زارته “أثير”: ماذا تعرف عن جامع ابن طولون؟
تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT
القاهرة-أثير
أعد التقرير: د. محمد بن حمد العريمي
كعادتي في كل زيارةٍ أقوم بها إلى المحروسة أو قاهرة المعز، ومن خلال تجوالي اليومي في شوارعها العريقة، أحرص على أن أكتشف معلمًا تاريخيًا لم أسمع عنه من قبل، أو أزر أثرًا معروفًا أجّلت زيارته سابقًا مستعينًا بما قرأت، ومستدلًا بتقنية البحث في تطبيقات الخرائط التي توضح تفاصيل تلك الشوارع ومعالمها!
في زيارتي الأخيرة أخذتني رجلي مشيًا من ميدان عابدين حيث قصرها الشهير، مخترقًا شارع سامي البارودي أو حسن الأكبر وهو الاسم الثاني له، وصولًا إلى شارع بورسعيد الذي يعد أحد أطول شوارع القاهرة حتى وصلت إلى ميدان السيدة زينب الذي لا يكاد يخلو من مريديها في أيام الموالد أو في غيرها، ثم دخلت شارع عبد المجيد اللبان حيث تناولت إفطاري في (الجحش) الذي يعد من أشهر مطاعم الفول والفلافل في مصر، ومنها واصلت سيري حتى شارع الخضيري الذي يقع في أول منطقة الصليبة وتحديدًا عند مسجد (صرغتمش)، وهنا وجدت نفسي في حي (الخليفة) الذي يعد متحفًا مفتوحًا يضم العديد من الآثار الإسلامية المتوالية حاله كحال شارع المعز لدين الله، ولعل من أبرز ما يميز حي الخليفة هو شارع الأشراف الذي تمتد على طوله العديد من المساجد والتكايا والمقابر الخاصة بآل البيت كجامع السيدة سكينة، وجامع السيدة رقية، وجامع السيدة نفيسة، وجامع السيدة عائشة، وغيرها من الآثار.
عند وقوفي أمام مسجد صرغمتش استوقفتني في الخلف منارة ملوية، ثم عندما تجاوزت المسجد قليلًا إذ بسورٍ طويل يمتد أمامي، فأدركت أنني قد وصلت إلى (القطائع)، العاصمة الثالثة لمصر الإسلامية بعد الفسطاط والعسكر، وعرفت من اللائحة المثبتة على السور الحديدي القريب أنني أمام جامع (ابن طولون)، وهنا كان لابد من الدخول والتعرف على تفاصيل هذا الأثر الإسلامي المهم.
جامع أحمد بن طولون
جامع ابن طولون أو جامع أحمد بن طولون أو المسجد الطولوني هو أحد الجوامع الأثريّة الشهيرة بالقاهرة، يعد نموذجا فريدا في تاريخ العمارة الإسلامية، ودليلا قويا على ما وصلت إليه الحضارة الإسلامية في عصر الدولة الطولونية، شيّده أحمد بن طولون على مساحة كبيرة تبلغ ستة أفدنة، فبدأ البناء عام 263هـ – 876م، واكتمل بناؤه عام 265هـ – 879م.
يُعدّ الجامع ثالث جامع أنشئ بمصر الإسلامية بعد جامع عمرو بن العاص في الفسطاط وجامع العسكر، ورغم أن مسجد عمرو بن العاص ما يزال موجودًا إلا أن الجامع الطولوني يعد أقدم مساجد مصر القائمة حتى الآن لاحتفاظه بحالته الأصلية بالمقارنة مع مسجد عمرو بن العاص الذي توالت عليه الإصلاحات التي غيرت معالمه.
يقع جامع ابن طولون جنوب القاهرة التاريخية في منطقة مرتفعة قليلا بميدان أحمد بن طولون في شارع الخضيري في حي السيدة زينب، وقد شُيد الجامع فوق ربوة صخرية كانت تعرف بجبل يشكر، ويُعد من المساجد المعلقة، وهو أحد أكبر جوامع مصر حيث تبلغ مساحته مع الزيادات الخارجية حوالي ستة أفدنة ونصف الفدان، وقد بُني على شكل مربع مستلهمًا من طرز المساجد العباسية وبخاصة مسجد سامراء بالعراق الذي استلهم منه المنارة الملوية.
