بعد أكثر من 60 يومًا على الحرب الدامية التي يشنها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، يتجلى أمامنا صورة مأساوية لأزمة إنسانية تلوح بالأُفق وتنذر بكوارث صحية في ظل تدهور الأوضاع وانقطاع العديد من الخدمات الأساسية الخاصة بالنساء، ومنها  أزمة نقص و/أو انقطاع الفوط الصحية.

وفي ظل تسارع تأثيرات هذه الحرب الطاحنة بشكلٍ كبير على حياة أهالي قطاع غزة من قتلٍ وتنكيلٍ وإبادة جماعية وتهجير ونزوحٍ، يبرز إلى الواجهة قلق عميق من نوعٍ خاص حيال الوضع الصحي للنساء، حيث يواجهن أزمة طارئة بسبب انعدام السلع الأساسية في الأسواق، وفي مقدمتها الفوط الصحية.

وتُعد الفوط الصحية أحد الاحتياجات الضرورية للصحة النسائية، لكن بفعل الحرب والدمار الذي خلّفته، باتت حياة أكثر من مليون سيدة في غزة لتهديدٍ جديّ بسبب انعدام هذه السلع الأساسية من الأسواق بسبب الحصار المفروض على القطاع منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر الماضي.

ويعاني عدد لا يستهان به من النساء، اللاتي يمثلن أكثر من نصف سكان غزة، من صعوبة الوصول إلى الفوط الصحية، ما يضعهن في مواقف محرجة ويهدد صحتهن بشكل خطير، وقد يلجأن لحلولٍ غير صحية ومنها استخدام الأقمشة غير المعقمة.

ولا يمكن التغافل عن انقطاع المياه في قطاع غزة، وبالتالي حرمان النساء من القيام بالممارسات الأساسية المتعلقة بنظافة الدورة الشهرية، فيؤدي سوء النظافة إلى حكة أو طفح جلدي في منطقة العجان، ورائحة كريهة.

ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، قد يؤدي إهمال غسل اليدين بعد تغيير الفوط الصحية إلى انتشار العدوى، مثل التهاب الكبد  B، والتهابات المسالك التناسلية والمسالك البولية التي يمكن أن تؤدي إلى العقم ومضاعفات الولادة في المستقبل والحمل خارج الرحم.

View this post on Instagram

A post shared by NO2TA the Feminist Lab (@no2ta_fl)

كارثة صحية في قطاع غزة

يتطلب الوضع الصحي الحالي في قطاع غزة تدخلًا دوليًا عاجلًا وفعّالًا للتصدي لهذه الأزمة الإنسانية الملحة، وضمان توفير السلع الأساسية للنساء في غزة، وفي مقدمتها الفوط الصحية، من خلال تعاون دولي وإرساء مبادرات إنسانية لضمان وصول المساعدات الطبية والمواد الصحية الأساسية إلى السكان المتضررين. 

الفوط الصحية ليست رفاهية

رفعت مجموعة من النساء في قطاع غزّة الصوت حيال أزمة نقص و/أو انقطاع الفوط الصحية منذ بداية العدوان الإسرائيلي الغاشم في السابع من أكتوبر الماضي، قائلات إن:

"الفوط الصحية اختفت من المتاجر".

"وانقطعت من الصيدليات".

"ولا توجد ملابس بالية لتقطيعها واستخدامها كبدائل".

وعبر وسم #الفوط_الصحة مش رفاهية، استنجدت نساء غزة المنظمات الإغاثية بتوفير الفوط الصحية خوفًا من انتشار أمراض، خاصة في ظل غياب الماء وأدوات النظافة وإجبارهن على النزوح من منازلهن والعيش في الخيم والمدارس.

تبنى عدد كبير من مشاهير منصات التواصل الاجتماعي صرخة نساء غزة، أملًا في أن يصل صوتهن للمنظمات الإغاثية التي أثبتت على مدار الأيام الماضي موقفها السلبي في التعامل مع ملف الحرب في غزة، والوقوف في الحياد أمام المجازر والإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل بحق أهالي غزة.

وكان الصحفي أحمد حجازي كان من أوائل من أوصل صوت نساء غزة بحاجتهن للفوط الصحية، مستخدمًا حسابه الرسمي في منصة "إكس"، وكتب مغردًا:

وسخر العديد من النشطاء دور الفعاليات الحقوقية والمنظمات الدولية المدافعة عن حقوق المرأة وموقفها السلبي في هذه الكارثة الإنسانية.

لماذا الفوط الصحية ليست رفاهية؟

الدورة الشهرية  أمر طبيعي يحدث شهريًا للفتيات والسيدات منذ البلوغ وحتى انقطاعها، ولا يتوقف دم الحيض بسبب الكوارث الطبيعية أو الحروب أو الأوبئة.

