خيوطها على" نول الزمن، ويشكل الإيقاع الأولي لتاريخ الإنسان، وتتجلى فيه جينات النمو والانهيار والتفكك في مسيرة المجتمعات البشرية والحضارات. ودائما ما تحدد السمات الجغرافية طبيعة العمل البشري؛ لكنها لا تحدد نتائجه.

الشرق الأوسط الكبير.. جزيرة العالم

الشرق الأوسط الكبير هي تلك المنطقة الممتدة من غرب الصين عبر آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية. وتشمل شبه القارة الهندية، والبحر الأبيض المتوسط، وبحر إيجه، وبحر العرب، وخليج البنغال، والمحيط الهندي. ومما يثير القلق، أن هذه المنطقة تتوافق تقريبا مع الهدف المباشر لمبادرة الحزام والطريق الصينية. وبالتالي، فهي مفتاح صراع القرن الحادي والعشرين من أجل قيادة ما يسمى في الجغرافيا السياسية بالجزيرة العالمية الأوراسية الأفريقية. وقد حذر عالم الجغرافيا السياسية البريطاني هالفورد ماكيندر منذ أكثر من مائة عام أن: من يحكم "جزيرة العالم" فإنه يقود العالم. ويتفق مفهوم كابلان أيضا للشرق الأوسط الكبير مع مفهوم المؤرخ البحري والمنظر الجيوسياسي ألفريد ثاير ماهان عن المنطقة من آسيا الوسطى إلى البحر المتوسط على أنها مسرح للصراع الجيوسياسي بين القوى البرية في أوراسيا والقوى البحرية الجزرية.

تاريخ من الصراع والتحولات

كان الشرق الأوسط الكبير موجودا منذ آلاف السنين كمفترق طرق للإمبراطوريات: المقدونية والرومانية والفارسية والمغولية والعثمانية والبريطانية والسوفيتية والأمريكية. ولكن مع تفكك الإمبراطوريات في القرن العشرين، سعت دول ما بعد الاستعمار إلى الحفاظ على الاستقرار في مواجهة صراعات السلطة بين الفصائل، وفراغ القيادة، والحدود التعسفية التي رسمها الحكام الإمبرياليون الخارجيون مع القليل من الاهتمام بالجغرافيا أو الجماعات السياسية على الأرض.

من أخطاء السياسة الخارجية الأمريكية

يبين كابلان أن الدافع الرئيسي له في كتابه هو الحروب في أفغانستان والعراق بين عامي 2001 و2021، والفوضى التي خلقها "الربيع العربي". ويعتذر كابلان عن دعمه للحرب العراقية التي بدأتها إدارة جورج دبليو بوش، واستمرت من قبل خلفائه. وعلى رغم كرهه لطغيان صدام حسين إلا أنه وضع "واقعيته" على الرف معتبرا بعد ما حدث في العراق بعد الغزو  أنه لا شيء يمكن أن يكون أسوأ من صدام.

يرى كابلان أن أفضل ما يمكن أن تأمله المنطقة هو الاستبداد المستنير، ويقول: بدلا من أن نحرص على الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير، يجب أن نرغب في أنظمة استشارية كبديل للأنظمة التعسفيةيرى كابلان أن الفوضى أسوأ من الاستبداد؛ لأن الطغيان على الأقل ينتج نظاما لا فوضى. إذ يدرك الواقعيون أن الخيارات السياسية في السياسة الدولية غالبا ما تنطوي على الاختيار بين الشرور. ويوضح كابلان أن المكان الذي أخطأت فيه أمريكا في العقدين الأولين من القرن ال21 كان إدارة السياسة الخارجية كما لو كان بإمكانها إعادة تشكيل بلدان وثقافات أخرى على الصورة الأمريكية. ويقول كابلان أنه كان ينبغي على أمريكا أن تتعلم من دروس التاريخ:

ـ فقد استبدلت الثورة الفرنسية الملكية الفاسدة ب "الإرهاب".

