قالت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان صريحا في التعبير عما تحتاجه إسرائيل لتدمير حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عندما قال لمجموعة من المسؤولين الحكوميين "نحتاج إلى 3 أشياء من الولايات المتحدة هي الذخائر ثم الذخائر ثم الذخائر".

وأوضحت الصحيفة -في تقرير لجون بول راثبون من لندن- أن نتنياهو الذي كان قلقا من أن تقف الضغوط السياسية في الخارج أمام شحنات الأسلحة الأميركية، قال "هناك مظاهرات ضخمة في العواصم الغربية.

نحن بحاجة إلى ممارسة الضغط المضاد. لقد كانت هناك خلافات مع أفضل أصدقائنا".

وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل استهلكت كميات هائلة من الذخيرة في حربها على حماس في غزة، واستخدمت الأسلحة الغربية الحديثة، من القنابل الموجهة عبر الأقمار الاصطناعية إلى الصواريخ الدقيقة الموجهة بالليزر، وبذلك اقترب الضرر الذي أحدثه الهجوم الإسرائيلي -كما يقول المحللون العسكريون- والدمار الذي لحق بشمال غزة في أقل من 7 أسابيع، من الأضرار التي سببها القصف الشامل الذي دام سنوات على المدن الألمانية خلال الحرب العالمية الثانية.

أعنف حملات القصف

يقول المؤرخ العسكري الأميركي روبرت بيب إن دريسدن وهامبورغ وكولونيا مدن تذكر أسماؤها بأعنف حملات القصف في القرن العشرين، و"سيتم إدراج اسم غزة أيضا كمكان تمت فيه أعنف حملات القصف التقليدية في التاريخ"، حيث سويت أحياء بأكملها بالأرض.

وبحلول الرابع من ديسمبر/كانون الأول الحالي، كان حوالي 60% من المباني في شمال غزة قد تضرر بشدة، حسب تحليل بيانات الأقمار الاصطناعية، مما يعني تدمير ما بين 82 ألفا و105 آلاف مبنى، رغم أن قصف الحلفاء لـ 61 مدينة ألمانية كبرى على مدار عامين، أدى إلى تدمير ما يقدر بنحو 50% من مناطقها الحضرية فقط.


وردت الصحيفة بعض أسباب حجم الدمار إلى الذخائر التي تستخدمها إسرائيل، والتي من بينها قنابل ذات قطر صغير موجهة بدقة 250 رطل، وصواريخ "هيلفاير" الموجهة بالليزر وصواريخ سبايك، إلا أن من بينها أيضا "قنابل غبية" غير موجهة من طراز "إم 117″، وقنابل تزن 2000 رطل.

وقال مارك غارلاسكو، المستشار العسكري لمنظمة باكس الهولندية والموظف السابق في البنتاغون، إن حجم القنابل الذكية أو ما يسمى بذخائر الهجوم المباشر المشترك هائل للغاية لدرجة أن الناجين من الانفجار قالوا إنهم يشعرون أنهم "ينزلقون على الأرض السائلة"، وأوضح أن "المباني تتفكك وتنهار ويتشظى الإسمنت والمعادن والهواتف المحمولة، وكل شيء آخر يتطاير من الانفجار بسرعات تفوق سرعة الصوت".

وأضاف غارلاسكو "السبب الوحيد الذي يجعلني أفكر في سبب استخدامها هو أن الجيش الإسرائيلي يحاول تدمير شبكة أنفاق حماس، ولكن استخدامها على نطاق واسع أمر لافت للنظر"، وقد دعت منظمة العفو الدولية هذا الأسبوع إلى إجراء تحقيق في جرائم الحرب بشأن استخدام إسرائيل لمثل هذه الذخائر الثقيلة.

