أعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى «أنوروا» بتاريخ 3 ديسمبر 2023 أن عدد القتلى من الفلسطينيين في مجازر الإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان الصهيوني بدعم غربي سافر ضد الفلسطينيين في غزة قد تجاوز الخمسة عشر ألفا، منهم ستة آلاف طفل وأربعة آلاف امرأة، ولك أن تتخيل بقية الخمسة آلاف فهم بين رجل مدني وشيخ طاعن، وطبيب وممرضة وإعلامي ورجل إسعاف.
لقد ظهر مصطلح النكروفيليا أول الأمر عام 1886 في كتاب «الاعتلال النفسي الجنسي» psychopathia sexualis للطبيب الألماني ريتشارد فون كرافت إيبينج، وقد تطرق الكتاب إلى حالات نفسية يشعر فيها المريض بالشبق الجنسي نحو الجثث، وهي فكرة أقرب إلى الخيال لذلك استثمرها الروائي السعودي عبده خال في روايته «فسوق» الصادرة عام 2005.
لكن الكاتب الإسباني ميجل ديه أونامونو رئيس جامعة سلامنكا قد وسع معناها أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، فقد كان مؤيدا للتمرد العسكري الذي قاده الجنرال فرانكو، لكنه صدم بعنف الجنرال فعارضه، وفي أكتوبر عام 1936 حضر الجنرال ميلان أستراي ممثلا عن فرانكو لإلقاء خطاب في جامعة سلامنكا، يدافع فيه عن مجازر فرانكو، فعلق عليه أونامونو قائلا: «لم أكن أريد أن أتكلم لأنني أعرف نفسي، ولكنني سُحبت من لساني وصار من واجبي أن أتكلم... لقد سمعت لتوي بكاء نكروفيليا أحمقا»، قام الجنرال بسجن أونامونو في بيته حتى الموت، لكن إخراجه لمصطلح النكروفيليا من مجرد الشبق الجنسي للجثث الذي طرحه إيبينج إلى عموم ظاهرة العنف الإفنائي وحب الموت بقي، وانتشر وصار مرجعا للفلاسفة وعلماء النفس.
لقد حوت الفكرة الصهيونية منذ نشأتها جميع العوامل المؤدية إلى العنف التدميري، فمن جهة هي قامت على نشر الخوف لدى أتباعها من العنصرية الأوربية والنازية، كما نشرت الحقد على الفلسطينيين والحسد لهم لأنهم يعيشون في أرض الميعاد المزعومة، وروجت لفكرة الانتقام منهم لاغتصابهم أرض اليهود المقدسة، وكان أخطر ما روجت له هو اعتبار قتل الفلسطينيين سبيلا لاستقرار إسرائيل والمحفز الأكبر لبقائها، إنها النكروفيليا في أحط تجلياتها.
إن الصهيونية هي فكرة نكروفيلية بامتياز، وخطرها لا ينحصر في مجازر الإبادة الجماعية التي تقوم بها ميليشيات الكيان الصهيوني في غزة بل يتعداه إلى تسميم الوعي العالمي بالفكر النيكروفيلي الخبيث، فحين روج الإعلام الصهيوني أن الفلسطينيين قاموا باغتصاب الإسرائيليات وقطع رؤوس الرضع، سارع حلفاؤها الغربيون إلى الدعوة إلى قتل الفلسطينيين، ومع انكشاف كذب الدعاية الصهيونية، وظهور آثار الإبادة الجماعية التي يقوم بها الكيان الصهيوني ضد الفلسطينيين، لم تتحرك إنسانية هؤلاء بل استمروا في دعم الكيان الصهيوني، وقد أوضحت آخر استطلاعات الرأي الأمريكية أن 70% من مؤيدي الحزب الجمهوري الأمريكي يؤيدون استمرار الإبادة التي يقوم بها الكيان الصهيوني ضد أطفال غزة ونسائها، إنها سكرة النكروفيليا الصهيونية والاحتفال الخبيث بموت النساء والأطفال.
