اليوم السابع : الجيش الجزائرى: القبض على إرهابى كان ينشط بمنطقة الساحل الأفريقى
تاريخ النشر: 12th, July 2023 GMT
صحافة العرب - العالم : ننشر لكم شاهد الجيش الجزائرى القبض على إرهابى كان ينشط بمنطقة الساحل الأفريقى، التالي وكان بدايه ما تم نشره هي nbsp;أعلن الجيش الجزائرى القبض على إرهابى كان ينشط بمنطقة الساحل الأفريقي، وضبط عدد من الأسلحة الثقيلة وعنصرى .، والان مشاهدة التفاصيل.
الجيش الجزائرى: القبض على إرهابى كان ينشط بمنطقة...
أعلن الجيش الجزائرى القبض على إرهابى كان ينشط بمنطقة الساحل الأفريقي، وضبط عدد من الأسلحة الثقيلة وعنصرى دعم للجماعات الإرهابية، و376 مهاجرا غير شرعى، وذلك خلال عمليات عسكرية فى العديد من الولايات على مدار أسبوع.
وأوضحت وزارة الدفاع الجزائرية، فى بيان، اليوم /الأربعاء/ أن وحدات الجيش تمكنت، خلال الفترة من 5 وحتى 11 يوليو الجارى، من إلقاء القبض على الإرهابى المسمى"لنصارى سليمان"، الذى كان ينشط ضمن الجماعات الإرهابية بمنطقة الساحل منذ سنة 2014، وضبط بندقيتين رشاشتين، وعنصرى دعم للجماعات الإرهابية، وذلك فى سياق الجهود المتواصلة المبذولة لمكافحة الإرهاب.
وبحسب البيان، نجحت قوات الجيش الجزائرى فى ضبط 56 تاجر مخدرات، وإحباط محاولات إدخال كميات من المواد المخدرة إلى البلاد، فضلا عن ضبط نحو 160 ألف قرص مخدر.
وفى سياق مكافحة الهجرة غير الشرعية، نجحت قوات حرس السواحل الجزائرية فى إنقاذ 221 شخصا كانوا على متن قوارب تقليدية الصنع، والقبض على 376 مهاجرًا غير شرعى من جنسيات مختلفة فى عدد من الولايات الجزائرية.
المصدر: صحافة العرب
كلمات دلالية: الجيش موعد عاجل الدولار الامريكي اليوم اسعار الذهب اسعار النفط مباريات اليوم جدول ترتيب حالة الطقس
إقرأ أيضاً:
منطقة الساحل: الأمن الغذائي والتطرف المناخي.. وتداعيات الهجرة إلى الشمال!
محمد المنى (أبوظبي)
أصبح التَّغيُّر المناخي تهديداً جديداً جدياً لأمن كثير من الدول والمجتمعات، لاسيما بسبب الفيضانات ونوبات الجفاف وغيرها من التبعات الكارثية للظواهر المناخية المتطرفة التي ازدادت وتيرة وقوعها خلال السنوات الماضية في العديد من مناطق العالم. وتعد بلدان منطقة الساحل الأفريقي في مقدمة الدول الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية، رغم أن حجم مساهمتها لا يكاد يذكر في الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري. وبسبب قدراتها المحدودة على التكيف المناخي، فإن اضطرابات الطقس تفاقِم أزمات الأمن الغذائي في المنطقة، وتؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر وتوسع النزوح الداخلي وزيادة التوترات الاجتماعية، مما يساهم في إضعاف استقرار الدول، ويزيد أوضاعها الاقتصادية والسياسية هشاشة، ويدفع بموجات من المهاجرين إلى أروبا بحثاً عن فرص حياة أفضل. ولذا فقد أصبحت تدفقات الهجرة القادمة من منطقة الساحل عاملاً مقلقاً للدول المغاربية، وشبحاً تحاول دول الاتحاد الأوروبي على الضفة الأخرى للأبيض المتوسط مجابهته.
وفي هذا الملف الصحفي الخاص نتعرف على بعض أهم التداعيات المرتبطة بالتغير المناخي في منطقة الساحل، وخاصة منها موجات الجفاف ومواسم الفيضانات التي عرفتها المنطقة، وما تركته من انعكاسات على الأمن الغذائي لبلدان الساحل، وكيف كان لذلك تأثيراته على المنطقة المغاربية. وقد اعتمدنا في إعداد مادة هذا الملف على محاورة سبعة خبراء متخصصين في قضايا منطقة الساحل، لاسيما أزمات الطقس والاقتصاد والجغرافيا البشرية، كما عُدنا إلى عشرات الأبحاث والتقارير الأممية والإقليمية والوطنية، حول الأوضاع البيئية والاجتماعية والاقتصادية في منطقة الساحل.
وتتكبد منطقة الساحل خسائرَ فادحةً جراء تغير المناخ وما يرتبط به من صدمات وكوارث، خاصة بسبب الجفاف الذي ضربها على شكل موجات متتالية منذ ستينيات القرن الماضي، وكذلك الفيضانات التي أصبحت تشهدها بوتيرة أسرع إيقاعاً وأشد دماراً من ذي قبل.
الساحل.. المفهوم والتجمعات
تختلف التحديدات الجغرافية حول تعريف منطقة الساحل الأفريقي، فهو ليس منطقة ذات حدود معروفة بموجب القانون الدولي أو القوانين الوطنية، بل منطقة جغرافية يتم تعريفها وفقاً لخصائصها الطبيعية في المقام الأول. وقد ظهر مصطلح الساحل (Sahel) في الكتابات الأوروبية حول أفريقيا أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر، وبدأ استخدامه كتعريف جغرافي في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، في تقارير المستكشفين والمبتعثين الأوروبيين، وعلى رأسهم رينيه كاييه (René Caillié) وهاينريش بارت (Heinrich Barth) وغيرهارد رولفس Gerhard Rohlfs وغيرهم. ثم أصبح المصطلح أكثر شيوعاً في الكتابات الإدارية الفرنسية التي ركزت على وصف المناطق المحاذية للصحراء الكبرى في مستعمراتها بكل من السنغال ومالي والنيجر. ومع تطور الجغرافيا البيئية في القرن العشرين، توسع مفهوم «الساحل» وأصبح يشير إلى الحزام الجغرافي الممتد من المحيط الأطلسي غرباً إلى البحر الأحمر شرقاً، والذي يتميز بمناخه شبه الجاف وبوضعه الانتقالي بين الصحراء الكبرى ومنطقة السافانا الأفريقية. أما شمالاً فيُحدد بالصحراء الكبرى حيث تبدأ الكثبان الرملية والسلاسل الجبلية مع انعدام الأشجار وتناقص الأمطار، وجنوباً بمنطقة السافانا الأفريقية حيث تزيد الأمطار ويبدأ ظهور الغابات الاستوائية. بمعنى أن منطقة الساحل هي النطاق الانتقالي بين الفضاء الصحراوي بخصائصه المناخية (طقس جاف وقليل المطر وحار معظم العام) والديموغرافية (كثافة سكانية محدودة للغاية).. وبين الفضاء السوداني بخصائصه المناخية (طقس رطب وممطر) والديموغرافية (كثافة سكانية عالية نسبياً).
