فيما يستمر النزوح الجماعي نحو جنوبي قطاع غزة، في ظل التصعيد العسكري الإسرائيلي الذي تشهده مختلف مناطق القطاع، والذي يحتدم مؤخرا في الجنوب، كشف طبيب بريطاني يتواجد في المستشفى الأوروبي بخان يونس، مشاهد وصفها بـ"المروعة"، تعكس حجم المأساة جنوبي القطاع.

وتحدث جراح الحرب المخضرم توم بوتوكار، الذي يعمل في اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لصحيفة "إندبندنت" البريطانية، عما يجري في المستشفى، قائلا إنه "رأى طفلا صغيرا مصابا بحروق بالغة، ينادي على أمه التي لا يعرف أنها ماتت، وذلك في وقت لا يوجد فيه ما يكفي من مسكنات الألم لتخفيف معاناته".

 

كما أشار إلى طفل يبلغ من العمر 8 سنوات، أصيب دماغه بأضرار كبير جراء تعرض منزله للقصف، لافتا إلى أن طفلة أخرى خضعت لعملية استئصال عين، لأن كل عظمة في وجهها تحطمت. 

وأضاف الطبيب في حديثه إلى صحيفة "إندندبنت"، أنه "شاهد طفلا مبتور الأطراف يبلغ من العمر 3 سنوات، وأطرافه المقطوعة موضوعة في صندوق وردي بجانبه"، فيما تظهر في خلفية كل تلك المشاهد "رائحة اللحم المتعفن"، في حين "تخرج الديدان من الجروح غير المعالجة".

وقام الجيش الإسرائيلي بتوسيع حملته البرية من شمالي القطاع المحاصر إلى الجنوب، حيث نزح ما يقدر بنحو 1.9 مليون فلسطيني.

وتعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، بـ"مواصلة الحرب إلى أن يتم القضاء على حركة حماس" التي تدير القطاع، والتي شنت هجمات غير مسبوقة على جنوبي إسرائيل في 7 أكتوبر، مما أدى إلى مقتل أكثر 1200 شخص، غالبيتهم من المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، بحسب السلطات المختصة.

في المقابل، تشن إسرائيل قصفا متواصلا في أعقاب هجوم مسلحي حماس، المصنفة إرهابية في أميركا ودول أخرى، مما أدى إلى مقتل أكثر من 16 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، وفقا لوزارة الصحة في غزة.

"أقوى أداة".. ماذا يعني تفعيل "المادة 99" بشأن حرب غزة؟ دفعت مشاهد القتل والدمار اليومية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، الأمين العام للأمم المتحدة إلى استخدام "أقوى أداة يمتلكها" في ميثاق المنظمة لينبه مجلس الأمن أن ما يجري هناك "يهدد حفظ السلم والأمن الدوليين".

وفي الأيام الأخيرة، بدأت القوات الإسرائيلية في اقتحام خان يونس، أكبر مدينة في جنوب قطاع غزة، وشنت ما يعتقد أنه أكبر هجوم بري منذ انهيار الهدنة الهشة التي استمرت سبعة أيام.

وتأتي هذه التطورات، في الوقت الذي تحذر فيه الأمم المتحدة، من أن "الوضع الإنساني في غزة أصبح مروعا".

"نجا من الموت بأعجوبة"

وقال بوتوكار إنه يتواجد داخل المستشفى الأوروبي، وهو أحد المراكز الطبية الرئيسية التي تخدم خان يونس والمناطق المحيطة بها، حيث يكافح المسعفون من أجل علاج تدفق الجرحى "المتواصل"، لافتا إلى أن "نصفهم من الأطفال".

وتابع الطبيب الذي لم يغادر المستشفى الأوروبي منذ 5 أسابيع: "لم أتمكن من إحصاء عدد الأطفال الذين عالجناهم والذين يعانون من إصابات مروعة وحروق وبتر أطراف، وفقدوا أسرهم بأكملها".

وقال: "المسعفون الفلسطينيون والدوليون ينامون على أرضية غرف التمريض، وطعامهم عبارة عن كميات محدودة من المعكرونة، ويعملون في نوبات مدتها 14 ساعة". 

ونوه بوتوكار بأنه في إحدى الليالي "كاد أن يفقد حياته جراء شظية اخترقت نافذة الغرفة التي كان يتواجد فيها".

وقُتل بعض الأطباء، من بينهم عناصر من طاقم التمريض والجراحين الذين عمل معهم بوتوكار، إلى جانب العشرات من أفراد أسرهم. كما قُتل ما لا يقل عن واحد من موظفي اللجنة الدولية المئة العاملين في غزة، وفق الصحيفة.

وهذه هي المرة الـ14 التي يعمل فيها بوتوكار كمسعف في غزة، حيث سبق له العمل في هذا المجال كجراح في الصومال وسوريا وأفغانستان واليمن، مؤكدا أن هذا الصراع "هو بلا شك الأسوأ الذي شهده حتى الآن".

