لعل ما يطرح الاستفهام عن  هل النوم بعد الفجر حرام ؟ ، هو انتشار عادة السهر ومن ثم عدم القدرة على الاستمرار باليقظة إلى بعد الفجر وحتى الشروق، وحيث إن فضل الذكر في هذا الوقت عظيم ، فيما تفوت عليهم الظروف هذا الفضل، حيث ينامون بعد الفجر ، وهو ما يبين أهمية السؤال عن هل النوم بعد الفجر حرام ؟  ، وتزيد أهميته مع كثرة الوصايا الواردة بالكتاب العزيز والسنة النبوية الشريفة التي تشدد على ضرورة الحرص والمحافظة على الذكر بعد صلاة الفجر ، لذا ينبغي معرفة هل النوم بعد الفجر حرام ؟ أم أنه يضيع عليه الخير الكثير فقط بلا إثم،  فهذا الوقت المبارك بعده وحتى شروق الشمس لا يفوته لبيب.

هل النوم بعد الفجر حرام

قالت دار الإفتاء المصرية ، إن هناك حالة لا يُباح فيها للمسلم أن يعاود النوم بعد صلاة الفجر أو النوم بعد صلاة الصبح حاضرًا.

وأوضحت “ الإفتاء” في إجابتها عن سؤال: ( هل النوم بعد الفجر حرام ؟ )، أن نوم الصبحة أي النوم بعد صلاة الفجر مباح إلا إذا أدى إلى تضييع واجب، فالسعي إلى المعالي والمكارم دأب المثابرين، وعادة المجدين.

وتابعت : وكذلك ورد عن هل النوم بعد الفجر حرام  أو ما يعرف بنوم الصبحة؟ في الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني للنفراوي : وسئل مالك عن النوم بعد صلاة الصبح فقال ما أعلمه حراما نعم ورد أن الأرض عجت من نوم العلماء بالضحى مخافة الغفلة عليهم.

هل النوم بعد الفجر جائز

 لم يرد نص يمنع النوم بعد الفجر ، فهو باق على الأصل ( وهو الإباحة )، ولكن كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم إذا صلوا الفجر جلسوا في مصلاهم حتى تطلع الشمس ، كما ثبت في " صحيح مسلم 1/463 رقم 670 " من حديث سماك بن حرب قال : ( قلت لجابر بن سمرة أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ، كثيراً ، كان لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح - أو الغداة - حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت الشمس قام ؛ وكانوا يتحدثون ، فيأخذون في أمر الجاهلية ، فيضحكون ويتبسم .

وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يبارك لأمته في بكورها ، كما في حديث صخر الغامدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اللهم بارك لأمتي في بكورها ) قال : وكان إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم في أول النهار ، وكان صخرٌ رجلاً تاجراً ، وكان يبعث تجارته أول النهار ، فأثرى وأصاب مالاً . خرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه بإسناد فيه جهالة ، وجاء ما يشهد له من حديث علي وابن عمر وابن عباس وابن مسعود وغيرهم - رضي الله عنهم جميعاً - ومن هنا كره بعض السلف النوم بعد الفجر ، فقد أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه ( 5/222 رقم 25442 ) بإسناد صحيح عن عروة بن الزبير أنه قال : كان الزبير ينهى بنيه عن التصبح ( وهو النّوم  في الصّباح ) ،  قال عروة : إني لأسمع أن الرجل يتصبح فأزهد فيه .

وورد أن الخلاصة أن الأولى بالإنسان أن يقضي هذا الوقت فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة ، وإن نام فيه ليتقوى على عمله فلا بأس ، لا سيما إذا كان لا يتيسر له النوم في غير هذا الوقت من النهار ، وخرج ابن أبي شيبة في مصنفه ( 5/223 رقم 25454 ) من حديث أبي يزيد المديني قال : غدا عمر على صهيب فوجده متصبّحاً ، فقعد حتى استيقظ ، فقال صهيب : أمير المؤمنين قاعد على مقعدته ، وصهيب نائم متصبّح !! فقال له عمر : ما كنت أحب أن تدع نومة ترفق بك .

 النوم بعد الفجر مكروه 

ورد بالكتاب والسُنة النبوية الشريفة أن النوم بعد صلاة الصبح لا يحرم وتركه أفضل، بمعنى أن النوم في هذا الوقت أي النوم بعد صلاة الفجر أو النوم بعد صلاة الصبح حاضرًا هو جائز بمعنى أنه لا يأثم فاعله، ولو لم يكن محتاجا إليه.