الفوط الصحية ليست رفاهية، هي ضرورة لكل امرأة حائض للتخلص من دم الدورة الشهرية بطريقة صحية وآمنة.

يختلف استهلاك كل امرأة عن غيرها لعدد الفوط الصحية، نظراً لاختلاف عدد أيام نزول الحيض التي تتراوح من 2-7 أيام، وكمية الدم المتدفق، وتحتاج كل امرأة بالمتوسط تغيير الفوطة الصحية كل 4-6 ساعات لتجنب حدوث التهابات وحفاظا على صحتها.

ما أثار غياب الفوط الصحية

مع انقطاع المياه وعدم وفرة المياه النظيفة، يشكل سوء النظافة مخاطر صحية خطيرة، مثل التهابات المسالك التناسلية والمسالك البولية التي يمكن أن تؤدي إلى العقم ومضاعفات الولادة في المستقبل والحمل خارج الرحم، 

كما تعد عدوى الجهاز التناسلي (RTI) و المضاعفات الشائعة مثل مرض التهاب الحوض (PID)، واحدة من المشكلات الصحية الرئيسية المرتبطة بالنظافة أثناء  الحيض. 

وفي بعض الأحيان، قد تحدث مضاعفات كبيرة مثل مرض التهاب الحوض ومتلازمة الصدمة التسممية هي إحدى المضاعفات النادرة والمهدِّدة للحياة، والتي تنشأ عن أنواع محددة من العَدوى البكتيرية. غالبًا ما تحدث متلازمة الصدمة التسمُّمية بسبب السموم التي تنتجها بكتيريا المكورات العنقودية الذهبية. 
 

المصدر: البوابة

كلمات دلالية: الفوط الصحية غزة فلسطين التاريخ التشابه الوصف نساء غزة قطاع غزة فی قطاع

إقرأ أيضاً:

الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية

يأخذك الحديث وأنت تتأمل فيلم غيوم لمُزنة المسافر إلى التطور الفني والموضوعي في تجربتها، موضوعا التعددية الثقافية والعرقية في المجتمع العماني كمصدر ثراء غني، تتجه إليه مزنة في استقصائها الطويل، مزيلة وهم ما يفصل بيننا، عبر البحث عن ما يجمع بيننا ويأتلف في نسيج اجتماعي واحد. عبر هذا الثراء العرقي واللغوي نخلق تجانسنا الحقيقي، التجانس المميز لمجتمعنا منذ جذوره التاريخية البعيدة. فنيا يشكل فيلم غيوم تحولا نوعيا تخرج به مزنة عن الطرح الأفقي للتجربة، عن أحكام البداية فتتسلسل الأحداث وصولا إلى نهايتها. فيلم غيوم يخرج عن القوالب التقليدية في السينما منحازا إلى شاعريتها، الغائب والماضي والمفقود هم من يشكل وهج الأحداث، ويدفع بشخوصه إلى المحبة والأسى والفراق والندم، محكومة بالماضي الذي تسدل ظلال أحداثه على الحاضر والمستقبل معا. فنيا ينحاز السيناريو إلى الصورة السينمائية عنه إلى الحوار، الصورة خاصة في تجسيدها المباشر لملامح شخوص الفيلم، قادرة حقا على نقل عواطفهم واختلاجات قلوبهم، سينمائيا تضفي هذه اللغة الجمال السينمائي، الذي تريد مزنة إيصاله إلينا، ما لا يستطيع الحوار نقله عبر السينما.

اختيار مُزنة لطرح تجربتها جبال ظفار، عائدة بنا إلى عام ١٩٧٨م، أي بعد ثلاثة أعوام من نهاية حرب الجبل بعد حرب طويلة استمرّت عشرة أعوام. هذه الحرب هي الماضي الذي يثقل أرواح رعاة الجبل، الماضي الذي يسدل على الحياة مشاعر الفقدان والخوف من عودة الحرب ثانية. الحرب التي تركت في كل منزل قتيلًا، أو قريبًا لقتيل، أحرقت المراعي وفتكت بالإبل مصدر حياة سكانه، والأثقل أنها تركت روح الفرقة بين أبناء الجبل، نظرا لتغير مواقفهم من موقع إلى آخر، ذلك ما نقرأ ثقله في حياة بطل الفيلم دبلان الذي يتحول بعد الحرب إلى رجل منطو على نفسه، يرفض مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم ويقضي معظم وقته في العناية ببندقيته، وملئها بالرصاص حتى تكون جاهزة للقضاء على النمر في أي وقت تتكرر عودة الحرب ثانية إلى جبال ظفار.