ـ واستبدلت الثورة الروسية طغيان أسرة رومانوف بالحكم الشمولي للبلاشفة.

ـ واستبدلت الثورة الإيرانية الحكم الاستبدادي للشاه بالحكم الأكثر استبدادا لرجال الدين الإسلاميين.

إن واحدة من لعنات السياسة الخارجية للولايات المتحدة هي خيال تيودور ويلسون بأن التاريخ البشري يتقدم تقدما خطيا يمكن رسمه والتحكم فيه. لذا، أدت المفاهيم المجردة الأمريكية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط إلى كوارث في السياسة الخارجية، فتقلص النفوذ الأمريكي، وتُركت الفرصة للصين وروسيا لزيادة نفوذهما في المنطقة، وهو انفتاح سارعت القوتان الأوراسيتان إلى اغتنامه.

في الشرق الأوسط.. الجميع ضد الجميع

زيارات كابلان إلى تركيا وكردستان وأفغانستان والعراق وباكستان وسوريا والمملكة العربية السعودية ومصر وليبيا وإثيوبيا، جنبا إلى جنب مع دراسته لتاريخ الشعوب والقبائل التي سكنت تلك البلدان والمناطق، حررته من المفاهيم الوردية للتقدم البشري. لقد رأى بدلا من ذلك عالما هوبزيا الجميع فيه ضد الجميع، إلا إذا كان هناك حكم مركزي - غالبا إمبراطورية – يفرض النظام. ويشير إلى أن الإمبراطوريات على الرغم مما لها من سمعة سيئة، وفعلها أشياء سيئة للأشخاص الذين تحكمهم؛ لكن الشيء الجيد لديها هو إنتاج وإرساء النظام بعيدا عن الفوضى.

ويسارع كابلان إلى الإشارة إلى أن الدول الغربية، وخاصة بريطانيا العظمى وفرنسا والولايات المتحدة التي ساهمت في هشاشة الأنظمة في المنطقة. فقد رسمت الإمبراطوريات الاستعمارية الغربية خطوطا على الخرائط لا تتوافق مع الحقائق الثقافية والوطنية، وأدت التدخلات الغربية مؤخرا إلى تفجر منطقة مزقتها الصراعات بالفعل من خلال القضاء بالقوة على الأنظمة السياسية التي حافظت على النظام على الأقل. وكانت النتيجة الفوضى وعدم الاستقرار السياسي. وبدا الاستقرار الدائم في كثير من الأحيان بعيد المنال، وقد يحمل مفتاح النظام العالمي المتغير للقرن الحادي والعشرين.

الواقعية مقابل الحرية وحقوق الإنسان

في هذا الفضاء الواسع والمشحون، وأخطاء القوى الغربية في سياستها الخارجية سواء في الحقبة الاستعمارية أو بعد انتهاء الحرب الباردة، يتبنى كابلان مذهب الواقعية الذي يقوم على أن متطلبات الاستقرار على الفوضى غالبا ما تتعارض مع المثل العليا للحكم الديمقراطي. وذلك لتبرير فشل المحاولات الغربية لتعزيز الديمقراطية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وحماية النظام الديكتاتورية واتنهاكاتها لحقوق الإنسان. لأنه قد ظهر اليوم شكل جديد من أشكال الإمبريالية الاقتصادية، حيث تقع طموحات الصين بشكل مباشر داخل المنطقة باعتبارها الرابط الرئيسي بين أوروبا وشرق آسيا. وكما كان الحال في الماضي، سيكون الشرق الأوسط الكبير سجلا لصراعات القوى العظمى المستقبلية في جميع أنحاء العالم. وكما كان الحال في الماضي، ستستمر آلاف السنين من الحكم الإمبراطوري في إلقاء ظلال طويلة على السياسة كما تمارس اليوم.

