قائمة سلع المقاطعة في اليمن تتمدّد رغم ضعف البدائل
تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT
(عدن الغد)العربي الجديد:
بعد مرور شهرين على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يواصل اليمنيون في مختلف المحافظات مقاطعة قائمة باتت طويلة جدا من المنتجات التابعة لشركات عالمية وبلدان دعمت أو أيدت الاحتلال، رغم شح المنتجات البديلة في الأسواق المحلية لهذا البلد الذي يعيش حرباً منذ نحو عشر سنوات ويستورد معظم احتياجاته من الخارج.
ولم تتوقف عملية المقاطعة في اليمن عند العزوف عن شراء البضائع الإسرائيلية ومنتجات البلدان والشركات العالمية الداعمة لإسرائيل والبحث عن منتجات بديلة في الأسواق اليمنية، بل ذهبت مكاتب الصناعة والتجارة في المحافظات الخاضعة لسيطرة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) لحظر دخول منتجات الشركات التجارية والعلامات والوكالات الأميركية والأجنبية الداعمة للكيان الإسرائيلي وشطبها ومنع الترويج لمنتجاتها.
ورافقت عملية المقاطعة حملات إلكترونية وميدانية متواصلة تضمنت نشر أسماء وصور المنتجات المستهدفة من المقاطعة وأخرى للتوعية حول أهميتها وأسماء وصور المنتجات البديلة، كما تلفت الأنظار إلى دور الشركات الصناعية المحلية في تغطية فجوة الاحتياج وطمأنة المستهلك اليمني والتقليل من مخاوفه.
ونشر ناشطون في شوارع العاصمة صنعاء ملصقات على جدران المراكز والمحال التجارية ووسائل المواصلات تضمنت المنتجات التي تجري مقاطعتها، والبديلة لها في حين شهدت محافظات أخرى خاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية تحركات مشابهة.
وتفاعل الكثيرون مع تلك التحركات وتداولوا تفاصيلها على نطاق واسع في منصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي كما استجاب لها الكثير من المواطنين وقرروا مواصلة عملية المقاطعة حتى إشعار آخر.
تحدث لـ"العربي الجديد" عدي الدخيني وهو ناشط من مدينة تعز وسط اليمن، بالقول: "المقاطعة واجب ديني من أجل أشقائنا في غزة وهناك تحركات مستمرة على مواقع التواصل الاجتماعي وأخرى تجري في الشوارع والأسواق والمدارس والجامعات الخاصة والحكومية وغيرها".
وتتضمن المنتجات التي قاطعها المجتمع اليمني قائمة طويلة من المشروبات الغازية والعصائر والأغذية والحلويات والشوكولاتة والأدوية ومستحضرات التجميل والأجهزة والمتطلبات المنزلية وغيرها.
وتسبب ذلك في ركود النشاط التجاري في المحلات والأسواق ما أضر بالتجار وزاد من مخاوفهم، وهو ما يلفت إليه التاجر فاروق حمود لـ"العربي الجديد"، بالقول إن "الإقبال قلّ بشكل ملحوظ على العديد من المنتجات ما قلل من العائدات".
ويشير ناشطون في تصريحات لـ"العربي الجديد" إلى أن هناك منتجات محلية لتغطية الاحتياج وشركات صناعية محلية يمكن الاعتماد على منتجاتها، كما لفتوا إلى وجود تطمينات رسمية من مكاتب التجارة والصناعة في المحافظات بهذا الخصوص.
ويذكر مواطنون يمنيون لـ"العربي الجديد" أن التزامهم بالمقاطعة كبير، معتبرين عدم المقاطعة تواطؤاً مع إسرائيل في أعمال قتل نساء وأطفال غزة وتدمير المساكن والأحياء السكنية والبنية التحتية في القطاع.
