أولت دولة الإمارات ملف الأمن الغذائي أولوية قصوى؛ حيث ركزت من خلال استراتيجياتها الاستباقية على تعزيز قدرات مواجهة التحديات التي تفرضها المتغيرات العالمية التي تُلقي بثقلها على استمرارية سلاسل الغذاء العالمية، ومعدلات توافر الغذاء.

وشكّلت زراعة القمح في الإمارات أحد الروافد الاستراتيجية في منظومة تعزيز الأمن الغذائي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه الحبوب؛ حيث عملت الدولة على توظيف الإمكانات والموارد، لتوفير المحاصيل العضوية والغذائية الآمنة إلى جانب تبني أفضل الأساليب الزراعية الفاعلة في مجال إنتاج أنواع الحبوب المختلفة ذات الجودة العالية، لا سيما القمح.

وتسلط حملة “استدامة وطنية” التي تم إطلاقها تزامناً مع الاستعدادات لمؤتمر “COP28” الذي تستضيفه الدولة خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الجاري في “مدينة إكسبو دبي”، الضوء على التأثير الإيجابي لمبادرات الاستدامة في الدولة.

وتنسجم مبادرة دولة الإمارات لزراعة القمح مع محور الأثر ضمن حملة استدامة، التي تم إطلاقها مؤخراً؛ إذ يستعرض هذا المحور النتائج والتأثير الإيجابي لمبادرات الاستدامة الإماراتية في المجالات المختلفة، بينما تهدف الحملة إلى نشر السلوكيات الإيجابية نحو البيئة، وتعزيز الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية، وتشجيع المشاركة المجتمعية.

 

200 مزرعة

وتعد “قمح الإمارات” إحدى المبادرات الرائدة في مجال الزراعة، وقد بدأت في عام 2017، بمجهود فردي تطوعي لمزارعين إماراتيين، لا يزيد عددهم على 16 مزارعاً، ثم انتشرت خلال الأعوام الماضية حتى أصبحت تضم الآن نحو 200 مزرعة، تنتج أكثر من 80 طناً من القمح سنوياً على مستوى الدولة خلال موسم الحصاد.

وقد أثبتت التجربة نجاح إمكانية زراعة القمح خلال الفترة من نوفمبر إلى مارس من كل عام؛ بحيث تتم عملية الري من 3 إلى 4 مرات أسبوعياً، مما يرشّد استهلاك المياه. ويحرص المشاركون في المبادرة على حضور اجتماعات دورية، لتبادل الخبرات والإرشادات، والاطلاع على أبرز الأهداف من أجل الوصول إلى أفضل الأساليب والطرق التي تزيد إنتاج القمح، وتُعرف الناس إلى أجود ما تم التوصل إليه من بذور خلال المواسم السابقة.

ويتولى المشاركون في المبادرة كذلك، توزيع حبوب القمح على المزارعين بشكل مجاني من أجل تشجيعهم على الإسهام في تحقيق الاكتفاء الذاتي للدولة، وإنتاج محاصيل تسهم في زيادة الإنتاج الزراعي في الدولة، كما تسهم المبادرة في توفير آلات حصاد القمح في مختلف إمارات الدولة من أجل التسهيل على المزارعين، ومساعدتهم في حصاد الحبوب بشكل سريع وصحي، والاستفادة من حصاد سنابل القمح في كل عام.

 

سبع سنابل

وفي مارس 2022 أطلقت إمارة الشارقة مشروع مزرعة القمح بمنطقة مليحة؛ حيث يتضمن المشروع 3 مراحل؛ تمتد الأولى على مساحة 400 هكتار، ووجه صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، بدمج المرحلتين الثانية والثالثة من مشروع قمح الشارقة في مرحلة واحدة، تضم 37 محوراً على مساحة مزروعة تصل إلى 1400 هكتار؛ وذلك لإنتاج أكبر كمية من القمح؛ لتلبية احتياجات السوق.

وتم نثر بذور المرحلة الأولى في نهاية نوفمبر 2022، وجاء حصادها بعد 4 أشهر وتحديداً في مارس 2023، لتنتج الشارقة واحداً من أجود أنواع القمح في العالم؛ لاحتوائه على أعلى نسبة من البروتين، وخلوه من أي مواد كيميائية أو أسمدة وغيرها من المواد الضارة بصحة الإنسان.

وحصل دقيق “سبع سنابل” على خمس شهادات، معتمدة في الجودة والسلامة؛ منها: شهادة “الهاسب” لاستيفائه شروط الزراعة الآمنة والنظيفة، وشهادة “عضوي” لتطبيق اشتراطات الزراعة العضوية، وشهادة “NON GMO “؛ وهي اعتراف بعدم استخدام البذور المعدلة وراثياً، وكذلك أول منتج وطني يحصل على علامة “صنع في الإمارات”، باعتباره مستوفياً لمعايير الجودة والسلامة ومطابقته للمواصفات القياسية المعمول بها في دولة الإمارات، ما يعزز ثقة المستهلكين، ويدعم تنافسيته في الأسواق.

وسيتم خلال الموسم المقبل البدء بدراسة انتخاب سلالة قمح جديدة تحت مسمى “الشارقة 1” بحيث تكون هذه السلالة أكثر تحملاً لحرارة الجو، وأقل استهلاكاً للمياه، وأكثر إنتاجية وأغنى من ناحية القيمة الغذائية، وبعد اكتمال مراحل مشروع مزرعة القمح يتوقع أن تصل الطاقة الإنتاجية للمزرعة إلى ألف طن سنوياً تقريباً.