ومصطلح الساحل الذي أطلق في الأدبيات الإدارية والجيوستراتيجية الغربية على هذه المنطقة، لا يعني الكلمة العربية «ساحل البحر» (أو الشاطئ)، وإنما هو مشتق من كلمة عربية أخرى هي «السهل»، وهو تكوين تضاريسي يغلب على هذا الجزء من القارة الأفريقية. وقد برز هذا المصطلح في التداول الإعلامي نهايةَ تسعينيات القرن الماضي، مع قيام تكتل إقليمي يدعى «تجمع دول الساحل والصحراء» المعروف اختصاراً باسم تجمع «س.ص»، ثم خلال موجة الإرهاب التي اجتاحت المنطقة انطلاقاً من إقليم أزواد المالي أواخر عام 2010، وما أعقب ذلك من قيام تكتل آخر عُرف باسم «مجموعة دول الساحل الخمس» (G5). وبينما ضم «تجمع دول الساحل والصحراء» (س.ص)، الذي تأسس عام 1998 خلال قمته الأولى في طرابلس، 18 دولة هي: ليبيا وبوركينا فاسو ومالي وتشاد والسودان والنيجر وإرتيريا وجمهورية أفريقيا الوسطى والسنغال وغامبيا وجيبوتي ومصر والمغرب وتونس ونيجيريا والصومال وتوغو وبنين، فإن «مجموعة دول الساحل الخمس»، التي تأسست خلال قمتها الأولى في نواكشوط عام 2014، تضم خمس دول فقط هي بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر. غير أنه قبل ذلك بحوالي أربعين عاماً، وتحديداً في عام 1973، كان قد تم إنشاء «اللجنة الدائمة المشتركة لمكافحة الجفاف في منطقة الساحل» (CILSS)، والتي تضم الآن ثلاث عشرة دولة عضواً هي: بنين وكوت ديفوار وغامبيا وغينيا وغينيا بيساو وموريتانيا والسنغال وتوغو وبوركينا فاسو ومالي والنيجر وتشاد والرأس الأخضر. وسنأخذ هنا في هذا الملف بالتحديد الذي يعرّف منطقة الساحل كنطاق جغرافي يضم الدول الـ13 الأعضاء في «سيلس»، خاصة أنها لجنة فنية معنية أساساً بالتحدي البيئي المناخي الذي يواجه هذه المنطقة.
ولنحاول الآن الإجابة على السؤال الأهم: ماذا فعل التغير المناخي بهذه المنطقة؟ وكيف أثّرت الكوارث الطبيعية، خاصة الفيضانات وموجات الجفاف، على الأوضاع الداخلية لدول الساحل فيما يتعلق بقطاعها الزراعي وأمنها الغذائي؟
مظهران للأزمة
يؤكد الخبراء أن منطقة الساحل تواجه أزمة مناخية حادة، ويصنفونها باعتبارها المنطقةَ الأكثر هشاشة أمام ظواهر التغير المناخي بسبب موقعها الجغرافي، ومحدودية مواردها المائية، واعتمادها الكبير على الزراعة والرعي. ويعدد كوليبالي حاميدو، خبير الأرصاد الجوية والتغير المناخي، المظاهر الرئيسية لهذه الأزمة في الساحل الأفريقي، مشيراً إلى درجات الحرارة التي ترتفع في المنطقة بمعدل أسرع من المتوسط العالمي، وإلى حالات الجفاف الممتدة والمتكررة، والاضطراب المتزايد في أنماط هطول الأمطار، مما يربك الأنشطة الزراعية بصفة خاصة. وهذا إلى جانب تدهور التربة وظواهر التعرية والتصحر والملوحة، مما يقلل قدرة الأراضي على الإنتاج الغذائي. ونقتصر في هذا الملف على مظهرين رئيسيين لأزمة التغير المناخي في منطقة الساحل، ألا وهما الفيضانات والجفاف.
فيضانات ومنطقة هشة
كان تهاطل الأمطار في الماضي حدثاً ساراً ينتظره ملايين المزارعين ومربو المواشي في منطقة الساحل، لكنه أصبح كابوساً بالنسبة للكثيرين فيها، وبات من النادر أن تنقضي الفترة بين شهري يونيو وسبتمبر دون أن تشهد المنطقة وقوعَ فيضانات تؤدي إلى أضرار مادية ومآسٍ إنسانية. وبعد دورات جفاف طويلة، بدأت الأمطار تعود إلى متوسط مستواها في المنطقة، لكن مع زيادة واضحة في كثافة تركزها زمنياً، دون حدوث تحسن في مدة الموسم الممطر، مقارنةً بسنوات الجفاف في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي.
