أيام طه حسين وحقيبة عبد الله الطيب (2/2)
تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT
khaldoon90@hotmail.com
على الرغم من التشابه في أجواء النشأة والطفولة التي عاشها هذان العالمان والأديبان الكبيران رغم الفارق النسبي في عصريهما، وخصوصاً التشابه في البيئتين اللتين ترعرعا فيهما من الناحية الاجتماعية والثقافية والتعليمية الباكرة بصفة عامة، إلا ان من الملاحظ من خلال مطالعتنا لكتاب الايام، هو أن طه حسين - ربما بسبب إعاقته البصرية - قد نشأ طفلاً منطوياً على نفسه، وحزيناً، وكئيباً، نوعاً ما، ثم انه صار في صباه وشبابه فتىً.
وعلى النقيض من طه حسين، تفتحت عينا عبد الله الطيب على شخصية متوثبة ومنفتحة ومرحة وأريحية ، ومتفائلة ومحبة لبيئتها المحلية، ومن ورائها الثقافة العربية والإسلامية الجامعة عبر تاريخها الطويل، وبجميع رموزها ومشخصاتها، بل نشأ على ايمان واعتناق عميقين بسبقها وريادتها وتفوقها وأصالتها وتميزها، وجدارتها بتبوء ما تستحقه من مكانة مرموقة في الصدارة من سجل الحضارة والثقافة الإنسانية عموماً. وعبد الله الطيب هاهنا بالتحديد، يقرب من الاستاذ عباس محمود العقاد، وخصوصا في عبقرياته وإسلامياته ، ولا يذهب مذهب طه حسين على الرغم من حبه وتقديره له. وعندنا انه انما منعه أساساً احساسه بالامتنان نحو طه حسين، من ان ينتقد هذا الأخير مثلاً، فيما ذهب اليه من تشكيك في اصالة الشعر الجاهلي وحقيقته نصوصاً وناظمين، كما جاء في كتابه " في الشعر الجاهلي " الذي صدر في عام ١٩٢٦م، وأثار حينها جدلاً واسعاً كما هو معروف.
والحق ان عبد الله الطيب كان يجمع على صعيد واحد في حبه لثلة من رموز النهضة الادبية المعاصرة في الشرق العربي، وخصوصاً في مصر، بين اشخاص متباينين غاية التباين، ومتناقضين ومتنافرين اشد التنافر، بل كانت بين بعضهما بعضا إحنٌ وعداوات وخصومات ضارية. ولكنهم للمفارقة كانوا جميعا قريبين إلى فكره وعقله ووجدانه، وذلك لاسباب تخصه هو ، وهي اسباب وثيقة الصلة بنزعته الفكرية واستعداده الثقافي وذائقته الفنية والادبية. والدليل على ذلك انه كان يحب امير الشعراء احمد شوقي، والعقاد، وطه حسين، وعلي الجارم، ومصطفى صادق الرافعي، ومحمود شاكر، وذلك على سبيل المثال فقط.
هذا، وعلى الرغم من الاختلاف الواضح بين طه حسين وعبد الله الطيب ايديولوجيا وفكريا ، وخصوصاً من حيث الموقف من التراث و الحداثة عموماً، ومن العلاقة مع الغرب بالتحديد، بحيث كان الاول تقدمياً إلى الحد الأقصى، يقول بضرورة تبني الحضارة والثقافة الغربية بحلوها ومرها كما نص على ذلك في كتابه " مستقبل الثقافة في مصر "، بينما جاء الاخر محافظاً يرى اخذ ما يصلح من تلك الحضارة ويتوافق مع الثوابت والقواعد الأساسية للامة فقط، واطراح ما سواها، فان من الملاحظ ان كليهما قد كان يتبنى موقفا محافظاً بالأحرى ، حيال مسالة التجديد الشعري، وخصوصا نظم الشعر على الطريقة الأوروبية ، من دون تقيد بالأوزان والبحور الخليلية التقليدية. إلا ان عبد الله الطيب كان على سبيل المثال ، اتساقاً مع قناعاته الايديولوجية والفكرية حيال اولية الثقافة العربية وتميزها، يرى كما كان يرى الجاحظ من قبل، أنه " ليس لغير العرب شعرٌ "، امعاناً منه في تمجيد الثقافة العربية والشعر العربي بالتحديد.