خلاصة خمسين عاما في الشرق الأوسط

باعتماد كابلان على 50 عاما من الخبرة في إجراء مقابلات مع المسؤولين والمفكرين والمؤرخين وزملائه الصحفيين وقراءة كل تاريخ وعمل علمي على ما يبدو من هيرودوت إلى جيبون إلى توينبي، فإنه صار مقتنعا بأن "القصة الكبيرة في الشرق الأوسط اليوم ليست بالضرورة فشل الديمقراطية؛ ولكن رحيل الإمبراطورية". إذ بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية في 1918، عاشت بريطانيا وفرنسا لحظاتهما، تلتهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وكان الانهيار السوفيتي في 1991 والغزوات الأمريكية الكارثية للعراق وأفغانستان بمثابة قبلة الموت. لذلك، ولأول مرة في التاريخ الحديث، أصبحت المنطقة في مرحلة ما بعد الإمبريالية. وباختصار، لم يجد الشرق الأوسط بعد مائة عام حلا مناسبا لانهيار الإمبراطورية العثمانية.

لا تزال مصر تتعافى من الربيع العربي، الذي فاز خلاله الإخوان المسلمون في انتخابات حرة لكنهم لم يتمكنوا من إرساء النظام، لذلك لم يعترض معظم المصريين عندما عاد الجيش إلى السلطة.ويرى كابلان أن أفضل ما يمكن أن تأمله المنطقة هو الاستبداد المستنير، ويقول: بدلا من أن نحرص على الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير، يجب أن نرغب في أنظمة استشارية كبديل للأنظمة التعسفية. ويعرف كابلان هذه الأنظمة الاستشارية بأنها الأنظمة التي تستطلع الرأي العام حتى لو لم تجر انتخابات، أو بعبارة أخرى، استهداف ما هو ممكن بدلا من مجرد ما هو عادل.

تبريرات غير منطقية

على الرغم من أن كابلان يشير دائما إلى أن الولايات المتحدة هي السبب دائما في افتقار المنطقة إلى الديمقراطية؛ فإنه يقول إن توق البشر إلى الديمقراطية هو خيال غربي غريب. وفي الواقع، عند الاختيار بين الديكتاتورية والفوضى ، فإن نسبة كبيرة من السكان، بمن فيهم الأمريكيون، سيفضلون الخيار الأول.

ولكي يسوق كابلان أفكاره، فإنه يعرض نماذج متناقضة ليخلص من خلالها إلى نتائج تعد وسيلة للتخلص من إثم الجرائم التي ارتكبتها أمريكا وغيرها من القوى الغربية في وأد إرادة الشعوب وسعيها للحرية والتقدم:

ـ في تركيا، ظل رجب أردوغان في منصبه لمدة عقدين من الزمن، وتطور إلى مستبد آخر منتخب ديمقراطيا. فقد اعتنق الإسلاموية، وعكس اتجاه العلمنة الشرسة التي تبناها المعبود القومي كمال أتاتورك، وأعاد إحياء توسع الإمبراطورية العثمانية السابقة، التي لطالما أعجب بها الأتراك.

ـ لا تزال مصر تتعافى من الربيع العربي، الذي فاز خلاله الإخوان المسلمون في انتخابات حرة لكنهم لم يتمكنوا من إرساء النظام، لذلك لم يعترض معظم المصريين عندما عاد الجيش إلى السلطة.

ـ تبرز ممالك الخليج مثل الأردن والمغرب والإمارات العربية المتحدة كمعاقل للاستقرار النسبي.

