المعقول واللاّ معقول في العلاقات الدبلوماسية (43) لندن (6)
تاريخ النشر: 7th, December 2023 GMT
????السفير عبد الله الأزرق يكتب:
????المعقول واللاّ معقول في العلاقات الدبلوماسية (43)
????لندن (6)
لا أذكر لندن إلّا وأذكر شخصياتٍ لها في النفسِ إيقاعٌ ووَقْعُ.
ولا أذكر لندن وأهل الخير فيها، إلّا ويبرز عمنا الشيخ دكتور إبراهيم الطيب الريح، طيب الله ثراه وجعل الفردوس الأعلى مثواه.
تخرج عم إبراهيم من كلية غوردون التذكارية عام 1943.
بدأ الشيخ الوقور دكتور إبراهيم حياته التجارية بالسودان، ثم انتقل إلى نيجيريا، حيث توسعت أعماله التجارية وتمددت لتشمل نيجيريا وبريطانيا.
وانتقل دكتور إبراهيم للإقامة بلندن عام 1963، وفيها أصبحت داره مزاراً ومحجةً لفضلاء السودانيين ونخبتهم المتعلمة، فتجد فيها عبد الله الطيب والطيب صالح، ومن إليهم من المهذبين المتعلمين.
ولكن مقامه في لندن لم يقطع صلته بنيجيريا، فأنشأ فيها معهد اللغة العربية للناطقين بغيرها، وتخرج منه الألوف.
وفي لندن كان الشيخ الدكتور إبراهيم ينفق على كل ذي حاجة نفقة من لا يخشى فقراً؛ وأسس منظمة خيرية للرعاية الطبية في السودان.
فكان يرسل قافلة طبية كل ستة أشهر لولاية سودانية. وكانت القافلة تتكون من كل التخصصات الطبية والكوادر الطبية المساعدة والاحتياجات الطبية اللازمة.. ينفق على كل احتياجاتها وتذاكرها من حر ماله.
ولم يكن بالسفارة بند مالياً لمقابلة الحالات الإنسانية والطارئة.
وكنت أتصل به؛ فيقول لي: لا تذكر لي اسم المحتاج، فقط قل لي كم هو المبلغ المطلوب!!! نعم هكذا كان الرجل.
ومن الشخصيات التي أعانت السودان: السيد ديفيد وولتون David Wolton مدير برنامج متطوعي السودان Sudan Volunteer Pragramme (SVP) الذي تأسس عام 1997، وكان يرأس مجلس أمنائه الأستاذ أحمد بدري.
يطّلعُ هذا البرنامج بدور عظيم، إذ يرسل متطوعين إنجليز لتدريس اللغة الإنجليزية بالسودان في الكليات والثانويات.
وحين علمت بالبرنامج من السيد وولتون أعنته بإعفاء كل المتطوعين الذاهبين للسودان من رسوم التأشيرة؛ كما كنت أقنع ذويهم الخائفين من ذهاب أبنائهم للسودان، وأطمئنهم على الأمان والسلام في المناطق التي سيدرّسون فيها.
وخلال فترة عملي والمؤازرة التي قدمتها للبرنامج تضاعف عدد المتطوعين الإنجليز الذين ذهبوا للعمل بالسودان.
وحقيقةً عمل الأستاذ سيف حاج الصافي، وبروفسور محمد التوم ودكتور بدر الدين عمر في إنجاح التجربة.
وكان الأستاذ سيف حاج الصافي يستضيف ديفيد وولتون في منزله العامر عند ذهابه للسودان لتفقد المتطوعين.
وسيبقى في الذهن من نجوم السودان اللامعة ببريطانيا الطبيب بروفسر عبد الجليل علي رئيس (منظمة سلامات الطبية) الذي ينظم حملات طبية تجوب ولايات السودان وتقدم الخدمات الطبية كافة وفي كل التخصصات مجاناً لأهلنا؛ ويعينه الجراح دكتور العماس ودكتور سليم بابكر، وكوكبة نيرة من أطباء سودانيين وغير سودانيين.
وكان لبروفسور عبد الجليل علي، الفضل في تأسيس وحدة غسيل الكلى بمستشفى مدني، التي أصبحت مستشفى بحاله فيما بعد.
وكنت أعفي هؤلاء، بل كل ذاهب متطوع لعمل خيري بالسودان من رسوم التأشيرة ونمنحهم تأشيرة إكرامية Gratis، وهذه من صلاحيات السفير. ونسرّع لهم إجراءات منحها.
وترك هذا أثراً طيباً لدى كل الأجانب خاصة، وكتب لي بعضهم معبرين عن مشاعر تجيش طيباً.
