دفتر مذيع :فلسطين فوق العادة
تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT
عندما نغرق في النعم ونعتادها، نظن أننا في الوضع الطبيعي، وهذه مسألة خطيرة قد تنسينا واجب الشكر. والتحدث بنعم الله، وفكرة (أفلا أكون عبدا شكورا).. وعندما نعتاد ممارسة أي خطأ ننسى بالتكرار أنه خطأ، وربما نوجد له المبررات. حتى في أبسط الأمور كوجود نشاز في ديكورات البيت، أو قصور في إحدى لبناته، فيؤذينا فترة من الزمن ثم نعتاد عليه فنمر بجانبه يوميا دون التفات.
وسط ذلك الوجع وجدت نفسي خجلا من الكتابة عن ذكرياتي الشخصية والجمعية والمهنية التي انتهجتها في هذه الزاوية، ووجدت نفسي غير قادر على كتابة ما تستحقه فلسطين لضعف خبرتي السياسية، وعدم جدوى إعادة إنتاج ما يكتب وينشر هنا وهناك، فقررت التوقف عن الكتابة لأجل غير مسمى..
ويوما بعد آخر تتكرر المشاهد وتزيد الأكاذيب، ويتصيد المرجفون الوضع، حتى خشيت أن تصبح الحرب على غزة، بل على فلسطين والعروبة والإسلام، حالة اعتياد ما دام الرصاص لم يخترق أجسادنا، ولم تتساقط فوقنا الأسقف، ولم تمزقنا الشظايا، ولم تحرق جلودنا الأسلحة المحرمة. وصمت الحكومات العربية مريب حد الشعور بأننا نتآمر على فلسطين، بل على أنفسنا.. عدت لمراجعة نفسي: من المستفيد إن أنا أو غيري توقفنا عن الكتابة، وعن بعض نشاطاتنا اليومية كتعبير عن مشاعرنا وإظهار حزننا وتسجيل بعض مواقفنا؟ فقد تعلمت من مأساة شخصية عشتها وما زالت تؤلمني، أن التوقف ليس حلا، وقد لا يكون التعبيرَ الأنسب عن الوجع. وأن الأصح هو الاستمرار في ممارسة الحياة بخطوط متوازية وإن تلامست أحيانا. إذاً سنظل نكتب ونعمل ونبني ونعمر بدل أن نجلس ونندب، ونتابع مشاهد غير مسبوقة لصلف إسرائيل وتلذذها بقتل الأطفال، وتدمير المستشفيات، وكأنه مسلسل درامي مثير..
ولنا في الغزاويين أسوة حسنة وهم يصفّون على قارعة الطريق شيئا من الخضار والفواكه التي تفوح منها رائحة التربة الزكية، يبيعون ويشترون، بين أنقاض المباني، على وقع صواريخ وقنابل العدو، مطبقين: (لو قامت على أحدكم القيامة، وفي يده فسيلة فليغرسها).. لن نعتاد الألم وتكرار المشاهد، حتى لا تموت قلوبنا. فإن لم ننل شرف الغزو سنجهّز غزاتنا بما نستطيع، ولو بلقمة تقوي بدن المجاهد.. سنشجع صغارنا الذين أيقظتهم فطرتهم لواجب النصرة، على الاستمرار، وفهم الحقائق كما هي، وسنحذرهم من لعبة المصطلحات المضللة، وسنقول لهم إن الحرب غير الصراع، وبأن العدو غير الخصم، وبأن حماس حركة مقاومة وتحرير وليسوا إرهابيين، وبأن إسرائيل هي فلسطين المحتلة، بل المغتصبة.
وبأن الشهادة غير الموت، بل غير النفوق، وبأن كلمة الإرهاب لا تخيفنا، لأن لنا مفهومنا منها ((وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم...)).. وبأن من ينصر الله ينصره، وبأن المسافة صفر أصبحت مدرسة في علوم الحرب، وأنها جعلت أهل الديانات الأخرى يقرؤون القرآن ويتفكرون فيه، ليستوعبوا سر هذه القوة، وبأن الهدنة تنفذ بقوة الإيمان وشروطه لا بغطرسة القوي وإملاءاته. وسنذكرهم بنصر بدر، وفَرق ميزان القوى بين مفاهيم فلسفاتنا وحساباتنا الرياضية والفيزيائية وبين قناعاتنا بعقيدتنا، وأن الشجاعة ليست بالكثرة، وأن أنفاق غزة كأنفاق فيتنام، وليست كملاجئ العدو ومواقف السيارات أو صالات الأفراح. وأن العدو من التفاهة أنه يغار حتى من فرحة الإفراج عن الأسير وابتسامته، نعم تغيظه حتى ابتسامتنا، لذلك سنبتسم حد الضحك. وأن صواريخنا كتب عليها التكبير والشهادة، أما قنابله فيطلقها باسم عيد ميلاد ابنته أو عشيقته ليعطرهم بدماء الخدّج والمسنين. وسنحذر صغارنا من السفهاء، فهم نشاز وشذوذ ولا يمثلوننا.. وسنظل نقاطع حتى وإن وضعت الحرب أوزارها، ليتعلم الجيل القادم درسا نسيناه أو تجاهلناه حتى ورد في الامتحان الأخير، بأنه لا خير فينا إن لم نأكل مما نزرع، ونلبس مما ننسج، ونقتني مما نصنع.. أباهي بسلطنة عمان قمة وقاعدة، لأننا هنا نسمي الأشياء بمسمياتها. أزين بيتي بمزهريات الكيذا والسوسن، فأنصب فوقها علم فلسطين إلى جانب علم بلادي، وألف الكوفية وشماغ أبي عبيدة وكل رايات وعمائم المقاومة مع عمامتي ما دامت بنادقها صوب العدو، وأغرس غصن الزيتون بجانب أغصان النخلة واللبانة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
توقيف عميل إسرائيليّ... إليكم ما قام به خلال الحرب (صورة)
صدر عن المديريّة العامّة لأمن الدولة - قسم الإعلام، البيان الآتي:
بعد عمليّة مراقبة ورصد دقيقة، تمكّنت مديريّة النبطيّة الإقليميّة في أمن الدولة - مكتب بنت جبيل، من توقيف المدعو (ع. ص.) أثناء عودته من الأراضي المحتلّة، التي كان قد دخلها خلسةً.
وقد اعترف أثناء التحقيق معه بحيازته جهازاً متطوراً زوّده به الإسرائيليّون، يُستخدم لمراقبة وتصوير بعض المراكز المهمة في لبنان، ويتيح تواصلاً مباشراً بينه وبين العدوّ. وأقرّ بأن الإسرائيليين زوّدوه بسترة تحتوي بطريقة مخفيّة على مبلغ ماليّ كبير لدعمه في تنفيذ مهامّه التجسّسيّة.
اعترف المدعوّ (ع. ص.) بتعامله مع العدوّ الإسرائيليّ منذ بداية حرب غزة، إضافة إلى قيامه بالمهام التي كُلّف بها من قِبَلهم، وبعد مراجعة مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة، أُشير إلى ضبط كافة الأعتدة المضبوطة بحوزته، بما في ذلك تلك التي وُجدت في منزله بعد تفتيشه، وتمّ تسليم الموقوف إلى مديريّة المخابرات في الجيش للتوسع في التحقيق واتخاذ الإجراءات القانونيّة اللازمة.