وقد مثّل 2024 عاماً آخر من صدمات الطقس في منطقة الساحل، إذ شهدت عدة أنحاء فيها فيضاناتٍ وسيولاً مدمرةً. وأسفرت فيضانات غير مسبوقة في كل من الكاميرون وليبيريا عن تدمير قرابة 100 ألف منزل، وغرقِ عشرات آلاف الهكتارات المزروعة، ونفوق عشرات الآلاف من رؤوس الماشية.. في البلدين. كما أدت السيول والأمطار الغزيرة في تشاد إلى وفاة حوالي 600 شخص، وأضرت بمليونين آخرين، أي ما يفوق 10% من سكان البلاد. وفي العام نفسه (2024)، عرفت أيضاً منطقة حوض نهر النيجر فيضانات غير مسبوقة، تضررت جراءَها كل دول النهر، وهي نيجيريا والنيجر وبنين ومالي وغينيا. وكانت الأضرار الأكبر في نيجيريا. وفي النيجر المجاورة، أودت الأمطار الغزيرة بحياة مئات الأشخاص، وأجبرت نحو مليون شخص على النزوح من ديارهم. كما حدثت خسائر في كل من مالي وتشاد اللتين شهدتا زيادةً بالضعف في معدلات تهاطل الأمطار مقارنةً بالسنوات السابقة، لكن مع تركزها في بضعة أيام فحسب. وعرف حوض نهر السنغال أيضاً فيضانات عارمة في شهر أكتوبر الماضي، أسفرت عن نزوح عشرات آلاف السكان وفقدان محاصيل زراعية بآلاف الهكتارات، على جانبي حوض النهر في كل من السنغال وموريتانيا.
وواقع الحال أن الفيضانات والأمطار الغزيرة لم تعد حدثاً مفاجئاً بالنسبة لسكان منطقة الساحل، فالعديد من مدنها تعرضت لسيول عارمة خلال الأعوام الماضية، بما في ذلك نيامي (عاصمة النيجر) التي تعرضت لفيضانات في الأعوام 2010 و2012 و2013 و2016 و2017 و2022، وكذلك العاصمة البوركينابية واغادوغو التي شهدت هي الأخرى فيضانات في أعوام 2009 و2012 و2015، و2020.. إلخ. كما تأثرت العاصمة النيجيرية أبوجا بفيضانات سبتمبر عام 2020، حيث غمرت المياه عدة أحياء فيها، علاوة على خراب آلاف الهكتارات من الأراضي المزروعة. وكذلك الأمر بالنسبة للعاصمة السنغالية دكار في عام 2022.
ويوحي هذا الاتجاه التصاعدي للفيضانات في المنطقة، كما يؤكد خبير الجغرافيا الطبيعية الدكتور الشيخ سعدبوه الحسن، بمزيد من الاضطراب وعدم الانتظام في التهاطلات المطرية. وهو السيناريو المستقبلي ذاته الذي يحذر منه الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، إذ يتحدث عن أنماط هطول مطرية أكثر كثافة وأقل انتظاماً. وهذا ما يجعل الحفاظ على النمو الاقتصادي والأمن الغذائي عرضةً لصدمات الطقس وتقلباته العنيفة، لاسيما أن الصمود البيئي في منطقة الساحل «يواجه العديد من الإكراهات المرتبطة بهشاشة المجتمع والدولة، مثل ارتفاع معدلات الفقر (خاصة في الوسط الريفي)، وقصور البنى التحتية الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية.. نتيجة غياب أو تدني شبكات الري والصرف الصحي، وضعف شبكات النقل والتخزين»، كما يوضح الدكتور سليمان حامدون حرمه، خبير التنمية المحلية وأستاذ الجغرافيا البشرية بجامعة نواكشوط.
الزراعة وموجات الجفاف
تشهد منطقة الساحل الأفريقي فترات جفاف تدوم لعدة سنوات، وهو ما لفت أنظار العالم منذ ستينيات القرن الماضي إلى هذه الظاهرة المناخية وما يرتبط بها من عواقب بيئية واقتصادية وإنسانية وخيمة. وكان جفاف الستينيات أول كارثة طبيعية واسعة النطاق تضرب الجزء الأكبر من «أفريقيا الغربية» (موريتانيا، السنغال، مالي، وبوركينا فاسو، النيجر، تشاد) بعد نيل بلدانها الاستقلال عن فرنسا في مطلع ذلك العقد. وجاء الجفاف في عام 1968 بعد فترة شديدة الرطوبة (1950 -1967) ليسجل ذروتَه في عام 1971، حيث بلغ العجز في هطول الأمطار أكثر من 25% مقارنةً بالمتوسط طويل الأجل. ولم يقتصر الجفاف على النطاق شبه الصحراوي من منطقة الساحل فحسب، بل امتد أيضاً إلى منطقة السافانا والمناطق الاستوائية، بينما ازداد الجزء شبه الصحراوي من المنطقة جفافاً وتصحراً. وهنا نستعرض بعض الآثار البيئية والاجتماعية للجفاف في ثلاث من دول المنطقة، هي السنغال وموريتانيا والنيجر، كحالات دالة على عمق الأضرار التي أصابت القطاع الريفي لهذه الدول، وهو الذي يمثل «القاعدة الصلبة» لأمنها الغذائي الوطني.
تقلبات المحاصيل
تمثل السنغال حالة نموذجية للتحول البيئي في منطقة الساحل، فهي بلد ذو مناخ استوائي يتسم بالتباين بين مواسم الأمطار والمواسم الجافة، لكنها تعرضت لموجة جفاف هي الأقسى في تاريخها الحديث بداية من عام 1968، تلتها موجة ثانية في سبعينيات القرن نفسه، وثالثة في ثمانينياته، حيث انخفضت معدلات هطول الأمطار بحوالي 25%، مما أدى إلى تراجع الموارد المائية والزراعية. ولئن استمرت موجات الجفاف خلال التسعينيات وما بعدها، فإنها أصبحت أقصر مدةً وأكثر تباعداً، مما زاد صعوبة التكيف مع أنماط المناخ المتغيرة. غير أن الجفاف عاد لحدته مجدداً بداية من عام 2005، خصوصاً في المناطق الشمالية والوسطى من البلاد. وما فتئ هذا الجزء من البلاد يعاني جفافاً دورياً يؤثر على الزراعة والرعي الحيواني اللذين يمثلان النشاط الأساسي الأول للسكان، حسب تقديرات الصندوق الدولي للتنمية الزراعية «إيفاد»، إذ يوظف القطاع الزراعي وحده نحو 27% من القوة العاملة على المستوى الوطني ككل، وفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو).