ادعى كابلان في حديثه عن مصر، أن معظم المصريين "لا يزالون مصدومين من تجربتهم" خلال عهد مرسي، وأن "الأغلبية الساحقة" لا ترغب إلا في "الأمن الهادئ والاقتصادي". قد يكون هذا صحيحا بالنسبة للمصريين المتميزين الذين تحدث معهم كابلان؛ ولكن بالتأكيد ليس بالنسبة لباقي المصريين، ولا لما يقدر بنحو 70 ألف سجين سياسي يعانون اليوم من أكثر الديكتاتوريات وحشية في التاريخ المصري الحديث. وقس على ذلك منطقه فيما حدث في أرجاء أخرى في الشرق الأوسط. وكأنه قد كُتب على شعوب المنطقة أن تظل حقل تجارب للسياسات الغربية، أو أن تعيش فريسة للنظم الديكتاتورية والانقلابات العسكرية التي تعيث فسادا في بعض دولها.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب كتاب الشرق الأوسط السياسة عرض الشرق الأوسط كتاب سياسة عرض كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشرق الأوسط الکبیر الجغرافیا السیاسیة السیاسة الخارجیة فی الشرق الأوسط یمکن أن بدلا من

إقرأ أيضاً:

أهم التحديات التي تواجه حكومة ستارمر الجديدة في الشرق الأوسط

تلقّى رئيس الوزراء البريطاني الجديد ستارمر ، بعد أقل من 24 ساعة على دخوله «10 داونينغ ستريت»،  سلسلة إحاطات استخباراتية حول أهم التحديات التي تواجه حكومته الجديدة، المتعلقة بالشرق الأوسط، خاصة الحرب في غزّة ومخاوف اتّساع الحرب إلى لبنان، التي أخذت حيّزاً مهمّاً من القضايا المطروحة أمام أول حكومة عمالية تتسلّم زعامة البلاد منذ 14 عاماً.

 

وحسب تقرير للشرق الأوسط، في مقابل التحديات الجسيمة التي تواجه ستارمر، ووزير خارجيته الجديد ديفيد لامي، في فلسطين ولبنان واليمن وسوريا والعراق وإيران، تنظر حكومته بتفاؤل تجاه عدد من الفرص التي يتيحها التقارب الاقتصادي والتجاري مع دول الخليج. فما توجّه ستارمر حيال بعض أهم قضايا الشرق الأوسط اليوم؟

 

غزة وجنوب لبنان

في أول موقف له بعد تعيينه، الجمعة، دعا وزير الخارجية البريطاني الجديد ديفيد لامي إلى «وقف فوري لإطلاق النار» في غزة، في مؤشّر على سعي الحكومة الجديدة للعب دور فاعل في إنهاء الحرب التي دخلت شهرها التاسع. وقال لامي الذي تولّى حقيبة الخارجية بعد فوز العماليين في الانتخابات التشريعية، الخميس: «إنه سيعمل على دعم وقف فوري لإطلاق النار (في غزة) والإفراج عن الرهائن». وأضاف: «سأبذل كل ما في وسعي لمساعدة (الرئيس الأميركي) جو بايدن على التوصل إلى وقف لإطلاق النار».

 

وكان موقف كير ستارمر من حرب غزة قد لعب دوراً محورياً في انتخابات الخميس. ففي مقابل غالبيته الكبيرة في مجلس العموم، حرم الناخبون الغاضبون من سياسة «العمال» تجاه الشرق الأوسط الحزب من مقعد محوري ترشّح فيه جوناثان آشوورث، الذي كان موعوداً بمنصب وزاري في الحكومة الجديدة، ليفوز به المستقل شوكت آدم. وكان ستارمر قد أثار حفيظة أجزاء كبيرة من قاعدة الحزب التقليدية، عندما ألمح في مقابلة على «إل بي سي» إلى أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها بعد هجمات «حماس»، حتى عبر قطع الماء والكهرباء عن قطاع غزة. كما أن تأخره في دعم وقف إطلاق نار فوري فاقم استياء الأقليات المسلمة وغيرها، التي كانت تعدّ من أهم قواعد الحزب. وفي محاولة لتخفيف استياء هذه الفئة «العمالية» التقليدية، سارع ستارمر لتأكيد عزمه على الاعتراف بدولة فلسطين في إطار حلّ الدولتين، دون أن يُحدّد جدولاً زمنياً لذلك. كما التزم الضغط من أجل وقف فوري لإطلاق النار، وإطلاق سراح جميع الرهائن، وزيادة حجم المساعدات التي تصل إلى غزة.

