حقوق الإنسان بين الإهمال والاقتناص
تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT
لَمْ يُستَغلْ نَصٌّ دولي لغير أهدافهِ المرسومةِ مِثلما تمَّ استغلال الإعلان العالَمي لحقوق الإنسان بنسخته الصادرة يوم العاشر من كانون الأوَّل ١٩٤٨.
لقَدْ تضمَّن هذا الإعلان ثلاثين مادَّة توزَّعت على حقِّ الإنسان في الحياة والصحَّة والتعليم والعمل والتنقل والتعبير عن حقوقه الشخصيَّة، وتأكيد هُوِيَّته وضمان علاقة أمينة مع الآخرين وصيانة حقوق أخرى.
لقَدْ تمَّ دعم هذا الإعلان بنصَّيْنِ دوليَّيْنِ آخرَيْنِ هما، العهد الدولي الخاصُّ بالحقوق المدنيَّة والسِّياسيَّة، والعهد الدولي الخاصُّ بالحقوق الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة…
والمؤسف في التعاطي مع الإعلان العالَمي لحقوق الإنسان استخدامه من دوَل النفوذ الأقوى لصالح أجندة سياسيَّة حين تسعى لتمريرها، إذ تقيم الدُّنيا ولا تقعدها في التباكي على الحقوق المهدورة وتَعدُّ ما حصل خرقًا فاضحًا لحقوق الإنسان، بَيْنَما تغضُّ النظر عن المساس بحقوق تتعارض مع مصالحها، أو عِندما يتطلب مِنْها التنازل عن أهداف معيَّنة كانت قَدْ اعتمدتها بغير وجْه حقٍّ لتعزيزِ سطوتها.
هو الكَيْل بمكيالَيْنِ ليس إلَّا مع هامش من ازدواجيَّة المعايير، الأمْرُ الَّذي أخرج الإعلان إلى حد بعيد من فرصته الاعتباريَّة في التطبيق بمعايير متساوية.
إنَّ هناك عيِّنات عديدة على منهج الانتقائيَّة الَّتي يتمُّ التعاطي بها على حساب شموليَّة العدالة، وإذا كان من عيِّنةٍ مدَوَّرةٍ يتكرر مشهدها منذ أربعينيَّات القرن الماضي فتكفي الإشارة إلى مظلوميَّة الشَّعب الفلسطيني وهو يناضل من أجْل حقِّه في أرضه ومستقبله، بَيْنَما تواصل دوَل معيَّنة استخدام الإعلان للتنديد بالموقف الروسي إزاء أوكرانيا.
إنَّ التستُّر وإيجاد مسوِّغات واهية للانحراف عن حقوق الإنسان الَّذي يمارسه الإسرائيليون انتهاكٌ صارخ لحقوق الإنسان. لماذا لا يكُونُ هناك ما يُدين هذه الانتهاكات؟ ولماذا يقتصر استخدام هوامش تمنِّي أن يتوخَّى الإسرائيليون الحذر من المسِّ بحقوق المَدنيِّين الفلسطينيِّين، هل يكفي ذلك؟!
يقتضي الإنصاف التعامل مع هذا الملف بمنطق وجود احتلال ينبغي أن يزاح، وأن تكُونَ هناك عدالة في الاستجابة لهذا المنطق على الأقل مع صدور أكثر من (300) قرار وتوصية من مجلس الأمن الدولي والأُمم المُتَّحدة تحثُّ على الاعتراف بالحقوق الفلسطينيَّة في تقرير المصير، وإقامة الدَّولة الفلسطينيَّة.
