قال الدكتور هاني تمام، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، إنه يجوز التيمم في حال عدم وجود مياه أو مانع طبي من استخدام المياه، لافتا إلى أن صحة العبد مقدمة على الوضوء في حال حدوث ضرر له من استخدام المياه، ويجوز له التيمم.

 لا يجوز الوضوء بالماء في حالة واحدة

وأوضح أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، اليوم الأربعاء: "لو الدكتور حذر من استخدام المياه، أو إن المياه هتتسبب في زيادة المرض والتعب هنا وجب التيمم تلك الرخصة التي أحلها الله سبحانه وتعالى".

 

وأضاف: "لو إنسان هيستخدم المياه وهيتأخر الشفاء من المرض ساعة؛ هنا لا يستخدم المياه، وهذا من جمال الشرع لأنه يحافظ على مصالح وصحة الناس". 

مشروعية التيمم في القرآن الكريم

جاءت مشروعية التيمم في القرآن الكريم منوطة بالصعيد الطاهر؛ قال الله تعالى:﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة: 6]. فأجمع العلماء على جواز التيمم بكل تراب طاهرٍ له غبارٌ، كما نقله الإمامُ ابن المنذر وابن عبد البر وابن رشد وغيرهم.

ثم اختلفوا فيما عدا التراب من أجزاء الأرض؛ بناءً على الاشتراك اللغوي في اسم الصعيد، وبناءً على إطلاق التيمم بالأرض في بعض الأحاديث وتقييده بالتراب في بعضها الآخر؛ فمن الفقهاء من اعتبر لفظ الأرض ولم يشترط التراب؛ فأجاز التيمم بكل ما كان من جنس الأرض وإن لم يكن فيه تراب، ومنهم من اعتبر لفظ التراب؛ فأجاز التيمم بالغبار حيث كان ولو لم يكن على شيء من جنس الأرض، ومنهم من جمع بينهما؛ فاشترط أن يكون التيمم بالتراب على شيء من جنس الأرض.

والذي عليه جمهور الفقهاء: هو جواز التيمم بالغبار حيث كان، ولو لم يكن على شيء من جنس الأرض، هذا هو المروي عن سيدنا عمر رضي الله عنه إن لم يجد المصلِّي غيره من غير مخالف من الصحابة رضي الله عنهم، وهو قول الإمام الحسن البصري، وسفيان الثوري، ونقله عن السابقين، وحماد بن أبي سليمان، وأصحاب الرأي، وإسحاق بن راهويه، ومذهب الأئمة أبي حنيفة ومحمد بن الحسن وزُفَر، وهو قول الإمام أبي يوسف القاضي إذا كان المصلِّي لا يقدر على الصعيد، وهو الذي قطع به الشافعية ونصَّ عليه الإمام الشافعي في "الأم"، وهو مذهب الحنابلة ونصَّ عليه الإمام أحمد، بل هو المعتمد أيضًا عند كثير من المالكية إذا ضاق الوقت ولم يكن هناك غيره، وهو مذهب الظاهرية وابن حزم، ونسبه الإمام النووي إلى الجمهور، بل حُكِيَ فيه الإجماعُ.

قال الإمام الطحاوي الحنفي في "مختصر اختلاف العلماء" (1/ 146، ط. دار البشائر): [في التيمم بالنورة والحجر: قال أبو حنيفة وزفر ومحمد: يجزئه، وكذلك غبار اللبد والثوب. وقال مالك: يجوز التيمم بالحصباء والجبل. وقال الثوري: يجوز التيمم بغبار الثوب واللبد. وقال الأوزاعي: يتيمم بالرمل. وقال الشافعي: يتيمم بالتراب مما يعلق باليد. وقال أبو يوسف: لا يجزئ التيمم إلا بالتراب خاصة، ولا يجزئ بغبار الثوب واللبد] اهـ.