وقد أثرت مواسم الجفاف التي عرفتها السنغال على محاصيلها الزراعية، كما تبين الأرقام المتوفرة منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، إذ اتسمت بالتذبذب والانخفاض في أحيان كثيرة. ووفقاً لتقرير «الوكالة الوطنية للإحصاء والديموغرافيا» السنغالية، فقد تراجع إنتاج البلاد من الأرز في عام 2022 بنسبة 1.7% مقارنة بالعام السابق. أما محاصيل الدخن فانخفضت بنسبة 9.17% خلال الفترة ذاتها. ووفقاً للتقرير ذاته فإن إنتاج البلاد من الحبوب عامة بلغ في عام 2022 حوالي 3.481 مليون طن، بانخفاض نسبته 4.4% مقارنةً بالعام السابق. وهو انخفاض يعزوه الوكالة إلى تقلص المساحات المزروعة بنسبة 4.6%، وإلى التقلبات المناخية غير المواتية متمثلةً في الجفاف بصورة خاصة.
الجفاف.. السبب الأول
وفي موريتانيا المجاورة للسنغال، شكلت موجة الجفاف التي تعرضت لها البلاد بداية من عام 1968 نقطة تحول في التاريخ البيئي والاجتماعي والاقتصادي لهذا البلد الساحلي الصحراوي. واستمرت موجات الجفاف المتتالية، متسببةً في تغييرات جذرية ما تزال آثارها البيئية والاجتماعية والاقتصادية ملموسة حتى اليوم، وقد يكون أحد أبرز مظاهرها «تراجع نسبة السكان الرحل من75 % سنة 1965 إلى حوالي 0.4% سنة 2023، وتضاعف عدد سكان العاصمة نواكشوط حوالي 250 مرة بين سنتي 1962 و2023»، كما يذكر الدكتور سليمان حامدون حرمه. وكانت بداية ذلك التحول الكبير مع الموجة الأولى من الجفاف بين عامي 1968 و1974، والتي أدت إلى نقص حاد في المحاصيل الزراعية ونفوق أعداد كبيرة من المواشي، مما أثَّر على معظم السكان. ثم جاءت الموجة الثانية في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات، وأدت هي أيضاً إلى نتائج مشابهة، وإن كانت أقل حدة. تبعتها موجة ثالثة بين عامي 1983 و1985، نجم عنها تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وزيادة معدلات النزوح إلى المدن. كما عرفت البلاد جفافاً متقطعاً خلال التسعينيات والعقد الأول من الألفية الجديدة، كانت له نتائجه الثقيلة هو أيضاً، إذ ساهم في اتساع رقعة التصحر الذي أصبح يشمل 90% من مساحة البلاد، كما أضعف الإنتاج الزراعي والحيواني، مما أضر بالأمن الغذائي الموريتاني. ورغم أن أحدث موجة جفاف رئيسية ضربت موريتانيا كانت في عام 1993، فإن البلاد ظلت تتعرض لمواسم جفاف وقحط خلال السنوات اللاحقة، ومن ذلك ما عانته خلال عام 2022 من شح متجدد في الأمطار، مما تسبب في مصاعب للقطاع الريفي الذي يعتمد عليه أكثر من 62% من سكان البلاد، ويساهم بنسبة 17% في الناتج المحلي الإجمالي، علاوة على كونه المزود الثاني بفرص العمل في البلاد (يوظف 21% من القوة العاملة النشطة)، وفقاً لتقديرات «الفاو»، التي توضح أيضاً أن هذا القطاع يساهم بشكل رئيسي في تغطية احتياجات البلاد الغذائية، خاصة من الحبوب (30%)، واللحوم الحمراء (100%)، والحليب (30%). لكن الإنتاج الزراعي في موريتانيا، كما لاحظ تقرير البنك الأفريقي للتنمية (2024)، لا يغطي في المتوسط أكثر من 40% من الاحتياجات الغذائية للبلاد، وضمنه إنتاج الحبوب الذي يمثل نحو 30% من الاستهلاك المحلي. وعن الأسباب الكامنة وراء هذه الفجوة الغذائية التي تصل نحو 70% من الاستهلاك الوطني، يذكر تقرير «الفاو» عوامل مثل التعافي البطيء من آثار جائحة «كوفيد-19»، والاعتماد الهيكلي المفرط على الاستيراد في المجال الغذائي.. لكن التقرير يتوقف عند «السبب الأول والأهم»، وهو الجفاف الذي عادةً ما يضرب المواسم الزراعية ويقلل مستويات إنتاجها.
التصحر والانكشاف الغذائي
ولعل أكثر دول الساحل تأثراً بالتغير المناخي هي النيجر، حيث يشكل الجفاف تحدياً كبيراً للحياة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، لاسيما للقطاع الريفي الذي يمثل حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ويوفر 44% من عائدات التصدير، وفقاً لتقرير وكالة التنمية الفرنسية لعام 2023. كما يشكل قطاعَا الزراعة والتنمية الحيوانية مصدر الدخل الرئيسي بالنسبة لأكثر من 80% من سكان النيجر، حسب تقديرات البنك الدولي في العام نفسه. وشهدت النيجر موجات جفاف متتالية منذ الستينيات، كان أولها «الجفاف الكبير»، بين عامي 1968 و1974، حيث تراجعت الأمطار بأكثر من الثلث، مما تسبب في خسارة المحاصيل الزراعية ونفوق أعداد كبيرة من المواشي، الأمر الذي نتجت عنه مجاعةٌ أودت بحياة عشرات آلاف الأشخاص، وأدت إلى نزوح واسع نحو المدن وهجرة نحو الدول المجاورة. ثم تسببت الموجة الثانية من الجفاف (1982-1984) في تدهور الزراعة ونفوق المواشي، لتتفشى المجاعة وسوء التغذية ويزداد الاعتماد على المساعدات الدولية. وعلى النحو نفسه أدت موجات الجفاف التي استمرت بشكل متقطع خلال التسعينيات إلى نتائج بيئية وإنسانية واقتصادية كارثية مشابهة. وكذلك الحال مع جفاف الألفية الجديدة (2005-2010)، والذي تسبب هو الآخر في مجاعة أثرت على نحو 2.5 مليون شخص. ورغم تحسن مستوى التهاطلات المطرية خلال السنوات اللاحقة، فإن جفاف العقد الأخير (2015 – 2024) أثر بشكل كارثي على المحاصيل الزراعية، وساهم في استمرار انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.