 

إلى جانب حرب غزة، لا شكّ في أن ستارمر سيبحث خلال اجتماعه مع الرئيس الأميركي جو بايدن، الأربعاء، مخاوف اتّساع رقع الصراع إلى لبنان. وتعمل الولايات المتحدة وفرنسا ودول عربية منذ أسابيع إلى الحؤول دون تصاعد الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حزب الله» في جنوب لبنان.

 

إيران

تزامن استلام حكومة ستارمر الجديدة مهامها مع إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية، التي فاز بها مسعود بزشكيان. وتتوقع مصادر بريطانية أن يتّخذ ستارمر نهداً أكثر حزماً تجاه إيران، وسط ترجيح البعض انفتاحه على تصنيف الحرس الثوري على قائمة الإرهاب. وذكرت مجلة «سبكتاتور» المقرّبة من «المحافظين»: «أن (حزب العمال) يخطط لتصنيف الحرس الثوري الإيراني، وتضييق الخناق على الشبكات المحلية الإيرانية، ونشر مزيد من القوات في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط». وعدّت المجلّة أن عودة دونالد ترمب المحتملة إلى البيت الأبيض قد تدعم حكومة ستارمر في تنفيذ هذا التوجه.

 

وكان ستارمر قد وجّه انتقادات حادّة لإيران وحلفائها في الشرق الأوسط، كما دعم الضربات البريطانية والأميركية على أهداف حوثية ردّاً على اعتداءات الجماعة على سفن تجارية وناقلات نفط في البحر الأحمر. وبعد الهجوم الإيراني على إسرائيل، الذي قالت طهران إنه جاء ردّاً على تدمير تل أبيب سفارتها في دمشق في أبريل (نيسان)، أدان ستارمر النظام الإيراني، وقال: «إنه يدعم جميع من يريدون السلام والأمن في المنطقة، وليس الخوف وعدم الاستقرار الذي تولده إيران». 

وتابع في منشور على «إكس»: «إننا نواصل الدفاع عن أمن إسرائيل وأمن شركائنا الآخرين في المنطقة، بما في ذلك الأردن والعراق. نحن نؤيد جميع التدابير الرامية إلى استعادة الهدوء، كما يجب علينا أن نفعل كل ما في وسعنا لمنع نشوب حرب إقليمية أوسع نطاقاً».

 

الحوثيون والبحر الأحمر

يتوقّع أن يواصل رئيس الوزراء البريطاني الجديد سياسة سلفه ريشي سوناك في مواجهة اعتداءات الحوثيين في البحر الأحمر. وكان ستارمر قد تعرّض لانتقادات حادّة من داخل حزبه مطلع هذا العام، بعد دعمه التحرك العسكري البريطاني في البحر الأحمر، وإدانته إيران «لرعايتها الإرهاب». وفي مقال لصحيفة «الإندبندنت»، دافع زعيم المعارضة آنذاك عن موقفه، وقال إنه يأتي دعماً لـ«المصلحة الوطنية». وبدا أنه أعطى الضوء الأخضر لمزيد من العمل العسكري الأميركي والبريطاني، قائلاً: «يجب أن نحتفظ بالمرونة للرد بالسرعة اللازمة على التهديدات».

 

وفي إشارة إلى أنه لن يتهرب من القيام بعمل عسكري، حذّر ستارمر في مقاله «أولئك الذين يسعون إلى إلحاق الضرر ببريطانيا، ومهاجمة مصالحها، وتهديد شعبها» بأنهم «يجب ألا يساورهم شك في عزم بلادنا على الرد على عدوانهم». وأضاف: «أن هجمات المتمردين الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر تهدد أحد أهم طرق التجارة في العالم، وتعرض حياة المدنيين والعسكريين البريطانيين للخطر»، متابعاً: «يجب أن يتوقفوا، ومن الصواب أن تلعب بريطانيا دورها، إلى جانب حلفائنا، في ردع هذه الهجمات».