 

ري بالذكاء الاصطناعي

وتضم مزرعة القمح في الشارقة محطة لتجميع مياه الري بمواصفات فنية عالية تعمل على تغذية خطوط الري بشكل رئيسي عبر 6 مضخات سحب كبيرة بطاقة تصل إلى 60 ألف متر مكعب من المياه على مدار ساعات اليوم، ويتم نقل المياه من محطة حمدة على خط ناقل طوله 13 كيلومتراً وصولاً إلى المزرعة.

وتقوم عملية الري على استخدام التقنيات الحديثة كالذكاء الاصطناعي في تطوير العملية والتحكم فيها عبر بث معلومات حول الطقس والتربة إلى المركز الرئيسي لعمليات الزراعة؛ لضبط وتنظيم معدل استهلاك المياه.

وتم توظيف الذكاء الاصطناعي في هذا المشروع من خلال استخدام تقنية فيزيائية تمثلت في وضع مجسات في التربة مرتبطة بمحطة أرصاد وغرفة تحكم تشير إلى كفاية الري، وباتباع هذه التقنيات تم توفير 40% إلى 45% من المياه اللازمة للزراعة، كما تم استخدام تقنية التصوير الحراري والاستشعار عن بُعد بواسطة الأقمار الصناعية التي تقدم معلومات يومية عن حالة التربة وصحة النبات.

 

توزيع بذور أصيلة

ودشنت دائرة الزراعة والثروة الحيوانية في الشارقة خلال العامين الماضي والحالي، مبادرة توزيع بذور القمح الأصيلة على المزارعين المواطنين؛ بهدف دعم زراعة السلع الاستراتيجية بالدولة؛ وتعزيز منظومة الأمن الغذائي؛ وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب وبخاصة القمح، كما أنجزت في أكتوبر الماضي تنفيذ المرحلة الثانية، وتم توزيع قرابة 3 أطنان من بذور قمح الخبز صنف (يوكورا روجو) الذي يعد من أهم وأجود أصناف القمح الحمراء التي تتميز بالنقاوة العالية، وقصر فترة الإنبات، والخلو من الأمراض الفطرية.

وتصاحب مبادرة توزيع البذور حملات تثقيفية وتوعوية للمزارعين حول أفضل الممارسات العالمية المطبقة في أساليب الزراعة المُثلى لبذور القمح؛ لضمان حصد أفضل المحاصيل.وام


المصدر: جريدة الوطن

إقرأ أيضاً:

أستاذ زراعة: تطوير شبه جزيرة سيناء من أبرز محاور الاستراتيجية الزراعية 2030

قال الدكتور زكريا فؤاد، أستاذ الزراعة، إن تطوير شبه جزيرة سيناء يُعتبر من أبرز محاور الاستراتيجية الزراعية لعام 2030، إذ تحرص الدولة المصرية وقيادتها الحكيمة على توسيع المساحات الزراعية في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك منطقة شبه جزيرة سيناء.

وأضاف «فؤاد»، خلال مداخلة عبر شاشة قناة «القاهرة الإخبارية»، أن التنمية الزراعية المستدامة شهدت خلال العقد الماضي طفرة ملحوظة، وجرى التوسع الأفقي من خلال استصلاح أراضٍ جديدة وإضافتها إلى الرقعة الزراعية في شمال وسط سيناء، بالإضافة إلى التنمية الرأسية التي تركزت على زيادة الإنتاجية الزراعية في نفس المساحة.

وأكد «فؤاد»، أن الهدف العام هو تحقيق التنمية الزراعية ليس فقط للحاضر، بل في إطار رؤية مستقبلية لضمان استدامة هذه التنمية لذا بذلت الدولة جهودًا كبيرة من خلال جميع مؤسساتها لتوفير مياه الري اللازمة لزراعة هذه الأراضي الجديدة، وتعزيز الإنتاجية في نفس المساحة، وزراعة المحاصيل الاستراتيجية والخضروات والفواكه، بهدف تحقيق الأمن الغذائي للأسرة المصرية.

في الماضي كان ينظر للتنمية على أنها التنمية الاقتصادية فقط؛ ولكن التنمية المستدامة لا بد أن تشمل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، فكان توفير بنية أساسية حقيقية لهذه المشروعات الزراعية وجعل التنمية المستدامة في بؤرة الاهتمام مؤشرا على استمرار التنمية في كل النواحي.

مقالات مشابهة

  • تهنئة لرئيس الدولة وحاكم الشارقة من ولي عهد الشارقة بفوز فريق كرة اليد بنادي الشارقة بالبطولة الآسيوية
  • اﻟﻮﻓﺪ« ﺑﻴﻦ اﻟﻤﺰارﻋﻴﻦ ﻓﻰ ﻗﺮى »اﻟﺒﺤﻴﺮة
  • «التين الإماراتي».. شغف الزراعة المستدامة
  • مريم المهيري تؤكد ريادة الإمارات العالمية في الأمن الغذائي
  • أستاذ زراعة: تطوير شبه جزيرة سيناء من أبرز محاور الاستراتيجية الزراعية 2030
  • وزارة الزراعة.. ركيزة أساسية لتحقيق الأمن الغذائي في مصر
  • زراعة محصول القمح بـ"السطارة" بالبحيرة.. المزراعون: توفر التقاوي وتساهم في زيادة الإنتاجية
  • «زراعة أسوان»: نسعى لتحقق المعادلة الصعبة لزراعة 305 آلاف فدان من القمح
  • الزراعة: إنشاء مركز عالمي لتخزين الحبوب يأتي ضمن اهتمام الدولة بتوفير الأمن الغذائي
  • يُعزّز الأمن الغذائي|«الزراعة» توضح أهمية إنشاء مركز عالمي لتخزين وتوزيع الحبوب.. فيديو