عندما وصلت حفارات النفط إلى وسط اليمن قبل 3 عقود، لم تكن قبيلة الشيخ سالم سعيد بن هوطلي تتوقع ما كان سيحدث. "وإلا لكنا حمينا أنفسنا" بحسب ما قال في مقابلة مع الصحفيين الزعيم القبلي الذي يعيش بمنطقة زراعية محاطة بآبار النفط.

 

ويتذكر أنه شاهد خلال السنوات المنصرمة عمال شركة نفط أجنبية يقومون بإلقاء براميل لما يبدو أنها نفايات الحفر في حواجز رملية مفتوحة بالقرب من المكان الذي تعيش فيه قبيلته.

 

واستذكر كيف كانت الطيور تأتي وتشرب الماء. ولكن عندما بدأت تموت، أقامت الشركة سياجاً حول الحفر الرملية،  لكن هذا لم يفعل الكثير لمنع الأمطار الغزيرة من جرف المحتويات إلى أسفل الوادي وصولاً إلى منطقة رسب ، حيث تعيش قبيلة بن هوطلي في قلب إحدى المناطق المنتجة للنفط.

 

قال بن هوطلي لـ"مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود" (أو سي سي آر بي) ": عندما تأتي السيول الجارفة نرى سواداً في الماء يشبه النفط.

 

ومثل العشائر الأخرى التي تعيش بالقرب من حقول النفط اليمنية، دفعت قبيلة هوطلي ثمناً باهظاً بينما حققت شركات استخراج النفط الخاصة والعامة مليارات الدولارات. ومنذ اكتشاف النفط في اليمن ثمانينيات القرن العشرين، تعثرت محاولات المساءلة بسبب الحرب وتشظي السلطة السياسية.

 

يوثق تقرير غير منشور، إنجز نهاية عام 2014  بتكليف من البرلمان اليمني، أكثر من 30 انتهاكاً بيئياً ارتكبتها عشرات شركات النفط والغاز ما بين أيام الازدهار أوائل العقد الأول من القرن الـ21 لحين انزلاق البلاد إلى حرب أهلية عام 2014 . وتقدم المقابلات التي أجراها فريق التحقيق الصحفي مع السكان المحليين والخبراء والمسؤولين، بالإضافة لمراجعة سجلات المحكمة وتقارير أخرى تتعلق باستخراج النفط والغاز، صورة مماثلة عن هذه الممارسات.

 

وتم تسليم التقرير إلى المشرعين نهاية عام 2014 عندما بدأت البلاد تنحدر إلى حرب أهلية. ومازال التقرير حبيس الإدراج  منذ ذلك الحين بينما غادرت العديد من شركات النفط البلاد مع تردي الأوضاع الأمنية. وتظهر تقارير "مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود "أو سي سي آر بي" (OCCRP) أن الشركات الحكومية التي استحوذت على الصناعة من الشركات الأجنبية متهمة الآن بمواصلة الدمار. وفي  إحدى الحالات، يقاضي الرئيس السابق للهيئة العامة لحماية البيئة في اليمن الدكتور عبد القادر الخراز  شركة حكومية بسبب الآثار الصحية المستمرة على الناس في المنطقة.

 

ويقول درهم أبو حاتم مدير عام البيئة والسلامة في وزارة النفط والمعادن اليمنية لـ"أو سي سي آر بي" إن الشركات عندما تحفر في أي دولة من دول العالم "يكون عندها لوائح تنظيمية وخوف على سمعتها. ولكن عندما تعمل في دولة القانون عندها ضعيف تأخذ الشركات راحتها" وبخاصة أنه وقتها أيضا لم تكن هناك لوائح وضوابط لتنظيم الأثر البيئي لعملية التنقيب.