وتقول شيماء العريقي لـ"العربي الجديد": "بدأنا المقاطعة عندما عرفنا أن تلك الشركات تدعم وبقوة الكيان الإسرائيلي في حربه ضد الشعب الفلسطيني، ولذلك أوقفنا التعامل مع تلك المنتجات بما فيها مشروبا بيبسي وكوكاكولا وشوكولاتة كيندر والكثير من المنتجات".
وتشير العريقي إلى أن "هناك مقاطعة تامة للعديد من المنتجات وتوجها متزايدا نحو المنتجات المحلية. وهذا بدوره سيسهم في تشجيع شركات الصناعة المحلية وينعش حركة التصنيع ويوفر فرص عمل للعاطلين ويدفع بعجلة التنمية الاقتصادية نحو الأمام".
ويرتفع منسوب القناعة لدى المستهلك اليمني حول إمكانية مقاطعة تلك المنتجات في حين كانوا يرون في السابق أنه من الصعب الاستغناء عنها، حسب العريقي.
ويذكر الإعلامي عدي العوني لـ"العربي الجديد" أن المقاطعة مستمرة بالتزامن مع استمرار حملات التعبئة على مواقع التواصل الاجتماعي والمرافق العامة والخاصة للتوعية حول خطورة شراء منتجات الشركات والدول الداعمة لإسرائيل.
ويبدو أن المقاطعة بدأت تشكل الأسواق المحلية في اليمن من جديد عبر تغيير أنماط الاستهلاك وعدم انتظار وجود بدائل. ويأتي ذلك في وقت يواجه اليمن أزمات اقتصادية حادة أثرت سلبا على معيشة المواطنين وسط ارتفاع كبير في أسعار السلع.
وأورد تقرير سابق للبنك المركزي اليمني، أن التضخم المستورد، والذي يعتمد على السلع والخدمات المستوردة من الخارج، من العوامل الرئيسية التي أثرت سلباً على الأسعار، إلا أن العوامل الداخلية لعبت أيضاً دوراً في التأثير على الأوضاع التضخمية في البلاد.
وتكشف تقييمات الأمن الغذائي في حالات الطوارئ للأمم المتحدة عن تأثير تباطؤ النشاط الاقتصادي على مستوى الأسرة في اليمن في ظل معاناة معظم السكان من انخفاض كبير في مستويات المعيشة منذ بداية الصراع في البلاد عام 2015.
المصدر: عدن الغد
كلمات دلالية: العربی الجدید من المنتجات فی الیمن
إقرأ أيضاً:
معرض صنعاء الدولي للقهوة يتحول إلى قبلة لمتذوقي البن اليمني
يمانيون../
من قلب العاصمة صنعاء، تفوح رائحة القهوة اليمنية فتنسج في الأجواء سحراً يروي حكاية وطن تمتد جذورها إلى عمق التاريخ.
ومنذ انطلاق فعاليات معرض صنعاء الدولي للقهوة يوم الأحد الماضي، تحولت العاصمة صنعاء إلى قبلة لعشاق القهوة، والخبراء والمزارعين والمهتمين في رحلة تذوق فريدة يكتشفون خلالها أسرار البن اليمني الممتد من سفوح الجبال إلى فنجان يختزل في نكهته قروناً من الزراعة الحرفية والتقاليد العريقة.
المعرض الذي نظمته وزارة الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية، ممثلة بالمؤسسة العامة لتنمية وتسويق البن، على مدى خمسة أيام لم يقتصر فقط على عرض المنتجات، بل تضمن ورش عمل توعوية حول طرق الزراعة المستدامة، وتقنيات التحميص الحديثة، وأفضل الممارسات التسويقية لضمان وصول المنتج اليمني إلى الأسواق العالمية بأفضل صورة.