 

العلاقات مع دول الخليج

شهدت العلاقات البريطانية - الخليجية انتعاشاً كبيراً بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي (بريكست)، وعقد الجانبان 5 دورات مباحثات لإبرام اتفاق تجارة حرّة، كان آخرها في الرياض. ويتوقّع أن تستمر حكومة ستارمر على هذا النهج، بل قد نشهد دفعاً في اتجاه مزيد من التقارب، خصوصاً على صعيد التبادل التجاري، وتحقيق الاستقرار والأمن الإقليميين.

 

وفي تصريحات أدلى بها لامي في مايو الماضي، شدد على أهمية العلاقات مع دول الخليج. وقال: «نحن بحاجة ماسة إلى العمل مع الخليج، وهذا مهم للغاية بالنسبة للأمن في الشرق الأوسط». وتابع: «إنه أمر مهم فيما يتعلق بمهام النمو الاقتصادي لدينا»، مستشهداً برحلاته الأخيرة إلى السعودية وقطر.

 

تجارياً، تسعى المملكة المتحدة لزيادة حجم التبادل الاقتصادي مع دول الخليج. وفي حوار سابق أجرته «الشرق الأوسط» مع كبير المفاوضين البريطانيين توم وينتل، شدّد على أهمية العلاقات التاريخية القوية بين المملكة المتحدة ومجلس التعاون الخليجي. وكشف وينتل، الذي يقود محادثات اتفاق التجارة الحرة: «نحن من بين كبار الشركاء التجاريين لبعضنا. عادت التجارة بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي إلى الارتفاع بقوة منذ تفشي جائحة (كورونا)، ووصلت الآن لمستويات قياسية؛ إذ بلغت قيمتها 61.3 مليار جنيه إسترليني في العام الماضي». وتابع: «ولدينا شراكة استثمارية قوية، المملكة المتحدة من أكبر 6 مستثمرين في دول مجلس التعاون الخليجي مع 31 مليار جنيه إسترليني مستثمرة في مشروعات جديدة على مدى العقدين الماضيين».

 

كما أبرمت لندن كثيراً من اتفاقيات التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي في السنوات الماضية، ولعلّ أبرزها مجلس الشراكة الاستراتيجية مع السعودية، الذي جرى إنشاؤه عام 2018 لتطوير التعاون في مجال التجارة والطاقة والدفاع.

 

مقالات مشابهة

  • قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حريّة- محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن «مقاربة» «1- 15»
  • أهم التحديات التي تواجه حكومة ستارمر الجديدة في الشرق الأوسط
  • قراءة في كتاب: أطروحات ما بعد التنمية الاقتصادية: التنمية حريّة – محمود محمد طه وأمارتيا كومار سن (مقاربة)، (1- 15)
  • مقلب قمامة أصبح من أكبر حدائق الشرق الأوسط.. تلال الفسطاط تعيد الاعتبار للسياحة الثقافية
  • كيف صاغ حكام مصر ومفكروها هويتها الوطنية؟ قراءة في كتاب
  • تعرف على مواقف جليلي وبزشكيان في ملفات السياسة الخارجية
  • وزير الخارجية يشارك في جلسة نقاش بشأن خيارات أوروبا بمنطقة الشرق الأوسط
  • وزير الخارجية يتلقى اتصالاً من المنسق الأممي لعملية السلام في الشرق الأوسط
  • مذكرات وزير بريطاني سابق تسلط الضوء على حجم النفوذ الإسرائيلي في بريطانيا
  • ما قبل الغرب.. صعود وسقوط أنظمة العالم الشرقي.. قراءة في كتاب