وفي السودان لقيَ المتطوعون للإنجليزية حفاوةً وترحيباً ضاعف من تقديرهم وحبهم للسودان، وشجع البعض على التطوع أكثر من مرة. وكذلك كان يفعل الأطباء غير السودانيين في منظمة بروفسر عبدالجليل
حدثني عم إبراهيم أنه حين ابتدر إرسال الحملات الطبية للسودان، اتصل بنقابة الأطباء السودانيين ببريطانيا، آملاً في حشد جهودها معه للعلاج المجاني لأهلنا بالسودان.
وقال: إنه صدم حين رفضوا، مدَّعين أنه بمبادرته تلك يساعد حكومة الإسلاميين!!!
ولم تكن النقابة سعيدة بعمل (منظمة سلامات) ولم تتعاون معها.
هذا في حين أنها كانت ترسل حملات وسيارات إسعاف لمناطق سيطرة جون قرنق، وتسميها في نشراتها (المناطق المحررة)!!!
وظلت النقابة تحت سيطرة الشيوعيين منذ 1989.
وفي بداية عملي بلندن حضرت اجتماع جمعيتها العمومية، وتحدثت فيه.
ولكن الذي أثار دهشتي أن عدد الحضور لم يتجاوز ستين طبيباً؛ في حين أن ببريطانيا بضعة آلاف من الأطباء السودانيين!!
وكان هذا، فيما علمت، هو متوسط الحضور في كل اجتماعاتها الراتبة التي تختار قياداتها، ورغم ذلك تسمى نفسها (النقابة الشرعية)!!!
وكانت تركز على العمل السياسي المعارض – وليس الخدمات الطبية – ودعم حركة التمرد.
وكان واضحاً عزوف الأطباء السودانيين عنها؛ علماً بأن ترتيبهم من حيث العدد كان الثالث عربياً بعد المصريين والعراقيين.
عُرِف عن المرحوم رفيق الحريري، رجل الأعمال ورئيس وزراء لبنان الأسبق، أنه أتاح ألوف المنح الجامعية للبنانيين، حَسّنت حياة ألوف الأسر اللبنانية.
وكنت آمل أن ألتقي المليونير السوداني محمد فتحي إبراهيم الشهير بـ “مو” إبراهيم.
وكان في ذهني أن أقترح عليه تبني برنامج لاستقدام النابهين من أبنائنا بمنح للدراسة في الجامعات الغربية.
وكنت أفكر في أن اقترح عليه بناء مدينة طبية بالسودان؛ لعلاج أهلنا الذين كانوا يُنفقون أكثر من 700 مليون دولار للعلاج بالخارج كل عام ذلك الوقت.
لكن كل من استشرته صدَّني عن أن أسعى إليه بهذا المسعى؛ وأقنعوني أنه لا يختلف عن نقابة الأطباء ببريطانيا؛ وأنه يخلط بين معارضته لنظام سياسي والعمل على ما ينفع الناس.
وهذه سانحة لنذكر بالخير أم أبنائه التي أقامت أول مستشفى لعلاج سرطان الثدي بالسودان.
اتصل بي مرة خالي عمر البشير الأزرق، وهو رجل خير وبِرْ، تنفق يمينه ما لا تعلم شماله؛ وأفادني أن شاباً من أسرة محترمة شهيرة لها علائق وشيجة بأهلنا مجاذيب الصوفي الأزرق؛ انقطعت صلته بأهله أربعة عشر عاماً، وأنه مقيم ببريطانيا، وأن والديه الكبيرين اشتاقا له، وزودني برقم هاتفه طالباً مني أن أسهل رجوعه للسودان.
اتصلت بالشاب وعرفته بنفسي، وسألته عن سبب تأخره كل هذه المدة عن والديه؛ فقال لي: إنه من دارفور وأنه حصل على اللجوء بتلك الصفة.
قال لي هذا وأنا أعرف أهله جيداً وأعلم أنه لا يوجد واحد منهم غربي النيل الأبيض، دع عنك دارفور!!!
وكان ساسة سودانيون كبار يقيمون ببريطانيا ومعروفون جدا، يشاركون في التوصية بمعلومات كاذبة لطلاب اللجوء؛ وفيهم من استوزر في زمن الإنقاذ، حتى إذا ما فقد المنصب عاد لبريطانيا لممارسة ضلاله القديم.
وبهذا التزوير جرى تجنيس ابن الأديب المرحوم دكتور محمد عبد الحي (والدته عائشة موسى عضو مجلس السيادة فيما بعد) على أساس أنه هدندوي وعضو في حركة معارضة للإنقاذ في مدينة كسلا.
وكذلك فعل ابن نعمات مالك زوجة عبد الخالق محجوب من زوجها الأول.
وقال: إنه من دارفور وإنه فوراوي من مدينة الفاشر، وعضو في حركة عبد الواحد محمد نور، وإن أسرته نزحت جراء بطش حكومة الإسلاميين المتطرفين في السودان.
