فايزة سويلم الكلبانية

Faizaalkalbani1@gmail.com

أثلج صدري كغيري الكثيرين من أبناء هذا البلد الغالي، الداعمين لقضية العروبة الأولى والأهم، خبر خسارة شركة "ستاربكس" 11 مليون دولار أمريكي، كنتيجة للمقاطعة وكلمة "لا" المستحقة في وجه كل من يدعم ويمول ويؤازر طغيان الكيان المحتل الغاصب، في حربه الهمجية وهجماته البربرية على إخواننا وأخواتنا وأطفالنا في غزة الكرامة والعزة، "لا" أبدية هذه المرة، ولا رجعة فيها.

وبقدر ما أثارته أيام المقاطعة الستين الماضية، من تجاذبات بين فرق عدة مؤيد ومعارض ومحايد، بقدر ما فجرت جملة تساؤلات مشروعة، كان أهمها عن البديل!! بثلاثية استفهامية: ما ومتى وكيف؟ الأمر الذي جعلني أعيد طريقة تفكيري وتعاطيَّ مع توصيات فريق عمل برنامج "الامتياز التجاري" -الذي تم تدشينه في 11 فبراير 2023م- بعد رحلة عمل دامت على مدار شهور مضت، ركزت على ضرورة إنشاء "مركز للامتياز التجاري" يُعنى بتطوير وتأهيل المشاريع التجارية لاستيفاء متطلبات الامتياز التجاري، ويكون تابعاً لغرفة تجارة وصناعة عمان، إلى جانب ضرورة إضافة نظام الامتياز التجاري إلى قانون الوكالات التجارية الصادر باامرسوم السلطاني رقم (34/2014)، وإيجاد منتجات تمويلية لتسهيل شراء حق الامتياز التجاري من خلال البنوك والمؤسسات التمويلية.

وعملا بالمثل الدارج "مصائب قوم عند قوم فوائد".. توصلت لقناعة بأن الوعي المجتمعي الحالي تجاه المقاطعة، مضافا إليه حجم الخسائر التي أصبحنا نسمعها للشركات التي تصدرت قائمة "لا" الأبدية،  تفتح الباب واسعا أمام مساهمة هذه التوصيات في تأهيل منتجات ومشاريع أصحاب الأعمال العمانية للتوسع والوصول للعالمية لتسهم في تنويع مصادر الدخل من جهة، وإكسابها قيمة محلية مضافة لتكون بديلاً للمنتجات الداعمة للصهاينة في ظل استمرار "المقاطعة"، ليكون البديل "فرانشايز عماني"، متنوع بين المطاعم، والتنظيف الجاف للملابس وخدمات الطباعة والتصميم وصالونات التجميل والمشغولات الفضية والهدايا وغيرها.

وإذ نحيي جهود غرفة تجارة وصناعة عمان، على تهيئة مناخات مؤاتية أمام جيل واسع من شبابنا رواد ورائدات الأعمال، وتوطين فرص استثمار حقيقية، لنجدد اضطلاعنا الكامل نحن أبناء عمان الأوفياء بمسؤوليتنا العروبية والدينية تجاه أشقائنا في عزة الأبية، دعما ونصرا وتأييدا، بأن تكون مقاطعتنا أبدية، كما نتمنى لو سعى البعض من أصحاب الأعمال العمانيين لإنهاء عقودهم مع هذه الشركات العالمية حتى ولو كان وكيلاً حصرياً لهم، لاسينا في ظل استمرار وحشية وهمجية هذا الكيان المجرم، وممارساته للتطهير العرقي، فالقضية الفلسطينية عامة وما يحدث في غزة اليوم خاصة يستحق منا التضحية والمساهمة والدعم الإنساني على أعلى المستويات المتاحة أمامنا، فسلاح "المقاطعة الأبدية" يشكل أحد أكبر الأسلحة التي لابد أن تستمر وبقوة وجدية وحزمٍ، وذلك لما لها من آثار اقتصادية ستقلب السحر على الساحر.

