جريدة الرؤية العمانية:
2024-07-03@14:40:31 GMT

طمع دنيا!!

تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT

طمع دنيا!!

 

 

د. صالح الفهدي

كيف تأتَّى للسانه أن يطمس الحق عن شريكه، ويغمطه في نصيبه من الأرض المباعة ويقول له صراحةً دون خوف من الله "طمع دنيا"، في تأكيد ثابت بأنه لن يشاركه نصيبه من ثمن الأرض التي اشتراها الاثنان مناصفةً، ثم -كما يحكي لي الصديق المظلوم الحق- لم يتردَّد صاحب العبارة في أن يحلف اليمين الغموس بأن لا حق لصاحبه، فسألت الشريك المظلوم: ألم يحسب حسابها قبل أن يحلف زوراً وإفكاً فتغمسه في ظلماتها؟ قال: وقد غمسته اليمين الكاذبة، فتعرض أبناؤه لحادث، واتصل بي من المستشفى يطلب مني أن أسامحه، ويؤكد أنه سيعيد لي الحق المسلوب، فقلت له -والكلام على لسان الشريك: ما وقع لأبنائك ليس مني في شيء، فأنا أرجو الخير للناس أجمعين، ثم إنه تغافل مرة أخرى، فأصيب بالشلل، وهكذا استمرت المصائب تتوالى عليه وعلى أسرته" (انتهى كلام الصديق المحدِّث).

حين تَعْمَى القلوب بسبب الطمع أو الهوى تغيم رؤية العقل، أو تتعطل إرادته، كما قال صاحب اليمين "طمع دنيا"؛ أي أنَّ عقله يقر بأن ما يقوم به من إجحاف وظلم هو ما يدركه بكل وضوح، ولكن ضميره مشلول، معتل أمام غثاثة الطمع الآدمي المقيت في المال، فبعد أن قطع العهد أمام شريكه، وتباكى ليساعده في شراء الأرض، أنكر الحق بعد بيعها بأثمان باهظة فسولت له نفسه الإنكار ودفعته ليحلف اليمين الغموس، دون أن تريه المصائب التي ستتوالى عليه فيما بعد جراء حلف اليمين.

يقف البعض أمام المصحف ويضع يده عليه ليحلف بحماسة ونشوة انتصار دون أي شعور بالخوف أو التردد؛ ذلك لأن الهوى والطمع والجشع قد غلبت نفسه، فطرحت عليه سؤالاً: ماذا يعني حلف اليمين؟ ولم يجبها بأن حلف اليمين معناه أن طرف القضية لم يكن مدعي الحق عليه، الذي يطلب الإنصاف والعدالة لاستعادة حقه المسلوب، فلقد انتقلت من خصمه الإنسان الضعيف في إظهار البينة ليصبح خصمه الله الجبار القاهر العادل الذي شهد عليه، وعلى إخفائه للحق، وممارسته التدليس والكذب والزيف والظلم، ليريه العلي القدير فداحة ما أقدم عليه من يمين غموس تعني أنه كذب على الله بيمينه فيتولى الله أمره، ويريه العواقب الوخيمة لما فعل، ويسومه سوء العذاب.

لقد شهدنا وسمعنا قصصَ بعض من حلفوا اليمين وكأنها "شربة ماء" قد تسارعت إليهم النوائب والمصائب، فلحقت بهم وأسرهم في ألوان شتى منها الأمراض، أو الحوادث، أو الإعاقات، أو العسر في الحياة، أو الضيق في العيش، أو الحزن والقلق والأسى، وغير ذلك.

ومن المؤسف أنَّ بعض البشر لا يترددون في ظلم الآخرين، ظلماً بيناً صريحاً، وينكرون عليهم حقوقهم، من أجل مال زائل، أو عرض رخيص، ورغم أنهم يسمعون قصص الظالمين الذي يجحدون حقوق الناس، ويحلفون اليمين الكاذبة ببرود فتأتيهم من ربهم الخطوب التي تحطم سعادتهم، وينال أبناؤهم من شرور أفعالهم، إلا أن ضمائرهم ميتة، كما قال المتنبي: "من يهن يسهل الهوان عليه... ما لجرح بميت إيلام".

وإذا كان القضاة يعرفون صفات بعض المترددين على المحاكم، وأنهم يقدمون على حلف اليمين دون تردد فإن على هؤلاء القضاة أن يتحرزوا في دفعهم إلى حلف اليمين لأنهم بذلك قد قطعوا مسار القضية، ودفنوا أدلتها، فكتبت لصالح من حلف اليمين، أما صاحب الحق فلم ينتفع شيئاً من حلف خصمه بل ضاع حقه، ولم تجد مساعيه للحصول على حقه نفعاً.

لقد زرت رجلاً منذ سنوات وهو مقعد، ولا أعلم حتى اليوم لماذا قرأ بلسانه الثقيل الذي لا يكاد يتحرك هذه الآية: "وما ظلمناهم ولٰكن كانوا أنفسهم يظلمون" (النحل:118)، ولكن لم يكن مستبعداً أن يكون ما حدث له بسبب سوء عمله، فإن لم يكن ذلك في الدنيا ففي الآخرة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلف بالله فليصدق" ويقول عليه أفضل الصلاة والسلام: "من حلف على يمين هو فيها كاذب فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة".

"طمع دنيا".. لم ينفع صاحبه الذي حلف بسبب ذلك اليمين الكاذبة حين أصابه الشلل، وتعرض أبناؤه للحوادث، وما زالت تلاحقه المحن والأرزاء والأمراض المختلفة، فليكن عبرةً لمن يقول مثله: "طمع دنيا" ويحلف باليمين الكاذبة للاحتيال والنصب والتدليس على الناس، فانتقام الله عظيم لا يرده شيء، والعاقبة لمن أنصف وعدل ورد الحقوق إلى أصحابها دون مماطلة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

القدس إرثنا الديني والتاريخي

هدى أبـوطالب

بقلوبٍ موجوعةٍ لا تملك إلا ما تملكه من صوت الحق، لحظات من الألم وَالصوت المبحوح ولا حياة لمن تنادي في زمن الصمت والخنوع وأقلام حرة تنزف الدماء بدل الحبر لتكتب رسالة لحكام العرب والزعماء وحتى الشعوب العربية التي لم نشاهد لها انتفاضة مشرفة لنصرة الشعب الفلسطيني، أيها الخانعون يا من أصبحتم أذلة تحت من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة أحفاد القردة والخنازير أقول لكم راجعوا إسلامكم قبل ضمائركم الميتة، ألدين تنتمون؟!

لقد تجردتم من إنسانيتكم، ماتت ضمائركم، ألم يأن الوقت أن تلين قلوبكم أم على القلوب أقفالها، صمٌّ بكمٌ عميٌ أمام تلك المجازر الوحشية وقتل إخواننا الأبرياء في فلسطين، لماذا لا تتحَرّك مشاعركم?

أفيقوا!

القدس إرثنا الديني وانتماؤنا الإسلامي الذي يعبر عن هُــوِيَّتنا الإيمانية، القدس ليست للفلسطينيين فقط بل للمسلمين عامة وللعرب خَاصَّة، القدس ملك لنا، واجب علينا الدفاع عن مورثنا الديني ومقدساتنا الإسلامية.

أذكركم بحادثة البرجين اللذين انهارا في نيويورك عام 2002م أقام الغرب الدنيا وأقعدوها، وآذوا المسلمين في بلادهم، وحاربوهم، واعتصموا وتوحدوا، مظاهرات ضد المسلمين في شوارع أمريكا وغيرها بأن الإسلام دين إرهاب ويجب محاربته كيف يجتمعون على باطل ضد الإسلام برغم أن أمريكا هي من كانت وراء ذلك المخطّط لتشويه الإسلام.

أما نحن -العربَ المسلمين- أساؤوا إلينا الغرب، سبوا نبينا محمد رسول الله -صلوات الله عليه وآله- وبالصور المسيئة أحرقوا كتاب الله وداسوه تحت أقدامهم تحت مرأى ومسمع، والآن غزة ورفح تباد والقدس يدنس من أكثر 75 سنة حرب، وقتل وتجويع، ومكة تحت الخطر وحول بيت الله الحرام الكعبة المشرفة يموت الحجاج بدون رعاية، لا خدمات تقام ولا اهتمام، وَالمهرجانات المجانة في أرض الحرمين الشريفين هوليود العصر لنشر الفساد، ويحظى المضلين والشاذين من الفنانين والمغنين بالعناية والاهتمام وتقدم لهم الخدمات والرفاهية، وَالعرب المسلمين نيام ويشاهدون ذلك ببرود وبشكل روتيني اعتادوا المشهد، خزي وعار عليكم وعلى شعوبكم الراقدة، أصبح الغرب هم من نراهم في شوارع بلدانهم يدافعون بضمير حي ويتحدثون عن الإنسانية! يؤسفني هذا المشهد لتنعكس الإنسانية للغرب وتتغير المواقف ويكون لهم شرف الدفاع عن مقدساتنا وعن الإنسان الفلسطيني المظلوم، ألا تشعرون بالخجل من أنفسكم، أما كان الأجدر بنا نحن من تتحَرّك فينا الإنسانية بل الغيرة والحمية، والله لو تحَرّكت ضمائركم واستشعرتم المسؤولية أمام الله وأمام ما يجري في فلسطين لما بقي لليهود أثر، خاصة إذَا تأملتم في واقع كتاب الله لوجدتم أن الله قد ضربهم بالذلة والمسكنة وقذف في قلوبهم الرعب وجعل قلوبهم شتى ويخافون حتى من كلمة الموت ويحبون الحياة، الله سبحانه وتعالى قد هيأ لنا الأمر وفتح لنا المجال لنجاهد ولا نخاف في الله لومة لائم، لو وثقتم بالله كما ينبغي وصدقتم بالوعود الإلهية بالغلبة والنصر لتمكّنتم من رقاب اليهود ليكونوا أذلة صاغرين تحت أقدامنا ولو تعلمنا من السنن الإلهية لانتصرنا لنقود العالم أجمع.

قال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّـة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آَمَنَ أهل الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْـمُؤْمِنُونَ وَأكثرهُمُ الْفَاسِقُونَ).

وقال الله تعالى عن اليهود: (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أين مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْـمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأنبياء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ).

كلّ ما يجري في الساحة الإسلامية من هيمنة الطاغوت والشيطان الأكبر هو عدم التولي لأولياء الله ومعادَاة أعداء الله.

ولن ترفع الأُمَّــة رأسها حتى ترفع اليد التي رفعها رسول الله -صلوات الله عليه وآله- يوم غدير خم فما نراه اليوم ومن لهم شرف الغلبة والتمكين هم فقط محور المقاومة، اليمن أولاً بقيادة أنصار الله وما يقدمونه من مواقف عظيمة، ويكفي ما نسمع من البيانات العسكرية التي يلقيها العميد المجاهد يحيى سريع، والتطور العسكري من الطيران المسيّر والصواريخ البالستية وآخرها الكشف عن نوع آخر صاروخ فرط صوتي جديد ونوعي، وكذلك العمليات العسكرية المشتركة بين اليمن والعراق، وما يقدمه حزب الله من عمليات عسكرية نوعية، وما تقدمه أَيْـضاً الجمهورية الإيرانية من عمليات عسكرية ودعم عسكري لنصرة المستضعفين في أي بلد عربي مسلم.

قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ).

أما الحكام والزعماء العرب لو أرادوا الخروج والجهاد وهم يمتلكون القوة العسكرية وغيرها ولديهم الإمْكَانيات لأعدوا، ولكن الله كره انبعاثهم فثبطهم وقيل لهم أقعدوا مع القاعدين، عقوبة سيئة دنيوية وعذاب الآخرة أعظم.

قال تعالى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدين).

خذلان من الله لهم لخِذلانهم لولاية الله ورسوله والإمام علي ولأعلام الهدى من آل بيت رسول الله صلوات الله عليه آله.

فالنصرُ الموعود لن يتحقّق إلَّا على أيدي هؤلاء المؤمنين من تولوا الله ورسوله والإمام عليًّا ويستحقون بأن ينالوا رضوان الله والفوز في الدنيا والآخرة، ولهم شرف الفتح الموعود والجهاد المقدس.

مقالات مشابهة

  • موعد صيام يوم عاشوراء 2024.. لماذا سمى بهذا الاسم؟
  • الشيوعيون وأذيالهم وسلاح التشكيك في الثوابت
  • دوام الحال من المحال
  • حكم قراءة القرآن بصورة جماعية.. الإفتاء توضح
  • موعد صيام عاشوراء 2024 وفضله وحكمه في الإسلام
  • القدس إرثنا الديني والتاريخي
  • أنوار الصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام
  • حكم صيام أول العام الهجري الجديد وما يتعلق به
  • الانتصار لغزة عزة
  • وقفوهم إنهم مسؤولون