كيفية التيمم بالحجر .. إليك هذه الخطوات أترك الصلاة تكاسلا بسبب الوضوء فهل يجوز التيمم لأداء الفروض الخمس

وقال الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل" (1/ 153، ط. دار الفكر): [(لا) يصح التيمم (بحصير) ولو عليه غبار ما لم يكن عليه تراب ساتر له فيصح التيمم؛ لأنه على تراب منقول وإن كان خلاف الأولى. (و) لا يصح التيمم على (خشب) وحشيش وحلفاء وزرع ولو لم يجد غيره وضاق الوقت. وقال الأبهري، وابن القصار، والوقار، واللخمي، وعبد الخالق، وابن رشد، وسند، والقرافي: إن ضاق الوقت ولم يجد غيره يتيمم عليه، الفاكهاني والشيبي: هذا الأرجح والأظهر، وكذا الحطاب، والرماصي، والعدوي] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع شرح المهذب" (2/ 219، ط. دار الفكر): [قال أصحابنا: يجوز أن يتيمم من غبار تراب على مخدةٍ أو ثوبٍ أو حصيرٍ أو جدارٍ أو أداة ونحوها؛ نَصَّ عليه في "الأم" وقطع به الجمهور] اهـ.

وقال العلَّامة ابن قدامة في "المغني" (1/ 183): [فصل: فإن ضرب بيده على لبدٍ أو ثوبٍ أو جوالق أو برذعة أو في شعير فعَلَقَ بيديه غبار فتيمم به: جاز؛ نَصَّ أحمد على ذلك كله، وكلام أحمد يدل على اعتبار التراب حيث كان؛ فعلى هذا لو ضرب بيده على صخرة أو حائط أو حيوان أو أيِّ شيءٍ كان فصار على يديه غبارٌ جاز له التيمم به، وإن لم يكن فيه غبارٌ فلا يجوز] اهـ.

هذا كلُّه إذا كانت قطعة الإسفنج مشبَّعة بالغبار، أما إذا كان مع الإسفنجة كيسٌ فيه تراب يوضع عليها ويُتَيَمَّم به كما يُفهَم مما كُتِبَ على العلبة فهذا جائز باتفاق الفقهاء، وفيه خلاف لا يُعتَدُّ به.

وبناءً على ذلك وفي واقعة السؤال: فإنه يجوز شرعًا استخدام الإسفنجة المشبعة بالغبار الطاهر في التيمم الشرعي؛ أخذًا بقول جماهير العلماء في ذلك.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: التيمم الوضوء الدكتور هاني تمام جامعة الأزهر یجوز التیمم لم یکن

إقرأ أيضاً:

من غبار الغيتوهات إلى رماد غزة: تحالف النار والدم واشنطن- تل أبيب

الشتات والأسطورة: نقد التاريخ التوراتي بين الإنشاء السياسي والبحث العلمي

لعب الشتات اليهودي دورا محوريا في صياغة هوية دينية وتاريخية اعتمدت على أساطير توراتية تم تدوينها في فترات لاحقة من التاريخ، لا بوصفها روايات إيمانية فحسب بل باعتبارها تاريخا مقدسا وظيفته توحيد الشتات وإضفاء شرعية دينية على السلطة السياسية في لحظات الضعف والانقسام. بدأت هذه العملية بوضوح بعد السبي البابلي سنة 586 ق.م، حين دمّر نبوخذ نصّر ملك بابل؛ مملكة يهوذا وسبى نخبة سكّانها إلى بابل، الأمر الذي تسبّب في أزمة هوية ودينية كبرى. هنا بدأت مرحلة التدوين المكثّف للنصوص التوراتية وليس كما يُروّج بأنها نُقلت شفهيا منذ عهد موسى.

من أبرز الأساطير التي جرى تركيبها لاحقا قصة الخروج من مصر التي تصور نبي الله موسى عليه السلام كقائد لمئات الآلاف من العبرانيين الخارجين من أرض العبودية إلى "أرض الميعاد". لكن حتى اليوم لا توجد أي أدلة أثرية أو وثائق مصرية فرعونية تدعم هذه الرواية، رغم أن الدولة المصرية القديمة كانت دقيقة جدا في أرشفة الأحداث. وقد أشار إلى هذا الغياب الأثري كلّ من عالم الآثار والمؤرخ "الإسرائيلي" إسرائيل فنكلشتاين والباحث نيل آشر سيلبرمان في كتابهما المشترك "التوراة المكشوفة"، حيث أكّدا أن أغلب الروايات التوراتية الكبرى مثل "الخروج" و"التيه في الصحراء" و"غزو كنعان" هي اختلاقات أدبية متأخرة جرى تأليفها في القرن السابع قبل الميلاد وتحديدا في عهد الملك يوشيا، ضمن مشروع لتوحيد المملكة وترسيخ هوية قومية جديدة.