ويبقى القول في الأخير.. إنه من قلب المحن تولد الفرص، وفي ظل المقاطعة تتشكل جملة فرص أمام الكثير من أصحاب المشاريع والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لتفرد أجنحتها بالسوق وللجمهور المستهلك وتكثف التسويق والترويج لمنتجاتها، وهذا ما تسعى إليه غرفة تجارة وصناعة عمان والجهات المساندة لها من خلال العمل بإخلاص طوال الفترة الماضية للتعريف ببرنامج "الامتياز التجاري للشركات"، وفق برنامج عمل زمني حطت رحال فريق العمل فيه بمختلف محافظات السلطنة برفقة مدربين واستشاريين، بحثاً عن أصحاب المشاريع  والمنتجات المستحقة للحصول على "الامتياز التجاري"، تشجيعاً وتحفيزاً لهم ليصلوا إلى العالمية وليكونوا من أصحاب "الفرانشايز" وفق الضوابط والشروط والمواصفات والمعايير التي تضمن حق الطرفين بكل وضوح وشفافية.. ورغم التحديات إلا أننا كلنا ثقة بأن الشباب العماني قادر على أن يصنع الفارق ويكون في الصدارة وبديلاً استثنائياً في ظل هذه المقاطعة التي نتمناها تكون أبدية.. والبديل عماني.

 

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عمان في مؤشر السلام العالمي 2024

يشكِّل السلام جوهر الحياة الإنسانية وسر ازدهارها، فلا يمكن أن ينعم أي شعب بالرفاهية والحياة الكريمة ما لم يتحقَّق له السلام والأمان؛ لأنه لا يدُّل على انعدام العنف وحسب، بل أيضا يشير إلى أنماط الحماية الشاملة والحفاظ على حقوق الإنسان في المجتمعات، إضافة إلى تحقيق المساواة والعدل والرفاه وحرية التعبير وغير ذلك مما يحفظ كرامة الإنسان ويمتِّعه بحياة آمنة مطمئنة.

ولهذا فإن مفهوم السلام يتطوَّر بتطوُّر المجتمعات وتغيُّر احتياجاتها، من هنا برزت الحاجة إلى الحماية الاجتماعية وقدرة المؤسسات على إيجاد أنظمة وسياسات توازن بين احتياجات أفراد المجتمع وأولويات الدولة، ولهذا يُنظر إلى مفاهيم السلام الإيجابي باعتبارها مفاهيم تحويلية تتخذ أساليب وطرق أكثر مرونة وقدرة على إيجاد سبل واضحة وآمنة في تطوير المجتمعات وازدهارها وفق إمكانات تضمن تحقيق ممكنات السلام.

فبحسب تقرير السلام الإيجابي 2024، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام (IEP)، فإن الدول التي تتمتع بالسلام الإيجابي هي تلك التي تتميَّز بمستويات عالية من «المرونة وقادرة على تقديم حماية أكثر فاعلية لمواطنيها ضد الصدمات السلبية، سواء أكانت سياسية أو بيئية أو اقتصادية»، ولهذا فهي سريعة التعافي من الصدمات وأكثر قدرة على مواجهة التحديات وتخطيها لتصل إلى أفضل النتائج وأسرعها نموا، وبالتالي تحقيق تنمية مجتمعية مزدهرة.

إن السلام الإيجابي مفهوم تحويلي لأنه يحوِّل الظروف ويوجهها نحو إيجاد سياسات تعزِّز السلام من خلال دعم أكبر لمستويات المرونة وإيجاد مقاييس أفضل للرفاهية، وضمان تطوُّر المجتمع وتحوُّله نحو الرفاه الاجتماعي المنشود، لذا فإن معايير السلام تشمل تحقيق مستويات (الثقة والتعاون والشمولية) اللازمة لمواجهة التحديات وتخطيها بأفضل الوسائل، خاصة في ظل تنامي التقنيات الحديثة والتطورات التي عزَّزت أهمية السلام الإيجابي للمجتمعات باعتباره إطار شامل ومنهجي.

