جريدة الوطن:
2025-02-02@16:58:49 GMT

كي لا نصدم

تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT

واضح أنَّنا لا نتعلم من مآسينا، ونُكرِّر أخطاءنا مرارًا ثمَّ نتحسَّر على ما يؤول إليه حالنا، بل نُلدغ من نفس الجحر مرَّات ثمَّ نعود إليه غير عابئين. ما يفعله الاحتلال الصهيوني بالفلسطينيِّين في غزَّة والضفَّة الغربيَّة من قتل وتدمير هو عمليَّة إبادة جماعيَّة وتطهير عِرقي مكثَّفة أكثر ممَّا حدث قبل منتصف القرن الماضي تحت الانتداب البريطاني على فلسطين.

ولو لَمْ يحدُثِ الهجوم الخاطف للمقاومة الفلسطينيَّة على المستوطنات وقواعد جيش الاحتلال في 7 أكتوبر كانت قيادة الاحتلال ستجد مبررًا آخر. ومهما كان كذب الاحتلال سيصدقه الغرب؛ لأنَّه يَعدُّ الصهاينة جزءًا مِنْه، وهم كذلك. فالصهيونيَّة حركة غربيَّة ورثت دماء العنصريَّة الأوروبيَّة منذ القرون الوسطى حتَّى الفاشيَّة والنازيَّة في القرن الماضي. ليس معنى ذلك اليأس التَّام، أو جلد الذَّات لتبرير العجز والهوان باتِّهام المقاومة بأنَّها السَّبب في المحرقة الحاليَّة؛ لأنَّها هاجمت الاحتلال الصهيوني. فتلك تبريرات خذلان ووضاعة، وفي النهاية تساند العدوان البربري على الفلسطينيِّين أصحاب الأرض الَّذين يقاومون احتلالًا عنصريًّا لَمْ نرَ لوحشيَّته مثيلًا.
إنَّما الدرس الَّذي لَمْ نتعلمه هو المبالغة في قوَّة المقاومة، والتهليل لكُلِّ ردِّ فعلٍ بقدر إمكانيَّتها على دمويَّة الصهاينة غير المسبوقة. نعم، الاحتلال بجيشه العنصري ومستوطنيه الإرهابيِّين ليس بالقوَّة الَّتي يصوِّرونها، مهما امتلك من أسلحة نوويَّة وعتاد عسكري متطوِّر مدعوم من أميركا والغرب. لكن في النِّهاية ليست المقاومة جيشًا، وقدراتها محدودة مهما بلغت من تصنيع السِّلاح محليًّا. إنَّما هي تستمدُّ قوَّتها بالأساس من شباب فدائيِّين يؤمنون بحقِّهم في وطنهم على عكس جنود الاحتلال ومستوطنيه الَّذين يعرفون في خلفيَّة أذهانهم أنَّهم سارقون للأرض ويتصرفون كالمرتزقة. وبالتَّالي، لا يصحُّ التقليل من إجرام الاحتلال الصهيوني بالتهليل لإطلاق بضعة صواريخ بدائيَّة عَلَيْه أو مهاجمة آليَّة له وقتل وإصابة بضعة جنود. فالفلسطينيون تحت الاحتلال يعرفون وحشيَّة وهمجيَّة عدوهم، وهُمْ ليسوا بحاجة لحملات «توجيه معنوي» تبالغ في قدرات مقاومتهم.
مفهوم طبعًا أنَّه أمام حرق الأرض بما عَلَيْها وقتل عشرات الآلاف من النِّساء والأطفال يتعلَّق كُلُّ ذي ضمير وروح إنسانيَّة بقشَّة مقاومة من يقوم بكُلِّ ذلك الإرهاب. لكنَّ المبالغة في تصوير قدرات المقاومة إنَّما تخدم العدوَّ، الَّذي منذ بداية المجازر والمحارق يبيع للعالَم أنَّه يحارب «حركة حماس» الَّتي يُصنِّفها الغرب ـ وبعض العرب ـ إرهابيَّة. وذلك يُخفِّف بعض الضغط (الخفيف أصلًا) لارتكابه مجازر تفوق الفاشيَّة والنازيَّة. مع أنَّ المقاومة ليست فقط كتائب القسَّام وحماس، بل سرايا القدس وسرايا