حملة عقاب مدنية

أما السبب الثاني لارتفاع مستوى الدمار فهو سرعة وشدة القصف الإسرائيلي، وقال محللون عسكريون إن الحملة العسكرية، قامت على قواعد الاستهداف المخففة التي سمحت بوقوع عدد كبير من الضحايا المدنيين المتوقعين، لأن المسؤولين الإسرائيليين قالوا من اللحظة الأولى إن ردهم سيكون بحجم مختلف تماما عن العمليات السابقة.

وفي الأسبوعين الأولين من حملتها، استخدمت إسرائيل ما لا يقل عن ألف ذخيرة "جو أرض" يوميا، في حين لم تستخدم الولايات المتحدة وقوات التحالف خلال الفترات الأكثر كثافة للحملة الجوية التي شنتها في الموصل بالعراق، أكثر من 600 ذخيرة أسبوعيا، كما أن وتيرة القصف سريعة جدا، بحيث يكون بين تحديد الهدف وضربه بغارة جوية أقل من 10 دقائق.

وختمت الصحيفة بأن أكثر من 15 ألفا من سكان غزة استشهدوا قبل أن تبدأ إسرائيل هجومها الجنوبي الأسبوع الماضي، تدعي إسرائيل أن من بينهم 5 آلاف من مقاتلي حماس، وقال المؤرخ العسكري بيب إن "غزة بكل المقاييس حملة عقاب مدنية شديدة، سوف يُسجلها التاريخ كأعنف واحدة من العمليات التي تمت باستخدام الأسلحة التقليدية على الإطلاق".

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟

ما دمنا لم نفارق بعد نظام القطب الواحد المهيمن على العالم تظل النظرية القديمة التي نقول إن الشعب الأمريكي عندما يختار رئيسه فهو يختار أيضا رئيسا للعالم نظرية صحيحة. ويصبح لتوجه هذا الرئيس في فترة حكمه تأثير حاسم على نظام العلاقات الدولية وحالة الحرب والسلم في العالم كله.

ولهذا فإن فوز دونالد ترامب اليميني الإنجيلي القومي المتشدد يتجاوز مغزاه الساحة الداخلية الأمريكي وحصره في أنه يمثل هزيمة تاريخية للحزب الديمقراطي أمام الحزب الجمهوري تجعله عاجزا تقريبا لمدة ٤ أعوام قادمة عن منع ترامب من تمرير أي سياسة في كونجرس يسيطر تماما على مجلسيه.

هذا المقال يتفق بالتالي مع وجهة النظر التي تقول إن اختيار الشعب الأمريكي لدونالد ترامب رئيسا للمرة الثانية ـ رغم خطابه السياسي المتطرف ـ هو دليل على أن التيار الذي يعبر عنه هو تيار رئيسي متجذر متنامٍ في المجتمع الأمريكي وليس تيارا هامشيا.

فكرة الصدفة أو الخروج عن المألوف التي روج لها الديمقراطيون عن فوز ترامب في المرة الأولى ٢٠١٦ ثبت خطأها الفادح بعد أن حصل في ٢٠٢٤ على تفويض سلطة شبه مطلق واستثنائي في الانتخابات الأخيرة بعد فوزه بالتصويت الشعبي وتصويت المجمع الانتخابي وبفارق مخيف.

لكن الذي يطرح الأسئلة الكبرى عن أمريكا والعالم هو ليس بأي فارق من الأصوات فاز ترامب ولكن كيف فاز ترامب؟ بعبارة أوضح أن الأهم من الـ٧٥ مليون صوت الشعبية والـ٣١٢ التي حصل عليها في المجمع الانتخابي هو السياق الاجتماعي الثقافي الذي أعاد ترامب إلى البيت الأبيض في واقعة لم تتكرر كثيرا في التاريخ الأمريكي.