كلمات من قلب الحدث :
وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) رصدت في هذا الاستطلاع أصداء المعرض عبر لقاءات مع القائمين عليه، والشركات المشاركة، والأسر المنتجة، والزوار، الذين أجمعوا على أن هذا الحدث ليس مجرد معرض، بل احتفاءٌ بموروث خالد، وفرصة لإبراز جودة البن اليمني الذي ما يزال متربعاً على عرش الذائقة العالمية.
حيث يرى وزير الزراعة والثروة السمكية والموارد المائية الدكتور رضوان الرباعي، أن البن جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية والاقتصادية لليمن، وهو محصول نقدي استراتيجي لطالما ارتبط بتاريخ وحضارة هذا البلد العريق، فضلا عن تميزه بجودته العالية ونكهته الفريدة التي جعلته محط أنظار عشاق القهوة حول العالم.
وأشار إلى أن اليمن الموطن الأول لشجرة البن ومنها انتشرت إلى بقية أنحاء العالم، وهذا الارتباط التاريخي يجعل من البن رمزاً للهوية اليمنية ومصدر فخر لأبنائه.
وأوضح أن تنظيم المعارض الخاصة بالبن، وإعلان الثالث من مارس من كل عام يوماً وطنياً، وإنشاء المؤسسة العامة لتنمية وتسويق البن، وإصدار قرار منع استيراد البن الخارجي بكافة أنواعه وأشكاله، يأتي في سياق الدعم والاهتمام بهذا المحصول النقدي المهم.
فيما ذكر الرئيس التنفيذي للمؤسسة العامة لتنمية وتسويق البن مانع العسل، أن البن اليمني من أغلى أنواع البن في العالم، لأنه من الصنف العربي مقارنة بأنواع البن الأخرى التي من الصنف روبستا.
ونوه بمزايا البن اليمني ومنها نموه في مناطق جافة وتعرضه للشمس بصفة دائمة، ما يزيد من تركيز الأروما “الزيوت الطيارة” التي تعطيه نكهة مميزة، إلى جانب أن معاملات البن اليمني تجفّف تحت أشعة الشمس ويقشر يدوياً، كما ثبت أن البن اليمني به كل الجينات الوراثية، وهي جينات ليست موجودة في أي بن في العالم.
واعتبر العسل، معرض صنعاء الدولي للقهوة تظاهرة مهمة لرفع مستوى الوعي بأهمية زراعة البن وما يمتاز به من خصائص ومميزات فريدة.
في حين أشار المدير التنفيذي لفعاليات اليوم الوطني للبن اليمني للعام 2025م محمد القاسمي، إلى أن التوسع في المعرض هذا العام يعكس الاهتمام المتزايد بقطاع البن.
وبيَّن أن الهدف الرئيسي من المعرض دعم المزارعين من خلال تعزيز التسويق المحلي والعالمي، حيث يعتبر غياب التسويق العائق الأكبر أمام تحقيق المزارعين أرباح عادلة، مؤكداً أهمية دعم المزارعين وتزويدهم بالمعرفة والتقنيات الحديثة لضمان تحسين جودة البن المنتج.
من جانبه أفاد مدير معرض صنعاء الدولي للقهوة علي الهارب، بأن المعارض من أهم الفعاليات التسويقية والترويجية للمنتجات الزراعية، مبيناً أن عدد المشاركين في المعرض شهد ازدياداً ملحوظاً من 150 مشاركاً في المعارض السابقة إلى أكثر من 250 جهة من شركات وجمعيات ومؤسسات رسمية هذا العام.
ورأى أن المشاركة الواسعة في المعرض تعكس الاهتمام المتزايد بقطاع البن، حيث يسعى المعرض إلى تقديم صورة متكاملة عن هذا المنتج الفاخر، كما يعكس الوعي المتزايد بجودة البن اليمني وقدرته على المنافسة عالميًا.