يقيس مؤشر السلام الإيجابي 2024 مستوى المرونة المجتمعية لـ (163) دولة في العالم، فهو لا يركِّز على المرونة في حل القضايا السياسية أو القضاء على العنف وحسب، بل أيضا الحوكمة والتنمية الاقتصادية والرفاه والأداء البيئي، إضافة إلى التطور التقني، وصُنفت الدول بحسب ما تقدِّمه من مستويات تلك المرونة، وقد جاءت عُمان في هذا المؤشر في المرتبة (62)، فبالرغم من تراجعها مرتبتين عن مركزها في العام الفائت، إلاَّ أنها تأتي من بين 40 دول من العالم تتمتع بسلام إيجابي جيد، ونمو مزدهر في معايير المؤشر الخاصة بالتنمية المجتمعية.

ولأن عُمان تتمتع بمقومات محفزِّة للسلام الإيجابي فإنها تُعد من الدول التي تتخذ أنظمة راسخة في التنمية المجتمعية من حيث اتباع أفضل الممارسات في تنمية القطاعات وأنظمة الحوكمة والحماية الاجتماعية بما يضمن مرونة الأداء والقدرة على الصمود في الظروف الصعبة وتحقيق شراكة أكبر مع المجتمع (مؤسسات وأفراد)، وبالتالي فإنها بيئة قادرة على تطوير أنظمتها وممارساتها وفقا للأولويات من ناحية ومسارات تطوُّر المجتمع من ناحية أخرى.

يخبرنا مؤشر السلام العالمي للعام 2024، الصادر عن المعهد نفسه، أن العالم يعاني من «تدهور متوسط مستوى السلام القُطري بنسبة 0.56%» للسنة الخامسة على التوالي؛ حيث سجَّلت 65 دولة فقط تحسنا في مجال السلامة والأمن، في حين تدهورت 97 دولة في المؤشر ضمن مجالي النزاع المستمر والعسكرة، الأمر الذي يعني أن هناك تداعيات كثيرة تحدث في العالم جرَّاء الصراعات المختلفة وخاصة الجيوسياسية التي تحدث في أقاليم عدة من العالم.

إن هذه الصراعات العسكرية تؤثر بشكل مباشر على القطاعات التنموية كلها خاصة الاقتصادية، وهي هنا لا تؤثر على الدول التي تحدث فيها تلك الصراعات وحسب، بل أيضا ينعكس على دول العالم كلها خاصة الدول الواقعة في الإقليم نفسه، أو تلك التي تتعامل معها ضمن الشراكات التجارية والمالية، إذ يكشف لنا تقرير مؤشر السلام العالمي 2024 أن التأثير الاقتصادي للعنف بلغ «19.1 تريليون دولار في عام 2023، أي ما يُعادل 13.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي»، وهو أمر يكشف بوضوح التأثير الكبير للعُنف والنزاعات العسكرية المسلحة التي ينتج عنها دمار وتشرُد ولجوء ونزوح على المستوى الإنساني وتدهور على المستوى الاقتصادي.

احتلت عُمان في مؤشر السلام العالمي للعام 2024 المرتبة (37)، حيث جاءت من بين الدول التي تتمتع بمؤشرات سلام جيدة، فهي في المرتبة الثالثة بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، رغم أن المنطقة تعاني من الكثير من النزاعات بسبب ما تشنه إسرائيل من حرب انتقامية جائرة على غزة، وما تعانيه سوريا والسودان واليمن من نزاعات وظروف قاسية، إلاَّ أن عُمان تأتي في مرتبة الدول التي تتميَّز بمؤشرات سلام وأمان جيدة، إذ تأتي من بين (50) دولة من العالم حافظت على السلام والأمان في مجتمعها، بل وقدمت أدوارا مهمة في الحفاظ على ممكناته بين دول المنطقة والعالم، إضافة إلى ما تبذله من جهود في الإنفاق العسكري والحفاظ على الأمن الوطني وحماية المجتمع.