كانت هذه مجرد نماذج.
وهكذا كانوا يفعلون، غير آبهين بما يصيب صورة الوطن وسمعته.
ومن أراد الاستزادة فعليه بدكتور صلاح البندر، فليس هناك من هو أكثر منه تحقيقاً وتوثيقاً.
????السفير عبد الله الأزرق
————————————
6 ديسمبر 2023
المصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: دکتور إبراهیم
إقرأ أيضاً:
الاتحاد الأفريقي يحذر: الوضع الإنساني بالسودان خطير ويستدعي تحركاً عاجلا
أديس أبابا، أكد مفوض الاتحاد الأفريقي للسلم والأمن بانكول أدوي أن السودان يحتل المرتبة الأولى في خارطة الطريق التي وضعها الاتحاد لحل النزاعات في أفريقيا، مشيرا إلى أن الاتحاد الأفريقي يمارس ضغوطاً على جميع الأطراف المتنازعة في السودان، من أجل وقف إطلاق النار، مبينا أن الوضع الإنساني في السودان بات خطيرا، مما يستدعي تحركاً عاجلاً من جميع الأطراف المعنية.
وفي مؤتمر صحافي عقده الأربعاء حول الصراعات في أفريقيا، أوضح بانكول أن الدول المجاورة للسودان تعاني من تداعيات الصراع، حيث تستقبل أعداداً كبيرة من اللاجئين، داعيا إلى تعزيز التعاون الإقليمي لتقديم الدعم اللازم للمتضررين ، مؤكداً أن وقف إطلاق النار سيساهم في تخفيف هذه الأعباء.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2بوتين يهدد بالحرب النووية والأميركيون يكتفون "بالتثاؤب"list 2 of 2الصين تتوسع في أفريقيا وهذه الشبكة المعقدة من الشركات تحمي نفوذهاend of listوشدد مفوض السلم والأمن الأفريقي، على أهمية إشراك جميع الأطراف السودانية، بما في ذلك المدنيين والطبقة السياسية، في عملية الحل الشامل للأزمة السودانية، مشيرا أن الحل العسكري للنزاع ليس كافياً، بل يجب أن يقترن بحوار سياسي شامل ، يهدف إلى استعادة الديمقراطية الدستورية في السودان، وأضاف أن الاتحاد الأفريقي يولي أهمية كبيرة لقيادة السودانيين أنفسهم لعملية الحوار، مؤكداً على الدور المحوري للشعب السوداني في تحديد مستقبله.
لاجئون سوادنيون في دارفور (رويترز)و أكد مفوض السلم والأمن الأفريقي على أهمية معالجة القضايا الجذرية التي أدت إلى الأزمة في السودان، مشيرا إلى أن جهود الاتحاد الأفريقي تركز على سد الفجوة بين المركز والأطراف، وتمكين الفئات المهمشة، وضمان عدم وقوع تطهير عرقي، مشددا على ضرورة بناء الثقة بين الأطراف السودانية المختلفة وأن هذا الأمر يعد شرطاً أساسياً لتحقيق المصالحة الوطنية وإرساء دعائم السلام والاستقرار في البلاد.
و حذر مفوض السلم والأمن الأفريقي من التدخلات الخارجية في الأزمة السودانية، مؤكداً أنها تعقد الجهود المبذولة لحل الأزمة، داعيا إلى ضرورة إعطاء الأولوية للحلول الأفريقية، معرباً عن أمله في أن تساهم الجهود المشتركة مع منظمة إيغاد في تحقيق تقدم ملموس.
وكشف مفوض السلم والأمن الأفريقي، أنه خلال زيارته لبورتسودان الشهر الماضي رفقة وفد مجلس السلم والأمن الأفريقي، وضع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان شرطًا أساسيًا لوقف إطلاق النار فورًا، وهو أن تقوم قوات الدعم السريع بإخلاء جميع الممتلكات المدنية في الخرطوم وخارجها، مشيرا إلى أن البرهان شدد على أهمية الاتفاق الذي وقع في السعودية معتبراً أنه يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في تحقيق وقف دائم لإطلاق النار إذا تم تفعيله.
وحول الانتقال السياسي، أشار المفوض إلى إن البرهان أكد لهم أنه عند وقف إطلاق النار الشامل والمراقب بفعالية ، سيكون ذلك بمثابة بداية لإعادة عملية الانتقال السياسي إلى النظام الدستوري، وأكد المسؤول الأفريقي أن الاتحاد يعمل جاهدًا لضمان التزام الطرفين وحلفائهما بوقف القتال، مشيرا إلى أنه إذا تحقق ذلك، سيتولى مجلس السلام والأمن الأفريقي نشر بعثة لمراقبة لتنفيذ هذه الخطوات.