وانطلاقاً من تلك القناعة، كان عبد الله الطيب مهتماً بعقد المقارنات بين الشعر العربي والاشعار الغربية وخصوصا الانجلوسكسونية ، واستبصار وجود اوجه شبه ، بل ما كان يرى أنها بينات على وجود شبه قوية للتاثر، بل السطو على التراث الشعري العربي، على نحو ما هو موجود بكثرة في تراث عبد الله الطيب عموماً، وخصوصا كتابه " بين النير والنور ". ومن ذلك رايه ان قول الشاعر الإنجليزي وليام بليك 1757 - 1827م في وصف النمر:
Tigger tigger burning bright
in the forests of the night
اخذه من قول ابي الطيب المتنبي في وصف الاسد:
ما شوهدت عيناه الا ظنتا
تحت الدجى نارَ الفريق حلولا
وكما ان طه حسين قد اقترن بأوروبية هي السيدة الفرنسية سوزان، فقد اقترن عبد الله الطيب بأوروبية اخرى هي السيدة الإنجليزية جريزلدا او جوهرة ، وقد كان لكلتا هاتين السيدين، دور مؤثر وجوهري، في اعمار حياتي هذين العلمين، واسعادهما، ومساعدتهما مساعدات جمة في مسيرتيهما العلمية والثقافية والمهنية.
فهكذا وصف العميد طه حسين قرينته سوزان قائلاً لها: " بدونك أشعر أنني أعمى حقا ! ".
وهكذا مدح عبد الله الطيب زوجته الحاجة جريزلدا رحمها الله شعراً فخاطبها قائلاً لها:
آويتِني حيثُ لا قُربى ولا نسبٌ
إلا الوداد ُوحُبٌّ ليس بالواني
لولاكِ أنتِ لكانَ العيشُ أجمعهُ
سحابةٌ من حميمٍ آسنٍ آني
وقد كشفت السيدة جريزلدا في حوار تلفزيوني اجري معها بالخرطوم قبل سنوات قليلة من رحيلها في عام 2021م عن 96 عاما، عن أنها هي التي اقترحت على زوجها الراحل البروفيسور عبد الله الطيب ، ان يسعى إلى طه حسين بوصفه اشهر اديب عربي في زمانه وما وراءه، لكي يكتب له تقديما لكتابه المرشد إلى اشعار العرب وصناعتها، فاستجاب لمشورتها السديدة.
وبمثل ما يمكن ان نصف الدكتور طه حسين بانه كان مفتوناً بفرنسا او francophile كما يقال في الفرنسية، فانه يحق لنا ان نصف الدكتور عبد الله الطيب بانه قد كان يكن حباً وتقديرا جما للإنجليز بنفس القدر كذلك. وآية ذلك مدحه لهم بقوله:
ولا تلحينّ الانجليزَ فإنهم
على كِبْرهم كانوا كرام نِجارِ
ولقد كان يشاهد في شبابه والى ابان كهولته، وهو يلبس " الشورت "، وينتعل الشبط الصندل بالجوارب، ويعتمر القبعات، وربما دخن الغليون على الطريقة الإنجليزية ايضا. وتلك جميعها لعمري ، هي من مظاهر الانجلوفيلية بلا ريب.
وكما تنضح ايام طه حسين باجواء الخصومات والعداوات والمشاكسات، خصوصا مع صنوف شيوخ الكتاتيب والأزهر ، فان حقيبة عبد الله الطيب لم تخلُ هي الأخرى عن أوراق مليئة بوقائع المعارك والعداوات والمناكفات ، بينه وبين من كان يصفهم بحساده وشانئيه، طوال مسيرته الفكرية والعلمية والمهنية.