ولفت إلى أن المعرض ضم أجنحة متعددة، منها الجناح التاريخي الذي يسرد حكاية البن اليمني منذ نشأته، وشركات وجهات متعددة شاركت بفاعلية، بالإضافة إلى ركن “أشبال البن اليمني”، الذي هدف إلى تعزيز ثقافة البن لدى الأطفال، ليكبروا وهم مدركين لأهمية المحصول الذي يعد جزءًا من هويتهم الوطنية، مشيراً إلى أن غرس هذه الثقافة في نفوس الأجيال الصاعدة سيسهم في الحفاظ على هذا الإرث الثمين وضمان استمراره عبر الزمن.
دعم الاستثمار:
أما رئيس قطاع المشاريع بالهيئة العامة للاستثمار المهندس محمد الفرزعي، فرأى أن المعرض أصبح ظاهرة سنوية تتطور في كل دورة، مشدداً على ضرورة التركيز على سلاسل قيمة البن، مثل التسويق، التعبئة، الإنتاج، التغليف، والبذور، بهدف التوسع في الإنتاج والتخفيف من تكاليفه ليصبح محصولاً منافس عالمياً.
وتوقع أن يكون للاستثمار في البنية التحتية لقطاع البن، أثراً كبيراً على الإنتاجية، موضحاً أن تعزيز تقنيات الزراعة الحديثة والاهتمام بجودة التربة والري يمكن أن يساهم في زيادة الإنتاج وتحسين جودته، داعياً إلى إنشاء مراكز متخصصة لدعم المزارعين وتقديم الإرشاد اللازم لهم.
من جهته أكد رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بأمانة العاصمة علي الهادي، ضرورة تسويق البن اليمني عالمياً، مبيناً أن الغرفة التجارية تدعم قطاع البن بجميع سلاسله الإنتاجية والتسويقية، معتبراً الاستثمار في قطاع البن فرصة اقتصادية واعدة، ويجب أن يكون أحد البدائل الاقتصادية المستدامة للقات.
هوية تتجدد:
في أروقة المعرض، لا تكتفي القهوة بأن تكون مشروباً، بل تتحول إلى تجربة حسية متكاملة؛ نكهتها الفريدة، أريجها الذي يعبق في الأجواء، وألوان الحبوب التي تحكي قصص الأرض والجهد والشغف، إنه احتفاء بالقهوة اليمنية، ذلك الإرث الذي يواصل تألقه رغم تعاقب الأزمان، مؤكداً أن لكل فنجان حكاية، ولكل حبة من البن مذاق من عبق الوطن.
في هذا السياق أكد رئيس اتحاد جمعيات منتجي البن محمد حسن، أن اليمن الموطن الأصلي للبن، وأن هذا المحصول يمثل جزءًا من الهوية اليمنية لأكثر من ألف عام، مبيناً أن المعرض فرصة ترويجية لتعريف العالم بجودة البن اليمني وتعزيز مكانته في الأسواق العالمية، داعياً إلى توفير المزيد من الدعم للمزارعين، ليتمكنوا من الاستمرار في إنتاج البن الفاخر الذي تشتهر به البلاد.
تجارب المشاركين:
من بين المشاركين في المعرض، تحدثت خلود القدسي من شركة أقيال البن اليمني عن أهمية توفير دعم للمزارعين في مجالات الإرشاد الزراعي والأسمدة وآلات الري، مما يساعد في رفع جودة الإنتاج، مؤكدة أن المعرض يعد فرصة مثالية لترويج البن اليمني محلياً وعالمياً.
أما فاطمة الشميري من مشروع كنزي، فقد شددت على أهمية هذه المعارض في تعريف المستهلكين المحليين والعالميين بالبن اليمني، مشيرة إلى ضرورة توفير المنتج بأسعار تنافسية لضمان استمرارية الطلب عليه.
بينما روى، جميل المسوري، صاحب مشروع “خذ لك بلدي”، تجربته في تأسيس مشروع لدعم أولاده من ذوي الإعاقة العقلية عبر تسويق المنتجات المحلية، ومنها البن، موضحاً أن مشروعه، الذي بدأ من المنزل، أصبح الآن يضم أكثر من 31 نقطة توزيع، ما يعكس الإقبال على المنتجات المحلية ذات الجودة العالية.