و قد ذهب بعض أهل العلم إلى أن النوم بعد صلاة الفجر مكروه نظرا لما يترتب عليه من آثار صحية وغيرها، إلا إذا كان لحاجة، وعلى هذا، فإذا كان عدم النوم بعد صلاة الفجر يؤثر على الإنسان ويقلل نشاطه في عمله فلا حرج عليك في أن ينام فيه، وإن لم يؤثر عليه عدم النوم بعد صلاة الفجر فلا شك أن الأفضل أن يشتغل بالذكر أو القراءة في ذلك الوقت .

لماذا يجب عدم النوم بعد الفجر

 ورد أن الجلوس بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس وصلاة ركعتين ورد فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ » رواه الترمذي ، ومن فوائد عدم النوم بعد صلاة الفجر أنه علينا أن نعمل بالضرورة فى فضائل الأعمال، فعندما نعوّد أنفسنا عندما نصلى الفجر نجلس فى مصلانا نذكر الله حتى تطلع الشمس فجميل أن يفعل الإنسان ذلك. 

كما ورد أن وقت الفجر كله مبارك، وللوقت الذي يعقب صلاة الفجر تحديدًا فضل عظيم لمن يلتمس الخير من الله، وذلك بأن ينصرف العبد لذكر الله سبحانه وتعالى ، يُسبحه ويحمده، ويستغفره ويرجوه رزقًا وتوفيقًا؛ فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: «من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تَطلع الشمس، ثمّ صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة».

 فضل عدم النوم بعد الفجر 

 ورد في  فضل عدم النوم بعد الفجر ،  أن صاحبه : 

• له أجر الحجة والعمرة كما جاء في الحديث الشريف، ولكن دون أن تسقط الفريضة عن المقتدر.
• له أجرُ أن تصلي الملائكة عليه وتستغفر له، ما دام يصلي ويذكر الله بعد الفجر.
• له من خير الدنيا ونعيمها، وواسع رزقها .
• يضيف على صاحبه الغبطة والسرور.
• وما يفتح له الأبواب المغلقة.

 أفضل أذكار بعد صلاة الفجر 

ورد أن من أفضل أذكار بعد صلاة الفجر ما روى الترمذي ، وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في (صحيح الترغيب والترهيب) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  قال: من قال: دبر صلاة الفجر وهو ثانٍ رجليه قبل أن يتكلم-: لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له، لهُ المُلكُ، ولهُ الحمدُ، يُحيي ويميت وهو على كل شيءٍ قدير عشر مرات، كتب الله له عشر حسنات، ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكان يومه ذلك في حرز من كل مكروه، وحرس من الشيطان ولم ينبغ لذنب أن يدركه في ذلك اليوم؛ إلا الشرك بالله عز وجل .

وعن أفضل أذكار بعد صلاة الفجر روى أبو داود وابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بعد الفجر والمغرب: اللهم أجرني من النار . سبع مرات، كما جاء أن من أفضل أذكار بعد صلاة الفجر كذلك : اللهمَّ إني أسألكَ علمًا نافِعًا، وعملًا متقبلًا ورزقًا طيبًا(بَعْد السّلامِ من صَلاةِ الفَجْر)، وأيضًا :اللهم بكَ أحاول، وبكَ أصاول، وبك أقاتل (بعد صلاة الفجر).

 وجاء أن هناك أذكارًا تعادل الجلوس للذكر من بعد صلاة الفجر حتى الشروق، وهي الواردة عن النبي –صلى الله عليه وسلم- من أمثلته ترديد «سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته» ثلاث مرات بعد صلاة الفجر.

وأخرج صحيح مسلم في صحيحه عن ابن عباس- رضي الله عنهما- عن جويرية - رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح، وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى، وهي جالسة، فقال: «ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ » قالت: نعم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لقد قلت بعدك أربع كلمات، ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته».