بيد أن الخطر الأكبر للنكروفيليا الصهيونية هو تسربها إلى الوعي العربي، وخاصة لدى الجيل الجديد من الشباب، وفقا لقاعدة العنف لا يولّد إلا العنف، والنكروفيليا لا تنتج سوى نكروفيليا مضادة، قد يبدأ الأمر بالدعوة إلى مقاومة الاعتداءات الغاشمة للكيان الصهيوني، والأصل في الحروب التي لا تسودها هذه البشاعة النكروفيلية أن يعود الشباب إلى حياتهم الطبيعية بعد أن تضع الحرب أوزارها، لكن النكروفيليا تسلب من الشباب حب الحياة أو البيوفيليا، وتجعلهم في ارتباط وجداني دائم مع الموت وعشق مستمر للتدمير والخراب، ولأن لا مجال لتنفيس هذه الرغبة النكروفيلية إلا بالقتل والتدمير فإن أقارب هؤلاء الشباب ومجتمعاتهم ودولهم ستكون هي الضحية. ينقسم العالم اليوم إلى فريقين، الأول هو الفريق البيوفيلي أو المحب للحياة، ويمثله الفلسطينيون من سكان غزة الذين يتعرضون لأبشع عملية إبادة جماعية شهدها التاريخ الحديث، وجميع الشعوب الحرة التي تناصرهم بالكلمة والموقف، وهذا الفريق يدعو إلى العدالة لأهل غزة والحرية لفلسطين ورفع الظلم التاريخي عن الفلسطينيين، وإلى احترام حقوق الإنسان ومنع الاعتداء على النساء والأطفال، ووفقا لهذه المعطيات البارزة يمكننا القول إن هذا الفريق هو الأقرب إلى الإنسانية السامية، والأجدر بتنمية المجتمعات البشرية، والأحرى بتقدم البشرية والانتقال بها من طور إلى آخر. أما الفريق الآخر النكروفيلي الذي يمثله الكيان الصهيوني وداعموه الغربيون، وبعض العرب الذين سممتهم لوثة النكروفيليا وأوهمتهم بأن طريق المجد إنما يُدخل سجدا من باب صهيون، فهذا الفريق المحب للموت والتدمير لن يأتِ للإنسانية سوى بالخراب، ولن يقدم لدوله سوى الحطام، ولن يجيء لمجتمعاته سوى بأوبئة الطائفية والعنصرية والعرقية والحروب الداخلية، وما الانقسام الذي يعيشه المجتمع الصهيوني وما الصراع الذي تعيشه أمريكا بين اليمينيين العنصريين وبين اليسار والليبراليين إلا بداية لهذا السقوط والانهيار، إنها لعنة الدماء المستباحة بغير حق ورجس النكروفيليا المناقضة للحياة.
ينبغي علينا الوعي بخطر الفكرة الصهيونية وأنها قائمة على العنف والتدمير والإبادة الجماعية، وعلينا التحذير من محاولة التطبيع مع الكيان الصهيوني، لأن التطبيع معه هو تطبيع مع القتل والخراب والنكروفليا الإفنائية، وعلى الدول العربية أن تحرص كل الحرص على تجنيب نفسها خطر الانزلاق في هاوية التطبيع مع النكروفيليا الصهيونية، وعليها تحذير شبابها من الانجرار وراء استلاب الفكر النكروفيلي الإفنائي الذي يمثله الكيان الصهيوني ومنهجه المناقض للحياة.
زكريا المحرمي كاتب وطبيب عماني.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الإبادة الجماعیة الکیان الصهیونی
إقرأ أيضاً:
الكيان الصهيوني: مقتل 793 جنديا إسرائيليا منذ السابع من أكتوبر
نشر الجيش الإسرائيلي بيانات محدثة عن عدد القتلى في صفوفه وتصنيفاتهم، مشيرا إلى مقتل 793 جنديا إسرائيليا بينهم 192 ضابطا منذ السابع من أكتوبر 2023.
الاحتلال يأمر سكان مناطق بالضاحية الجنوبية بإخلاء منازلهم الاحتلال يُصدر تحذيرًا جديدًا إلى سكان الضاحية الجنوبية لبيروتوبحسب روسيا اليوم، أعلن الجيش الإسرائيلي، امس الخميس، أن "عدد الجنود في منظومته القتالية حاليا، يشكل 83% قياسا بالقوات التي يحتاجها"، وطالب الحكومة بتمديد مدة الخدمة الإلزامية بدون علاقة بسن قانون تجنيد الحريديين.
وحسب الجيش الإسرائيلي، فإن النقص في القوى البشرية نابع من "عدد القتلى والمصابين الكبير" في صفوفه منذ بداية الحرب على غزة واتساعها إلى لبنان.
ويتوقع أن تكون نسبة المجندين 81% في العام المقبل، وفي حال تمديد مدة الخدمة الإلزامية إلى ثلاث سنوات، فإن هذه النسبة سترتفع إلى 96%.
وحسب معطيات الجيش، فإن نقصا حاصلا في المنظومة التقنية، حيث نسبة المجندين فيها 74% من المطلوب، و66% في منظومة السائقين، ويتوقع أن تتراجع هذه النسب أكثر في العام المقبل.
وتشير معطيات الجيش إلى أن "نسبة الامتثال في الخدمة العسكرية في قوات الاحتياط، العام الحالي، هي 85%، فيما يستعد الجيش لاستدعاء جنود في الاحتياط بشكل واسع خلال العام المقبل أيضا، وأن جميع جنود كتائب الاحتياط القتالية خدموا 70 – 72 يوما بالمعدل.
وأفادت معطيات الجيش الإسرائيلي بأن "793 جنديا قتلوا منذ بداية الحرب، بينهم 370 جنديا قتلوا منذ بدء المناورة البرية في قطاع غزة و40 جنديا قتلوا منذ بدء المناورة البرية في جنوب لبنان".
وأوضحت المعطيات أنه "قتل خلال الحرب 192 ضابطا، أي ربع العسكريين القتلى، وبينهم 4 ضباط قادة لواء، و5 ضباط قادة كتيبة، و63 قائد سرية و20 نائب قائد سرية، و67 قائد وحدة عسكرية صغيرة".
وأضافت المعطيات أن "48% من الجنود القتلى هم نظاميون، 18% في الخدمة الدائمة و34% جنود في قوات الاحتياط".