باني المسجد
هو أحمد بن طولون أمير مصر ومؤسس الدولة الطولونية في مصر والشام من الفترة (254 هـ/868- 270 هـ/884)، وكان والي الدولة العباسية على مصر، ثم استقل بمصر عن الخلافة العباسية، فكان أول من يستقل بمصر، كما استطاع القضاء على الحركات المعارضة له، وتمدد باتجاه الشام بعد أن كلفه الخليفة بإخماد الثورات هناك.
قام ابن طولون بعدة أعمال في فترة حكمه، منها إنشاء مدينة القطائع، والتي اتخذها عاصمة لدولته، وكذلك بنى مسجده المعروف بمسجد أحمد بن طولون، وكان معروفًا بالتدين وحسن الخلق ومجالسته العلماء.
أقسام الجامع
يتكون جامع أحمد بن طولون من صحن مربع في الوسط وهو فناء مكشوف مساحته حوالي 92 مترا مربعا وتحيط به أربعة أروقة أكبرها رواق القبلة الذي يتكون من خمس بلاطات وكل من الأروقة الثلاثة الباقية يتكون من بلاطتين فقط.
محراب المسجد
بداخل جامع ابن طولون يوجد ستة محاريب، ويتميز المحراب الرئيسي للمسجد بأنه مجوف ذو زخارف غاية في الروعة، ويكتنفه عمودان وهو على شكل تجويف نصف دائري في حائط القبلة وجدرانه من الفسيفساء الرخامية يعلوها شريط من الزخارف الزجاجية عليه كتابات بالخط النسخي ويرجع إلى الأعمال التي تمت في عهد السلطان لاجين المنصوري سنة (696 هـ – 1296 م)، وعدا المحراب الكبير توجد خمسة محارب جصية أخرى مرسومة على الجدران.
المئذنة
تعد مئذنة جامع أحمد بن طولون من أبرز الأشياء الذي تميّزه، وهي تقع في الجانب الغربي وتأخذ شكلًا ملتويًا، ويبدو أن هناك تأثيرًا لمدينة سامرّاء ولجامع المتوكل تحديدًا في هذا الجامع في مئذنته التي شيدت في الزيادة الغربية، إذ إن سلم المئذنة يلتف حول بدنها من الخارج وليس من الداخل كما هو متبع في معظم مآذن العالم الإسلامي، وهو تصميم شبيه بتصميم مئذنة جامع سامراء المعروفة بالملوية.
وهي تتكوَّن من ثلاث طبقات، واحدة فوق الأخرى: قاعدة مربعة، فطبقة أسطوانية، تعلوها طبقة مُثَمَّنة، ويبلغ ارتفاع مئذنة المسجد حوالي 40 مترًا من سطح الأرض، وينسب إنشاء هذه المئذنة إلى السلطان لاجين المنصوري.
النافورة
تقع النافورة (الميضأة) المخصصة للوضوء في منتصف صحن الجامع وتعلوها قبة مرتكزة على أعمدة رخامية.
أعمال الترميم
في عام 2000م بدأ مشروع القاهرة التاريخية بترميم هذا الصرح بعد كثرة المشكلات التي تواجهه نتيجة الإهمال على جميع المستويات.
وقد بلغت تكلفة أعمال الترميم 13 مليون جنيه مصري، واستغرق ترميم الجامع أربع سنوات، وشمل إعادة محراب الجامع كما كان في الماضي، وتقوية أعمدته وتهيئة المنطقة المحيطة به، وإجراء ترميم دقيق ومعماري للأثر الفريد، وإبراز الزخارف والمئذنة الفريدة للجامع.
كما جرى ترميم صحن المسجد الذي تصل مساحته إلى فدانين، وفرشه بالتربة الزلطية، وإعداد ممرات من الحجر، إضافة إلى ترميم المنبر الأثري، والضبة الخشبية وترميم النوافذ ذات الزجاج المعشق.
