في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي اجتاحت براغ احتجاجات شبابية واسعة.
كانت تشيكوسلوفاكيا آنذاك، خاضعة لهيمنة الاتحاد السوفيتي وفكره الاشتراكي وشعاراته الثورية التي رغم جاذبيتها وقوتها، لم تنجح في منع انقطاع الكهرباء عن الناس.
خرج طلاب جامعة براغ بتظاهرات عارمة أدت الى تغيير سكرتير الحزب الشيوعي وانتخاب سكرتير إصلاحي جديد قاد ما سمي آنذاك "ربيع براغ".
كان الشعار الذي رفعته مظاهرات شباب براغ ملهماً وعميقاً رغم أنه تألف من كلمتين فقط تطالبان ظاهراً بعودة الكهرباء، لكنهما وصفة للتغيير الشامل: نريد النور! لم يَرُق النور للسوڤييت وعَدّوه خدمة للامبريالية، فسحقوه بدباباتهم في عام 1968.
وهاهي قصة الخفافيش التي تكره النور تتكرر في أماكن أخرى، وبمسميات أخرى، وأزمنةً أخرى. وها هي إيران تحكم قبضتها على عواصم عربية مهمة دمشق - بيروت - بغداد - صنعاء، وتمتد أصابعها لقطاع غزة، فتصادر القرار الوطني وتحجب النور وتقطعه عن نسائم الحرية والعيش الكريم لشعوب هذه الدول التي أصبحت مرتهنة لقرارات الولي الفقيه.
في لبنان تقف الدولة والجيش عاجزين تماماً عن إحكام السيطرة على مساحة البلد الجغرافية في لحظة فارقة وصعبة، وقد تعود بنتائج كارثية على بلد منهك، ومنتهك في الوقت ذاته. وتفتقد الدولة أصعب وأهم القرارات التي يجب أن تتخذها وهو قرار الحرب والسلم، فأصبح البلد أسير قرار الوكيل الإيراني على الأرض اللبنانية، حزب الله، الذي بات خطراً على السلم الأهلي وعلى مستقبل لبنان كدولة قائمة إذ يقوده لمغامرات طائشة يُتخذ قرارها الطائش في طهران.
وفي استباحة واضحة للسيادة الوطنية اللبنانية أعلنت حركة حماس في لبنان عن تأسيس "طلائع طوفان الأقصى" ودعت الشباب الفلسطيني للالتحاق بها. وهذا انتهاك صارخ للقرار الوطني اللبناني وزيادة عدد الميليشيات العابثة على الأرض اللبنانية ميليشيا جديدة، والوكلاء للقوى الخارجية وكيلاً جديداً. وبالطبع اتخذت حماس هذا القرار بالتنسيق الكامل مع حزب الله، الذي يريد أن يوسع دائرة سيطرته لتشمل المخيمات الفلسطينية في لبنان، وبعثرة أوراق الأزمة السياسية والاجتماعية والطائفية والاقتصادية التي تعصف بلبنان.
تغول حزب الله في لبنان على ما يبدو مستمر ويتعمق، وها هي حركة حماس تسانده لتعقّد المشهد اللبناني أكثر فأكثر، وليصبح مصير هذا البلد الجميل في مهب الريح.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة غزة وإسرائيل فی لبنان
إقرأ أيضاً:
محمد أبو هاشم: الإمام أبو حنيفة وضع أساس الاجتهاد الفقهي الذي يسر على المسلمين
قال الدكتور محمد أبو هاشم، عضو المجلس الأعلى للطرق الصوفية، إن الإمام أبو حنيفة النعمان كان من أبرز الأئمة الذين أسسوا الاجتهاد الفقهي وساهموا في تيسير الفقه الإسلامي بما يتناسب مع واقع الناس وحياتهم اليومية.
وأوضح أبو هاشم، خلال تصريحات له، أن الإمام أبو حنيفة، ولد في الكوفة عام 80 هـ، ونشأ في بيئة علمية، حيث تتلمذ على يد كبار العلماء مثل عامر الشعبي ونافع مولى ابن عمر، حتى أصبح من أبرز فقهاء عصره، معتمدًا على الرأي والحجة في اجتهاداته.