إن اعتماد النيجر في أمنها المائي بشكل أساسي على الأمطار، كما يقول الخبير الإقليمي في مجال الأمن الغذائي، دياو الحسين، جعلها تتأثر بموجات الجفاف المتتالية، خاصة مع تقلص بحيرة تشاد التي توفر مياه الشرب والري لأكثر من 30 مليون شخص يعيشون على ضفافها في البلدان الأربعة المحيطة بالبحيرة (تشاد والنيجر ونيجيريا والكاميرون)، مما أضعف إنتاجية القطاع الزراعي والرعوي وبالتالي زعزع الأمن الغذائي للبلاد.
ويبقى السبب الرئيسي وراء تذبذب المحاصيل الزراعية في النيجر، وتراجع بعضها أحياناً، رغم التحسين في أساليب البذر والري، والتوسع في الميكنة الزراعية، هو الفترات المتقاربة وشبه المتواصلة من الجفاف، حيث ازداد التصحر وعانت التربة مزيداً من التدهور، الأمر الذي أدى إلى انعدام الأمن الغذائي وانتشار سوء التغذية بين سكان البلاد البالغ عددهم 26.2 مليون نسمة، منهم نسبة 13% يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد.. مما أظهر محدوديةَ قدرة المجتمعات المحلية على التكيف مع التقلبات المناخية الحادة.
خسائر الأمن الغذائي
ولعل الوضع البيئي في كل من النيجر وموريتانيا والسنغال، وآثاره على صعيد الأمن الغذائي، يعطي فكرةً عن الوضع في باقي دول الساحل، خاصة تلك الأقرب منها إلى الحزام الصحراوي شمالاً، مثل مالي وتشاد وبوركينا فاسو، حيث يمثل القطاع الريفي نسبة كبيرة من الاقتصاد وسوق العمل، وحيث تزداد حدة الأزمات المناخية متمثلةً في موجات الجفاف ومواسم السيول والفيضانات.
وفي عموم المنطقة، يمثل التغير المناخي التحدي الأولَ للأمن الغذائي، كما يرى الخبراء والمختصون، ومنهم كوليبالي الذي يؤكد أن هذه المنطقة تُعد الأكثر هشاشة حيال التغيرات المناخية، بسبب موقعها الجغرافي، ومحدودية مواردها المائية، واعتمادها على الزراعة والرعي. ولذلك السبب فقد أدت حالات الجفاف الممتدة إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية، مما أفضى إلى نقص الغذاء، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، ومن ثم انتشار انعدام الأمن الغذائي. كما تتسبب الفيضانات في تدمير المحاصيل وتلويث الأراضي الزراعية، مما يسفر عن نقص المخزون الغذائي.
وهكذا تتكبّد منطقة الساحل خسائر اقتصادية ويتعرض أمنها الغذائي لمخاطر جسيمة جراء التغير المناخي، وهو الأمر الذي أكده تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، الصادر في سبتمبر الماضي، والذي يوضح أن هذه الدول تخسر سنوياً بين 2 و5% في المتوسط من ناتجها المحلي الإجمالي، نتيجة الفيضانات وفترات الجفاف الطويلة. كما جاء في التقرير أن بعض دول المنطقة اضطرت لإنفاق ما يناهز 9% من موازناتها لمكافحة التغيرات المناخية المتطرفة، رغم احتياج قطاعات حيوية أخرى إلى هذا الإنفاق، مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.
ومما ساعد على زيادة أعباء التغير المناخي في منطقة الساحل بالخصوص أن اقتصاداتها، كما يوضح الخبير الاقتصادي والأستاذ بجامعة نواكشوط، الدكتور سعدبوه الركاد: «تتسم بعدم التنوع في نسيجها الإنتاجي، وباعتمادها شبه المطلق على الموارد الطبيعية، حيث تمثل الزراعة وتربية المواشي والصيد نسبة مرتفعة في تركيبة الناتج المحلي الإجمالي». وهكذا أصبحت الآثار السلبية للتغير المناخي مزدوجة: «تدهور القطاع الزراعي والحيواني، وما يترتب على ذلك من انعدام للأمن الغذائي ونزوح للسكان، من جهة، وتخصيص الموارد القليلة المتاحة للتكفل بمعالجة هذه الآثار من جهة أخرى». وهو ما يؤدي إلى «ارتفاع معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي بشكل يجعل الحديث عن السيادة الغذائية ترفاً»، كما يوضح الدكتور الركاد.
وقد سجلت الحملة الزراعية 2023/2024 نتائج إيجابية للغاية على مستوى المنطقة، إذ بلغ إنتاج الحبوب، على سبيل المثال، 76.514.07.877 مليون طن، بزيادة نسبتها 43% عن متوسط السنوات الخمس الماضية، لكن بانخفاض نسبته 1% مقارنة بالحملة السابقة. كما أن حصاد بعض الدول عرف انخفاضاً، وكان الانخفاض الأكبر في كل من النيجر (-15%) وتشاد (-6%) ونيجيريا (-7%)، وذلك وفقاً لتقرير «التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي» حول منطقة الساحل وغرب أفريقيا، والذي ذكر أيضاً أن انعدام الأمن الغذائي يصل في بعض مناطق الساحل الأفريقي إلى عتبة 20%، لاسيما في منطقة بحيرة تشاد وشمال نيجيريا، بسبب الفيضانات ونوبات الجفاف.
الأمن والنمو السكاني
وتجسد مالي المثال الأكثر وضوحاً لعلاقة انعدام الأمن الغذائي بالتغيرات المناخية والاضطرابات الأمنية، فمع تزايد الاضطرابات الناجمة عن تغير المناخ على مدى السنوات الأخيرة، تزايدت أيضاً حالة انعدام الأمن الغذائي. ووفقاً لدراسة نشرها صندوق النقد الدولي حول «التغير المناخي وانعدام الأمن الغذائي في مالي»، فقد ارتفعت نسبة السكان الذين يعانون سوء التغذية من 3% عام 2017 إلى حوالي 10% عام 2020. لكن تلك النسبة تصل إلى 30% في بعض المناطق المتوترة أمنياً، سواء بسبب النزاعات المتكررة بين المزارعين والرعاة، أو بين الجماعات العرقية المتنافسة تقليدياً، أو جراء الهجمات المسلحة لبعض المجموعات الانفصالية أو التنظيمات المتطرفة الإرهابية.