أهم شيء في هذا السياق هو أن ترامب لم يخض الانتخابات ضد هاريس والحزب الديمقراطي فقط بل خاضه ضد قوة أمريكا الناعمة بأكملها.. فلقد وقفت ضد ترامب أهم مؤسستين للقوة الناعمة في أمريكا بل وفي العالم كله وهما مؤسستا الإعلام ومؤسسة هوليوود لصناعة السينما. كل نجوم هوليوود الكبار، تقريبا، من الممثلين الحائزين على الأوسكار وكبار مخرجيها ومنتجيها العظام، وأساطير الغناء والحاصلين على جوائز جرامي وبروداوي وأغلبية الفائزين ببوليتزر ومعظم الأمريكيين الحائزين على نوبل كل هؤلاء كانوا ضده ومع منافسته هاريس... يمكن القول باختصار إن نحو ٩٠٪ من النخبة الأمريكية وقفت ضد ترامب واعتبرته خطرا على الديمقراطية وعنصريا وفاشيا ومستبدا سيعصف بمنجز النظام السياسي الأمريكي منذ جورج واشنطن. الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام الرئيسية التي شكلت عقل الأمريكيين من محطات التلفزة الكبرى إلي الصحف والمجلات والدوريات الرصينة كلها وقفت ضد ترامب وحتى وسائل التواصل الاجتماعي لم ينحز منها صراحة لترامب غير موقع إكس «تويتر سابقا». هذه القوة الناعمة ذات السحر الأسطوري عجزت عن أن تقنع الشعب الأمريكي بإسقاط ترامب. صحيح أن ترامب فاز ولكن من انهزم ليس هاريس. أتذكر إن أول تعبير قفز إلى ذهني بعد إعلان نتائج الانتخابات هو أن ترامب انتصر على هوليوود. من انهزم هم هوليوود والثقافة وصناعة الإعلام في الولايات المتحدة. لم يكن البروفيسور جوزيف ناي أحد أهم منظري القوة الناعمة في العلوم السياسية مخطئا منذ أن دق أجراس الخطر منذ ٢٠١٦ بأن نجاح ترامب في الولاية الأولى هو مؤشر خطير على تآكل حاد في القوة الناعمة الأمريكية. وعاد بعد فوزه هذا الشهر ليؤكد أنه تآكل مرشح للاستمرار بسرعة في ولايته الثانية التي تبدأ بعد سبعة أسابيع تقريبا وتستمر تقريبا حتى نهاية العقد الحالي.

وهذا هو مربط الفرس في السؤال الكبير الأول هل يدعم هذا المؤشر الخطير التيار المتزايد حتى داخل بعض دوائر الفكر والأكاديميا الأمريكية نفسها الذي يرى أن الإمبراطورية ومعها الغرب كله هو في حالة أفول تدريجي؟

في أي تقدير منصف فإن هذا التآكل في قوة أمريكا الناعمة يدعم التيار الذي يؤكد أن الامبراطورية الأمريكية وربما معها الحضارة الغربية المهيمنة منذ نحو٤ قرون على البشرية هي في حالة انحدار نحو الأفول. الإمبراطورية الأمريكية تختلف عن إمبراطوريات الاستعمار القديم الأوروبية فبينما كان نفوذ الأولى (خاصة الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية) على العالم يبدأ بالقوة الخشنة وبالتحديد الغزو والاحتلال العسكري وبعدها يأتي وعلى المدى الطويل تأثير قوتها الناعمة ولغتها وثقافتها ونظمها الإدارية والتعليمية على شعوب المستعمرات فإن أمريكا كاستعمار إمبريالي جديد بدأ وتسلل أولا بالقوة الناعمة عبر تقدم علمي وتكنولوجي انتزع من أوروبا سبق الاختراعات الكبرى التي أفادت البشرية ومن أفلام هوليوود عرف العالم أمريكا في البداية بحريات ويلسون الأربع الديمقراطية وأفلام هوليوود وجامعات هارفارد و برينستون ومؤسسات فولبرايت وفورد التي تطبع الكتب الرخيصة وتقدم المنح وعلى عكس صورة المستعمر القبيح الأوروبي في أفريقيا وآسيا ظلت نخب وشعوب العالم الثالث حتى أوائل الخمسينات تعتقد أن أمريكا بلد تقدمي يدعم التحرر والاستقلال وتبارى بعض نخبها في تسويق الحلم الأمريكي منذ الأربعينيات مثل كتاب مصطفى أمين الشهير «أمريكا الضاحكة». وهناك اتفاق شبه عام على أن نمط الحياة الأمريكي والصورة الذهنية عن أمريكا أرض الأحلام وما تقدمه من فنون في هوليوود وبروداوي وغيرها هي شاركت في سقوط الاتحاد السوفييتي والمعسكر الشيوعي بنفس القدر الذي ساهمت به القوة العسكرية الأمريكية. إذا وضعنا الانهيار الأخلاقي والمستوى المخجل من المعايير المزدوجة في دعم حرب الإبادة الإسرائيلية الجارية للفلسطينيين واللبنانيين والاستخدام المفرط للقوة العسكرية والعقوبات الاقتصادية كأدوات قوة خشنة للإمبراطورية الأمريكية فإن واشنطن تدمر القوة الناعمة وجاذبية الحياة والنظام الأمريكيين للشعوب الأخرى وهي واحدة من أهم القواعد الأساسية التي قامت عليها إمبراطورتيها.

