خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
يستند الإنسان في هذه الحياة إلى عقائد وثوابت ومبادئ عديدة، يؤمن بها وينطلق منها؛ فبعضها تعرَّف عليها من إسلامه ودينه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأخرى من مجالات معرفية وحياتية مختلفة، وبعضا أَلِفَها من علمه وعمله وتفاعله مع محيطه ومجتمعة وبيئته، وجزء منها اكتسبه من ثقافته الشخصية التي جاءت من العلوم والمعارف والقراءة والاطلاع والممارسات والمعاشرات الاجتماعية اليومية.
وكثيرٌ منا برغم ما يتحصل عليه من فهم، يظل فكره أحيانا قاصرا ولا يصل إلى مستوى النضج والإدراك والوعي والفهم الصحيح الكامل لكل الأمور، الذي يجعله مُلمًّا بكل شيء، فتجده يشذ عن القاعدة السوية ويخرج عن الآداب الصحيحة، وعن السياق المعروف والمألوف والمتعارف عليه في المجتمعات الإسلامية المحافظة، ويجنح عن الأخلاق والفضيلة والأعراف والاستقامة.
ومن باب أنَّ لكل قاعدة شواذ، ولا قياس على شاذ؛ ففي الحياة تعلمنا أن ننظر إلى الجميع نظرة مختلفة تنطلق مبدئيا من التواضع ومن تقديرنا واحترامنا لآدمية ذلك الإنسان، ونظرتنا إلى أنفسنا مثلا من حيث أهمية حاجة الجميع للغذاء وللكساء، كحاجتنا نحن له، وحاجة الآخرين للدين ولحياة يكون بها الدين الكامل. إلا أنَّ ذلك وحده ليس كافيا، إذ ليس من المعقول إن كان أحدهم وُجِد على هذه الأرض ثريا، فينظر للآخرين أنهم مثله، وأن باستطاعتهم توفير وتدبير كل شيء، ومقارنة نفسه بهم. فالذي تستطيع عليه أنت قد لا أستطيع عليه غيرك، لأسباب وظروف ومعطيات وقدرات معينة؛ وبالتالي يجب أن تكون نظرتنا فاحصة وعقلانية ومتوازنة.
- تعلمنا في الحياة حُسن أن نظن الخير في الجميع إلى أن يثبت عكس ذلك، وأن لا نصدق كل ما نسمع، كما أن الذي ينقل لك غدا سينقل عنك.
- تعلمنا في الحياة أن لا نستند للأقاويل والشائعات، ونبني على ذلك فندخل في المحظور ونسيء للآخرين قولًا وفعلًا، فإذا جاءنا فاسق بنبأ فعلينا أن نتبين؛ كي لا نصيب قوما بجهالة، ونتثبت ونتأكد ونتوقف عند معلوماتنا ولا ننشرها كي لا تُصبح غيبة أو نميمة.
- تعلمنا في الحياة أن لا نتتبع عورات وأعراضَ الناس والحديث عنهم بسوء.
- تعلمنا في الحياة أن لا نحسد ولا نحقد، ولا نضر ولا نؤذي، ولا نتحدث عن الخلق في غير حضورهم، فالحياة دورة كاملة، وما فعلته سيرد إليك، وما قلته سيقال عنك، وما ضررت به غيرك سيضرك غدا.
- تعلمنا في الحياة أنَّ كل شيء جائز ووارد وموجود؛ فالخير موجود، والشر كذلك، والحسن والقبيح، والخبيث والطيب.
- تعلمنا في الحياة أن نكون دعاة خير ورسل محبة وسلام، وأن نكرم ونعفو ونساعد ونفرج.
- تعلمنا في الحياة أن نخدم من يطلب المساعدة، ونؤازره وننصره.
- تعلمنا في الحياة أننا ميتون وعائدون إلى ربنا، وأننا بين يدي الكريم مسؤولون.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
رفع ركام الحرب ملفّ شائك وهذا هو الحل المتوافق عليه
كتبت" الاخبار": ملايين الأمتار المكعبة من الردميات والأنقاض خلّفتها الحرب الإسرائيلية على لبنان لا تزال في «أرضها». صحيح أن ملف رفعها قد بات جاهزاً أو «انتهى كملف قانوني»، بحسب وزير الأشغال العامة والنقل علي حمية، مع إقرار دفتر الشروط، إلا أن البدء بتنفيذ خطوات هذا الملف عملياً دونه كثير من التحديات، لا سيما أن عملية رفع الركام والردميات لا تنحصر بجرفها ونقلها ورميها في الأماكن التي حدّدتها الحكومة، وإنما هو «ملفّ شائك بيئياً وصحياً»، بحسب النائبة نجاة صليبا، المديرة التنفيذية للأكاديمية البيئية في الجامعة الأميركية في بيروت. والحذر هنا مصدره أن هذه الأنقاض والردميات ليست «حاف»، بل خليط يتضمن إضافة إلى الباطون أشياء أخرى من مثل ألواح الطاقة الشمسية وبطاريات «الليثيوم» وبطاريات الأسيد والذخائر والإلكترونيات التي توجد ضمن الأدوات الكهربائية في المنازل المهدمة وغيرها، وهي كلها «تشكّل خطراً على الأمن والأمان»، وفقاً للأمينة العامة للمجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتورة تمارا الزين. ويصبح هذا المفهوم أكثر خطورة استناداً إلى حرب شرسة امتدت عاماً كاملاً وجرفت معها الكثير من المباني السكنية بما تحويه من مواد ومستلزمات إلكترونية.
