اليمنيون يتدفّقون لزيارة «غالاكسي»: هكذا يُتضامن مع فلسطين في الحديدة
تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT
تحوّلت السفينة الإسرائيلية «غالاكسي ليدر» المحتجزة على السواحل اليمنية منذ 19 تشرين الثاني الماضي، إلى مزار يقصده المئات من اليمنيين من مختلف المحافظات، يومياً، للتعبير عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني. وعلى رغم أن السفينة ترسو على بعد أميال في المياه المحلية بالقرب من ميناء الصليف، وتُطبّق القوات البحرية وقوات خفر السواحل إجراءاتها الأمنية عليها، إلا أن تدفّق الآلاف من اليمنيين من صنعاء والمحافظات اليمنية الأخرى، لزيارتها، دفع السلطات إلى تنظيم العملية واستخدام قوارب صيد تقليدية خاصة في نقل الزائرين إلى السفينة العملاقة التي يتجاوز ارتفاعها 35 متراً ويبلغ طولها أكثر من 220 متراً، ويجري الدخول إليها من البحر عبر تسلّق سلالم متدلّية، وهو ما يجعل من الصعود مهمة شاقة ومكلّلة بالمخاطر.
ووفقاً لمنصة «بوليتيكو» الفيليبينية، فإن رئيس الفيليبين، فرديناند ماركوس الابن، يعمل مع عدد من الدول في المنطقة للإفراج عن طاقم السفينة الذي يضم 17 بحاراً فيليبينياً من بين إجمالي 25 فرداً. وتشير المنصة إلى أن الفيليبين ودولاً أخرى يحمل جنسياتها باقي أفراد الطاقم، سوف تشكل وفداً تفاوضياً رفيع المستوى للسفر إلى طهران لطلب مساعدتها في الإفراج عن البحّارة. ويقول مصدر حكومي في صنعاء، لـ«الأخبار»، إن أفراد الطاقم يتم التعامل معهم كضيوف، وليس كأسرى، مشيراً إلى أن السلطات منحتهم حق التواصل مع أهاليهم بشكل دائم لتطمينهم. ووفقاً لأكثر من مصدر في الحديدة، فإن هؤلاء نُقلوا منذ اليوم الأول إلى فنادق في المدينة، ووفّرت الجهات المعنية كلّ احتياجاتهم، وأصبح ظهورهم على مواقع التواصل الاجتماعي مألوفاً عند اليمنيين، بل إن عدداً منهم يشاركون في طقوس اليمنيين ويخزّنون القات، وفق ما سُجل في عدد من مشاهد الفيديو.
عدد من بحّارة السفينة يشاركون في طقوس اليمنيين ويخزّنون القات
وحتى الآن، لم يتم البت في مصير السفينة التي خالفت القوانين اليمنية وحاولت كسر الحظر الذي تفرضه صنعاء على السفن الإسرائيلية، إلا أن مصادر مقرّبة من حكومة الإنقاذ أكّدت أن السفينة ستكون تحت تصرف المقاومة الفلسطينية، وأي قرار بشأنها سيكون بالتنسيق مع حركتَي «حماس» و«الجهاد». ووفقاً لمصادر مطّلعة، فإن مالك السفينة، المتمثل في مجموعة «أنغر» الإسرائيلية، طالب شركة التأمين بتعويضات، كون «غالاكسي ليدر» مؤمّناً عليها بقيمة 65 مليون دولار.
وفي الوقت الذي اقترح فيه عدد من الناشطين على حكومة صنعاء تنظيم فعاليات تضامنية لصالح فلسطين داخل السفينة، وافتتاح معرض صور لكلّ جرائم العدو الإسرائيلي التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني، سمحت السلطات في الحديدة بتنظيم فعاليات خاصة بالقضية الفلسطينية وبعملية «طوفان الأقصى». وفي هذا الاتجاه، نظّم العشرات من خرّيجي جامعة الحديدة، الإثنين الماضي، حفل تخرّجهم على متن «غالاكسي ليدر»، وأطلقوا على دفعة الخرّيجين اسم «طوفان الأقصى». وفي تعليقه على ذلك، أكّد مصدر مقرب من السلطة المحلية في الحديدة، لـ«الأخبار»، أن المدينة تشهد موسماً سياحياً غير معتاد منذ احتجاز السفينة وسماح السلطات للمواطنين بزيارتها. وكانت ارتفعت الحجوزات في فنادق الحديدة، بالإضافة إلى انتعاش حركة النقل البري بينها وبين صنعاء والمحافظات الأخرى.
