نيامي- ما تزال ارتدادات انقلاب النيجر تتفاعل وتتسع مساحة تأثيرها يوما إثر آخر، فبعد الهزة العنيفة التي ضربت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس"، بسبب الخلاف حول التعاطي مع حالة النيجر، وتداعيات إلغائها الاحتكار الفرنسي لمناجم اليورانيوم، ها هو المجلس العسكري في نيامي يدق مسمارا آخر في نعش الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بإعلانه إلغاء قانون تجريم تهريب المهاجرين عبر النيجر.

احتفل الأوروبيون عام 2022 بالشراكة مع النيجر في برنامج الحد من الهجرة، عبر تحصين الحدود الخارجية وفتح مجال التعاون بين "وكالة حرس الحدود الأوروبية" والنيجر، وفي أقل من عام ألغت النيجر هذه الشراكة، ما يعبر عن حالة اليأس لدى قادتها من جدوى الاستمرار في هذا البرنامج، محملة الاتحاد الأوروبي مسؤولية التبعات، وإبراز أهمية دور النيجر في تنفيذ سياسات الحد من الهجرة، ولكن  تراجع الاتحاد عن التزاماته قضى على الاتفاق.


ما طبيعة القرار الذي ألغاه المجلس العسكري في النيجر؟

أقرت النيجر عام 2015 قانونا لمكافحة تهريب المهاجرين عبر الصحراء الكبرى، حيث يتخذ المهربون منطقة أغاديز محطة رئيسية لتهريب المهاجرين إلى ليبيا ومن ثم إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، وذلك بعد تصاعد موجات الهجرة، التي بلغت 4000 آلاف مهاجر كل أسبوع حسب تقارير دولية، مما دفع الاتحاد الأوروبي للضغط على النيجر مقابل حُزم دعم اقتصادية وفنية، عبر صندوق أنشأه الاتحاد الأوروبي خصيصا من أجل منع تدفقات الهجرة غير النظامية، واعتمدت المنظمة الإيطالية كوبي (coopi) لتوفير المأوى للمهاجرين في منطقة أسماكا شمال النيجر.

ما المرسوم الذي أصدره المجلس العسكري؟

أصدر المجلس العسكري مرسوما ألغى بموجبه قانون "مكافحة تهريب المهاجرين"، وقال رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الرحمن تشياني في المرسوم الصادر في 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن "الإدانات الصادرة بموجب القانون المذكور وآثارها سوف تُلغى"، كما قال الأمين العام لوزارة العدل إبراهيم جان إيتان، إن "جميع المدانين بموجب القانون سنضطر إلى إطلاق سراحهم من قبل وزارة العدل".

ما الأسباب التي تقف وراء القرار؟

بعد الانقلاب الذي جرى في يوليو/تموز الماضي بقيادة الجنرال عبد الرحمن تشياني، قطع الاتحاد الأوروبي مساعداته للنيجر، والتي كانت تتضمن مشروعات تستوعب عددا ليس باليسير من ممتهني التهريب، فضلا عن تحمل النيجر استقبال الراغبين في العودة إلى بلادهم، وقد أفادت تقارير متعددة أن ما يزيد على 7000 مهاجر عائد كانوا مواقع الانتظار في النيجر.

وأمام الضغوط الاقتصادية التي عانتها النيجر بعد الانقلاب، بسبب توقف الدعم الخارجي، لم يكن أمام السلطات الانتقالية إلا تمرير ورقة المهاجرين، لممارسة الضغط على الاتحاد الأوروبي وربما الانتقام منه، بإطلاق وفتح كل مسارات الهجرة التي أغلقتها في السابق.


ما دلالات القرار على المستوى السياسي؟

أهم دلالة على المستوى المحلي هي أن السلطات في النيجر ستطلق سراح كل من أدين بتهمة تهريب المهاجرين، فضلا عن غض الطرف عن العابرين من الجنوب إلى شمال القارة بحثا عن منافذ العبور إلى أوروبا، إضافة إلى أن القرار يعتبر خطوة في اتجاه إنهاء العلاقات مع المعسكر الغربي، خاصة إذا قُرئ هذا مع إلغاء الشراكة العسكرية مع الاتحاد الأوروبي.