في هذا السياق، ووفقاً للتقرير الأخير الذي أصدره المجلس الوطني للبحوث العلمية حول الاعتداءات التي خلّفها العدوان الإسرائيلي على لبنان وأثرها في مختلف القطاعات، في المدة الممتدّة بين الثامن من تشرين الأول 2023 وإعلان وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي، يقدّر عدد المباني التي دُمّرت بالكامل في الضاحية الجنوبية لبيروت وحدها بنحو 353 مبنى وبمساحة 124368 متراً مربعاً، يضاف إليها 593 مبنى طالتها أضرار جسيمة و1972 مبنى أُصيبت بأضرار بالغة. ويقدّر حجم مخلّفات المباني المدمرة كلياً في الضاحية بما بين 1.2 و1.7 مليون متر مكعب (تقدير الأرقام جاء وفقاً لمنهجيّتين مختلفتين ولاعتماد معدل ثماني طبقات لكل مبنى) وبوزن تقديري للركام يراوح بين 2 و3.9 ملايين طن (وفقاً لطريقة احتساب تعتمد على معدل يراوح ما بين 1.6 و2.25 طن لكل متر مكعب). وهذه الملايين من الأطنان ليست فقط مكعبات خرسانية، بل تضمّ كل ما سبق. وإذا ما أخذنا في الحسبان فقط عدد الألواح الشمسية التي توجد في المباني التي تضررت بالكامل، فإنها تقدّر بنحو 3989 لوحاً، ما يشكّل 3.2% من مجمل عدد الألواح المستخدمة في الضاحية، يضاف إليها ما نسبته 2.8% من الألواح التي تعرضت لأضرار جسيمة وما نسبته 23% من الألواح التي تعرضت لأضرار تراوح بين الطفيفة والمتوسطة. ولهذه كلّها أثمان على صحة الإنسان والبيئة.
وفي هذا السياق، ثمة عمل شاق أكبر من مجرّد إعداد دفتر للشروط، يتضمن شقين أساسيين، أولهما حماية العاملين على الأرض أثناء عملية رفع الأنقاض، والسكان بالقرب من المناطق المدمرة، والشق الثاني يتعلّق بمخلّفات الركام نفسها.
في الشق الأول، تشير صليبا إلى جملة من الإجراءات الموصى بها عالمياً في ما يتعلّق بحماية صحة العاملين لناحية التزام الشركة الملتزمة بمعايير اللباس بالنسبة إلى العمال، أي أن تكون من نوعية الـ»PPE personal protective equipment»، تشبه إلى حدٍّ ما ما يلبسه الأطباء والعاملون في غرف العمليات أو في غرف العزل، إضافة إلى إرتداء نظارات لحماية العيون. أما بالنسبة إلى حماية السكان، فيفترض تسييج المباني المدمرة بـ«حاجز يشبه غشاء أخضر أو حماية كالذي يوضع عند البناء أو الترميم»، ورشّ المياه فوق الأرض كي لا يؤذي الغبار المتطاير في الهواء السكان.
وإذا كان يفترض أن يكون هذا الشق بديهياً، بحسب صليبا، إلا أن ما يوجب الحذر هو الشق المتعلق بما كانت تحويه تلك المباني سابقاً واختلط اليوم بالركام وبات مصدر خطر. قبل كل شيء، وبحسب المعايير الموصى بها عالمياً سواء في الكوارث الطبيعية أو في حالة الحرب، يفترض بعد نزع الذخائر غير المنفجرة، نقل الردميات إلى مكان مؤقت، بحسب الزين، وهناك يجري «تنظيفها»، عبر فرز ما فيها بين ما هو صالح للتدوير وما هو لـ«الكبّ». وما يبقى من الركام من المكعبات الخرسانية والباطون، يجري فصل الحديد عنها ثم طحنها لتصبح كالحصى. وعقب هذه المرحلة، يجري اختيار السيناريو الملائم، إما وضعها في مناطق متدهورة بيئياً كالمقالع والكسارات أو استخدامها في تدعيم الطرقات أو تجليل الحقول للاستفادة منها. هذا في ما لو تمّ العمل على الركام انطلاقاً من «الحرص على السلامة العامة».
أما في حال جرى رمي هذه الردميات بما تحتويه، فثمة مخاطر مرتبطة بطبيعة المادة الموجودة وما هي استخداماتها. ولكل مادة تقديراتها من المخاطر التي ترتبط بأين ستنتهي. إن كانت ستُستخدم لتوسعة مطمر الكوستابرافا، مثلاً، فمن المعلوم أن هذه الردميات تتسبب، فيما لو تركت على حالها، في تلويث مياه البحر. أما إذا انتهت في الطبيعة، فتختلف تأثيراتها بحسب طبيعة الأراضي التي ستوضع فيها، إذ إن هناك أراضي سريعة الامتصاص قد يتسبب رمي الردميات فيها في الوصول إلى المياه الجوفية وتلويثها. لذلك يفترض، بحسب الزين، أن تجرى دراسة طبيعة الأرض جيولوجياً.
وليس بعيداً عن المسار، تشير المصادر إلى أن ما جرى التوافق عليه هو «بيع» الردميات للشركة الرابحة مقابل أن تقوم بنقلها ورميها في الأماكن المتفق عليها، ومنها مطمر الكوستا برافا (كان ثمة اقتراح من وزارة البيئة برمي الردميات في المناطق المتدهورة بيئياً مثل المقالع والكسارات وغيرها). وبديهياً، في ظل هذا النمودج الاقتصادي، يتوقّع أن تقوم الشركة نفسها بعملية الفرز للاستفادة مما تحتويه هذه الردميات لكونها مواد قابلة للتدوير أو للبيع، على أن تتكفل في نهاية المطاف برمي ما ليس ذا جدوى اقتصادية.