أصالة وتفرد:
الإقبال الكبير على المعرض يعكس مكانة اليمن كموطن أول للبن، حيث كانت موكا اسماً تتناقله الألسن في كل ركن من أركان العالم، شاهدة على مجد هذا المنتج الذي ظل رمزاً للأصالة والتفرد.
فقد عبر الإعلامي أحمد الجعماني أحد الزائرين للمعرض، عن إعجابه الكبير بتنوع المنتجات وأساليب التقديم المختلفة، معتبراً أن مثل هذه الفعاليات لا تعزز فقط الوعي بأهمية القهوة اليمنية، بل تخلق بيئة ثقافية ممتعة تجمع بين محبي القهوة والخبراء في هذا المجال.
ورأى أن استمرار إقامة هذه الفعاليات سيساهم في الترويج للبن اليمني بشكل أكبر، خاصة بين فئات الشباب الذين بدأوا يهتمون بالقهوة المختصة.
وبحسب الجعماني فإن البن اليمني يواجه منافسة شديدة في الأسواق العالمية، لكنه يتميز بجودته الفريدة ونكهته الغنية، ما يجعله مطلوباً لدى محبي القهوة المتخصصة، حاثاً على إقامة مثل هذه الفعاليات لتعزيز وعي المستهلكين المحليين والدوليين بأهمية دعم المنتج اليمني، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.
وأكد أن الطلب على القهوة اليمنية في ازدياد، لكن لا تزال هناك حاجة لتعزيز سلاسل الإمداد وتحسين طرق المعالجة والتسويق، موضحاً أن دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العاملة في هذا المجال، سيساهم بشكل كبير في تطوير الصناعة وزيادة فرص العمل للشباب اليمني.
الجودة والتسويق:
يرى سامي طاهر، صاحب شركة الطاهر لتصدير المنتجات اليمنية، أن معرض صنعاء الدولي للقهوة ليس مجرد فعالية تجارية، بل منصة فريدة لنقل التراث اليمني إلى الداخل والخارج، وتعريف العالم بجودة البن اليمني التي لطالما ميزته عبر العصور.
وأكد أن البن اليمني ليس مجرد محصول زراعي، بل موروث حضاري يعكس أصالة اليمن وثقافته المتجذرة منذ قرون، مبيناً أن البن اليمني كان لقرون طويلة واجهة اقتصادية رئيسية للبلاد، وكان يصدر إلى مختلف أنحاء العالم، ليصبح جزءاً لا يتجزأ من المشهد التجاري والاقتصادي للبلاد، ومع ذلك، يواجه اليوم تحديات كبيرة تتعلق بالتسويق، والجودة، والتصدير، مما يحتم وضع استراتيجيات حديثة للترويج لهذا المنتج الفاخر.
وبينما يشيد طاهر بجهود وزارة الزراعة والجهات الحكومية في تنظيم المعارض ودعم قطاع القهوة، فإنه يشدد على ضرورة مواصلة الجهود التسويقية وتوسيع نطاق الترويج للمنتج اليمني عالمياً.
وقال إن هناك تسهيلات حكومية واضحة، مثل منع استيراد البن الخارجي، وهو ما يشكل فرصة ذهبية لتعزيز الإنتاج المحلي، لكن على الشركات أن تستغل هذه الفرصة عبر تحسين جودة الإنتاج، وتعزيز القيمة المضافة للمنتج، وبناء علامات تجارية قوية تعكس تميز البن اليمني في الأسواق العالمية.