أبو علي وغيرها من شباب كافَّة الجماعات الفلسطينيَّة. نسينا درس أنَّه بعد حرب العقد بَيْنَ العراق وإيران بالغنا في قوَّة الجيش العراقي، وساعد إعلام الغرب المغرض في ذلك حتَّى كان ذلك تبريرًا (ولو مزيفًا) لتدمير العراق وغزوه واحتلاله وقتل وتشويه الملايين من أبنائه على يد الأميركيِّين والبريطانيِّين. كذلك الأمْرُ مع ليبيا، حين هلَّل البعض للتصريحات الناريَّة من قائدها الراحل حتَّى تكاتفَ الغرب كُلُّه ممثلًا في حلف النَّاتو على تدميرها وإشعال نيران الفتنة الَّتي ما زالت سارية فيها. نعم، من حقِّ المقاومة ومن حقِّ الفلسطينيِّين كُلِّهم الردُّ على مجازر الاحتلال الصهيوني المستمرَّة منذ أكثر من ثلاثة أرباع القرن. لكن في الوقت نَفْسِه ليس صحيحًا أن نقعَ في فخِّ المبالغة في الإنجاز كَيْ لا نصدمَ فيما بعد وننكشفَ على دمار كامل كما حدث للعراق وليبيا وغيرها.
ومن الملاحظات سريعة على خِطابنا الإعلامي، حتَّى لأنْفُسنا، وما ننشره على الإنترنت، أتصوَّر أنَّه من المُهمِّ الانتباه إلى الوقوع في فخِّ بعض المصطلحات والتعبيرات الَّتي أطلقها الصهاينة منذ بداية موجة المجازر الحاليَّة. أوَّلًا، هي ليست حربًا، فلا جيوش في فلسطين المحتلَّة، إنَّما عصابات إرهابيَّة صهيونيَّة ومقاومة للمحتلِّ من شباب يعتمدون على القدرة الذَّاتية وسلاحهم فدائيَّتهم لوطنهم أوَّلًا وأخيرًا. ثانيًا أنَّ مَنْ يقاوم ليست حماس وحْدَها، بل فصائل المقاومة الفلسطينيَّة كُلُّها. ومن الخطأ تحميل فصيل واحد، كما يريد الاحتلال وداعموه في الغرب والشَّرق، مسؤوليَّة ما يجري كأنَّ الإرهاب الصهيوني يحتاج تبريرًا. ألَّا نصدقَ ما يأتي من العدوِّ، حتَّى لو أيَّده العالَم كُلُّه وإعلامه بكُلِّ اللغات بما فيها العربيَّة. فالاحتلال أكثر كذبًا وتلفيقًا ممَّا فعله توني بلير لتبرير غزو العراق واحتلاله من كذب صريح اكتشف البريطانيون والعالَم فيما بعد أنَّه خدعهم بحقارة. وكُلُّنا نعرف أنَّ السِّياسيين عادةً يكذبون، لكن في ظروف الإرهاب والمجازر لا يتوانون عن الصفاقة والفُجر في الكذب والتلفيق. ولْنتذكَّر أنَّ الصهاينة، وداعميهم، لا يَعدُّوننا بشرا، بل حيوانات كما قال أحد إرهابيِّيهم الكبار (وزير دفاع الاحتلال الصهيوني الحالي). وإن كان وصف الفلسطينيِّين في تصريحه، إلَّا أنَّ هذا هو موقفهم الحقيقي من كُلِّ العرب.
من المبالغات المضادَّة الَّتي نقبل بها، بل ونروِّجها أحيانًا قوَّة الاحتلال الصهيوني وتأثيره المبالغ فيه. ولْنتذكَّر أنَّ الصهاينة لا يحكمون العالَم وليسوا أكثر ذكاءً وتقدُّمًا، إنَّما هي «إشاعة مُحقِّقة لذاتها» تفيدهم وداعميهم وتفتُّ من عضد من يَعدُّونه عدوًّا يبلع تلك الفرية. عدوان الاحتلال ومجازره بحقِّ الفلسطينيِّين مستمرَّة من قَبل 7 أكتوبر، ومتواصلة وتزيد وستستمرُّ حتَّى مع الهُدن. فمن المُهمِّ ألَّا نبالغَ كَيْ لا نصدمَ كما حدَث مع العراق وليبيا وغيرها.

