الانتخابات الرئاسية ليست مجرد ورقة تضعها فى صندوق زجاجى لتختار المرشح الذى تفضله، وانما هى اختيار لمستقبل الوطن، ومشاركة فى تحديد مصيره، والرئيس فى النهاية هو تعبير عن إرادة الناخبين الذين اختاروه وتجسيدًا لرؤيتهم، ويحكم باسمهم، ولهذا فالمشاركة الانتخابية ليست رفاهية أو اختيارية كما يرى البعض، وانما هى وجوبية وفرض واجب على كل من له حق الانتخاب والتزام تجاه الوطن لا يجب أن نتخلى عنه، مهما كانت الظروف، وفى كل الأحوال المواطن حر فى اختياره، فلا يملك أحد أن يفرض عليه اسمًا لأنه يؤدى أمانة، وعندما كان اختيار المصريين خاطئ وجدنا أنفسنا فى مواجهة رئيس لا يعرف حجم المنصب ولا مسئولياته ولا قيمة الدولة التى يقودها وبدلا من أن يحافظ على مصالح الشعب نفذ اوامر جماعته، وفرض توجهاتها، وقدم مصالحها على مصالح الوطن العليا، فما كان امام الشعب الا الخروج إلى الشارع رافضين هذا الرئيس ومعلنين التخلص منه ومن جماعته، وهذا يكشف حجم المسئولية التى يتحملها كل ناخب، وانه إذا كان حرا فى اختياره الا أنه أيضاً مسئول امام ضميره وامام وطنه وامام الله أن يختار بعناية ودون أهواء شخصية، أن ينتخب من يمتلك القدرة على قيادة بلد بحجم مصر والتحديات التى تواجهها، خاصة فى هذه الفترة العصيبة التى لا تقبل التهاون أو التفريط، بل الوقوف بقوة إلى جانب الوطن.
وأول مظاهر هذا الوقوف هى الحرص على المشاركة الانتخابية، وهنا لابد أن استعير كلمة المرشح الرئاسى عبدالفتاح السيسى فى مؤتمر «حكاية وطن» عندما قال «يشرفنى جدا أن كل المصريين اللى ليهم حق الانتخاب ينزلوا حتى لو لم يختارونى، الناس كلها تشجع بعضها وتنزل، واختاروا ما شئتم، اللى بيختار ربنا واللى بيؤمر بيه هيكون وأنا والله راضى».
هذه الكلمات تعبر تماما عن حجم المسئولية التى تقع على عاتق كل مواطن مصرى، مثلما تكشف أيضاً ادراك السيسى لقيمة المشاركة باعتبارها تأكيدا للتجربة الديمقراطية التى نسير فيها، كما أنه فى هذا التوقيت الحرج دوليًا واقليميًا وفى ظل ما تتعرض له البلاد من ضغوط ويتعرض فيه امنها القومى لتهديدات حقيقية سيكون نزول المصريين ووقوفهم امام اللجان الانتخابية رسالة للعالم كله بأن الشعب يساند بلده ويقف إلى جانب رئيسه الذى اختاره، وقد قدم المصريون بالخارج هذه الرسالة بعبقرية وصلت إلى الجميع، ويبقى الآن دورنا فى الداخل لنعلن أننا بجانب بلدنا وقيادتها ومؤسساتها الوطنية فى حماية امنها القومى واستكمال مسيرة البناء والإعمار.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الانتخابات الرئاسية مستقبل الوطن
إقرأ أيضاً:
شعوب العصافير الملونة «الأخيرة»
أبدأ مقالى بجملة اعتراضية «اللهم ما لا شماتة فيما حدث فى أمريكا من عدل إلهى» وأكمل معكم ما بدأته حول حديث الطغاة، يعتقد الطغاة أنهم امتلكوا الحياة وما عليها، يعتقدون أنه لا نهاية لهم وأنهم مخلدون ولن يقدر عليهم أحد، يتجاهلون قراءة التاريخ الذى سجل نهايات مهولة لأمثالهم الظالمين، نهايات إلهية بها موعظة لا يغفلها أولو الألباب، لذا يعمهون فى طغيانهم خاصة حين لا يجدون من يتصدى لهم، من لا يحاول تصويب مساراتهم بالموعظة الحسنة أو بالقوة المتحدة، فيمتد بأس الطاغية ليتمدد ويتنطع، ولا يقتصر على المجتمع الواقع تحت سلطته، ولا الشعب الذى ابتلى بحكمه بل يطول الشعوب الأخرى، وإذا كان أغلبنا يعتنق ناموس الغابة بأن البقاء للأقوى لا الأصلح، الأقوى بالمعنى الوحشى من طغى وجبروت وظلم، ونستدل على ذلك بكل ما يدور حولنا فى العالم والمحيط القريب بنا، فعلينا ألا ننسى أبداً قدرة الله، القدرة الدائمة الوجود والتى تتجلى فى أوضح صورها عندما تأتى حلول السماء لقمع الطغاة وإبادتهم بعد أن فشلت حلول الأرض لإزاحته ومعاقبته.