ولفت إلى أن المذاهب الفقهية الأربعة لم تخلق دينًا جديدًا، بل اجتهد أصحابها في فهم النصوص الشرعية، مما يسر على المسلمين تطبيق الشريعة في حياتهم اليومية، مستشهدًا بحديث النبي ﷺ: "إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه."
واشار إلى بعض اجتهادات الإمام أبي حنيفة التي أثرت في حياتنا اليوم، مثل جواز الوضوء من الصنبور، وهو ما كان موضع خلاف عند ظهوره، حتى أقره الإمام أبو حنيفة، ومن هنا جاء اسم "الحنفية" المستخدم حتى اليوم.
وأكد أن المحاكم الشرعية في مصر تعتمد على مذهب الإمام أبي حنيفة في قضايا الزواج والطلاق، حيث اشترط أن يكون الشاهد مسلمًا فقط دون الدخول في تفصيلات العدالة التي قد تُعسر الأمر على الناس.
وبين أن الإمام أبو حنيفة توفي عام 150 هـ ودُفن في حي الأعظمية ببغداد، حيث ظل مذهبه من المذاهب المعتمدة لدى أهل السنة والجماعة، داعيًا الله أن يوفق المسلمين لما يحبه ويرضاه.
حفظ الإمام أبي حنيفة، القرآن الكريم في صغره، وحجّ البيت الحرام وهو ابن ستّ عشرة سنة مع أبيه، ويروى أنّ والده ثابت قد عاصر عليًّا بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- فدعا له بالخير ولذريّته كذلك، وقد أخذ العلم عن شيوخ بلغوا أربعة آلاف شيخ، منهم سبعة من الصحابة، وثلاثة وتسعون من التابعين، ومن بقي منهم من تابعي التابعين، وقد أخذ الفقه عن حمّاد بن أبي سلمة.
ومن شيوخه أيضًا عطاء بن أبي رباح والشعبي وعمرو بن دينار ومحمّد الباقر -والد الإمام جعفر الصادق- وابن شهاب الزُّهري، وأخذ عنه العلم خلق كُثُر منهم القاضي أبو يوسف ووكيع -شيخ الإمام الشافعي- وعبد الرزاق بن همام شيخ الإمام أحمد بن حنبل.
محنة الإمام أبي حنيفة
تعرّض الإمام أبو حنيفة النعمان لمحنة في عهد الدولة الأموية وأخرى في عهد دولة بني العباس، وقد عاصر الإمام الدولتين وكانت معظم حياته أيّام الأمويّين، ففي أيّام الأمويين طلب ابن هُبيرة -وكان والي الكوفة وقتها- من الإمام أبي حنيفة أن يتولى قضاء الكوفة، فرفض الإمام أبو حنيفة النعمان ذلك، فجلده ابن هبيرة مائةسوط ورفض الإمام ولم يلِن، فعندما رآه ابن هبيرة كذلك خلّى سبيله، ثمّ لمّا ولِيَ أبو جعفر المنصور خلافة العباسيين طلب من الإمام أبي حنيفة أن يكون قاضي القضاة، وهذا منصب له أوزار كثيرة كما يرى الإمام أبو حنيفة النعمان، فرفض ذلك، فأقسم المنصور أن يكون أبو حنيفة القاضي، وأقسم أبو حنيفة النعمان ألّا يستلم ذلك المنصب، فحبسه المنصور وأذاقه من الويلات في سجنه ما لا يحتمله من هو في ريعان الشباب بل أن يحتمله ابن السبعين عامًا، فتوفّي -رحمه الله- في سجنه، وكان ذلك سنة 150هـ بعد أن قضى حياته عابدًا صائمًا ساجدًا راكعًا وقد حجّ خمسًا وخمسين مرّةً، وكان يختم القرآن في كلّ يوم مرّة، وعندما مات صلّى عليه النّاس ستّ مرّات لشدّة ازدحامهم عليه.