مزنة في هذا الفيلم العميق والشاعري في آن تبتعد عن تقديم الرصاص والقصف والقتلى، كما أن المرأة القتيلة لم تظهر في الفيلم أبدا، رغم ظهور ذكراها المتواصل، كهاجس يومي يلازم حياة الأب وابنه عمر وابنته سلمى، المرأة ومقتلها الغامض هي السر المكتوم في الفيلم، ابنها عمر كل ليلة ينام في حضن أخته الكبرى، متخيلا والدته تنام على سحابة بعيدة في السماء، يراقب أباه يوميا أثناء تنظيف وتعمير بندقيته، محاولا أكثر من مرة خطفها منه، دون أن يتبين لنا السبب المباشر لذلك، حتى نجاح اختطافه البندقية في مشهد سينمائي أخاذ، يوجّه فيه عمر البندقية إلى صدر أبيه طالبا منه فك لغز اختفاء أمه، تكون الفرصة مؤاتية آنذاك للأب للاعتراف لابنه وابنته أن الأم قد توفيت برصاصة طائشة أثناء معارك الجبل، دون أن يحدد من أي طرف جاءت الرصاصة، ذكاء مزنة يوقف التجربة برمتها أمام تقييم جديد يكشفه التاريخ في مستقبل الأيام، والوقت ما زال باكرا لإدانة طرف ضد آخر، فقط الخوف من عودة الحرب ثانية، هي النمر الذي يستعد دبلان يوميا لمواجهته. وأخيرا لتعليم ابنه طريقة استخدام البندقية لقتل النمر وحش الحرب قبل وصوله إلى الجبال.

مصدر إيحاء غيوم هي مجموعة من الصور الوثائقية التقطها والدها الفنان موسى المسافر، الذي دون شك عاصر مرارة تلك الأحداث، تكشف لنا جانبا مهما من حياة أبناء الجبل في ظفار أثناء الحرب وبعد انتهائها. من تلك الصور الوثائقية استمدت مزنة هذا الإلهام المتدفق، وصاغت سيناريو فيلم غيوم، الذي يأتي ليس لإدانة طرف دون آخر، بل لإدانة الحروب البشرية برمتها، ذلك لأنها نظرت لنتائجها الوخيمة في عيني دبلان رب العائلة الذي مع خروجه حيا منها إلا أنه خرج مهزوما فاقد القدرة على الحياة، معذبا بالماضي الذي قدمته مزنة كنمر يفترس كل ما أمامه دون تمييز ورحمة.

مزنة تعي جيدا آثار الحروب على تغيير العلاقات الاجتماعية بين البشر، العلاقة بين دبلان وشيخ القبيلة بعد الحرب، ليست هي العلاقة إياها قبل الحرب، يتقدم شيخ القبيلة المتقدم في العمر لخطبة سلمى صبية دبلان، المرتبطة بعلاقة عاطفية مع سالم الصبي الجبلي من جيلها. يقف دبلان وهو راعي الإبل الجبلي موقفا متقدما عندما يرفض تزويج ابنته شيخ القبيلة الثري، مزوجا إياها الصبي الفقير مع مباركة الأب له بحبات من شجرة اللبان الأسطورية والتي تصل محبة أبناء الجبل لها إلى درجة التقديس، نظرا لارتباط استخدامها بطقوس دينية في معابد الأديان الهندية بل وفي معابد الأديان السماوية قديما.

الفيلم ناطق بالشحرية لغة رعاة الجبال بظفار، كان ذلك ضروريا، هذا ما أدركته مزنة، منذ بداية اشتغالها على المشهد السينمائي العماني، بما يحمله من تنوع عرقي وثقافي أخاذ منذ قديم الزمان. قبلها قدمت فيلم شولو الناطق بالسواحيلية وفيلم بشك الوثائقي الناطق بالبلوشية. هي السينمائية التي لا تعترف بفوارق وهمية بين أبناء الوطن الواحد، القادرة على اكتشاف النسيج الاجتماعي المخفي، الرابط أبناءه روحيا على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة.