د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: الاحتلال الصهیونی

إقرأ أيضاً:

استشهاد وإصابة فلسطينيين وتدمير للبنى التحتية في العدوان الصهيوني على مدن الضفة الغربية المحتلة

 

الثورة/متابعات

واصل العدو الصهيوني ارتكاب جرائم وانتهاكات لا إنسانية داخل مدن وقرى الضفة الغربية المحتلة، مخلفا دمارًا كبيرًا للمنازل وللبنية التحتية في مدينة جنين وطولكرم ونابلس ورام الله، واستخدم العدو الصهيوني آليات عسكرية ثقيلة لضرب تلك المدن بشكل مفرط وشرد العديد من المواطنين من منازلهم.
وفي هذا السياق استشهد فلسطينيان وأصيبت ثلاث سيدات خلال العدوان الصهيوني على مدينة جنين ومخيمها شمال الضفة الغربية المحتلة لليوم الـ 11 على التوالي.
وأفاد الهلال الأحمر الفلسطيني، في بيان له فجر أمس الجمعة، بأن طواقمه في جنين تسلمت من جيش الاحتلال ثلاث إصابات لنساء نتيجة القصف على المخيم، وجرى استلامهن على حاجز الجلمة (شمال جنين)، ووصفت إصاباتهن بالخارجية.
وبحسب مصادر محلية، فإن طائرة حربية تابعة لجيش الاحتلال قصفت مبنى داخل مخيم جنين بصاروخين، وسط تحليق الطيران في السماء.
ومساء الخميس، استشهد فلسطينيان برصاص قوات الاحتلال أحدهما من مخيم جنين شمالي الضفة الغربية المحتلة، والآخر من بلدة اليامون غرب جنين.
من جهتها أعلنت سرايا القدس-كتيبة جنين، أمس الجمعة، أن مجاهديها في سرية اليامون تمكنوا فجر أمس من التصدي لقوات العدو والآليات العسكرية التي حاصرت أحد المنازل في البلدة وإمطارهم بزخات كثيفة من الرصاص المباشر محققين إصابات مؤكدة.
كما أكدت كتيبة جنين في بيان مقتضب، أن أبطالها تمكنوا من تفجير عدد من العبوات الناسفة المعدة مسبقًا في الآليات العسكرية محققين إصابات محققة.
ومن جهة أخرى وثق مركز معلومات فلسطين «معطي» نحو 124 عملًا مقاومًا نوعيًا وشعبيًا في الضفة الغربية والقدس المحتلتين خلال الأسبوع الماضي.
وأوضح المركز في إحصائية نشرها الجمعة، أن هذه العمليات أسفرت عن مقتل صهيوني وإصابة ثمانية آخرين.
وذكر أن عمليات المقاومة تضمنت عملية محاولة دهس، و22 عملية إطلاق نار واشتباكات مسلحة، و29 عملية تفجير عبوات ناسفة، إضافة إلى إعطاب أربع آليات عسكرية صهيونية، والإضرار بمركبتين للمستوطنين.
وتصدى الشبان الثائر لثلاثة اعتداءات من المستوطنين، فيما اندلعت مواجهات في مناطق متفرقة بالضفة، تركزت في 46 نقطة، إلى جانب خروج 17 مظاهرة شعبية منددة بجرائم ومجازر العدو الصهيوني .
أما عن انتهاكات العدو الصهيوني وجرائمه في نابلس، فقد أصيب عدد من المواطنين الفلسطينيين بالاختناق، أمس الجمعة، جراء قمع قوات العدو الصهيوني مسيرة مناهضة للاستيطان في بلدة بيتا جنوب نابلس.