وتواجه مالي اضطرابات أمنية منذ مطلع الألفية الحالية، حيث أصبح شمالها (إقليم أزواد) منطلقاً للجماعات الإرهابية، لذا فهي مصنفة إلى جانب دولتين أخريين من دول الساحل هما النيجر وبوركينا فاسو، ضمن البلدان العشرة الأولى الأكثر تضرراً بالإرهاب في العالم، وذلك وفقاً لتقرير «مؤشر الإرهاب العالمي» (2024). كما يساهم التضخم الاقتصادي الذي وصل في بعض دول منطقة الساحل مستويات قياسية في يناير 2024، حيث سجل 29.9% في نيجيريا، و52.2% في سيراليون، و23.5% في غانا، بدور كبير في إضعاف الأمن الغذائي للمنطقة. ويعد العامل الديموغرافي متغيراً آخر في معادلة الأمن الغذائي لدول منطقة الساحل، إذ تعرف هذه المنطقة أحد أعلى معدلات النمو السكاني على مستوى العالم (3.1 في المئة سنوياً)، كما يقدر العدد الإجمالي لسكانها، في عام 2023، بحوالي 177.9 مليون نسمة، لكنهم سيتضاعفون بحلول عام 2050 ليصبح عددهم 354.9 مليون نسمة. وكما يوضح الدكتور سليمان حرمة، فإن نمو المحاصيل الزراعية لم يعد قادراً على تغطية الاستهلاك المحلي المتزايد بسبب الزيادة السكانية المرتفعة. وتنشأ عن الزيادة السكانية الكبيرة، في ظل المصاعب الاقتصادية والمعيشية الناشئة عن الصدمات المناخية والاضطرابات الأمنية، موجاتُ لجوء ونزوح بحثاً عن موارد وسبل للعيش، مما يزيد هشاشة الوضع الغذائي لمنطقة الساحل، حيث تتحدث المنظمة الدولية للهجرة عن 2.4 مليون لاجئ وطالب لجوء داخل المنطقة، موزعين أساساً بين كل من تشاد والكاميرون والنيجر ونيجيريا وبوركينا فاسو وموريتانيا ومالي. وإذا كان النزوح الداخلي من الريف إلى المدن يتسبب جزئياً في إخلاء الوسط الريفي من قوته الزراعية العاملة، فإنه «يخلق أزمة جديدة من خلال الضغط على الخدمات القليلة في المدن»، كما يقول الدكتور الركاد.
لقد أصبحت الأوضاع في منطقة الساحل، سواء في مدنه أم في أريافه، طاردة بالنسبة لملايين الشباب من أبناء المنطقة، والذين بدأت أمواجهم تتدفق عبر الأبيض المتوسط إلى أوروبا، حيث غرق الآلاف منهم في البحر، لكن عشرات الآلاف منهم أغرقوا دولَ القارة العجوز بالهجرة غير الشرعية وبطلبات اللجوء. غير أنهم قبل ذلك أصبحوا يشكلون معضلة أمنية وإنسانية لبلدان المغرب العربي، حيث دخل مئات الآلاف منهم إلى هذه البلدان، وأصبحوا يمثلون عبئاً إضافياً على سوق العمل ومصدر قلق أمني وبيئي في العديد من المدن والضواحي، خاصة أن معظمهم لا يتمتع بأي وضع قانوني، بل تخلصوا من أوراق هوياتهم في انتظار فرصة للتسلل نحو الجانب الآخر من الأبيض المتوسط.
الهجرة المستعصية
لقد دفع تدهور الظروف المعيشية في دول الساحل، جراء الأزمة المناخية والاضطرابات الأمنية، عشرات الآلاف من مواطنيها إلى المخاطرة بحياتهم في رحلة طويلة وشاقة وخطرة نحو أوروبا، جزء منها في مهامه الصحراء وجزء آخر في لجج البحر، مروراً بمنطقة المغرب العربي. والهجرة القادمة من أفريقيا جنوب الصحراء باتجاه أوروبا، مروراً بشمال أفريقيا، ظاهرة تعود إلى أزيد من عشرين عاماً، لكن تدفقها تضاعف في السنوات الأخيرة، كما يقول عالم الإنتروبولوجيا الدكتور عبد الواحد مكني، وذلك بسبب الاضطرابات التي شهدتها كل من تونس وليبيا إبان ما سمي «الربيع العربي»، علاوة على الأوضاع التي تعيشها منطقة الساحل الأفريقي، حيث تفاقمت الأزمات المناخية وتناقصت معدلات التنمية وتضاعف عدد السكان، فضلا عن الحروب الأهلية والأوبئة والمجاعات.. مما جعل الفقر في بعض بلدانها يتجاوز نسبة 35٪ من إجمالي عدد السكان. وإلى ذلك فقد شهدت المنطقة عدة انقلابات عسكرية في الأعوام القليلة الماضية، بالتزامن مع عودة الحرب الباردة بين روسيا والدول الغربية.
وقد شملت موجات الهجرة القادمة من أفريقيا جنوب الصحراء كلا من تونس وليبيا والمغرب، ثم بدأت في الآونة الأخيرة تستهدف دولة مغاربية أخرى هي موريتانيا، وإن كانت لا تطل على الأبيض المتوسط فإن لديها شاطئ على المحيط الأطلسي الذي أصبح هو كذلك طريقاً آخر للهجرة السرية القادمة من أفريقيا جنوب الصحراء باتجاه أوروبا.
ووفقاً لما يذكره الخبير والمحلل السياسي محمد بوعود، فإن هناك الآن ما يربو على مليونين ونصف مليون من المهاجرين الأفارقة عالقون في بلدان المغرب العربي، في انتظار فرصة للعبور نحو أوروبا، وإن أغلبيتهم الساحقة من منطقة الساحل التي أصبحت بمثابة الخاصرة الرخوة للمنطقة المغاربية، وهو ما «يزيد حجم المصاعب الاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها دول المنطقة، ويخلق مناخات مهيأة لمزيد من التوتر، سواء من الناحية الأمنية أو الاجتماعية وحتى الغذائية والصحية».