الذكر بعد صلاة الفجر

 ورد أن الذكر بعد صلاة الفجر مستحب فهو عادة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أن يمكث في مصلّاه من بعد صلاة الصبح حتى شروق الشمس، وعلى ذلك اعتاد الصحابة والتابعون، وكانوا يُخصّصون هذا الوقت للذكر والدعاء، ويدخل في باب الذكر دعاء بعد صلاة الفجر وقراءة القرآن وأيّ أذكارٍ مشروعةٍ أخرى، وسواءً كان الجالس منفردًا أو مع جماعةٍ يذكرون الله تعالى، وفي دعاء بعد صلاة الفجر نصّ الإمام النووي -رحمه الله- على استحباب جلوس العبد هذا الوقت في مصلّاه للذكر والدعاء.

دعاء بعد الفجر 

 ورد عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- فضائل عدّةٌ للمكوث بعد صلاة الفجر مع ترديد بعض الأذكار، من أفضل ما يُقال بعد صلاة الفجر من الأذكار التي وردت فيها أحاديث نبويةٌ ما ورد أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان ذات مرّةٍ يغدو ويأتي بعد صلاة الفجر وزوجته جويرية -رضي الله عنها- ماكثةٌ تذكر الله -تعالى- حتى طلعت الشمس، فلمّا رآها رسول الله على هيئتها منذ صلاة الصبح قال لها: «لقَدْ قُلتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لو وُزِنَتْ بما قُلْتِ مُنْذُ اليَومِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ».

أدعية مستجابة بعد الفجر

1- « رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ».
2- « قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي* وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي».
3- « رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا».
4- «لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ».
5- « رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ».
6- « رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ».
7- « رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا».
8- « وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».
9- « رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ».
10- « رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ>
11- « رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ».
12- « رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ»
13- « رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ».
14- «رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا».
15- « رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ».

 

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي

المناطق_واس

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور ماهر المعيقلي المسلمين بتقوى الله وتدبر كتابه، واتباع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم.

 

أخبار قد تهمك أكثر من خمسة ملايين يؤدون الصلوات في المسجد النبوي خلال الأسبوع الماضي 4 يوليو 2024 - 12:08 مساءً خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي 28 يونيو 2024 - 1:50 مساءً

 

وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم في المسجد الحرام:” إن كلام الإنسان من عمله، الذي يحاسب عليه، إن كان خيراً فخير، وإن كان شراً فشر، فللكلمة أهمية عظيمة، يدخل بها المرء الإسلام، ويفرَّق بها بين الحلال والحرام، وبها يُرفع المرء لأعلى الدرجات، أو يهوي بها لأسفل الدركات، ففي صحيح البخاري، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ))، وبين سبحانه فضل الكلمة الطيبة، فقال: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾، ولا يصعد إلى الله تعالى، إلا ما يحب ويرضى، فلذا جاءت نصوص الكتاب والسنة، بحثّ المؤمن على مراقبة ما يتكلم به، فمن كان يؤمن باللَّه واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليصمت “.

 

 

وبين الشيخ ماهر المعيقلي أن كفّ اللسان عن المحرمات، طريق موصل إلى السلامة، وإلى رضوان الله والجنة، ففي سنن الترمذي: قال معاذ رضي الله عنه يا رسول الله: أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ، فذكر له صلى الله عليه وسلم أبواب الخير، ثم قال: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلَاْكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا نَبِيَّ اللهِ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ، قَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ))، فكم من إنسان تكلم بكلمة دون تفكر، أو إمعان نظر، فكانت سببًا للخسران والبوار، هوى بسببها في النار، أبعد مما بين المشرق والمغرب، فالعاقل اللبيب، من جعل على لسانه رقيباً، يكفه عن شهادة الزور والنميمة، والبهتان والغيبة، والكذب والازدراء، والسخرية والاستهزاء.

 

 

ولفت فضيلته النظر إلى أنه في غزوة تبوك، خرج أناس مع النبي صلى الله عليه وسلم، فتكلَّموا بكلمات زلّت بها ألسنتهم، فقالوا: “ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء، أرغب بطونًا، وأكذب ألسنًا، وأجبن عند اللقاء”، يعنون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاء الوحي من السماء، بخبر تلك المقالة السيئة، فقال سبحانه: ((وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ))، فجاء القوم يعتذرون، ويقولون يا رسول الله: إنما هي كلمات، نقطع بها عناء ومَشَقَّة الطرقات، والرسول صلى الله عليه وسلم، لا يلتفت إليهم، ولا يزيد عليهم، إلا أن يقول: ﴿أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾.