إنَّ المفاضلة بَيْنَ حقوق الأشخاص، أو المُجتمعات، أو الدوَل تتناقض وبنود هذا الإعلان. وإذا كان لا بُدَّ من إضافة هنا، فلَنَا أن نشيرَ إلى ثمَّة انتهاكات تتمثل بقطع الطريق على أيِّ منهج تشاركي يُتيح للشعوب الحصول على فرصها التقنيَّة والمعلوماتيَّة أُسوة بدوَل أخرى. كما ليس من المنطق أن تكُونَ هناك مواقف وإجراءات تعتمد التنكيل والتشفِّي على حساب مصير البَشَريَّة المشترك، وكيف يجوز مثلًا احتكار التقنيَّة الَّتي تُحقِّق التنمية البَشَريَّة المستدامة بذريعة حقوق الملكيَّة الفكريَّة؟ وكيف يجوز احتكار أسرار صناعة بعض الأدوية وطرحها ضِمْن أسبقيَّات الرِّبح التجاري؟ وأيُّ منطق حقوقي عادل يُجيز أن تكُونَ العهدة الدوليَّة بِيَدِ مجموعة معيَّنة من الدوَل لها الحقُّ في التلاعب بمصائر دوَل أخرى؟ وكيف يجوز لها تلويث مناطق عديدة من العالَم دُونَ أن يحتِّمَ عَلَيْها أن تدفعَ ضرائب معيَّنة بسبب الأذى.
إنَّ انتشار المعايير المزدوجة الَّتي تُلحق الضَّرر بحقوق دوَل هو في النتيجة النهائيَّة انتهاك بالنسخة الفرديَّة لحقوق الإنسان، كما أنَّ انتهاك الحقوق التراثيَّة والهُوِيَّات السكَّانيَّة واستحالة استدامة فرص الحياة الكريمة للشعوب يُمثِّل هو الآخر ذات الانتهاك.
بخلاصة معلوماتيَّة تحليليَّة، لا أمْرَ يُعطِّل الإعلان العالَمي لحقوق الإنسان بنسخته العادلة أكثر من الانتقائيَّة وركَنِه على رفِّ الإهمال واستجلابه حسب المصالح.
عادل سعد
كاتب عراقي
abuthara@yahoo.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: لحقوق الإنسان حقوق الإنسان العال م
إقرأ أيضاً:
مشيرة خطاب: أكبر إنجاز حققته مصر في ملف حقوق الإنسان هو دستور 2014
شاركت السفيرة مشيرة خطاب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، في مائدة مستديرة عقدها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، اليوم، حول ملف حقوق الإنسان في مصر،
وفي كلمتها، وجّهت “خطاب” الشكر لاهتمام المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بشأن قضايا حقوق الإنسان في مصر.
وقالت: “المجلس القومي لحقوق الإنسان هو الآلية الوطنية المستقلة التي أنشأتها الدولة لمساعدتها في شأن حقوق الإنسان سواء الحقوق أو الدين أو أي سببٍ كان”.
ولفتت إلى أن أكبر إنجاز حققته الدولة في شأن حقوق الإنسان هو دستور 2014، لما تضمنه من تأكيد وحماية لحقوق الإنسان.
وأشارت إلى أن للإعلام دوره حيوي، لأنه لا توجد حقوق إنسان لم لا يعرف عنها شيء، وعليه فلا بد للاعلام أن يضع خطوة البداية بتعريف المواطنين حقوقهم.
وشددت على عدم وجود أي حق مطلق دون أي حدود، وهو ما يتطلب توعية وتعليم تستهدف أضعف الفئات.
ونوهت إلى أن حقوق الانسان هي القانون ودور الإعلام هو تعليم المواطنين حقوقهم، ومن هنا تأتي أهمية الشراكة بين المجلس القومي لحقوق الإنسا، المعني بنشر ثقافة حقوق الإنسان ورصد تنفيذ حقوق الإنسان.
وتابعت: “لسنا جهة تنفيذ لكن دورنا محوري في الدولة المصرية التي أعلنت صراحة دعمها الكامل لحقوق الإنسان ومسؤولية الدولة في تنفيذ حقوق الإنسان تنسحب إلى باقي المؤسسات والجهات”.
وطالبت “خطاب” بتكاتف الجهود لبناء القدرات والتدريب وتوفير المعلومات، خاصةً وأن المواطن المصري لن يستطع أن يشارك في اتخاذ القرار دون أن يحصل على المعلومات.
وتابعت: “وضعنا خطوط عديدة الاستراتيجية الإعلامية للمجلس القومي لحقوق الانسان، وتهدف للتعاون مع الأعلى للاعلام بشأن البرامج التدريبية على مختلف المستويات وسوف نركز على المناطق النائية حيث تشتد الحاجة لمعرفة حقوق الإنسان”.