وقد تم خلال النصف الأول فقط من العام الجاري (2024)، في الشواطئ التونسية وحدها، اعتراض أكثر من 74 ألف مهاجر كانوا في طريقهم إلى السواحل الأوروبية، مقابل 45 ألف تم ضبطهم خلال عام 2023 بكامله، وفقاً لأرقام وزارة الداخلية التونسية، مما يعكس تنامياً كبيراً لأعداد المهاجرين الأفارقة في المنطقة المغاربية.
ويُعتقد أن تكثيف التعاون الليبي الأوروبي في مجال محاربة الهجرة السرية، دفع بآلاف المهاجرين الأفارقة إلى تونس، على أمل التسلل منها إلى الشواطئ الأوروبية. وقد اتخذت تونس سلسلة من الخطوات لمواجهة تدفق المهاجرين، حيث ألغت في عام 2015 برامج التأشيرات المتبادلة مع عدد بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، كما طرحت في منتصف عام 2024 برنامج «العودة الطوعية» متضمناً حوافزَ ومغريات للمهاجرين بغية تمكينهم من بناء حياة جديدة في بلدانهم. لكن نسبة كبيرة من هؤلاء المهاجرين تخلصوا من أوراق هوياتهم الشخصية، رافضين العودةَ لبلدانهم، وهم مستمرون في التشبث بالأمل في العبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط.
وفي ظل تدفق المهاجرين القادمين من منطقة الساحل، عرفت العديد من الدول المغاربية ميلاد «اقتصاد هجرة» مزدهر يشتمل على شبكات تهريب مؤلّفة من أشخاص يحاولون كسب عيشهم في ظل أزمات اقتصادية ومناخية متداخلة، وهو اقتصاد يستجيب لطلب يتزايد وينمو، مما يبين كيف تحوّلت المنطقة المغاربية إلى مركز عبور رئيسي للمهاجرين، وكيف أصبحت الهجرة تحدّياً بنيوياً يمس الاستقرار الوطني والإقليمي ويتداخل بكثافة مع الرهانات الجيوسياسية الأوسع، وعلى رأسها الأزمات البيئية والسياسية والتنموية في منطقة الساحل الأفريقي الذي تحول إلى ساحة منافسة محتدمة بين القوى الدولية الكبرى.
وما فتئت الدول المغاربية تعرب عن خشيتها من تدفقات اللاجئين القادمين من أفريقيا جنوب الصحراء، ومعظمهم قادمون من دول منطقة الساحل، مع تحذيرات متواصلة من التداعيات الاقتصادية والأمنية لهذه التدفقات، لاسيما على سوق العمل، وعلى القطاعين البيئي والصحي والزراعي، حيث لوحظ أن آلاف المهاجرين يتجمعون في العراء، وينامون في الحدائق والغابات والمزارع. ومع تكدسهم في أحياء بعض المدن المغاربية بدأ الوضع الأمني فيها يعاني من ممارسات السرقة والسطو والاعتداء.
وعلاوة على هذه التداعيات والمخاطر، فإن جهود مكافحة الهجرة غير النظامية أصبحت تستنزف ميزانيات الدول المغاربية وتكلفها أعباء باهظة، وقد كلّفت تونس وحدها خلال عام 2023 «أكثر من 103 مليون يورو موجهة لإدارة الحرس الوطني وحدها، دون احتساب باقي الخسائر»، كما ورد في تصريح لمسؤول بوزارة الداخلية التونسية.
ويشير بوعود إلى ما تخلّفه هذه الهجرة من تبعات على علاقة الدول المغاربية بدول الاتحاد الأوروبي، قائلا إن هذه الأخيرة «لم تقطع بعد مع نظرتها التي لا ترى في دول الضفة الجنوبية إلا حراس حدود لأراضيها، ولم تقتنع بعد بأنها تتحمل تاريخياً بعض المسؤولية عن الأسباب المؤدية إلى موجات الهجرة الحالية القادمة من مستعمراتها السابقة في منطقة الساحل الأفريقي».
وإن كان الاتحاد الأوروبي قد قدّم دعماً لجهود الدول المغاربية من أجل مكافحة الهجرة غير النظامية، فإنه لم يقدم تقريباً أي دعم للدول الأفريقية المصدِّرة للهجرة، من أجل تحسين أوضاعها الاقتصادية التي تدفع مئات الآلاف من مواطنيها إلى محاولة الوصول إلى أوروبا. وكما يقول الدكتور مكني، فإن المساعدات الأوروبية لبلدان الساحل محدودة ولا تكاد تذكر، إذ «اعتادت الدول الأوروبية ترك منطقة الساحل لبرامج التنمية العالمية، مثل الفاو والبنك وصندوق النقد الدوليين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي».
وفي كل الأحوال، وكما يؤكد كل من مكني وبوعود، فلا وجود حتى الآن لأي خطط استراتيجية واضحة على الجانبين معاً، المغاربي والأوروبي، لمكافحة الهجرة غير النظامية القادمة من منطقة الساحل الأفريقي، أما دول الساحل نفسها فإن هجرة مواطنيها بمئات الآلاف تمثل جزءاً من أزمات داخلية مزمنة، تنموية وأمنية ومناخية، ما تزال مستعصية على الحل.
تحديات ومقاربات
تعد منطقة الساحل إحدى أكثر المناطق عرضة لصدمات التغير المناخي، فضلاً عما تعانيه من قلاقل أمنية وأزمات سياسية، لذا فهي موطن لأعلى معدلات الفقر والهشاشة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في العالم. وعلى سبيل المثال فقد جاءت النيجر في قائمة الدول حسب مؤشر التنمية البشرية (189)، سبقتها تشاد (187) وبوركينا فاسو (182). وقد زادتها القلاقل الأمنية والاضطرابات السياسية هشاشة، حيث تتعرض سبع دول منها، هي مالي والنيجر وبوركينا فاسو ونيجيريا وتشاد والكاميرون وبنين، لتهديدات إرهابية مستمرة، كما شهدت أربع دول منها (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وغينيا) في الفترة بين عامي 2020 و2023 انقلابات عسكرية. وهذا فضلاً عن صراع القوى الدولية الكبرى على المنطقة، والذي ساهم في تعقيد الأوضاع الاقتصادية والأمنية للعديد من دول الساحل.