و أخيراً، تشترك هاتان السيرتان الذاتيتان ، حتى في بعض الملامح ذات الصلة بالطرفة والفكاهة ، بما في ذلك تلك المرتبطة بذكريات ومباذل مرحلة الصبا والمراهقة للحلم. فلئن كان الدكتور طه حسين قد حدثنا في أيامه عن " أبو طرطور " الذي كان يطوف على مساكنيه في المنزل الذي كانوا يستأجرونه بالقرب من الجامع الأزهر إذ هم طلاب به، فان عبد الله الطيب قد حدثنا عن تلك الزائرة الليلية الغامضة، التي كان يسمع عنها من ابناء داخلية المدرسة ايضا ، وأبطأت عليه بعد أن تطلبها زماناً على ما يبدو، ولكنها زارته اخيرا فكتب يقول: وجاءت بنت إبليس والحمد لله !! ????????????
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الثقافة العربیة طه حسین قد کان
إقرأ أيضاً:
أيهما أولى صيام الستة من شوال أم أيام رمضان الفائتة؟.. الإفتاء تجيب
أيهما أولى صيام الستة من شوال أم أيام رمضان الفائتة؟.. سؤال أجاب عنه الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال فتوى مسجلة له، عبر صفحة دار الإفتاء المصرية.
وقال الشيخ أحمد ممدوح، إن من أفطر فى رمضان ثم انتهى رمضان ويريد الجمع مع الست من شوال ففى هذه الحالة التفريق أولى وأثوب من الجمع.
وأضاف أن المرأة التى عليها قضاء أيام من رمضان فالأفضل هو قضاء ما عليها من رمضان ثم لها أن تصوم الستة من شوال.
وأشار إلى أنه إذا كانت لا تستطيع ذلك وتريد أن تجمع بين النيتين فى الصوم، فنص الفقهاء على أن ذلك "كافٍ" بمعنى أن من كانت عليها قضاء من رمضان، فتصومهم فى شوال فيحصل لها ثواب الستة من شوال ولكن بشرط أن تكون نيتها بقضاء الأيام التى عليها من رمضان وليس بصوم الستة من شوال، لأن الستة من شوال لا تكفى عن القضاء.
سؤال ورد على صفحة مجمع البحوث الإسلامية، عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وأجابت لجنة الفتوى التابعة لمجمع البحوث، قائلة: إن الصوم من العبادات التي تطهِّر القلوب من أدرانها، وتشفيها من أمراضها.. لذلك فإن شهر رمضان موسم للمراجعة، وأيامه طهارة للقلوب، وتلك فائدة عظيمة يجنيها الصائم من صومه، ليخرج من صومه بقلب جديد، وحالة أخرى.
وأشارت لجنة الفتوى الى أن صيام الستة من شوال بعد رمضان فرصة من تلك الفرص الغالية، بحيث يقف الصائم على أعتاب طاعة أخرى بعد أن فرغ من صيام رمضان.
وورد في ذلك فضل عظيم وأجر كبير، ذلك أن من صامها يكتب له أجر صيام سنة كاملة كما روى مسلم من حديث أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صام رمضان وأتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر".
وفسّر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : "من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة: (من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها)، ونقل الحافظ ابن رجب عن ابن المبارك: (قيل: صيامها من شوال يلتحق بصيام رمضان في الفضل، فيكون له أجر صيام الدهر فرضًا).
وتابعت لجنة الفتوى: من الفوائد المهمّة لصيام ستّ من شوال تعويض النّقص الذي حصل في صيام الفريضة في رمضان ؛ إذ لا يخلو الصائم من حصول تقصير أو ذنب مؤثّر سلبا في صيامه ويوم القيامة يُؤخذ من النوافل لجبران نقص الفرائض كما قال صلى الله عليه و سلم: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ، فَإِنْ أَتَمَّهَا، وَإِلَّا قِيلَ: انْظُرُوا هَلْ لَهُ مِنْ تَطَوُّعٍ. فَإِنْ كَانَ لَهُ تَطَوُّعٌ أُكْمِلَتْ الْفَرِيضَةُ مِنْ تَطَوُّعِهِ، ثُمَّ يُفْعَلُ بِسَائِرِ الْأَعْمَالِ الْمَفْرُوضَةِ مِثْلُ ذَلِكَ".