إضافة إلى دعم مسار الأفول للإمبراطورية وبالتالي تأكيد أن العالم آجلا أو عاجلا متجه نحو نظام متعدد الأقطاب مهما بلغت وحشية القوة العسكرية الأمريكية الساعية لمنع حدوثه.. فإن تطورا دوليا خطيرا يحمله في ثناياه فوز ترامب وتياره. خاصة عندما تلقفه الغرب ودول غنية في المنطقة. يمكن معرفة حجم خطر انتشار اليمين المتطرف ذي الجذر الديني إذا كان المجتمع الذي يصدره هو المجتمع الذي تقود دولته العالم. المسألة ليست تقديرات وتخمينات يري الجميع بأم أعينهم كيف أدي وصول ترامب في ولايته الأولى إلى صعود اليمين المتطرف في أوروبا وتمكنه في الوقت الراهن من السيطرة على حكومات العديد من الدول الأوروبية بعضها دول كبيرة مثل إيطاليا.

لهذا الصعود المحتمل لتيارات اليمين المسيحي المرتبط بالصهيونية العالمية مخاطر على السلم الدولي منها عودة سيناريوهات صراع الحضارات وتذكية نيران الحروب والصراعات الثقافية وربما العسكرية بين الحضارة الغربية وحضارات أخرى مثل الحضارة الإسلامية والصينية والروسية.. إلخ كل أطرافها تقريبا يمتلكون الأسلحة النووية!!

حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري

مقالات مشابهة

  • إشارة غامضة قبل أقوى انفجار بركاني في التاريخ.. ما الذي كشفه العلماء؟
  • قصف متبادل هو الأعنف بين إسرائيل وحزب الله.. هل يكون تمهيدا لاتفاق؟
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • فايننشال تايمز: الحوثيون أرسلوا مئات المقاتلين إلى روسيا للمساعدة في حرب أوكرانيا
  • فايننشال تايمز: الدولار القوي يضغط على ديون الأسواق الناشئة
  • “فايننشال تايمز”: خطط ترامب للتقارب مع روسيا تهدد بريطانيا وتقوض أمن الناتو
  • «فايننشال تايمز»: خطط ترامب للتقارب مع روسيا تهدد بريطانيا
  • أحمد موسى: حماس وحزب الله ميليشيات إرهابية "التاريخ لا ينسى"
  • بيان للجيش الإسرائيلي بعد اللقطات التي نشرتها حماس
  • معهد أمريكي يسلط الضوء على القاذفة الشبحية B-2 ونوع الذخائر التي استهدفت تحصينات الحوثيين في اليمن (ترجمة خاصة)