أما عادل رسام، الباحث في سلاسل قيمة القهوة، والمشرف على جناح البن الخولاني في المعرض، فيرى أن الحفاظ على جودة البن اليمني يتطلب جهوداً متكاملة تبدأ من المزرعة وتمتد حتى وصول المنتج إلى المستهلك. وقال: “جئنا اليوم للمشاركة في هذا العرس الكبير للبن، ولتمثيل البن الخولاني القادم من محافظة صعدة، وهو واحد من أشهر أنواع البن اليمني وأكثرها شهرة على الإطلاق”.
ووفق رسام فإن البن الخولاني يشكل ما بين 40-45% من إجمالي إنتاج البن اليمني، ويتم تصدير نحو 80% منه إلى الأسواق الخارجية، سيما إلى دول الخليج، حيث يحظى بسمعة ممتازة ونكهات فريدة، مؤكداً أن البن اليمني بمجمله يتمتع بجودة عالية، لكنه يحتاج إلى استراتيجيات تسويقية حديثة لتعزيز مكانته عالمياً.
وأفاد رسام بأن أحد أكبر التحديات التي تواجه البن اليمني هو الغش التجاري، الذي يؤثر على سمعته وجودته، موضحاً أنه في الماضي، كان التجار يوصلون البن بأمانة تامة، لكن مع غياب الرقابة الكافية، انتشرت بعض الممارسات التي تؤثر على جودة المنتج.
ونوه إلى أن هناك طرق علمية حديثة لضمان جودة البن، منها بناء شركات تصديرية متخصصة، وإطلاق علامات تجارية تلتزم بأعلى معايير الجودة، بدءًا من زراعة الأصناف الممتازة، مروراً بطرق الجني والتجفيف السليمة، وصولًا إلى التخزين والتعبئة والتصدير بطريقة احترافية.
وشدد رسام على ضرورة توفير أنظمة تتبع ومراقبة للجودة، تضمن حماية المنتج من التلاعب، إلى جانب تفعيل دور الجمعيات الزراعية والمؤسسات الرقابية لمنح شهادات جودة معترف بها دولياً، محذراً من أن أي رقابة يجب أن تكون بعيدة عن البيروقراطية والفساد، لأن السوق الحر والتنافسية هما السبيل الأمثل لتعزيز مكانة البن اليمني على المستوى العالمي.
تاريخ يتجدد:
بين أروقة المعرض، تعالت الأصوات المحبة لهذا الإرث، وتدفقت الآراء التي أكدت أن القهوة اليمنية ليست مجرد مشروب، بل هوية وتاريخ يتجدد مع كل فنجان.
محمد العمري، باحث ومؤرخ، أوضح أن هذا العام الثالث لمشاركة قسم المخطوطات والجناح التاريخي في المعرض، إلا أن كل عام يشهد تطوراً واضحاً، والهدف من ذلك إبراز أصالة البن اليمني، إذ يعود لليمنيين الفضل في اكتشاف هذه النبتة التي كانت تُستخدم كفاكهة، ثم تم تحويلها إلى مشروب.
وبيَّن أنها كانت في البداية محرمة لدى الفقهاء، حتى تمت المحاججة والإثبات بأن البن ليس مادة مسكرة، ومن ثم انطلقت رحلة البن من اليمن إلى العالم، مبيناً أن اليمن هو مصدر البن، وأن اليمنيين هم أول من زرعه واكتشفه، واستمروا على مدى قرون متربعين على عرش البن عالميًا.
وبحسب الباحث العمري فقد كانت هناك صراعات دولية بين هولندا والنمسا والعثمانيين، وقبلهم البرتغاليون، يتنافسون على المخا، وعلى هذا المشروب الذي ذاع صيته وملأ أرجاء العالم، وما يؤكد ذلك الوثائق التي تتضمن طلب البن من بعض الملوك، مثل طلب الملك الإنجليزي من السلطان العثماني في سنة 1791 ميلادي، حيث طلب هذه المادة التي تسعده، كما ورد طلب آخر من السلطان العثماني الذي حدد طلبه من بن بني مطر، وآنس، والحيمة، في إشارة إلى مكان تواجد مادة البن تحديدًا.