ولا تبدو في الأفق المنظور لدول الساحل مخارج وشيكة من هذه الأزمات المتداخلة، لاسيما أن أحد متغيراتها الرئيسية هو عامل التقلب المناخي. وكما يقول خبير الجغرافيا الطبيعية، الدكتور الشيخ سعدبوه الحسن، فإن منطقة الساحل مرشحة لسيناريوهات مناخية أكثر اضطراباً، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة وميل أنماط هطول الأمطار إلى مزيد من عدم الانتظام. ولهذا فمن المتوقع أن تشهد المنطقة بحول عام 2050 انخفاضاً في ناتجها المحلي الإجمالي السنوي بنسبة تتراوح بين 7 و12%، مما سيزيد أعداد الفقراء ويوسع القطاعات السكانية المتأثرة بصدمات التغير المناخي. ووفقاً لتوقعات مناخية مشابهة، يرجح كوليبالي أن تواجه المنطقة موجات حر أكثر تكراراً، وأمطاراً أقل انتظاماً، وجفافاً أطول مدة وأشد حدة، مما سيُفاقم تحديات القطاع الزراعي ويزيد هشاشة الأمن الغذائي للمنطقة. والمقلق في هذا السيناريو المناخي المتوقع أن تداعياته لا تقتصر على منطقة الساحل فحسب، بل ستطال محطيها الإقليمي ككل، لاسيما أنها تشكل خاصرة لكل من دول المغرب العربي ومصر والسودان، كما أنها تمثل امتداداً للعالم العربي وتشترك معه في الصحراء الكبرى. وإلى ذلك فإن جانباً مهماً من تداعيات التغير المناخي في منطقة الساحل، هو تصدير الهجرة التي أصبحت ملفاً مقلقاً للدول المغاربية، وكذلك للدول الأوروبية التي تحاول مجابهة أمواج الهجرة السرية القادمة من الساحل، وما يترتب عليها من فوضى ومآس إنسانية، لكن دون أن تبذل ما يكفي لدعم التكيف المناخي في منطقة الساحل.
ومع ذلك فالهجرة القادمة من منطقة الساحل إلى أوروبا في ازدياد وتصاعد مستمرين، وقد كشفت إحصائيات نشرتها السلطات الإسبانية مؤخراً عن وصول نحو 57 ألف مهاجر إلى إسبانيا عبر الأبيض المتوسط، خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام الجاري (2024)، بزيادة نسبتها 12.7% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023.
ولذا فمن مصلحة الجميع، عرباً وأوروبيين وأفارقة، تعزيز قدرات دول الساحل على التكيف المناخي، دعماً لنموها الاقتصادي واستقرارها السياسي، حتى لا تواصل تصدير أزماتها المناخية والاقتصادية والغذائية على شكل موجات هجرة نحو حوض الأبيض المتوسط.
كما يتحتم على دول الساحل نفسها تعزيز الجهود المحلية والإقليمية لمعالجة آثار الصدمات المناخية، من خلال تطوير استراتيجيات مستدامة توازن بين احتياجات السكان وحماية البيئة. وقد تبنت هذه الدول بالفعل استراتيجيات متعددة لمواجهة التغير المناخي، منها استراتيجية التكيف التي تضمنت خططاً وطنية للتكيف مع التغير المناخي، تشمل الإدارة المستدامة للأراضي، وتحديث أنظمة الري، وتنويع مصادر الدخل، وتعزيز البنية التحتية الريفية. ومنها إقليماً تنفيذ مبادرات مشتركة لمكافحة التصحر، مثل مشروع «السور الأخضر العظيم» الذي يهدف لاستعادة الأراضي المتدهورة وتحسين مرونة النظم البيئية. أما عالمياً فتحاول بلدان الساحل نيل نصيب من التمويل المناخي الدولي لتنفيذ مشاريع التكيف، ولكن الموارد المتاحة ما تزال إلى الآن غير كافية لمواجهة التحديات المناخية القائمة. ورغم كل هذه الجهود والمحاولات ما تزال المنطقة تواجه تحديات كبيرة في التعامل مع التغيرات المناخية وانعكاساتها على الأمن الغذائي، خاصة في ظل احتمالية حدوث مزيد من الصدمات المناخية على شكل فيضانات وموجات جفاف.
ومن المقاربات البديلة، والهادفة لتعزيز المرونة في مواجهة التغير المناخي وحماية الأمن الغذائي، يمكن لدول المنطقة الشروع في ممارسات زراعية مستدامة تعزز التنوع البيولوجي، وتساعد على تحسين اقتصاد المياه، وتقليل الاعتماد على المدخلات الكيميائية. ومن هذه المقاربات أيضاً الترويج لأنظمة غذائية محلية تشجع الارتباط بسلاسل الإمداد القصيرة، بغية تقليل الاعتماد على الواردات الخارجية، وتعزيز الاكتفاء الذاتي في المجال الغذائي. وكذلك تبْيئة التكنولوجيا وتعزيز الابتكار، بما في ذلك استخدام تقنيات حديثة لإنتاج البذور المقاومة للجفاف، وإدخال أنظمة الري الذكية، ومحاولة الاستفادة من تجارب الاستمطار، والسعي إلى امتلاك أنظمة للإنذار والتنبؤ المناخي بغية تحسين إدارة المخاطر. وأخيراً وليس آخر، تعزيز القدرات المحلية من خلال تدريب المجتمعات الريفية على الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية وعلى التكيف مع التغير المناخي، فضلاً عن تعزيز مشاركة النساء والشباب في هذه المبادرات الصديقة للبيئة.
وخلاصة القول هي أن منطقة الساحل تواجه أزمة مناخية حادة، تترتب عليها تداعيات محلية وإقليمية، لكن ثمة الكثير من الحلول والفرص للتخفيف من آثارها، شريطة تحسين البنية التحتية، واعتماد ممارسات زراعية مرنة، وتعزيز التعاون الإقليمي والدولي في المجالات البيئية والزراعية، ضماناً لتحقيق الأمن الغذائي في منطقة الساحل، ومنعاً لتدفق موجات الهجرة نحو ما وراء الصحراء الكبرى شمالاً!