فيلم تشولو، تناقش مُزنة فيه تجربة الانتماء الوطني والحنين إلى الجذور البعيدة خلف البحار، تدور أحداثه في زنجبار، موطن أساسي لهجرة العمانيين عبر التاريخ لقرون مضت، يستقبل تشولو الصبي أخاه عبدالله القادم من عُمان، يعيشان معا توافق البحث عن جذورهم المشتركة، يتعرضان للاعتداء من رجال أفارقة بسبب انتماء عبدالله العربي الواضح في لونه، تتراءى عمان وطنا بعيدا مجهولا لتشولو، أرضا سحرية لن يعود إليها أبدا، يعود عبدالله مع أبيه ويظل تشولو ينظر إلى البحر، إلى السفن وهي تبحر عائدة إلى عمان التي لن يراها أبدا، هكذا تتكرر تجربة الماضي الساكن كقيد يرتبط به المرؤ. ولكن بشكل إيجابي في تشولو عنه في غيوم، مزنة تتجاوز تجربة الحنين النوستالجي إلى الماضي، في الفيلمين تنظر إلى الماضي كقيد يجب علينا كسره والانطلاق إلى المستقبل دون الالتفات إليه. خاصة في مرارة أحداثه كما هو في فيلم غيوم، حيث يبقى الدم الأفريقي العماني المشترك، تجربة حضارة مشتركة أيضا، تغذي النسيج الاجتماعي العماني بخصوبة العطاء في فيلم تشولو، أي أنها تنطلق من الإيجابي في ثراء الوجود العماني بشرق إفريقيا، الثراء الذي دفع بالأفارقة إلى ما هو مثمر، حيث حمل العمانيون معهم الأساليب الحديثة في الزراعة، وارتياد آفاق العمل التجاري، ونشر الدين الإسلامي وغيرها من الدلائل الحضارية المهمة، التي تؤكد إيجابية وجودهم المبكر في شرق إفريقيا. وحش الماضي الذي يصوب له دبلان وابنه عمر البندقية لمواجهته، يحتفظ له تشولو وأخيه عبدالله بمئة قطعة من المندازي الذي خبزته لهما جدتهم الإفريقية، يحشوان فم النمر المفترس بها حتى لا يكون قادرا على افتراسهما معا. ذلك دون شك مشهد طفولي ساحر يؤكد وحدة الأخوين ضد وحش الحرب المأساوية بين العمانيين والأفارقة، أي من المحبة المشتركة بينهما نخلق إمكانية التعايش المشترك والوحش الذي يطعمه الطفلان العماني والأفريقي المندازي، هي الحرب التي خلقت روح الكراهية بينهما، وآن لنا جميعا طي صفحاتها الدموية، نحو خلق عالم أجمل لأجيالنا القادمة.

مُزنة التي جاءت بعد ستين عاما على مأساة خروج العمانيين من شرق إفريقيا بطريقة مأساوية فقد فيها العمانيون الآلاف من أبنائهم ثم أنها جاءت بعد خمسين عاما أيضا بعد نهاية حرب الجبل بظفار، تنصت إلى أوراق التاريخ التي تحفظ لنا ما فقد وتم نسيانه، مؤهلة حقا للذهاب أبعد مستقبلا، نحو تقديم تجارب العطاء العماني المتدفق عبر التاريخ، ورفد السينما العمانية الناشئة بلغة شاعرية متميزة، ذلك حقا جوهر الفن الطليعي الجاد، يضيء كالنجوم ترشد المسافرين في ليل البحار إلى المجهول.

فيلم غيوم /روائي قصير /ناطق بالشحرية/ جائزة أفضل فيلم روائي قصير /المهرجان السينمائي الخليجي ٢٠٢٤م. إخراج مزنة المسافر.

فيلم تشولو/ روائي قصير/ ناطق بالسواحيلية /جائزة أفضل سيناريو /مهرجان أبوظبي السينمائي ٢٠١٤ م. إخراج مزنة المسافر.

سماء عيسى شاعر عُماني

مقالات مشابهة

  • على رأسها الأدوية.. إليك السلع الأساسية التي تركزت عليها الاعتمادات
  • تحولات اجتماعية عميقة في المجتمع المغربي.. ارتفاع نسب الأسر التي تعيلها النساء وتزايد الشيخوخة
  • نتنياهو: مهمتنا ليست الانتصار في الحرب فقط بل إعادة المحتجزين
  • الحكومة: 6.6% معدل البطالة في 2024 رغم تضاعف عدد السكان منذ 1990
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • ما هي الملحقات الأساسية التي يحتاجها كل مستخدم هاتف؟
  • الصحة تحت النار: أثر الحرب على المنظومة الصحية السودانية
  • استمرار جهود الوسطاء لوقف الحرب والعدو يتوعد بتوسيع عملياته :الاحتلال يصعد جرائمه على مراكز النزوح وانهيار كامل للمنظومة الصحية في غزة
  • سعر ومواصفات مرسيدس Vision V موديل 2026.. «رفاهية وأداء يفوق الوصف»
  • نساء حرب فيتنام في السينما.. حضور خجول في هوليود وأدوار رئيسية بالرواية المحلية