المراجع
إبراهيم، أماني. بيوت الله في رمضان| مسجد أحمد بن طولون، تقرير منشور في موقع المصري اليوم الالكتروني، الجمعة 31 مارس 2023. عكوش، محمود. تاريخ ووصف الجامع الطولوني، مؤسسة هنداوي، لندن، 2022. موقع الهيئة العامة للاستعلامات. تقرير بعنوان مسجد أحمد بن طولون، الأربعاء 20 أبريل 2022. https://www.sis.gov.eg/Story/233325 ويكيبيديا الموسوعة الحرة. مسجد ابن طولون، https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%B3%D8%AC
المصدر: صحيفة أثير
إقرأ أيضاً:
من أرشيف الكاتب أحمد حسن الزعبي .. جسد “الضاد”
#جسد_الضاد
من أرشيف الكاتب #أحمد_حسن_الزعبي
نشر بتاريخ .. 28 / 1 / 2017
يحدث أحياناً أن يكتب أديب ما نصّا شعرياً أو نثرياً أو قصصياً في حالة اللاوعي، ويستخدم فيه جملاً أدبية مدهشة لم تستخدم من قبل، فينشغل به النقّاد من تحليل للصور والاستعارات والاستدلالات ويبدؤوا بوضع الاحتمالات والاجتهادات ولماذا استخدم هذه الصورة ولم يستخدم تلك وإلى أي المدارس ينتمي وإلخ من تفتيت الجماليات، ليتفاجأ صاحب النص نفسه أنه لم يكن يقصد كل هذا التعقيد وهذه الفلسفة، هو كتب بعفوية وإحساس وبساطة ليتذوّقه الناس كما هو، لا ليذهب إلى مختبر التحليل اللغوي!
مقالات ذات صلة دبلوماسي فلسطيني يحلل دوافع ترامب الخفية من وراء اتفاق غزة 2025/01/17وكما أن للنص نقّاد، فإن للجسد نقاد أيضاَ.. فقد انشغل الخبراء النفسيون بتفسير لغة الجسد الخاصة بالرئيس الأمريكي الجديد ترمب يوم التنصيب، ففي الوقت الذي كانت تنقل شاشات التلفزة حفل التنصيب وينتظر العالم أول خطاب رسمي له وأول قرار سيسيل لعاب قلمه عليه، كان نقّاد الجسد يفسّرون كل حركة أو ابتسامة أو نظرة محاولين أن يكشفوا أسرار هذه الشخصية الجدلية التي ستقود قاطرة اكبر دولة في العالم.
عن أي لغة جسد يتحدّثون.. وهل للزعيم العربي لغة جسد أو ملامح؟ بعضهم بالكاد تراهم الشعوب مرة واحدة في السنة من خلال لقطة مصورة لا تتعدّى الثواني القليلة.
خبير في علم النفس السلوكي يدعى “بيتر كوليت” قال أن ترمب يتمتع بأربع صفات رئيسية تكشفها تعابير وجهه، الأولى: تدعى “الذكر من نوع ألفا” وتتمتع هذه الصفة بالهيمنة وعدم الحاجة للآخرين، وعدم الحاجة لمقارنة نفسه بسلوكيات وانجازات الآخرين أيضا، الثقة بالنفس، وحس المرح، وعدم الضيق في الأجواء المتوترة.
الثانية: هرمون الذكورة، من خلال قراءة الخبير السلوكي لاحظ أن ترمب له ذقن ناتئ وهذه الصفة تتوفر في الرجال الذين يتوفّر لديهم هرمون “التستوستيرون” بشكل مرتفع، طبعاً الله يستر من هذه الصفة مما يعني أن الرئيس لن يكتفي بتاريخه الحافل بـ “التحرّشّ” النسائي وإنما سيتحرش في الدول أيضا إن لزم الأمر وفي حال وصلت يداه الطويلتان إليها.
الصفة الثالثة: الابتسامة بفم مغلق ليبدو الفم أكبر مما هو عليه وهذه من صفات كبار مديري المؤسسات على ذمة “كوليت” بمعنى آخر إذا وجدت شخصاً يبتسم بفم مغلق فهو الأرجح واحد من اثنين إما “مدير مؤسسة كبرى” أو فقير معوز قد لفظه الجوع وفقد الطابقين “العلوي والسفلي من الأسنان” ويخشى من الابتسام كي لا يظهر الفراغ في الفم المعتم.