وتابع: "رأيت عدداً كبيراً جداً من الأطفال الذين دمرت حياتهم.. لقد عالجت صغيرا يبلغ من العمر 4 أشهر مصابًا بحروق كبيرة، كما عالجت طفلاً يبلغ من العمر 8 سنوات كان يعاني من كسر مفتوح في جمجمته ودماغه مكشوف".

وأردف: "إنه أمر مروع أن نرى أن هذه الإصابات تتوالى في الولوج إلى المستشفى كل يوم".

وفي الآونة الأخيرة، كان بوتوكار يعالج مريض حروق في وحدة العناية المركزة كان قد نزح من شمالي القطاع، وكانت جروحه متعفنة لأن "الضمادات لم يتم تغييرها لعدة أيام". 

"تأثير مدمر على الأطفال"

ومنذ انتهاء الهدنة الإنسانية في الأول من ديسمبر، توغل الجيش الإسرائيلي في جنوب قطاع غزة، كما واصل عملياته في الشمال.

وحذر المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فولكر تورك، الأربعاء، من أن ما يقرب من مليوني فلسطيني - أمرتهم إسرائيل بالاحتماء في الجنوب - محشورون الآن "في أماكن صغيرة ومكتظة للغاية في ظروف غير صحية".

وأضاف: "المساعدات الإنسانية انقطعت فعلياً مرة أخرى، مع انتشار المخاوف من انتشار الأمراض وتفشي الجوع على نطاق واسع".

تراجع ملحوظ في إمكانيات إحصاء القتلى في غزة شنت القوات الإسرائيلية حملة جوية وبرية على حركة حماس في غزة بعد هجوم الحركة، في السابع من أكتوبر، على جنوب إسرائيل. وتشير أرقام وزارة الصحة في غزة إلى أن الهجوم الإسرائيلي أودى بحياة 16015 فلسطينيا على الأقل، فيما تقدر الإحصاءات الإسرائيلية أن 1200 شخص لاقوا حتفهم في هجوم حماس داخل إسرائيل.

وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، جوناثان كونريكوس، لشبكة "سي إن إن" الأميركية، الأربعاء، إن القوات الإسرائيلية "استهدفت مراكز القيادة والسيطرة التابعة لحماس، وتخزين الأسلحة والمرافق اللوجستية"، وأنها "طلبت من الفلسطينيين الإخلاء إلى منطقة إنسانية خاصة في جنوب غزة، بالقرب من خان يونس".

واعترف بأن هذا "ليس مثاليًا، لكنه الحل الأفضل والمتوفر حاليًا لدينا".

من جانبها، ذكرت منظمة الإغاثة "أنقذوا الأطفال"، أن عدد القتلى من الأطفال في القطاع الفلسطيني "مرتفع للغاية، لدرجة أنه يتجاوز العدد السنوي للأطفال الذين قتلوا في مناطق النزاع بالعالم منذ عام 2019".

وقال الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، جان إيغلاند، الثلاثاء، إن "تدمير غزة يعد الآن من بين أسوأ الاعتداءات على أي سكان مدنيين في عصرنا الحالي".

وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) هذا الأسبوع، إن غزة هي "أخطر مكان في العالم بالنسبة للأطفال، وإن الأمور ستزداد سوءا".

وفي المستشفى الأوروبي، يوجد الآن ما لا يقل عن 360 شخصًا على قائمة الانتظار لإجراء عملية جراحية، وهو "رقم يستحيل التعامل معه"، كما يقول بوكوتر.

ويتفاقم هذا الأمر بسبب نقص الموظفين، حيث يُقتل المسعفون في منازلهم، أو يُمنعون من الوصول إلى المستشفى بسبب القصف والطرق المدمرة.

وذكر بوكوتر أن "الممرضة التي ساعدته في علاج طفل مبتور الأطراف يبلغ من العمر 3 سنوات، قُتلت قبل 3 ليالٍ مع 12 فردًا من عائلتها". 

كما قُتل أحد كبار جراحي التجميل، والذي كان أيضًا زميلًا للطبيب البريطاني، مع 30 فردًا من عائلته في غارة جوية قبل 4 أسابيع. 

وتابع بوكوتر: "هناك عدد كبير جدًا من المرضى وليس هناك عدد كافٍ من الطواقم الطبية، ولا يوجد متسع من الوقت في غرفة العمليات لعلاجهم جميعًا، لذلك علينا تحديد الأولويات".

وتنتشر العدوى الآن في المستشفيات بسبب عدم معالجة الجروح في الوقت المناسب؛ فهناك عدد "هائل" من المرضى الذين يعانون من إصابات معقدة تم إهمالها، وفقا لبوكوتر، الذي أكد أن "أي أحد يشك في التأثير المدمر على المدنيين (في غزة)، سيغير رأيه إذا أمضى يوما واحدا في عنابر المستشفى".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: المستشفى الأوروبی یبلغ من العمر قطاع غزة خان یونس إلى أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

الاحتلال الإسرائيلي يهدد حياة العشرات بمستشفى كمال عدوان وينسف منازل بالنصيرات

غزة – طلب الاحتلال الإسرائيلي إخلاء مستشفى كمال عدوان بشمال قطاع غزة، واستهدفه بقصف وإطلاق النيران مما يهدد حياة العشرات من المرضى ومرافقيهم وطاقم المستشفى، وتزامن ذلك مع تواصل الغارات الإسرائيلية على مناطق متفرقة من القطاع.