 

 

وشدد أمام وخطيب المسجد الحرام على أن كل كلمة يتلفظ بها المرء، مكتوبة عليه، ويكون لسانه يوم القيامة، إما شاهداً له أو عليه: ((يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ))، ولما كان اللسان بهذه المنزلة، عُدّ حبسه من أسباب النجاة يوم القيامة، ففي سنن الترمذي، قال عقبة بن عامر رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللهِ مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: ((أمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ))، ودعانا صلى الله عليه وسلم إلى عفة اللسان، والبعد عن السباب واللعان، فأفضل المسلمين، من سلم المسلمون من لسانه ويده، وضمن صلى الله عليه وسلم الجنة، لمن حفظ لسانه وفرجه، بل عَدَّ صلى الله عليه وسلم، الكلمة الطيبة صدقة، ومن الكلمات الطيبات، ذكر رب البريات، فالحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله، تملآن أو تملأ ما بين الأرض والسموات، وفي الصحيحين: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللهِ الْعَظِيمِ))، قال ابن القيم رحمه الله: “وإن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها، ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من كثرة ذكر الله وما اتصل به”.

 

 

وفي المدينة المنورة أوصى فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ أحمد بن طالب بن حميد المسلمين بتقوى الله وطاعته، قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ).

 

 

وقال فضيلته في خطبة الجمعة من المسجد النبوي: إن الله قد أعزنا بالإسلام، وأكرمنا بالإيمان، ورحمنا بنبيه عليه الصلاة والسلام، فهدانا به من الضلالة، وجمعنا به من الشتات، وألف بين قلوبنا ونصرنا على عدونا، ومكن لنا في البلاد، وجعلنا به إخواناً متحابين.

 

 

وأوضح أن النّعم لا تدوم إلا بحمد الله وشكره جل في علاه، والتوبة إلى الله من جميع الذنوب والمعاصي، قائلاً: احمدوا الله على هذه النعمة، واسألوه المزيد فيها، والشكر عليها، فإن الله قد صدقكم الوعد بالنصر على من خالفكم.

 

 

وحذر فضيلته، المسلمين من كثرة المعاصي والكفر بالنعمة، فقلّما كفر قوم بنعمة، ولم يتوبوا إلا سُلبوا عزهم، وسلط الله عليهم عدوهم، مبيناً أن من أفضل أنواع الذكر قول لا إله إلا الله، وقول سبحان الله وبحمده، فهي سبب في فتح أبواب الرزق للعبد، والابتعاد عن الشرك والكبر، مستشهداً بوصية نوح ـ عليه السلام ـ لابنه (إني موصيك بوصية، وقاصرها كي لا تنساها، أوصيك باثنتين، وأنهاك عن اثنتين: أما اللتان أوصيك بهما فيستبشر الله بهما وصالح خلقه، وهما يكثران الولوج على الله تعالى: أوصيك بلا إله إلا الله، فإن السماوات والأرض لو كانتا حلقة قصمتها، ولو كانتا في كفة وزنتها، وأوصيك بسبحان الله وبحمده، فإنهما صلاة الخلق، وبهما يرزق الخلق، قال تعالى (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)، وأما اللتان أنهاك عنهما، فيحجب الله منهما، وصالح خلقه، أنهاك عن الشرك والكبر).

 

 

وختم فضيلته الخطبة مبيناً أن أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرّم، وفيه اليوم العاشر الذي أنجى الله فيه كليمه موسى ـ عليه السلام ـ وقومه من فرعون وملئه، فصامه نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحث على صيامه فقال: (نحن أحق وأولى بموسى منكم)، وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ (احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله).

مقالات مشابهة

  • د. يوسف عامر يكتب: قصة مهاجرة
  • 6 أعمال احرص على فعلها قبل صلاة الفجر.. تغفر ذنوبك وتوسع رزقك
  • خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والمسجد النبوي
  • «الإفتاء» حكم الذكر جماعة وجهرا عقب صلاة العصر يوم الجمعة
  • سنن الجمعة المهجورة.. أعمال مستحبة لها فضل عظيم
  • فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
  • الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم..آداب يوم الجمعة
  • حدود التعامل بين الرجل والمرأة وضوابطه.. الإفتاء توضح
  • حكم قراءة القرآن من خلال مكبر الصوت قبل الأذان لصلاتي الفجر والجمعة
  • ما حكم قراءة بعض سور القرآن والدعاء بعد صلاة العشاء؟.. «الإفتاء» تجيب