صيام الستة من شوال هل يجوز صيامها متفرقة ؟سؤال ورد الى دار الإفتاء عبر صفحتها الرسمية بفيسبوك، وقالت: إنه يستحب صيام الست من شوال متتابعة في أول شوال بعد يوم العيد، فلا يجوز صوم يوم العيد.
وأضافت الإفتاء عبر صفحتها بـ«فيسبوك»، أن في ذلك من المسارعة إلى الخير، وإن حصلت الفضيلة بغيره، فإن فرَّقها أو أخَّرها جاز، وكان فاعلًا لأصل هذه السنة؛ لعموم الحديث وإطلاقه.
واستدلت على فضل صيام الست من شوال بما روي عن أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» رواه مسلم في "صحيحه" فيسن للمسلم صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان، تحصيلًا لهذا الأجر العظيم.
ورصدت الإفتاء 7 أمور تبطل الصوم، وهي أولًا: إن مَنْ أَكَلَ أو شَرِبَ متعمدًا في اليوم الذي يصومه أفطر بإجماع العلماء، ثانيًا: من مبطلات الصوم أيضا: الجماع عمدًا، ثالثًا تعمد القيء، رابعًا: كل ما يصل إلى الجوف من السوائل أو المواد الصلبة فهو مبطل للصوم، وإن اشترط الحنفية والمالكية في المواد الصلبة الاستقرار في الجوف واشترط المالكية أن يكون مطعومًا.
وتابعت: خامسًا أن الكحل إذا وُضِع نهارًا ووُجِد أثرُه أو طعمُه في الحلق أبطل الصوم عند بعض الأئمة، وعند أبي حنيفة والشافعي -رضي الله عنهما- أن الكحل لا يفطر حتى لو وُضِع في نهار الصوم، ويستدلان لمذهبهما بما رُوِيَ عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- من أنه كان يكتحل في رمضان، وهو المترجح عندنا.
حكم صيام الست من شوال قبل قضاء فوائت رمضانورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول صاحبه "ما حكم صيام الست من شوال وكيفية صيامها؟
وقالت دار الإفتاء المصرية، إن النبي سن صيام ستة أيام من شهر شوال، فقال في الحديث الشريف، : «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ».
وأوضحت، أنه لاحظ العلماء أنها تكون بالنسبة لرمضان مثل صلاة السنة البعدية مع الفريضة في الصلاة كما أن صيام شعبان مثل صلاة السنة القبلية مع الفريضة، وهذا يسدُّ الخلل الذي يقع في الفريضة، ويدل على قبول صيام رمضان إن شاء الله تعالى؛ لأن من علامة قبول الطاعة الطاعة بعدها، ويدل أيضًا على أن العبد لم يملَّ من الطاعة فبادر للصيام مرة أخرى بمجرد فطره يوم العيد، يوم الجائزة.
وذكرت أنه لا يشترط تتابعها، فيمكن توزيعها على شهر شوال في الإثنين والخميس أو في الأيام البيض وسط الشهر، وإن كانت المبادرة بها بعد العيد أفضل.
وقالت دار الإفتاء المصرية، إن استطاع المسلم قضاء ما عليه من رمضان مما أفطر فيه قبل صيامها فهو أفضل؛ لحديث: «دَيْنُ اللهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى» متفق عليه، ويمكن الجمع بين نية القضاء ونية صيام الأيام الستة عند علماء الشافعية، ويمكنه أن يصوم الأيام الستة في شوال ويؤخر القضاء بشرط الانتهاء من أيام القضاء قبل حلول رمضان التالي.
وتطرقت دار الإفتاء المصرية، إلى نية صيام الستة الأيام والتي يمكن إنشاؤها حتى دخول وقت الظهر من يومها ما لم يكن قد أتى بمفسدات للصوم، وهذا شأن صيام النافلة بعامة، بخلاف صيام الفريضة الذي يجب أن تكون نيته قبل الفجر.
وأضافت، أن صيام هذه الأيام سُنة عند كثير من العلماء، يحتسب فيها المسلم مع صيام أيام رمضان كأنه صام العام كله؛ حيث إنه بذلك يكون قد صام ستة وثلاثين يومًا والحسنة بعشر أمثالها أي ثلاثمائة وستين، وهي عدد أيام السنة.