يستمد الطغاة قوتهم من خنوع البشر حولهم، فهم يرون الشعوب التى يحكمونها أو التى يمكنهم التحكم بها حتى عن بعد بأنهم عصافيرهم الملونة، التى عليهم سجنها داخل أقفاص من حديد ليصادروا حرياتها وإرادتها وفكرها، تحت زعم أنه حامى حماهم، وأنه يكفيهم شكراً له أنه يوفر لهم الطعام لو فتاتاً، والشراب ولو قطرات مسمومة، وأقفاص يتناسلون بداخلها، فماذا يريدون أكثر من ذلك، فلا عليهم إلا الرضوخ والتسبيح بحمده وشكره، يتفنن الطاغية فى تجنيد أبواق المسئولين الخاضعين وفى مقدمتها أبواق الإعلام فى الترويج لمضمون فكرة شعوب العصافير الملونة، وهى أن الشعب لو خرج من أقفاصه للطيران بإرادة كاملة وفى حرية لماتت من الجوع والعطش ولالتهمتها الطيور الجارحة أو الوحوش الضارية التى تترقب خروجها من الأقفاص، يروج الطاغية وبطانته أنه الحامى لعصافيره ولمقدراتهم، وان الشعب بدون حكمه الحديدى سيضيع ويصبح مطمعاً ونهباً للأعداء، ينشر الطاغية فزاعات لشعبه، ويوجه أغلب أموال الدولة للتسليح وتشغيل مصانع السلاح، لأن أصحاب صناعة القتل والإبادة هم سنده ومصلحتهم معه، واستمرار وجودهم وتوحش ثرواتهم من اشتداد طغيانه.
هكذا يصنع الطاغية لشعبه أقفاصهم فلا يفرون منها، بل تتكدس أحلامهم السجينة داخل أقفاصهم أو زنازينهم حتى تموت، وتموت معها قلوبهم وأرواحهم، فيتحولون إلى أجساد بلا حياة وبلا قلوب، فلا يجدون أمامهم متنفساً سوى الاقتتال، فيتفنن بعضهم فى القضاء على الآخرين بقتلهم، بمحاربتهم فى رزقهم وطعامهم واستباحة محرماتهم، ليس أملا فى الخروج من الأقفاص، بل لتتوسع لهم مساحة فى الأقفاص، إنه الانتقام العاجز من العاجز، وهو أبشع أنواع الانتقام والتى نراها داخل الشعوب السجينة المكبوتة، حيث نرصد تزايد معدلات الجرائم البشعة بها، وتزايد جشع التجار لنهب أقوات الشعب واستلاب أموالهم.
إنها نتائج طبيعية لشعوب مغلوبة على أمرها لا تتمكن من إزاحة الحاكم وبطانته، ولا تجد العدالة أتية من قمة الهرم، فتمارس مع بعضها البعض أيضا إهدار الحقوق والعدالة فى القاع، وتوجه غضبها لإزاحة بعضها البعض عن الحياة، عسى أن يجدوا بعض المتنفس داخل زنازينهم التى باتت تطبق على أنفاسهم، وتكون النهاية دائماً مأساوية لمصائر تلك الشعوب، وهى تدمير مجتمعاتهم، ومن ثم تدمير ذاتهم، وهو ما يحدث بالإقبال على المخدرات بكل أنواعها القاتلة، الإقبال على ارتكاب الفواحش والجرائم البشعة، وعدم المبالاة بالنهايات لهم، لأنهم يرون أنفسهم أصلا فى عداد الموتى، فلا ضير أن يموت الجسد وقد ماتت القلوب والروح ومعها الضمائر كبتا وقهرا وفقدانا لكل الأمل وضياعا لكل الأحلام.
يأتى الطغاة ويرحلون ويسجلهم التاريخ بحروف سوداء ويبقى من بعدهم كهنتهم من عبدة معبدهم المنتفعين منه، الحاصدين للمصالح والأموال والمراكز، يبقى هؤلاء كالسوس الذى ينخر فى مفاصل الدولة الجديدة على أمل عودة الطاغية أو ظهور طاغية جديد، يرحل الطاغية وتبقى أثارة فى الشعب بكل فئاته من خوف من الحرية الحقيقية، ومن الديمقراطية، ومن إطلاق العقول للتفكير والإبداع، وتبقى الأخلاق والمبادئ مجرفة، وهى أثار لا تمتد لجيل واحد، بل تتوارثها أجيال، نعم واهم هو من يعتقد أن الشعب يتحرر بسرعة ويسترد عافيته برحيل الطاغية، لا، فأثار ما صنعه ورسخه من خوف وارتباك واقتتال من أجل فقط البقاء والطعام والحصول على أبسط متطلبات الحياة يبقى ويمتد من جيل لآخر بجانب وجود المنتفعين الكبار من تجار الموت والسلاح والمخدرات وغيرها، قد تتعافى الشعوب بعد سنوات طويلة إذا ما أهداها الله الحاكم العادل الذى يطبق الديمقراطية بمفهومها السليم ويبذل جهده للقضاء على موروث الفساد، أو قد لا تتعافى الشعوب مطلقاً، وتكون الطامة بظهور طاغية جديد يتولى السلطة، لتتكاثر سلالات المنتفعين والمجرمين ولصوص أقوات الشعب بجانب زبانية مصادرة وتعذيب الحريات.
الطاغية أخطبوط تمتد أذرعه المتوحشة فى الداخل والخارج لينتج وسائل عصرية تبيد الإنسان وتتحكم فى مصيره وتقوده إلى الهلاك، انظروا حولنا وسترون هؤلاء الطغاة ما أكثرهم فى تلك الدول التى تتاجر فى أرواح الشعوب، تصادر حرياتهم وتبيد الملايين منهم، هؤلاء يتوشحون زوراً بالديمقراطية أمام العالم رافعين رايات حماية الشعوب المستضعفة، ليخفوا وحشية استراتيجيتهم التى تعمد إلى الإبادة والقتل ومصادرة الحريات والأحلام، لأن العالم كله بالنسبة لهم فى بساطة مجرد عصافيرهم الملونة.
[email protected]