مملكة داود وسليمان

أما عن مملكة داود وسليمان والتي تُصوَّر في الكتاب المقدس كإمبراطورية مزدهرة ذات نفوذ عمراني واقتصادي واسع، فإن الحفريات الأثرية في القدس ومحيطها لم تعثر على ما يثبت وجود مثل هذه الدولة المركزية في القرن العاشر قبل الميلاد، وهو العصر الذي يُفترض أنها قامت فيه. يؤكد فنكلشتاين أن داود وسليمان، إن وُجدا فعلا، فقد كانا على الأرجح مجرد زعيمين محليين لقبيلة ريفية.

تصاعدت أهمية "إسرائيل" لدى الولايات المتحدة بشكل تدريجي، لكن هناك نقاط محورية ساهمت في هذا التحول، خاصة بعد اعتراف الرئيس الأمريكي هاري ترومان بـ"إسرائيل" فور إعلان قيامها في 14 أيار/ مايو 1948
النقد الأعمق جاء من المؤرخ "الإسرائيلي" شلومو زاند، أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة تل أبيب، في كتابه الشهير "اختراع الشعب اليهودي"، حيث يرى أن فكرة "الشعب اليهودي" كسلالة موحدة منذ عهد التوراة هي بناء أيديولوجي حديث. يبيّن زاند بالأدلة أن الرواية القائلة بتهجير جماعي لليهود بعد "خراب الهيكل الثاني" هي أسطورة صهيونية لاحقة، وأن اليهودية كانت ديانة تبشيرية في بعض مراحلها واعتنقها كثيرون في اليمن، وشمال أفريقيا، وأوروبا الشرقية، وليسوا من نسل إبراهيم بالضرورة.

النشأة التاريخية للكره الأوروبي لليهود قبل الغيتوهات

يعود العداء الأوروبي لليهود إلى ما قبل ظهور الغيتوهات بقرون، إذ بدأت موجات الاضطهاد والتمييز منذ القرن الرابع الميلادي بعد تحول "الإمبراطورية الرومانية" إلى المسيحية. ففي عام 70م دمّر القائد الروماني تيطس "الهيكل الثاني" في القدس، فبدأ ما يُعرف بـ"الشتات الروماني"، وهو مصطلح يُشير إلى تشتّت اليهود في أنحاء "الإمبراطورية الرومانية" بعد سحق ثورتهم ضد الحكم الروماني. ولم يكن هذا الشتات مجرد هجرة قسرية بل كان تفكيكا لهوية جماعية وحرمانا من الأرض والمقدسات، مما دفع اليهود إلى العيش في أطراف المجتمعات الأوروبية كأقليات معزولة.

وفي هذا السياق، مارست الطوائف اليهودية المهن الممنوعة على المسيحيين كالإقراض بالربا وتجارة المال، الأمر الذي رسّخ النظرة إليهم كجماعة تُراكم الثروات على حساب الأغلبية. وقد أشار المفكر الدكتور عبد الوهاب المسيري إلى أن اليهود لم يُلاحقوا في أوروبا لأنهم يهود ديانة بل لأنهم كانوا يمثلون "النمط الوظيفي للآخر"، أي الطرف الذي يتركّز فيه الغضب الشعبي والاقتصادي والسياسي.

عزلة مقصودة: الغيتوهات وأصل القطيعة اليهودية الأوروبية

مع تطور هذه الكراهية بدأت السلطات الأوروبية بفرض العزل المكاني على اليهود، وأول "غيتو" رسمي سُجّل تاريخيا كان في البندقية عام 1516 حين أُجبر اليهود على السكن في حي مغلق تُقفل أبوابه ليلا، غير أن هذه السياسة كانت قد طُبقت بشكل غير رسمي في كثير من المدن منذ القرن الثالث عشر. وهكذا نشأت "الغيتوهات" كمعازل ديموغرافية تقطع اليهود عن الحياة العامة وتُحوّلهم إلى كتلة دينية اجتماعية تتقوقع على ذاتها. وعلى الرغم من قسوة هذه العزلة فإنها أسهمت في حفظ التقاليد اليهودية، لكنها عمّقت أيضا من شعور الأوروبيين بأن اليهود غرباء أبديون يعيشون في قلب المجتمعات ولكنهم لا ينتمون إليها.