جريدة الأخبار
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: فی الحدیدة عدد من
إقرأ أيضاً:
القفز من السفينة الغارقة
«ربما تتفاجؤون لو أقول إنه لم يكن هناك نظام بأي مرحلة، لو كان هناك نظام لدافع عن نفسه، بل كان هناك منظومة فساد مافيوية رهنت مصالح البلاد لخدمة مآربها الشخصية، ولذلك سقطت بهذه السرعة». هكذا رَطَنَ بشار الجعفري سفير سوريا في موسكو في احتفالية السفارة بسقوط نظام حكم الرئيس السوري بشار الأسد، بعد ساعات فقط من سقوط الرئيس ولجوئه إلى روسيا! ولقد تفاجأنا بالفعل كما توقع الجعفري، ليس فقط لأنه كان جزءًا من هذا النظام الذي ينعته بالفساد، ولكن أيضًا لهذه السرعة القياسية التي غيّر فيها موقفه مائة وثمانين درجة.
عندما كان بشّار الجعفري مندوبَ سوريا الدائم في الأمم المتحدة عُرِفَ بدفاعه الشرس عن النظام السوري، وهجومه اللاذع على كل من ينتقد حكومة بلاده؛ فالمعارضة السورية ليست سوى «جماعات إرهابية»، والدول التي تطالب بشار الأسد بحماية شعبه هي دول متآمرة وراعية للإرهاب، والأمانة العامة للأمم المتحدة «منحازة للجماعات المسلحة» ضد حكومة بلاده، إلى آخر التُهم التي كان يطلقها في خطاباته النارية، وكانت هذه الخطابات تلقى ترحيبًا كبيرًا ليس فقط من نظام بلاده، بل من كثير من المثقفين العرب المؤيدين لما كان يسمى «محور الممانعة»، والمؤمنين بأن نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد هو «آخر حائط صدّ» في وجه الصهيونية العالمية. ولأنه أثبتَ إخلاصًا وولاء منقطعَيْ النظير للنظام السوري فقد اختاره هذا النظام ممثلًا له ليكون «كبير المفاوضين» باسمه للمعارضة السورية في مؤتمر جنيف 2 مطلع عام 2014، وفي جولات التفاوض اللاحقة به في عامَيْ 2015 و2016. باختصار كان بشار الجعفري المتحدث الرسمي باسم النظام السوري، وجزءًا لا يتجزأ من منظومة الفساد التي يتحدث عنها، ولا أدري كيف سوّلتْ له أفكاره أن ذاكرة الشعب السوري ضعيفة إلى هذه الدرجة.
قد يجد البعض العذر للجعفري بالقول إنه في حال سقوط الأنظمة الاستبدادية، غالبًا ما يسارع الموالون السابقون إلى القفز من السفينة الغارقة والتنصل من مواقفهم لتجنب المحاسبة القانونية أو الشعبية، أو لضمان سلامتهم الشخصية وسلامة عائلاتهم، أو الرغبة في أن يكون لهم دور في القيادة الجديدة للبلد. وهذا كله صحيح، لو أن الجعفري اكتفى بالاعتذار للشعب السوري، دون أن يدعي بطولة زائفة، فقد قال في الكلمة نفسها في سفارة سوريا في موسكو: «في الأمم المتحدة كنتُ ابتدعتُ كلمة بلادي ووطني ولم أكن أذكر النظام أو رأسه، لأن بلادنا هي التي تجمعنا، وكان يُوجَّه لي اللوم «من النظام المخلوع» على ذلك»!
قبل سقوط نظام البعث في سوريا بأكثر من عشرين عامًا سقط نظام البعث في العراق عام 2003، وأستدعيه الآن لأن الشيء بالشيء يُذكَر. فقد كان وزير الإعلام العراقي محمد سعيد الصحاف الناطقَ الرسمي باسم العراق خلال الحرب، ورغم انتشار أصوات إطلاق النار كان يدعي أن القوات الأمريكية محتَجَزة خارج بغداد من قبل القوات العراقية، وأن الجنود الأمريكيين كانوا يقتلون أنفسهم بالمئات، إلى آخر الأكاذيب التي انتشرت آنئذ، ثم صارت بعد ذلك مجال تندّر في العالم العربي. وحين سقط الرئيس صدام حسين، كان بإمكان الصحاف أن يركب الموجة ويدعي أنه كان مرغمًا على اقتراف تلك الأكاذيب، ويرمي الأمر على رئيسه، لكنه لم يفعل. وهكذا فعل طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية العراقي، الذي كان يُعرف في الغرب بالوجه الدبلوماسي لصدام حسين، ففي شهادته التي أدلى بها في محاكمة الرئيس العراقي رفض عزيز إدانته، بل كان يدافع عنه باستماتة، وهو ما تسبب له أن يقضي ما تبقى من عمره في السجن.
خلاصة القول إن بشار الجعفري الذي أرخ لسياسة بلاده في عدد من الكتب، لم يتعلم على ما يبدو درس التاريخ، وهو أن الشعوب، وإن أبدت تسامحًا مؤقتًا، لا تنسى بسهولة من أسهموا في معاناتها أو كانوا أدوات طيّعة في أيدي الأنظمة القمعية، وأن ما يميز المواقف هو الصدق والاعتراف بالمسؤولية، لا اختلاق البطولات الزائفة أو التنصل من المواقف السياسية المشينة، أو القفز من السفينة الغارقة في اللحظة الأخيرة.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني