ما هدف إسرائيل من إشاعة الخلاف بين الإسلام والغرب؟
تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT
بعد عملية طوفان الأقصى التي جرت داخل إسرائيل الشهر المنصرم، قام العديد من الكتّاب والباحثين ومن الصحفيين الإسرائيليين، بمحاولة تذكير الغرب بالربط بين ما حدث في السابع من أكتوبر الماضي، وما جرى في سبتمبر2001 في نيويورك وواشنطن، أو ما فعلته داعش وبقية جماعات العنف السياسي في العراق وفي سوريا ودول أخرى، إلى جانب تذكير الغرب بما جرى عبر قرون من الحملات المتبادلة بين العرب والمسلمين والغرب، منذ دخول العرب إلى إسبانيا، والاقتراب من حدود فرنسا.
ولا شك أن الذاكرة التاريخية الغربية، تستجيب لمثل هذه المقولات التي تحركها الدوائر الصهيونية، وما كتبه الاستشراق المغرض عبر قرون يبرز التأثير الصهيوني في الغرب وأساليبه في تقليب الحقائق إلى أكاذيب ومعلومات مضللة، مع أنني في كتابي (الاستشراق بين الإنصاف والإجحاف)، ذكرت أن الكثير من المستشرقين كتبوا بحيادية وإنصاف عن العرب والمسلمين في هذا الجانب، وليس مقالنا هذا للشرح والتوضيح، لكن غيرهم جاء بترتيب من الحملات الاستعمارية للمعرفة والاطلاع عن الشرق العربي، وعن الإسلام والمسلمين. فالجانب الذي ركز عليه بعض الكتّاب والصحفيين الإسرائيليين، في داخل إسرائيل أو خارجها، هي المقولة التي يتداولونها كثيرا، وهي أن العرب والمسلمين يهدفون إلى تدمير الحضارة الغربية، باعتبارهم عنيفين وإرهابيين، ويربطون هذا القول بما تقوم به المقاومة الفلسطينية، مع أن مقاومة المحتل حق من حقوق الشعوب التي تُحتل أراضيها، والكثير من هذه المقولات التي يتم ترديدها من قبل المؤسسات الصهيونية من الأكاذيب والافتراءات، هي أقرب ما تكون للفكرة الساذجة من الحقيقة الصادقة، فهم عندما احتلوا فلسطين، لا يملكون الحقائق في هذه الأرض، فقالوا إنها (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، وهي فكرة معروفة لا تبرر هذا الاحتلال، فكل مدينة وقرية فلسطينية كانت مأهولة بالفلسطينيين، والتهجير بالملايين يكشف هذه المقولة الزائفة عن أرض بلا شعب.
ومن هنا فإن الإعلام الإسرائيلي داخل إسرائيل، بعد الحرب على غزة ركّز على قضية الخطر الإسلامي المقبل، وهم يعرفون أن هذا القول ليس له سند من الحقيقة، ولا يتقارب مع ما قامت به وتقوم به المقاومة في غزة، ومنها العملية الشهيرة في السابع من أكتوبر الماضي -كما أشرنا آنفا- كما أن الحملات الإعلامية من الدوائر الإسرائيلية والغربية المؤيدة لإسرائيل، ليست جديدة، وستستمر بين الوقت والآخر وتستعاد مرة أخرى، وفق الظروف والتوترات والصراعات، ونتذكر ما قاله «صموئيل هنتنغتون» في إحدى المقابلات عن الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهو من الموالين لإسرائيل، حتى قبل هذه الحادثة ومع صدور كتابه (صراع الحضارات)، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فتحدث كأنه آلة صماء في قبول الفكرة الصهيونية إذ قال: «هذا ليس صحيحا، القول بأن الإسلام ليس خطرا على الغرب، وأن المتطرفين الإسلاميين، هم فقط الخطر، فتاريخ الإسلام خلال أربعة عشر قرنا يؤكد بأنه خطر على أية حضارة يواجهها، خاصة المسيحية»، فمقولة هذا السياسي والمستشار السابق كلها نزعة أحادية براجماتية لتسويق رأي، لا لتأسيس رؤية، وهذه هي المشكلة التي ستواجهها الولايات المتحدة، إذا ما تعاطت وفق هذه المنطلقات الجامدة المنطلقة من أرشيف التاريخ القديم من السجالات والتوترات بين الثقافات والحضارات، التي مرت وانتهت، ويتم الحديث عنها وكأنها حدثت بالأمس القريب، مع أن المؤسسات المتطرفة لا تكف عن ذكرها للتجييش وإثارة الخلاف، بدلا من طرح أولوية الحوار والتفاهم، إذا ما تعاملت على أساسه مع الآخر المختلف.
ومن الأكاديميين الأمريكيين الذين ينتمون عرقيا للفكر الصهيوني الدكتور برنارد لويس، وهو من مؤسسات صناعة القرار في الولايات بحكم اهتمامه بالشرق الأوسط وبالعالم وله العديد من الكتب المترجمة للعربية، إلى جانب الكثير من الدراسات المتعلقة بالمنطقة عموما، ومعروف بتعصبه وانحيازه تجاه الكيان الإسرائيلي، وهي نزعة لا تخفى عن كل متابع لكتاباته وأبحاثه تجاه الإسلام والمسلمين. ولم تمنعه مسيرته الأكاديمية وعشرات الكتب التي أنجزها من التجرد والمنهجية العلمية في دراسته، وقد كتب عنه الكثير من الباحثين، الذين انتقدوا ما قاله في بعض كتاباته من آراء لا تمت للمصداقية التي يجب أن يتوخاها الباحث عندما يكتب عن تاريخ المنطقة والإسلام والمسلمين، لكن العقل الباطن والنوازع الفكرية أحيانا تمنع البعض من التجرد والنزاهة، ولذلك تجد عنده إطلاق التعميمات حول العالمَين العربي والإسلامي، وحصر الصراع والمشكلات العالقة بين الغرب والإسلام في كون العرب والمسلمين يحسدون الغرب على بحبوحة عيشه، ويرون فيهم مصدر الشرور وتهديد التقاليد الراسخة التي يتسم بها العالم الغربي. كما يعزو لويس شعور الكراهية الذي يكنه العرب والمسلمون للغرب، ثم تركيز هذه الكراهية ضد الولايات المتحدة (الدولة الأقوى وزعيمة العالم الحر، بتعبير لويس)، إلى التشويه التاريخي. وقد أشرت إلى دراسته المعروفة كتابة سابقة، والتي حملت عنوان «جذور السخط الإسلامي» ونشرت في كتاب (الإسلام الأصولي في وسائل الإعلام الغربية)، والتي اتسمت بالحدة وعدم الموضوعية فيما قاله، ومما قاله في هذه الدراسة: «إذا كان المقاتلون في سبيل الإسلام -الحرب المقدسة في سبيل الله- يقاتلون من أجل الله، فإن ذلك يستتبع القول إن خصومهم يقاتلون ضد الله. وبما أن الله هو المهيمن ومصدر السلطات من حيث المبدأ، وهو أيضا القائد العلوي للدولة الإسلامية، والنبي (وخلفاؤه من بعده) وكلاء مباشرون عنه، فإن الله إذن هو راعي الجيش وقائده. الجيش هو جيش الله، والأعداء هم أعداء الله، فواجب جنود الله إذن هو إرسال أعداء الله بأقصى سرعة ممكنة إلى حيث سيتولى الله بنفسه معاقبتهم وتأديبهم، أي إلى الآخرة».
والحقيقة أنني أستغرب هذه الأقوال التي طرحها «برنارد لويس» فهو مؤرخ وباحث مرموق ومشهور في الأوساط الفكرية والتاريخية، فهذا القول عن الإسلام بهذا الوصف يبتعد عن الموضوعية التي يجب أن تكون متوازنة، وهو بهذه الآراء، لا فرق بينه وبين نتانياهو في ترويج الأكاذيب عما يجري من قتل وتدمير وسحق الأطفال والنساء بحجة إنهم يحاربون حركة حماس وكتائب القسام! وكذلك مجلس حربه، عندما يتحدثون عما يجري في غزة، وهم لم يقتلوا سوى الأبرياء من المدنيين. ويعرف لويس -وإن لم يكن منصفا- أن الحرب في الإسلام دفاعية وليست هجومية -والجهاد في الإسلام هو للدفاع عن الحق ومواجهة الظلم والقهر، وليس فرض الدين على الناس أو إجبارهم لدخول الإسلام، كما يقول! والدليل على ذلك أن اليهود والمسيحيين بقوا في ديار الإسلام منذ انبثاق الدعوة الإسلامية إلى الآن، ولم يجبرهم أحد على الدخول في هذا الدين أو محاربتهم وطردهم من أرضهم، وبقيت معابدهم وكنائسهم حتى الآن في الشام والعراق ومصر وشمال إفريقيا وغيرها من البلدان الإسلامية، وهذا يدل أن ما يقال ليس بتلك الصورة المشوهة عند هؤلاء الذين يطلقون العنان لتعصبهم المقيت، دون أدنى خجل من أنفسهم مما يقولونه من افتراءات ملفقة التي تقال دون ضوابط!
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة العرب والمسلمین ما قاله
إقرأ أيضاً:
خالد الجندي ينتقد سيكيولوجية المتعصبين كرويا: اللاعبون يرحلون من نادٍ لآخر
علق الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، على ظاهرة التعصب الكروي: "أنا بشوف الناس اللي بتشجع كرة القدم، وفيهم ناس معتدلين على عيني وعلى راسي، ولكن المشكلة تكمن في القلة اللي بتتعصب بشكل مفرط".
وأوضح عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خلال حلقة خاصة تحت عنوان "حوار الأجيال"، ببرنامج"لعلهم يفقهون"، المذاع على قناة "dmc"، اليوم الأربعاء: أن هذا التعصب لم يعد مجرد تشجيع للعبة، بل أصبح حالة عاطفية متأججة قد تؤدي إلى مشاعر سلبية ومشاكل اجتماعية، في حين أن اللاعب الموجود في النادي يقوم بالرحيل إلى ناد آخر ليلعب له.
خالد الجندي يكشف أسباب عدم استخدام الـ DNA في إثبات أو نفي النسب خالد الجندي: ضعف الانتماء يزيد من التشددوأضاف الشيخ خالد الجندي، أن بعض الأشخاص وصلوا إلى مرحلة من التعصب الكروي لدرجة أنهم يضعون شرطًا على خطيبتهم بأن تكون من مشجعي نفس النادي الذي يشجعونه، قائلا: "شفت ناس قبل ما يتجوزوا، ارتباط مصيري لازم يعرفوا إذا كانت خطيبتهم أهلاوية أو زملكاوية"، واصفًا هذه الظاهرة بأنها تعبير عن مستوى مفرط من التعصب الذي يؤثر على العلاقات الشخصية في الحياة اليومية.
وأضاف الجندي أنه لا يجب أن يصل الأمر إلى هذه الدرجة، مشيرًا إلى أن كرة القدم يجب أن تبقى في حدود كونها مجرد لعبة ممتعة، وليس سببًا للمشاكل في العلاقات الاجتماعية أو العائلية.
وفي حلقة أمس، قال الشيخ خالد الجندي إن قول المسلم "أنا على ملة إبراهيم"، جائز وفقًا لما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية.
ملة إبراهيموأشار إلى أن قول المسلم "أنا على ملة إبراهيم" هو من أصول الدين وأصول الإسلام، مستندًا إلى قول الله تعالى في سورة البقرة: "ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه" (الآية 130)، وأيضًا إلى قول الله تعالى في سورة آل عمران: "قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين" (الآية 95).
وأضاف الجندي أن القرآن الكريم يوضح أن ملة إبراهيم هي ملة الإسلام الحنيف، وذلك في قوله تعالى: "ومن أحسن دينًا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا" (سورة النساء، الآية 125)، كما ذكر حديثًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عن سيدنا أبي بن كعب رضي الله عنه، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أصبحنا قلنا: أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلمًا وما كان من المشركين".
وأكد أن الشيخ الشنقيطي رحمه الله بيّن في تفسيره أن ملة إبراهيم هي دين الإسلام الذي بعث الله به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، مشيرًا إلى أن القول "أنا على ملة إبراهيم" يعكس الانتماء إلى هذا الدين القيم.