ثورة النمساويين: حين أصبح الإمبراطور رهينة للمصارف اليهودية

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتحديدا بعد "ثورات 1848" في أوروبا، بدأت الطبقة البرجوازية الصاعدة، التي شمل جزءا كبيرا منها رجال المال اليهود، تفرض شروطها على النخب الحاكمة في النمسا وألمانيا. وفي هذه المرحلة، تزايد نفوذ عائلات مصرفية يهودية كعائلة روتشيلد التي أسسها ماير أمشيل روتشيلد في فرانكفورت أواخر القرن الثامن عشر، وتوسعت إلى فيينا، وباريس، ولندن، ونابولي. وكانت هذه العائلة نموذجا فريدا لتراكم رأس المال في يد شبكة مالية عابرة للدول، وقد لعبت دورا أساسيا في تمويل حروب وتحالفات أوروبا الحديثة، ما منحها نفوذا واسعا مكّنها من التأثير في مسارات دول بأكملها. واليوم، رغم تراجع حضورها الإعلامي، لا تزال فروع هذه العائلة تملك استثمارات هائلة في قطاعات حيوية كالبنوك والطاقة والصناعات الثقيلة، كما دعمت بطرق مباشرة وغير مباشرة تأسيس المشروع الصهيوني.

نشأة الصهيونية في قلب أوروبا المنقسمة

في ظل هذا المناخ العدائي وُلدت الصهيونية كمشروع سياسي علماني، وكان ذلك في نهايات القرن التاسع عشر، وتحديدا عام 1896، حين نشر تيودور هرتزل كتابه الشهير "الدولة اليهودية" بعد أن غطى صحفيا محاكمة ألفريد دريفوس، الضابط الفرنسي اليهودي الذي أُدين ظلما بالخيانة عام 1894. ويُعد هرتزل الأب المؤسس للفكر الصهيوني الحديث، وكان صحفيا نمساويا من عائلة يهودية برجوازية متحررة، وقد آمن بأن "معاداة السامية" ظاهرة لا يمكن تجاوزها إلا بإقامة وطن قومي لليهود. ورافقه في هذا التأسيس شخصيات بارزة مثل ماكس نوردو، أحد أوائل المفكرين "الصهاينة"، الذي لعب دورا مهما في صياغة الخطاب الثقافي للحركة.

ورأى هرتزل أن الاندماج في المجتمعات الأوروبية قد فشل، وأن الحل يكمن في إنشاء وطن قومي لليهود، ومن ثم عُقد أول مؤتمر صهيوني في بازل بسويسرا عام 1897، حيث تم وضع الأساس المؤسسي للحركة، والتي بدأت تطوّع المفاهيم الدينية كـ"أرض الميعاد" و"العودة إلى صهيون" لتبرير مشروعها السياسي الاستيطاني.

البداية: أوروبا تدفع الحساب في أرضٍ لا تملكها

مع اندلاع الحرب العالمية الأولى وتدهور الوضع الداخلي في بريطانيا، سعى وزير خارجيتها آرثر بلفور إلى كسب دعم الجاليات اليهودية الغنية والمتنفذة، خاصة في أمريكا، فجاء "وعد بلفور" الشهير في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1917، متعهّدا فيه بدعم إقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين. وقد كانت الوثيقة هذه ليست نتاج قناعة دينية بل حسابات سياسية واقتصادية، إذ أن بلفور نفسه لم يكن يؤمن بالتوراة، لكنه رأى أن تبني الخطاب التوراتي سيُقنع اليهود ويُبرر للمسيحيين دعم المشروع.

أما الفلسطينيون، أصحاب الأرض، فلم يُستشاروا في أمر مصيري كهذا. وهنا يبرز اسم ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لـ"إسرائيل" ومهندس مشروع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقد عقد بن غوريون اتفاقات غير معلنة مع قوى غربية، منها بريطانيا، لتسهيل إقامة الدولة على أنقاض الخلافة العثمانية، التي كانت تقف سدا عقائديا وسياسيا أمام المشروع. وتجدر الإشارة إلى أن السلطان عبد الحميد الثاني رفض بشدة التنازل عن فلسطين لهرتزل رغم عروض مالية ضخمة، قائلا: لا أستطيع أن أتنازل عن شبر من أرض فلسطين، فهي ليست ملكي، بل ملك الأمة الإسلامية، فكان ذلك من الأسباب التي عجّلت بإسقاط الخلافة.