وقال العمري “إن هذه الوثائق والمخطوطات لديها نسخ أصلية موجودة في الأرشيف البريطاني، والألماني، والهولندي، وقد قمنا بجمعها لنظهر للعالم أجمع قصة البن واكتشافه وكيف صدّره اليمنيون إلى العالم”، لافتاً إلى أن توجه الدولة للاحتفاء بالبن، سيعيد اليمن إلى الصدارة كما كان سابقًا، و”موكا” أكبر دليل على أصالة البن اليمني.
واستنكر تصنيف بعض الدول الأخرى بأنها أصل القهوة العربية، دون الاستناد إلى أي مصادر تاريخية، قائلاً: “كل ما عليهم هو الذهاب إلى المتاحف العالمية، الألمانية والفرنسية وغيرها، وقراءة كتاب رحلة نيبور عام 1763”.. مضيفاً “كما أننا حصلنا هذا العام على وثيقة تاريخية يمكن أن نسميها ‘عصا موسى’ التي تلقف كل إفكهم، حيث يصل عمر هذه الوثيقة إلى 800 عام، وهي تحكي عن البن والقهوة اليمنية بالتفصيل، وأصلها موجود في الأرشيف البريطاني، حيث تم أخذها عام 1839، في محاولة لفقدان أهمية ميناء المخا، وما زال البحث جارياً عن وثائق أخرى”.
نافذة تسويقية:
ويصف الصحفي محمد حاتم معرض صنعاء الدولي للقهوة بنافذة تسويقية وحدثاً مهماً يعكس المكانة التاريخية والاقتصادية لمحصول البن اليمني، الذي ارتبط بتاريخ وهوية الشعب اليمني، معتبراً المعرض فرصة رائعة لتعريف العالم بجودة البن اليمني، وتعزيز الوعي بأهمية هذا المنتج الاستراتيجي، ودعم جهود تنميته وتسويقه محلياً ودولياً.
إن إقامة مثل هذه المهرجانات والمعارض تساهم بشكل كبير في الترويج للبن، وتخلق وعياً مجتمعياً بأهمية هذا المحصول، إلى جانب الإسهام في اجتماع المنتجين والمصنعين والمسوقين والمصدرين في مكان واحد، بالإضافة إلى تعزيز الهوية الزراعية لليمن، وهي كذلك منصة مهمة لتبادل الخبرات بين المختصين، وعقد الشراكات التي تسهم في تطوير القطاع الزراعي وتعزيز الاقتصاد الوطني.
مشاركة واسعة:
يفيد مطيع الحميدي أحد المشرفين على تنظيم المعرض بأن فعاليات وأنشطة المعرض حظيت بمشاركة واسعة من قبل المشاركين والزائرين، مبيناً أن الإقبال فاق التوقّعات، كون أبناء اليمن بطبيعتهم يتذوقون البُن.
وعبر عن تطلعه في استمرار مثل هذه المعارض بشكل منتظم، بما يعزز من ثقافة البن وإحياء تاريخه ورمزيته، واستعادة تراثه، ونشر ثقافة القهوة كهوية وحضارة للشعب اليمني.
وبهذا التنوع الكبير في وجهات النظر، يتضح أن القهوة اليمنية ليست مجرد منتج زراعي، بل هوية وطنية وإرث ثقافي واقتصادي يستحق الاهتمام، ومن خلال مثل هذه الفعاليات، يمكن تعزيز مكانة البن اليمني عالميًا، وإيجاد حلول للتحديات التي تواجه زراعته وإنتاجه، فكل فنجان من القهوة اليمنية يحمل في طياته قصة كفاح وإبداع، تُروى بفخر بين الأجيال، وتؤكد أن هذا المشروب سيظل جزءًا أصيلًا من حضارة وتراث اليمن العريق.
سبأ