فلطالما كانت عُمان نموذجا لمعايير السلام في العالم، خاصة تلك المتعلِّقة بالعلاقات السياسية وحسن الجوار والدعوة إلى الحوار والمساهمة في فض النزاعات والخلافات، وبالتالي فإن مبادئ السلام التي تتخلَّق بها تجعلها من بين تلك الدول الرائدة في نبذ العنف والدعوة إلى التسامح والتفاهم والحوار البنَّاء بما يُعزِّز أواصر الخير والمحبة بين شعوب العالم، إضافة إلى دورها في حماية أفراد المجتمع وتنمية القطاعات بما يضمن الحياة الكريمة وتحقيق الرفاه، وحماية البيئة وحقوق الإنسان وثقافة المجتمع.

لذا فإن وجود عمان من بين الدول المتقدمة في مؤشر السلام العالمي لهذا العام، لا يكشف سوى جزء يسير مما تقدِّمه لمواطنيها من حماية، وما تنفذه من سياسات حوكمة ومحاربة للفساد، وما تقوم به من برامج اقتصادية وتنموية في كافة القطاعات، وما تؤديه من دور محوري في العديد من قضايا المنطقة، وما تبذله من تطوير في المنظومة التقنية والعسكرية، إذ ليس من الغريب أن تقفز في المؤشر إلى المراتب الأكثر تقدما في تقارير الأعوام اللاحقة، فهي من بين تلك الدول القادرة والمؤهلة لذلك.

إن السلام والأمان مطلب أساسي للمجتمعات، وما أحوجنا إلى القبض بممكناته وأسبابه في ظل تزايد الصراعات العسكرية العنيفة والجائرة على العديد من دول العالم، وما تمر به الشعوب من ظلم وتعدٍّ على حقوقها وإنسانيتها، فما ننعم به من أمن وسلام يعود إلى حرص دولتنا وعنايتها بتلك الممكنات وتوفير أسبابها، ودور مجتمعنا الواعي في ترسيخ قيم التسامح والتفاهم على المستوى الوطني والإقليمي، ومشاركته الفاعلة في التنمية المجتمعية وتعاونه المستمر ودعمه لكل ما من شأنه تعزيز تلك المبادئ والقيم وتأصيلها.

إننا جميعا جزء أساسي في تنمية مجتمعنا وترسيخ مبادئه القائمة على التفاهم وحسن الجوار، والبناء والعطاء والتطوير والتغيير للأفضل، وما تعكسه المؤشرات العالمية من نتائج، يكشف هذا الدور المتكامل بين المؤسسات بأنواعها وبين أفراد المجتمع، وكُلنا نعمل على تحقيق الوعد في أن تكون عُمان (في مصاف الدول المتقدمة).

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة في مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

مقالات مشابهة

  • عمان في مؤشر السلام العالمي 2024
  • دوي انفجار قوي في الجزء الذي تحتله قوات كييف من مقاطعة زابوروجيه
  • 12.1 مليار ريال حجم أصول محفظة التنمية الوطنية لجهاز الاستثمار العماني
  • بمشروعات وأرباح مليارية: كيف استطاعت محفظة التنمية الوطنية لجهاز الاستثمار الإسهام في التنويع الاقتصادي؟
  • «القومي للمرأة» ينظم ورشة عمل لموظفي إداراته بالقاهرة والمحافظات
  • بقدم الشحات وصناعة وسام أبو علي.. الأهلي يتقدم على فاركو في الشوط الأول «فيديو»
  • معهد إسرائيلي يحذر من الانزلاق نحو العزلة بسبب حملات المقاطعة
  • بلغت الـ 94%.. طلبة الطب يؤكدون نجاح مقاطعة الامتحانات ويحذرون من سيناريو السنة البيضاء
  • عقوبات امريكية جديدة على النفط الايراني وصناعة البتروكيمياويات
  • بالصور والذكاء الاصطناعي.. كيف خدع مهرجان موازين جمهوره بالمغرب بسبب غزة؟ (شاهد)