تصاعد أهمية إسرائيل في السياسة الأمريكية بعد اعتراف ترومان

منذ ذلك الحين، تصاعدت أهمية "إسرائيل" لدى الولايات المتحدة بشكل تدريجي، لكن هناك نقاط محورية ساهمت في هذا التحول، خاصة بعد اعتراف الرئيس الأمريكي هاري ترومان بـ"إسرائيل" فور إعلان قيامها في 14 أيار/ مايو 1948. وقد تم الإعلان عن قيام "إسرائيل" داخل قاعة متحف "تل أبيب"، وليس في الأمم المتحدة، من قبل دافيد بن غوريون، مستندا إلى قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام 1947 (القرار 181). الإعلان جاء قبل ساعات من انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، ولاقى اعترافا فوريا من واشنطن، لتكون الولايات المتحدة أول دولة تعترف بـ"إسرائيل".

هذا الموقف من ترومان لم يكن نتيجة تحالف استراتيجي طويل الأمد كما يبدو لاحقا، بل تأثر بعوامل داخلية عديدة، أبرزها:

- ضغط اللوبي اليهودي الأمريكي، الذي كان له تأثير متزايد في السياسة الأمريكية.

- التعاطف الشعبي والسياسي مع اليهود بعد "المحرقة النازية".

- حسابات انتخابية مباشرة، إذ كان ترومان يستعد لخوض انتخابات رئاسية صعبة في تشرين الثاني/ نوفمبر 1948، وكان يأمل في كسب دعم الناخبين اليهود الأمريكيين، خاصة في الولايات المتأرجحة مثل نيويورك، التي تضم كتلا انتخابية يهودية مؤثرة.

الخمسينيات: التوازن الحذر

رغم الاعتراف المبكر، اتسمت العلاقات في الخمسينيات بشيء من التحفظ. إدارة الرئيس دوايت أيزنهاور (1953–1961) كانت تميل إلى توازن دقيق في "الشرق الأوسط"، محاولة تجنب الانحياز الصريح لـ"إسرائيل" خوفا من دفع الدول العربية نحو الاتحاد السوفييتي. وقد تجلّى ذلك في أزمة السويس عام 1956، حين وقفت واشنطن ضد "العدوان الثلاثي" (بريطانيا، فرنسا، "إسرائيل") على مصر، مطالبة بانسحاب المعتدين، وهو ما أكسب أمريكا بعض القبول في العالم العربي حينها.

الستينيات: أمريكا تتبنى الوريث الاستعماري

بعد "أزمة السويس"، بدأت الولايات المتحدة تدرك أن "إسرائيل" يمكن أن تكون ذراعا وظيفية لها في "الشرق الأوسط"، دون أن تتحمل عبء الوجود الاستعماري المباشر، الذي كانت القوى الأوروبية العتيقة مثل بريطانيا وفرنسا قد فشلت في الحفاظ عليه. جاء التحول الحاسم في حرب يونيو 1967، حين تمكنت "إسرائيل" خلال ستة أيام من احتلال سيناء، وقطاع غزة، والضفة الغربية، القدس الشرقية، وهضبة الجولان، ما أظهر قدرتها العسكرية الفائقة، ورسّخ ثقة واشنطن بها كأداة استراتيجية متقدمة.

وقد عبّر الدبلوماسي الأمريكي جورج بول عن هذه الرؤية حين قال: "إسرائيل تقدم خدمات مهمة دون أن تطلب وجود قواعد أو قوات".

من هنا بدأت تتشكل الرؤية الأمريكية لـ"إسرائيل" باعتبارها "الوريث غير الرسمي للاستعمار الأوروبي"، لكن بأسلوب حديث يخدم مصالح واشنطن الجيوسياسية خلال "الحرب الباردة". وفي هذا السياق، أشار نعوم تشومسكي في تحليلاته إلى أن "إسرائيل" كانت بالنسبة للولايات المتحدة بمنزلة "رأس حربة إمبراطوري"، تخدم شبكة المصالح الأمريكية في المنطقة، دون أن تكلّف الخزينة الأمريكية أعباء التورط المباشر كما في فيتنام أو كوريا.