 

تمت كتابة التقرير المؤلف من 147 صفحة من قبل الدكتور محمد الحيفي أستاذ البيئة المشارك في جامعة صنعاء، وراجعه المهندس علي عبد الله الذبحاني مدير عام السلامة الكيميائية والنفايات الخطرة في وزارة المياه والبيئة. وتم التكليف من قبل البرلمان في ظل تزايد الشكاوى بشأن مخالفات في قطاع استخراج النفط والغاز. وبحسب الصور الملتقطة والتحليلات  لعينات المياه والهواء وعمليات التفتيش وشكاوى المواطنين، يصف التقرير الحوادث التي تورطت فيها أكثر من 12 شركة نفط دولية، فضلاً عن شركات ومقاولين محليين.

 

مثلا، شركة النفط الكندية "نكسن" -التي كانت تعمل حتى عام 2015  بالقرب من قبيلة بن هوطلي- متهمة بـ "التهور والإهمال المتعمد في تلويث البيئة بسوائل الحفر" بحسب ما ذكر بالتقرير البرلماني الذي خلص إلى أن حجم التلوث وتكراره "يشير إلى الإصرار المتعمد على ارتكاب جرائم ضد البيئة".

 

تظهر صور التقطها فريق الصحفيين العاملين مع occrp نهاية عام 2021 لمواقع حفارات  نكسن بالقرب من المكان الذي يعيش فيه بن هوطلي، وهي منطقة تعرف بإسم قطاع 51 ،  كميات كبيرة من السوائل الداكنة تتجمع بين رمال الصحراء.  تم شراء نكسن من قبل CNOOC الصينية في عام 2015. 

 

وبدلاً من معالجة نفايات الحفر بشكل صحيح، اختارت الشركة الكندية "الرخيص والسهل" المتمثل في خلط سوائل النفط ببساطة في التربة وتركها في حفر مفتوحة، كما قال الدكتور عبد الغني جغمان الخبير الجيولوجي الذي عمل في وزارة النفط أوائل عام 2000، بعد مراجعة التفاصيل الواردة بالتقرير.

 

وقال الدكتور جغمان -الذي راقب عمل شركات النفط خلال فترة عمله بالوزارة -في مقابلة مع "أو سي سي آر بي"- إن نكسن كانت مهملة بشأن طريقة التخلص من سوائل الحفر أو معالجتها". واضاف "نكسن لم تكن وحدها، ولكن حتى الشركات الأخرى العاملة باليمن".

 

وقال علي الذبحاني الرئيس السابق لإدارة النفايات الخطرة بوزارة البيئة، الذي راجع التقرير قبل تقديمه إلى البرلمان، لـ"أو سي سي آر بي" إن التقرير لا يظهر فقط "تهور وإهمال" شركات النفط، ولكن أيضاً فشل السلطات في تطبيق التعليمات بشكل صحيح.

 

وبحسب ياسمين الإرياني المديرة التنفيذية للإنتاج المعرفي بمركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية -والتي سلطت الضوء على تحديات قطاع النفط بدراسة لها عام 2020- أن اندلاع الحرب الأهلية عرقل بصورة أكبر جهود إصلاح القطاع. وقالت لـ"أو سي سي آر بي" إن الظروف اليوم "أصبحت أكثر صعوبة لسن آليات المساءلة".

 

وبعد دعم موازنة الحكومة لعقود، أصبحت أرباح النفط الآن تشكل مصدر دخل للفصائل المتحاربة في البلاد. ولا يزال المواطنون مثل بن هوطلي يعيشون مع هذه التداعيات. ومثل كثيرين في المنطقة، يلقي بن هوطلي باللوم على التلوث النفطي في انخفاض غلة المحاصيل بمنطقته وارتفاع الأمراض مثل السرطان وأمراض الكلى. ويتحسر قائلا "أرضنا لم تكن أبداً هكذا. لقد كانت مثمرة والآن أصبحت قاحلة ولا فائدة منها". ولم ترد وزارة النفط والمعادن على أسئلة أرسلها فريق الصحفيين الاستقصائيين حول ما وثقوه وكشفوه.

 

ويقول المسؤولون الذين حاولوا محاسبة الشركات إنه تم اسكاتهم. وقال رئيس سابق لهيئة حماية البيئة إنه استهدف بعد تحديه لشركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج التي تديرها الدولة بشأن سجلها، ومنذ ذلك الحين رفع دعوى قضائية ضد الشركة وفر من البلاد. وقال مسؤول كبير آخر بهيئة حماية البيئة إنه طرد أيضاً العام الماضي بعد تحديه لشركات النفط والسلطات.

 

القطاع 14

 

بعد اكتشاف النفط في اليمن منتصف ثمانينيات القرن العشرين، توافدت مجموعة من الشركات الأجنبية للحصول على مناطق الامتياز التي قامت الحكومة بتقسيمها إلى "قطاعات" بموجب اتفاقيات مشاركة الإنتاج والتي منحت الشركات حقوق التنقيب عن النفط بشرط أن تتقاسم الإتاوات مع الدولة.

 

وفي ذروة الإنتاج أوائل عام 2000، كان اليمن يضخ 450 ألف برميل يوميا. و قبل اندلاع الحرب، كانت عائدات النفط والغاز تمثل حوالي 70% من ميزانية الدولة.

 

كانت نكسن الكندية، التي كانت تعرف سابقاً باسم أوكسيدنتال بتروليوم، واحدة من أوائل الشركات التي عثرت على النفط عام 1991. وبحلول أوائل 2000 كانت تدير قطاعين في محافظة حضرموت. ولم يمض وقت طويل قبل أن يبدأ السكان المحليون في الشعور بآثار عملها.

 

ويفصل التقرير البرلماني كيف انزلق ما يقدر بنحو 450 ألف برميل من المياه الزيتية في مارس/آذار 2008 من بئر تصريف في منطقة امتياز نكسن الرئيسية-قطاع 14، حيث تم انسكابها لمسافة تقريباً 3 كيلومترات.

 

ويتذكر الزعيم القبلي عمر سعيد باعباد حادثة التسرب. وقال باعباد (75 عاما) في مقابلة مع "أو سي سي آر بي" خلال زيارة للمنطقة أن المياه الملوثة استمرت في التدفق 4 أيام، وغطت العديد من مزارع المنطقة. وأضاف "إن الأرض لم تعد كما كانت أبدا.. كنا ننتج 40 إلى 50 كيساً من القمح في الموسم الواحد. أما الآن فنحن ننتج 10 فقط ونشتري الباقي". وحسب مؤلفي التقرير المياه فإنها "مياه مصاحبة" أي سائل يتم ضخه إلى السطح إلى جانب النفط وغالباً ما يكون ملوثاً بمواد كيميائية خطرة، بعضها مشع. وأشار التقرير إلى أن الشركات في جميع أنحاء حضرموت ارتكبت "انتهاكات بيئية صارخة" عند التخلص من هذا النوع من النفايات.

 

ويمكن التخلص من المياه المنتجة عن طريق إعادة حقنها مرة أخرى في الحوض الذي أتت منه، ولكن يجب أن يتم ذلك بعناية لتجنب تلويث مصادر المياه الجوفية، كما أوضح خبير الجيولوجيا جغمان أن الخطر شديد بشكل خاصةً في حضرموت، التي تقع فوق أكبر طبقة مياه جوفية في اليمن.

 

وقال جغمان "المياه المنتجة سامة، ولا يمكن استخدامها للبشر أو الزراعة ما لم تخضع لمعالجة كبيرة، وهو ما تتجنبه شركات النفط لأنها عملية مكلفة".

 

تدمير منهجي للبيئة وتحكيم دولي

 

بعد أن غادرت نكسن-قطاع 14 عام 2011، وجدت الشركة التي تديرها الدولة والتي استحوذت على قطاع ذلك الموقع في حالة من الفوضى، وفقا لقضية تحكيم دولية رفعتها وزارة النفط والمعادن ضد الشركة الكندية وشركائها في باريس، بعد عامين على مغادرتها البلاد، أمام المحكمة التجارية المتخصصة في فض النزاعات التجارية.

 

واتهم اليمن الشركات بإعادة حقن المياه المصاحبة بلا مبالاة، والفشل في مراقبة ما إذا كانت الشركات قد لوثت المياه الجوفية. واعترفت نكسن خلال التحكيم بأنها ضخت المياه الملوثة أسفل طبقة المياه الجوفية العذبة لمدة 5 سنوات في تسعينيات القرن العشرين، لكنها قالت إنها لم تسبب أي ضرر بيئي.

 

كما وصفت الوزارة في مرافعتها أنها عثرت على آبار خطرة وناقصة، ونفايات ملقاة أو محترقة في العراء، ومحرقة نفايات مكسورة لم يتم إصلاحها منذ سنوات. ورغم أن القوانين البيئية في اليمن كانت وقتها ضعيفة، فإن وزارة النفط جادلت في محكمة التحكيم الدولية الأولى بأن نكسن وشركاءها فشلوا في تلبية المعايير الأساسية المنصوص عليها في عقدها.

 

وفي حين تم رفض بعض الاتهامات -على أساس أنه تم اعتبار الادعاء حول التسبب في التلوث بالمياه المنتجة خارج إطار قانون التقادم- أمرت المحكمة نكسن بدفع ما يقرب من 10 ملايين دولار على شكل غرامات لاستبدال المحرقة المكسورة  ومعدات أخرى لم تعد فاعلة، وأيضا لدراسة تقييم الأثر البيئي التي لم تقم به الشركة قبل أن تغادر القطاع الذي عملت به.

 

وبالنسبة لليمنيين الذين يعيشون بالقرب من حقول النفط، يمكن قياس تأثير التلوث بأكثر من الدولارات، حيث أظهرت الدراسات العلمية أن العيش بالقرب من حقول البترول يرتبط بزيادة خطر الإصابة ببعض أنواع مرض السرطان.

 

تظهر البيانات الصادرة عن مؤسسة حضرموت لمكافحة السرطان -المنطقة التي عملت فيها نكسن- أن حالات السرطان تضاعفت 3 مرات تقريباً بين أوائل عامي 2000 و2015. وقال مديرها الدكتور وليد عبد الله البطاطي إنه رغم عدم وجود دراسات تثبت أن التلوث النفطي تسبب في ارتفاع الأعداد، فإن المناطق القريبة من الكتل النفطية "لديها أعلى معدلات الإصابة بالسرطان مقارنة بالمحافظات الأخرى".

 

ويلقي باعباد، الزعيم القبلي الذي تلوثت أرضه، باللوم على التلوث النفطي قائلا إنه كان سبب السرطان الذي أودى بحياة شقيقه قبل بضع سنوات. وقال للصحفيين في لقاء في منزله "صحتنا وأراضينا كلها دمرت بسبب شركات [النفط]".

 

القطاع 18

 

في المنطقة الرئيسية الأخرى المنتجة للنفط باليمن، على بعد حوالي 30 كيلومترا من مدينة مأرب، يقع القطاع 18، حيث اكتشفت شركة هنت للنفط ومقرها دالاس بالولايات المتحدة أول نفط باليمن عام 1984.

 

ويصف التقرير البرلماني انتهاكات مختلفة، خلال فترة ولاية هنت التي استمرت 20 عاما، تضمنت انبعاث مستويات خطيرة من أكاسيد النيتروجين في الهواء إلى التخزين غير السليم لمئات البراميل من المواد الكيميائية منتهية الصلاحية.

 

كما وجد أن شركة هنت قد دفنت مواد كيميائية في حفرة بالصحراء إلى جانب نفايات الحفر، ويُزعم أنها حاولت دفن "كمية لا يستهان بها من نفايات الحفر" في موقع آخر قبل أن يوقفها المسؤولون المحليون منتصف الطريق. ورفضت هنت التعليق على ما ورد في التقرير.

 

وخرجت هنت من قطاع 18 عام 2005 بعد أن رفض البرلمان تجديد عقد الامتياز. لكن شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج "إس إي بي أو سي" (SEPOC) التي تديرها الدولة والتي استحوذت  عليها متهمة بمواصلة إرث هنت.

 

إرث مدمر

 

عام 2018، تلقى الدكتور عبد القادر الخراز، الذي كان آنذاك رئيس الهيئة العامة لحماية البيئة، شكوى مفادها أن الشركة الحكومية "صافر" دفنت نفايات كيميائية خطرة من إحدى وحدات المعالجة التابعة لها بالصحراء. وبعد أقل من عام، تلقت الهيئة نفسها  شكوى أخرى مفادها أن هذه الشركة كانت تخزن المواد الكيميائية بشكل غير صحيح، مما يجعلها عرضة للعوامل الجوية، في تهديد للمنطقة المحيطة.

 

وبعد فشل جهوده المتعددة للحصول على تعاون من شركة صافر، رفع الخراز دعوى قضائية عام 2020 متهماً الشركة بدفن المواد الكيميائية الخطرة ونفايات الحفر، وطالبها بتعويض نيابة عن العشرات من مرضى السرطان.

 

ويدعم الدكتور الخراز ادعاءاته أمام المحكمة بنتائج بتحليل 65 عينة تربة أخذها من مواقع مدافن النفايات والقمامة المختلفة في قطاع 18 الذي تديره صافر وقطاعين مجاورين على مدار عدة سنوات. وكشفت الاختبارات المعملية أنها تحتوي على جزيئات هيدروكربونية متطايرة ومعادن يمكن أن تسبب السرطان مثل الكروم والنحاس والنيكل والرصاص بمستويات أعلى من الحدود الدولية المسموح بها.

 

في إحدى العينات، كان مستوى الرصاص أعلى بأكثر من 120 مرة  من المعيار الدولي المستخدم في المختبر، بينما كان الزنك أعلى 32 مرة.

 

كما وزع الخراز استبياناً عام 2020 على عينة عشوائية من 51 شخصا في حريب، وهي مدينة بالقرب من القطاع التي أخذ عينات منه، ووجد أن ما يقرب من ثلثيهم يعانون من السرطان وأكثر من 17% يعانون من أمراض الصدر والجهاز التنفسي. وكان معدل الإصابة بسرطان الدماغ أعلى بين الأطفال بحسب ما وثق.

 

وفي تصريحات لـ"أو سي سي آر بي" نفت صافر دفن أي مواد خطرة في موقعها أو انتهاك قانون البيئة اليمني الذي يعاقب على التلوث المتعمد الذي يضر بالبيئة بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات. ورفض المتحدث باسم صافر التعليق على دعوى الدكتور الخراز التي مازالت تراوح مكانها بأروقة المحكمة.

 

وقالت الشركة إنه منذ توليها القطاع 18، اتخذت تدابير لحماية البيئة، مثل تبطين حفر النفايات وحماية إمدادات المياه من خلال تدعيم أفضل للأنابيب تحت الأرض.

 

صناعة النفط "خط أحمر"

 

توقفت الإجراءات القانونية التي اتخذها الدكتور الخراز ضد صافر بالمحاكم منذ عام 2020 ، حيث يطعن محامو الشركة في التفاصيل الفنية بينما تنحى القاضي الأصلي بالقضية عن منصبه ذلك العام، ورفض قضاة آخرون إعادة فتح القضية. وفي الوقت نفسه، قال الخراز إنه قوبل بحملة ترهيب.

 

في سبتمبر/أيلول 2019، بعد بضعة أشهر من تقديم شكواه الثانية إلى صافر، تم استبدال الخراز كرئيس الهيئة العامة لحماية البيئة. وعندما رفع الخراز القضية ضد صافر العام التالي، طلب محامي الشركة من النيابة التحقيق معه بتهمة الإخلال بالسلام والإضرار بالمصلحة العامة.

 

في مرحلة ما من التقاضي، طلب الخراز الحماية بعد أن أخبر محامي صافر المحكمة أن السكان المحليين عرضوا على الشركة منعه من رفع قضية ضد شركة النفط. وقال الخراز إنه ينظر إلى التعليقات على أنها تهديد.

 

يقول الخراز إنه فر نهاية المطاف من اليمن بعد أن تصاعدت التهديدات ضده. التهديدات بدأت "كنصيحة" من الأصدقاء ثم تطورت إلى الترهيب اللفظي، بما في ذلك من مسؤول حكومي تحدث إلى والده. ويعتقد الخراز أن حادثة قصف منازل العائلة في مأرب بصواريخ الدبابات في 9 ديسمبر/أيلول 2021، بعد شهر على مغادرته البلاد، إنما هو تنفيذ للتهديدات التي يتعرض لها بسبب ما كشفه حول الموارد النفطية، القضية التي رفعها ضد الشركات النفطية المتعلقة بالتلوث النفطي ومطالبته بوقف عمليات دفن المخلفات الخطرة ومعالجة مرضى السرطان بالمنطقة وتعويضهم رغم أن "أو سي سي آر بي" لم تجد أي دليل يؤكد ذلك.

 

ويظهر مقطع فيديو تم تصويره قيادات الجيش في محافظة مأرب يزورون الديوان بعد التوصل لصلح عشائري مع وجهاء العائلة وهم يقرون بتعويض عن الخسائر. ونفى متحدث باسم  قائد اللواء 14 التابع للحكومة المعترف بها دوليا مزاعم الخراز بأن قصف منازل العائلة "كان بناء على أوامر وصلت القيادة المحلية من جهات داخل الدولة".

 

وقال المتحدث لـ"أو سي سي آر بي" أن "كل ما ذكرتم في رسالتكم مجانب للحقيقة. قضية الأخ الخراز تم تحكيمه فيها بإشراف وجاهات قبلية وتم تعويض الخراز بما حَكم به وقد تنازل عن القضية برضاه وبعد استلام التعويض كتب أنه لم يبق له أي دعوى أو طلب في الحكم الموجود لدينا".

 

وقال الخراز الذي يقضي الآن غالب وقته متنقلا بين عديد الدول العربية والأجنبية "إن الأشخاص النافذين بالحكومة وشركات النفط يحمون مصالحهم من خلال منع التدقيق الفعال في قطاع استخراج النفط".

 

قال محمد سالم مجور مدير مكتب الهيئة العامة لحماية البيئة بمحافظة شبوة الغنية بالنفط إنه تم إقصاؤه من الوظيفة أيضا بعد محاولته كشف التلوث في منطقته.

 

عام 2020، بدأ مكتبه في توثيق التلوث الذي تقوم به شركات النفط الأجنبية والمحلية العاملة بالمنطقة.  وشملت هذه الانتهاكات الفشل في وقف تسرب النفط المتكرر وبكميات كبيرة من خط أنابيب تديره الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية التي تديرها الدولة، ومعالجتها بشكل صحيح. ولم ترد الشركة على طلب "أو سي سي آر بي" الحصول على تعليق.

 

وكتب مجور في بيان عام نشر في أبريل/نيسان 2022 "سرعان ما تم تحذيرنا من بعض السلطات بخطورة ذلك الملف لأنه ظل لسنوات سابقة خطا أحمر" بعيدا عن الرقابة لارتباط القطاعات النفطية بقوى نفوذ تتحكم بها وتحمي تلك الشركات العاملة فيها".

 

وبعد شهرين، كتب مجور رسالتين إلى محافظ المنطقة يزعم فيها أن مبعوثه أصدر تعليمات إلى الهيئة العامة لحماية البيئة بعدم اتخاذ إجراءات قانونية ضد شركات النفط أو الإضرار بسمعتها.  وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، تم استبعاد  مجور. ولم يرد مكتب محافظ شبوة على طلبات متكررة للتعليق.

 

وأبرز مجور نسخة لشكوى الفصل التعسفي التي رفعها لدى مفوضية حقوق الإنسان اليمنية. وأكدت المفوضية استلام الشكوى لكنها لم تعط المزيد من التفاصيل. وقال مجور في مقابلة مع "أو سي سي آر بي" في مارس/آذار إن مشكلة التلوث النفطي لم تحل بعد فـ"التربة الملوثة ما زالت هناك وعندما تتساقط الأمطار تجرف التربة للمناطق الزراعية".

 

عودة الشركات لليمن

 

ورغم أن غالبية شركات استكشاف النفط الأجنبية العاملة باليمن غادرت بعد بدء الحرب أو أوقفت إنتاجها بسبب التحديات الأمنية فإن بعضها عاد للعمل. في أكتوبر/تشرين الأول 2021 زار صحفيون محليون يعملون مع "أو سي سي آر بي" على هذا التحقيق الصحفي الاستقصائي منطقة قطاع 9 في حضرموت، حيث كانت تدير العمليات وقتها شركة  كالفالي بتروليوم قبرص.

 

وقال الشيخ عبد الله مبارك بن بدر الذي يقيم في منطقة قريبة من نطاق عمل الشركة إنه "عندما تسقط الأمطار تتراكم مادة سوداء تحت أشجار النخيل". وتابع قائلا: قبل شهور جرفت الفيضانات هذه المياه الملوثة من الموقع النفطي إلى الوادي.

 

واعترف المتحدث باسم كالفالي بالحادث، وقال إن الشركة دفعت تعويضات من خلال عملية رسمية تقودها الحكومة للسكان الذين تضرروا من التسرب الذي جاء من الحفر المفتوحة التي غمرتها الأمطار الغزيرة. وقال المتحدث إن الحادث كان بسبب "فيضان استثنائي".

 

خلال الزيارة، شاهد الصحفيون حفرة ترابية منفصلة للمياه المنتجة داخل موقع كالفالي، تفتقر إلى أي بطانة. وكانت محتويات الحفرة تتدفق إلى الأرض المحيطة من خلال كوة في جدار منهار.

 

وذكر المتحدث باسم الشركة أن هذه البركة شيدت قبل صدور لائحة تنظيمية عام 2010 تتطلب الآن وجود طبقات واقية للمياه المنتجة، وأن لا علاقة لها بأحدث تسرب. وأضاف أن خطط كالفالي لإصلاح الحفرة قد تعطلت بسبب الحرب.

 

وقال أيضا "سيتم ذلك بمجرد أن تتمكن الشركة من استعادة الإنتاج ويسمح الوضع الأمني في اليمن لشركات الخدمات الدولية بالعودة".

 

أنجز هذا التحقيق من قبل مشروع "الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد العابر للحدود (أو سي سي آر بي) وينشر بالاتفاق مع الجزيرة نت

 

فريق العمل:أحمد الواسعي، رنا الصباغ، سلمى مهاود، عبد الواحد العوبلي، مطيع بامزاحم، زاهر بن شيخ بك


المصدر: الموقع بوست

كلمات دلالية: اليمن النفط البيئة تلوث الهیئة العامة لحمایة البیئة النفط والغاز فی مقابلة مع وزارة النفط شرکات النفط بالقرب من فی الیمن من خلال لم تکن عام 2020 من قبل قطاع 18 بعد أن

إقرأ أيضاً:

معهد أمريكي يسلط الضوء على القاذفة الشبحية B-2 ونوع الذخائر التي استهدفت تحصينات الحوثيين في اليمن (ترجمة خاصة)

سلط معهد أمريكي الضوء على أهمية نشر القاذفة الشبحية   B-2في اليمن ونوعية حجم الذخائر التي قصفت أهدافا محصنة لجماعة الحوثي في البلاد وكيف يمكن لها أن تساعد في تعزيز الرسائل الأميركية إلى إيران.

 

وقال "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى" في تحليل ترجم أبرز مضمونه "الموقع بوست" إن "الأهمية الاستراتيجية لضربة دقيقة على اليمن باستخدام زوج من الأصول الوطنية الأميركية بقيمة 2.2 مليار دولار أميركي توضح التزام واشنطن القوي بمكافحة التهديدات للأمن الدولي".