وأكد مراسل الجزيرة انقطاع الاتصال بالصحفيين الموجودين داخل مستشفى كمال عدوان، وجاء ذلك بعد أن أكدت وزارة الصحة في غزة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي طلب إخلاء مستشفى كمال عدوان فورا. وحصلت الجزيرة على مشاهد خاصة تظهر تكدس النساء والأطفال الجرحى في أحد ممرات المستشفى بعد تعرض كل غرف أقسامه لإطلاق نار وقصف مدفعي من قبل الآليات الإسرائيلية المتوغلة في محيط المستشفى.

وقال مدير المستشفى الدكتور حسام أبو صفية إن الاحتلال الإسرائيلي يقصف المستشفى بشكل مباشر. وأفاد بأن الاحتلال أبلغهم بإخلاء المستشفى خلال ساعات، محمّلا العالم، مسؤولية ما يحدث فيه.

من جانبه، قال المدير العام لوزارة الصحة في قطاع غزة منير البرش للجزيرة إن طلب قوات الاحتلال من الطواقم إخلاء مستشفى كمال عدوان فورا يهدد حياة 80 مريضا بالمستشفى.

كما قال مدير المستشفيات الميدانية بوزارة الصحة في غزة مروان الهمص إنه لا توجد أي وسيلة آمنة لإخراج المرضى والطواقم من المستشفى. وأضاف في حديث للجزيرة أن ما يحدث في المستشفى قتل متعمد من قبل الاحتلال، وأن خروج المرضى من المستشفى يعني موتهم المحتم. وكشف عن اتصال وزارة الصحة في غزة مع منظمة الصحة العالمية والأونروا، لكن دون جدوى.

في المقابل، قالت القناة 12 الإسرائيلية إن الجيش يوسع عمليته شمال قطاع غزة ويلقي منشورات تطالب سكان مناطق ببيت حانون بالإخلاء.

من جانب آخر، أفاد مراسل الجزيرة بسقوط 13 شهيدا إثر قصف استهدف مناطق عدة من القطاع، منذ فجر اليوم الأحد.

واستشهد 8 أشخاص في وقت سابق، وأصيب آخرون إثر قصف جوي إسرائيلي استهدف مدرسة تؤوي نازحين بحي الدرج شرقي مدينة غزة.

بينما استشهد 6 فلسطينيين في قصف استهدف منزلا في مدينة دير البلح، وسط القطاع. وقال مراسل الجزيرة إن البحث مستمر عن مفقودين تحت أنقاض المنزل المستهدف المكون من 4 طوابق.

وذكر شهود عيان أن المبنى يضم أعدادا كبيرة من النازحين.

كما أفاد مراسل الجزيرة باستشهاد 3 فلسطينيين إثر قصف جوي إسرائيلي على شرقي مدينة رفح، جنوبي القطاع.

بينما استشهد 4 فلسطينيين بينهم طفلان، وأصيب آخرون في قصف إسرائيلي استهدف منزلا شمالي مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

وذكر مراسل الجزيرة أن قوات الاحتلال قصفت شقة سكنية وسط مدينة خان يونس جنوبي القطاع، مما أسفر عن استشهاد شخصين.

وقال مراسل الجزيرة إن جيش الاحتلال نسف مباني سكنية شمالي مخيم النصيرات وسط قطاع غزة بالتزامن مع قصف مدفعي متواصل.

ومخيم النصيرات هو ثالث أكبر المخيمات في فلسطين بعد مخيمي جباليا والشاطئ من حيث المساحة والسكان، ويقع وسط قطاع غزة، وأنشئ بعد النكبة عام 1948.

وبدعم أميركي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة خلّفت قرابة 153 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، وسط دمار هائل وكارثة مجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.

وتواصل تل أبيب مجازرها متجاهلة مذكرتي اعتقال أصدرتهما المحكمة الجنائية الدولية في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في غزة.

المصدر : الجزيرة

مقالات مشابهة

  • الجيش الإسرائيلي يوسع نطاق عملياته شمالي القطاع
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يواصل قصف مستشفى كمال عدوان ويطالب بإخلائه
  • مستشفى كمال عدوان.. قنابل مستمرة على رؤوس 66 مريضا ومصابا
  • مسعفون في غزة يكافحون لإنقاذ المرضى بعد أمر الاحتلال بإخلاء مستشفى كمال عدوان
  • الاحتلال الإسرائيلي يهدد حياة العشرات بمستشفى كمال عدوان وينسف منازل بالنصيرات
  • غزة .. التفاصيل الكاملة للقصف الإسرائيلي العنيف على مستشفى كمال عدوان
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي يشن غارات عنيفة على مستشفى كمال عدوان
  • غزة - الجيش الإسرائيلي يطالب بإخلاء مستشفى كمال عدوان فورا
  • مستشفى 57357 تحتفل باليوم العالمي للطيران المدني
  • انتهاكات لا تنتهي.. ماذا نعرف عن مشفى العودة الذي يستهدفه الاحتلال؟