السبعينيات: بناء التحالف الاستراتيجي
لم تعد "إسرائيل" مجرد شريك، بل تحوّلت إلى جزء من آلة الهيمنة الأمريكية، تؤدي دورها بكفاءة في قلب منطقة صاخبة بالتحولات، دون أن تغادر القاعدة التاريخية التي قامت عليها منذ 1948: إنها مشروع سياسي وظيفي بعباءة دينية براجماتية يخدم مصالح عظمى خارج حدود الجغرافيا التي وُلد فيها
في أعقاب حرب أكتوبر 1973، ومع الصدمة التي أحدثها التنسيق العربي (خاصة بين مصر وسوريا)، بدأت الولايات المتحدة في ترسيخ علاقتها بـ"إسرائيل" كجزء من استراتيجية احتواء النفوذ السوفييتي، ومنع أي تقارب عربي شرقي. أطلقت واشنطن جسرا جويا ضخما لنقل الأسلحة لـ"إسرائيل"، مما عزز الثقة المتبادلة. وفي عهد الرئيس ريتشارد نيكسون ومستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر، بدأ الدعم الأمريكي يتحول إلى منظومة مؤسسية شاملة من المساعدات المالية والعسكرية والاستخباراتية.

وقد يذكر السفير "الإسرائيلي" السابق في واشنطن مايكل أورين ، في كتابه "ستة أيام من الحرب" (Six Days of War)، كيف أصبحت "إسرائيل" جزءا من "عقيدة الدفاع الأمريكي" في "الشرق الأوسط" بعد 1967، وخاصة في ظل تراجع النفوذ البريطاني في الخليج وتصاعد الحضور السوفييتي في سوريا والعراق.

جون كينيدي

وقد بدأت ملامح هذا التوجه منذ إدارة جون كينيدي (1961–1963)، التي شهدت أولى بوادر الدعم العسكري المباشر، وتطورت بشكل مؤسسي في عهد نيكسون، وتعززت أكثر في الثمانينيات مع رونالد ريغان، الذي اعتبر "إسرائيل"؛ "حليفا لا غنى عنه" في مواجهة "الإرهاب" والأنظمة الموالية للسوفييت. ثم جاءت فترة بيل كلينتون، التي شهدت تنسيقا غير مسبوق على المستوى الأمني والتقني، بما في ذلك التعاون في مشاريع الصواريخ والدفاعات الجوية.

يشير تشومسكي إلى أن هذا التحالف تخطى حدود المصالح الجيوسياسية، ليصبح "تحالفا أيديولوجيا وثقافيا"، تغذّيه تصورات مشتركة عن "العدو" و"الهوية". أما ميرشايمر، فقد ركز على أن صلابة العلاقة ليست فقط نتاجا لرؤية استراتيجية، بل نتيجة لنفوذ سياسي منظم يمارسه "اللوبي الإسرائيلي" داخل مراكز صنع القرار في واشنطن.

وهكذا، لم تعد "إسرائيل" مجرد شريك، بل تحوّلت إلى جزء من آلة الهيمنة الأمريكية، تؤدي دورها بكفاءة في قلب منطقة صاخبة بالتحولات، دون أن تغادر القاعدة التاريخية التي قامت عليها منذ 1948: إنها مشروع سياسي وظيفي بعباءة دينية براجماتية يخدم مصالح عظمى خارج حدود الجغرافيا التي وُلد فيها.

مقالات مشابهة

  • موجة غبار كثيفة تضرب حضرموت
  • قائد الثورة: مستمرون في موقفنا ثابتون عليه نتصدى للعدو الإسرائيلي في أي عدوان ومواجهة
  • تنفيذ حكم القتل تعزيرًا بأحد الجناة في منطقة الحدود الشمالية
  • فعالية ثقافية في الصافية بذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام 
  • 5 أعراض للطقس الحار أثناء العمل يجب الحذر منها
  • من غبار الغيتوهات إلى رماد غزة: تحالف النار والدم واشنطن- تل أبيب
  • شاهد بالفيديو.. الفنانة المثيرة للجدل شهد أزهري: (أنا حقي ما بوري لي زول)
  • قطاع خفر السواحل بالبحر الأحمر يُحيي ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام
  • صنعاء تُحيي ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام في مشهد تعبوي جامع يُجدد العهد ويعزز الارتباط بالمشروع القرآني
  • رئيس جامعة الأزهر يشيد بجهود الإمام الأكبر لجمع المسلمين تحت راية واحدة