وأفادت مصادر محلية، إن قوات العدو قمعت مسيرة بيتا الأسبوعية، بالرصاص الحي وقنابل الغاز السام المسيل للدموع، ما أدى إلى إصابة عدد من المواطنين بالاختناق جراء استنشاق الغاز السام، عولجوا ميدانيا، كما حاولت قوات العدو الاستيلاء على الأعلام الفلسطينية التي رفعها المشاركون في المسيرة.
وتتعرض بلدة بيتا لاعتداءات متكررة من قوات العدو الصهيوني والمستوطنين، عقب إقامة البؤرة الاستيطانية «أفيتار» عنوة على أراضي المواطنين في قمة جبل صبيح.
من جانبه أصيب طفلان فلسطينيان برصاص جيش العدو الصهيوني أمس، خلال اقتحام المنطقة الشرقية من قرية المغير شمال شرق مدينة رام الله وسط الضفة الغربية المحتلة .
وذكرت مصادر محلية أن قوات العدو أطلقت الرصاص الحي صوب المواطنين، مما أدى إلى إصابة طفلين يبلغان من العمر 11 و12 عامًا.
وأوضحت المصادر أن أحد الطفلين تعرض لإصابة في البطن، بينما أصيب الآخر في القدم، وتم نقلهما إلى مركز صحي بقرية أبو فلاح المجاورة لتلقي العلاج.
وتشهد الضفة الغربية تصاعدًا في اعتداءات العدو الصهيوني واقتحاماته المتكررة للقرى والمدن الفلسطينية، حيث تتزايد الإصابات في صفوف المدنيين، بينهم أطفال ونساء، في ظل استمرار انتهاكات حقوق الإنسان وتصعيد سياسة القمع.
وفي محافظة طولكرم، تقوم قوات الاحتلال بتفجير عدد من المنازل داخل حارات مخيم طولكرم المحاصر لليوم الخامس على التوالي، بعد إجبار سكانها على إخلائها تحت تهديد السلاح، ويسمع بين الفينة والأخرى أصوات انفجارات في المخيم نتيجة أعمال التفجير، وإحراق للشوادر في حاراته.
وفي غضون ذلك، تواصل قوات الاحتلال حصارها لمستشفيي الشهيد ثابت ثابت الحكومي والإسراء التخصصي، والاستيلاء على المباني التجارية العالية المحيطة بهما، مع عرقلة عمل مركبات الإسعاف والطواقم الطبية وإخضاعها للتفتيش والتحقيق الميداني.
وحاصرت قوات العدو الصهيوني أمس، منزلين في المدينة، وسط إطلاق كثيف للأعيرة النارية، وتحليق مكثف لطيران الاستطلاع على ارتفاع منخفض.

مقالات مشابهة

  • مخططات العدو الصهيوني تصطدم بالإرادة الحرة للشعب الفلسطيني
  • العدو الصهيوني يداهم منازل الأسرى المحررين الفلسطينيين في الخليل
  • إصابة طفل فلسطيني وشاب برصاص العدو الصهيوني في بيتونيا ومخيم طولكرم
  • الهلال الأحمر الفلسطيني: إصابة طفل برصاص الاحتلال قرب سجن عوفر
  • استشهاد وإصابة فلسطينيين وتدمير للبنى التحتية في العدوان الصهيوني على مدن الضفة الغربية المحتلة
  • أبو عبيدة يعلن أسماء الأسرى الصهاينة المقرر الإفراج عنهم يوم غد السبت
  • الحرس الثوري الإيراني: اسم محمد الضيف لا يزال يرعب الصهاينة
  • العدو الصهيوني يشن غارات على “البقاع” شرق لبنان
  • الأمم المتحدة: الاحتلال الصهيوني خلّف دمارًا بغزة لم نشهده منذ الحرب العالمية الثانية
  • اقتحام قرى واعتقال مواطنين.. الكيان الصهيوني يواصل عدوانه على عدة مدن فلسطينية