 

وأشار إلى الطائرة B-2 تتمتع بعدد من السمات المحددة التي تؤكد على أهمية نشرها في اليمن. لافتا إلى أن التصميم المتقدم في التخفي والقدرة على البقاء يجعل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، استهداف وتدمير الطائرة B-2، مما يسمح للقاذفة باختراق المجال الجوي المحمي بشدة وتوجيه ضربات دقيقة على أهداف محصنة.

 

وتطرق التحليل إلى الأسلحة الموجهة بدقة التي يمكن أن تحملها الطائرة B-2 لهذا النوع من المهام وقال: قنبلتان خارقتان للذخائر الضخمة من طراز GBU-57A/B، يبلغ وزن كل منهما 13.6 طن، وقادرة على اختراق 60 قدمًا من الخرسانة المسلحة أو 200 قدم من الأرض؛ وقنبلتان من طراز GBU-28/B أو GBU-37/B بوزن 2.2 طن، قادرتان على اختراق أكثر من 20 قدمًا من الخرسانة المسلحة أو 100 قدم من الأرض؛ أوما يصل إلى ستة عشر قنبلة من طراز GBU-31 بوزن 907 كجم، كل منها قادرة على اختراق أكثر من 6 أقدام من الخرسانة المسلحة.

 

وتشير التقارير إلى أن القاذفات المستخدمة في مهمة اليمن استخدمت قنابل اختراقية من طراز GBU-31 فقط، وهو ما كان ينبغي أن يكون سلاحاً مناسباً نظراً للطبيعة غير المتينة للكهوف الجيرية والرملية حول صنعاء وصعدة التي يستخدمها الحوثيون لتخزين الأسلحة. كما تفيد التقارير بأن نحو عشرين قنبلة اختراقية فقط في الخدمة، مما يجعلها أصولاً ثمينة للغاية في مخزون B-2.

 

وأكد التحليل أنه لا يوجد أي دولة أخرى في العالم لديها ما يعادل بشكل مباشر مزيج B-2 من التخفي والمدى والقدرة على الحمولة. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد دولة تقترب في دعم مثل هذا الأصل لوجستيًا على مثل هذه المسافات الكبيرة.

 

وقال "يبدو أن الطائرة المشاركة في الضربة على اليمن انطلقت من قاعدة وايتمان الجوية في ميسوري. يبلغ مدى B-2 غير المزود بالوقود حوالي 11000 كيلومتر، واعتمادًا على الطريق، فإن اليمن ستكون رحلة حوالي 14000 كيلومتر في كل اتجاه.

 

وتابع المعهد الأمريكي "كانت هناك حاجة إلى عمليات إعادة تزويد بالوقود جواً متعددة حتى تصل الرحلة إلى وجهتها وتعود إلى الوطن. أيضًا، في حين أن المجال الجوي اليمني ليس محميًا بشكل كبير، فإن استخدام B-2 لا يزال يتطلب مستوى معينًا من السرية لحماية الإجراءات التشغيلية".


مقالات مشابهة

  • معهد أمريكي يسلط الضوء على القاذفة الشبحية B-2 ونوع الذخائر التي استهدفت تحصينات الحوثيين في اليمن (ترجمة خاصة)
  • سرق الشركة التي يعمل بها.. قرار عاجل ضد سائق المعادي
  • ماذا نعلم عن الملياردير سكوت بيسينت الذي اختاره ترامب كوزير للخزانة؟
  • قفزة في أسعار النفط.. وبرنت يتجاوز 75.1 دولارًا
  • قفزة في أسعار النفط.. وبرنت يتجاوز 71.1 دولارًا
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • أسعار النفط تقفز في أسبوع وسط ازدياد التصعيد في حرب أوكرانيا
  • أسعار النفط ترتفع أكثر من 6% في أسبوع.. وبرنت يتجاوز 75 دولارا للبرميل
  • المدير الرياضي لفولفسبورج: بإمكان النادي المساعدة في تحسين الحالة المزاجية وسط أزمة الشركة الأم
  • التصعيد في حرب أوكرانيا يقود أسعار النفط تجاه ارتفاع أسبوعي