كما ألغت السلطات اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي الخاص ببناء القدرات المدنية لمساعدة قوات الأمن على محاربة المتشددين والتهديدات ذات الصلة، حسب مصادر صحفية فرنسية، وأكدت على شروع المجلس العسكري بمناقشة العلاقات مع روسيا.

كما أن إلغاء قرار "تجريم التهريب" يعتبر عقوبة لأوروبا، التي تتحدث عن وصول ما يزيد على 100 الف مهاجر إلى الشواطئ الإيطالية خلال العام الحالي، مما يشكل تهديدا حقيقيا لها بالمهاجرين الأفارقة.

كيف تفاعل الاتحاد الأوروبي مع القرار؟

انتقدت مسؤولة الشؤون الداخلية في الاتحاد الأوروبي إيفا جوهانسون قرار المجلس العسكري، باعتبار أن القرار يعني زيادة تدفق المهاجرين عبر ليبيا، مؤكدة نجاح القانون في خفض أعداد المهاجرين غير النظاميين بشكل كبير.

وقالت جوهانسون "أنا نادمة جدا على هذا القرار، وأشعر بقلق بالغ بشأن العواقب، لأن هناك مخاوف من أن يؤدي إلى وفيات جديدة في الصحراء، مع عودة عصابات الاتجار بالبشر إلى النشاط من جديد".

ما تداعيات قرار النيجر عل الصعيد الإقليمي والأوروبي؟

في ظل العثرات التي تواجهها اقتصادات الدول الأفريقية، بسبب آثار جائحة كورونا وحرب روسيا على أوكرانيا، والتغيرات المناخية الحادة، وحالة السيولة الأمنية في عدد من الدول الأفريقية، وفي غربها على وجه التحديد، سيُفتح المجال واسعا لموجات الهجرة من الجنوب صوب الاتحاد الأوروبي، وسيؤثر على منطقتين:

شمال أفريقيا

تعتبر دول الشمال الأفريقي أحد الأضلاع المتضررة، والتي ستتأثر بموجات المهاجرين باعتبارها دول العبور ومواقع الانتظار والاستعداد، وجاء في تقارير صحفية أن الدول المغاربية أبدت انزعاجها من قرار النيجر، وعبر النائب التونسي السابق سليم بن عبد السلام والمسؤول في منظمة "الأخوة الفرنسية" بأن القرار سيعقد مهمة المراقبة، وتساءل عن التشريعات والعقوبات البديلة، كما وصف وزير الداخلية الليبي المكلف القرار بأنه غير مدروس وستكون له تداعيات على الجميع.

الاتحاد الأوروبي

تعتبر أوروبا القبلة التي يحلم المهاجرون الأفارقة بالوصول إليها والعيش في رفاهيتها كما يتصورون، وتفيد تقارير منظمات دولية أن أوروبا استقبلت بين عام 2000 و2005 ما يزيد عن 440 ألف مهاجر من أفريقيا، كما تفيد المنظمات ذات الصلة بأن الهجرة لم تتوقف يوما، ولكن الأعداد تنخفض وتتراجع وفقا للسياسات المتبعة، ولذلك فإن الدول الأوروبية ستواجه موجات هائلة من الهجرات الجديدة، مما يلقي بأعباء اقتصادية كبيرة عليها، ويهددها في ظل تصاعد الشعبوية واليمين المتطرف، الذي يرفض السياسات الأوروبية في استيعاب المهاجرين.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الاتحاد الأوروبی تهریب المهاجرین المجلس العسکری

إقرأ أيضاً:

لم يتحملوا الانتقادات.. المجلس العسكري في مالي يقيل رئيس الوزراء

أقال المجلس العسكري في مالي الأربعاء الحكومة ورئيسها المدني شوغل كوكالا مايغا، بعدما انتقد الأخير السلطات العسكرية.