أما الرابعة: فتخص حركة اليدين، يقول نفس الخبير، عندما يستخدم ترمب إصبع السبابة والإبهام ويغلقهما على بعضهما وكأنه يقرص الهواء، فهذا دليل على أنه يتمتع بالدقة والسيطرة وأنه قادر على تنفيذ الوعود..
طبعاً هذه القراءة الجسدية المطولة لسلوك الرئيس الأمريكي في حفل التنصيب لا تنطبق على الزعماء العرب بأي حال من الأحوال لعدة أسباب.. أولها أنه ليس لدينا شيء يدعي حفل تنصيب، فكل من يتولى أمرنا يمرّ بطريق من ثلاثة: الطريقة الأولى: إما انقلاب عسكري، ينام الرئيس الشرعي ويصحو في اليوم التالي وعلى ظهره رقم متسلسل قد وهبه إياه مأمور السجن فيرتدي الرئيس الجديد بدلته ويستخدم مكتبة وبيجامته ويحتل كرسيه عنوة.
ثانيها: أن يتولى الحكم بعد أن يرحل الزعيم الأب أو الزعيم الشقيق فتؤول إليه السلطة كما تؤول إليه الأملاك الخاصة.. وأخيرا وفي حالات نادرة، يأتي الزعيم العربي بصفقة داخلية بين مافيات النظام وبتوافق طائفي مصالحي لا يؤخذ فيه رأي الشعب على الإطلاق.. في تنصيب الرئيس الأمريكي حضر جميع الرؤساء الأمريكيين السابقين أوباما كلينتون جورج بوش وكارتر، وهذا ما لا يمكن أن يحدث في عالمنا العربي أبدا، ببساطة لأننا لا نجدد الزعيم إلا في حالات الموت أو الانقلاب.. ثم أن كل زعيم عربي يحكم على الأقل نصف قرن فلو حاولنا استحضار من سبقوه هذا يعني إننا سندعو إلى تنصيبه بعض الخلفاء العباسيين!
النظر إلى ملامحهم “الزعماء العرب” يشبه النظر إلى سفح جبل، طود ثابت لا ينفعل ولا يبتسم، طبعاً ناهيك عن مرض “الباركنسون” الذي يعاني منه أغلب عواجير الساسة العرب.
أخيراً عن أي لغة جسد يتحدّثون.. وهل للزعيم العربي لغة جسد أو ملامح؟ عضهم بالكاد تراهم الشعوب مرة واحدة في السنة من خلال لقطة مصورة لا تتعدّى الثواني القليلة، وبعضهم يصدر قرارات ويحل حكومات وهو في ثلاجة الموتى.
والقسم الثالث: النظر إلى ملامحهم يشبه النظر إلى سفح جبل، طود ثابت لا ينفعل ولا يبتسم، طبعاً ناهيك عن مرض “الباركنسون” الذي يعاني منه أغلب عواجير الساسة العرب، هذا وحده كفيل أن يصيب كل خبراء النفس بالهلوسة والجنون والاضطراب ونسيان ما درسوه وتعلّموه أثناء دراستهم سلوك الزعيم العربي..
قراءة لغة الجسد للزعماء، هذا ترف تمارسه وتهتم به الشعوب الديمقراطية التي مارست كل حقوقها في الاختيار.. أما الشعوب العربية المغلوب على أمرها فمسموح لها أن تضع ما تشاء في صندوقين اثنين فقط: الأول صندوق القمامة الذي يضع فيه المواطن العربي زبالته آخر الليل.. وصندوق مجالس الشعب الذي يضع فيه المواطن العربي صوته المزوّر والمخنوق والمباع سلفاً. أما إذا قرر الهجرة وترك الوطن لتُجّاره وسماسرته، فالصندوق الثالث بانتظاره عندما يعود إلى وطنه جثة هامدة بعد أن قضى عمره في الغربة الموجعة أو غرقاً على سواحل الهجرة..
أحمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com