وذكر مرسوم وقعه رئيس المجلس العسكري الجنرال آسيمي غويتا وتلاه الأمين العام للرئاسة ألفوسيني دياوارا عبر التلفزيون الرسمي، أنه "تم إنهاء مهام رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة".

وتأتي إقالة مايغا بعد 4 أيام من توجيهه انتقادات علنية نادرة للمجلس العسكري السبت، أعرب فيها عن أسفه لإبعاده عن اتخاذ القرارات، منتقدا عن الضبابية التي تخيم على ما يسمى بالفترة الانتقالية الحالية.

وفي الأسبوع الماضي، قال مايغا إنه لم يكن هناك نقاش بشأن تأجيل الانتخابات داخل الحكومة وإنه علم بقرار المجلس العسكري من وسائل الإعلام. وأضاف مايغا للصحفيين يوم السبت "كل هذا يحدث في سرية تامة، دون علم رئيس الوزراء".

وقال مصدر مقرب من مايغا لوكالة "رويترز" إن تعليقاته أثارت توترات مع المجلس العسكري، مما أجبره على تأجيل اجتماع لمجلس الوزراء كان مقررا أمس الأربعاء.



كما هاجم مايغا عدم تنفيذ المجلس العسكري الحاكم وعده بتنظيم انتخابات خلال فترة انتقالية مدتها 24 شهرا من أجل العودة إلى الحكم الديمقراطي.

وكان يُنظر إلى مايغا الذي عينه الجيش عام 2021 بعد الانقلاب الثاني خلال عام، على أن لديه قدرة محدودة على العمل في ظل هيمنة الجيش.

وفشل المجلس العسكري الذي يقود مالي في ظل أزمة عميقة ومتشابكة منذ عام 2020 في الوفاء بالتزامه إعادة السلطة إلى مدنيين منتخبين في مارس 2024. ولم يتم تحديد موعد جديد لتسليم السلطة.

ومرارا وعد الحكام العسكريون، الذين سيطروا على السلطة في انقلابين متتاليين في عامي 2020 و2021، بإجراء انتخابات في فبراير لكنهم أرجأوا التصويت إلى أجل غير مسمى لأسباب فنية.



ودافع مايغا بشدة عن المجلس العسكري في مالي في الوقت الذي انتقدت فيه دول الجوار بغرب إفريقيا والحلفاء الدوليون تعاون المجلس مع مرتزقة روس وتأجيل الانتخابات بشكل متكرر.

وبموجب القانون، سيتعين على خليفة مايغا تشكيل حكومة جديدة بالتشاور مع الرئيس المؤقت أسيمي غويتا.

وقبل تعيينه رئيساً للوزراء في عام 2021، شغل مايغا منصب وزير التجارة في مالي في عهد الرئيس الأسبق أمادو توماني توري ووزير الاقتصاد الرقمي في عهد الرئيس السابق إبراهيم أبو بكر كيتا.
كان مايغا أيضاً زعيم ائتلاف المعارضة الذي قاد الاحتجاجات ضد كيتا قبل الإطاحة به.

مقالات مشابهة

  • الاتحاد الأوروبي : ما يحدث في غزة مأساة من صنع الإنسان
  • حبس متهمين بسرقة أموال عائدة لمصرفي الجمهورية وشمال أفريقيا
  • لم يتحملوا الانتقادات.. المجلس العسكري في مالي يقيل رئيس الوزراء
  • ترامب: سنستخدم الجيش ونفعّل قانون «الأعداء الأجانب» لترحيل ملايين المهاجرين
  • اليمن يترأس الاجتماع الـ 39 لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
  • السفيرة نائلة جبر تستقبل سفيرة الاتحاد الأوروبي لبحث مكافحة ومنع الهجرة غير الشرعية
  • إيران تحذر من تبعات مشروع القرار الأوروبي
  • «الوطني» يناقش قانون ربط ميزانية الاتحاد والجهات المستقلة
  • “الوطني الاتحادي” يناقش قانون ربط ميزانية الاتحاد وميزانيات الجهات الاتحادية المستقلة
  • بوريل: وزراء دفاع الاتحاد الأوروبي يناقشون مع "الناتو" استمرار المساعدات لأوكرانيا