الخليج الجديد:
2025-01-22@09:42:37 GMT

غبار القنابل في غزة حين يخفي الكثير

تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT

غبار القنابل في غزة حين يخفي الكثير

غبار القنابل في غزة حين يخفي الكثير

لقد سترت حرب غزة الكثير من عورات ما يجري عندنا، لكنها كشفت في المقابل عورات أخرى لا حصر لها.

من منا ما زال يتحدث عن السودان غير أهله؟! بلد يستمر فيه الاقتتال بين الجيش والفصيل الذي خرج من رحمه متمرّدا فدمّر البلاد.

انهماك الرأي العام العربي والدولي في متابعة أحداث غزة أدى لشعور الفاعلين في عدة دول بانصراف الإعلام عن رصدها فانشرحوا لذلك لتستمر الأوضاع كما هي.

التدخل العسكري في اليمن، بدأ خليجيا لينتهي سعوديا إماراتيا بالأساس، جاء مؤازرا لقضية عادلة فانتهى به المطاف في وضع غير عادل حين انتهى بأن صار محتلا.

ما تزال ليبيا تئن تحت انقسام بين غربها وشرقها ولا يستقر وضعا نهائيا لا فكاك منه، في ظل تعثر التسوية السياسية وارتهان كل طرف لمعسكر أجنبي كل منهما يقارع الآخر.

قضايا كانت تتصدر عناوين الأخبار تختفي بالكامل تقريبا، إن لم يكن من الإعلام الدولي فالأكيد من العربي، وإن لم يكن في الصحف والمجلات فالأكيد على شاشات التلفزة.

في تونس اختنقت الحياة السياسية بالكامل وآلت فيه كل الأمور إلى رغبة رجل واحد يقود البلاد كما يريد بلا ضوابط ولا كوابح، وكله تحت شعارات الإصلاح ومحاربة الفساد!

* * *

تحت ركام غزة توارت هذه الأسابيع قضايا عربية عدة، غطّاها غبار المباني المتهاوية تحت القصف الإسرائيلي المجنون، قضايا اختفت من ساحة التداول الإعلامي لتفسح المجال واسعا لمتابعة مآسي أهل غزة وما أقساها.

قضايا كانت تتصدر عناوين الأخبار فإذا بها تختفي بالكامل تقريبا، إن لم يكن من الإعلام الدولي فالأكيد من العربي، وإن لم يكن في الصحف والمجلات فالأكيد على شاشات التلفزيون.

من منا ما زال يتحدث عن السودان غير أهله؟! بلد يستمر فيه الاقتتال بين الجيش والفصيل الذي خرج من رحمه متمرّدا فدمّر بلدا كان أصلا مدمّرا بعد ثلاثين عاما من حكم الرئيس عمر البشير و«المشروع الحضاري» الذي جاءت به جماعته «للإنقاذ».

لم يؤد العناد بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «الدعم السريع» محمد حمدان حميدتي سوى إلى مزيد الخراب مع عجز كليهما عن الحسم ورفض الاعتراف بذلك.

نزح عشرات الآلاف، ولجأ عشرات الآلاف غيرهم إلى دول الجوار دون بصيص أمل في سلام قريب، خاصة وأن لكل طرف من يدعمه إقليميا ودوليا مع أن «الكبار» لن يهتموا بمثل هذه الحرائق عندما لا تشتعل في ثوبها.

من منا ما زال يتحدث عن اليمن غير أهله؟! بلد يرزح تحت حكم ديني متخلف نجح في الاستيلاء على السلطة في غفلة يتحمل مسؤوليتها أكثر من طرف يمني وعربي.

استطاع «الحوثيون» السيطرة على العاصمة وفرض حكمهم تحت عنوان مقاومة تدخل خارجي، قال إنه جاء للنجدة لكنه لم ينجد أحدا، ثم لم ينجح حتى في نجدة نفسه لاحقا حين عجز عن أن يجد لنفسه مخرجا من هذه الورطة.

التدخل العسكري في اليمن، الذي بدأ خليجيا لينتهي سعوديا إماراتيا بالأساس، جاء مؤازرا لقضية عادلة فانتهى به المطاف في وضع غير عادل حين انتهى متهما بأنه صار محتلا، لاسيما حين اتضحت وكشفت الحسابات الخاصة لأحد أطرافه والتي لا علاقة لها لا باليمن ولا باستقراره ناهيك طبعا عن ازدهاره.

ولكل ذلك انتهى الأمر بالجميع إلى أمر واقع لا أحد يعرف كيف يمكن تجاوزه، فيما تسعى طهران، طبعا، إلى توظيف كل ذلك لحساباتها الخاصة.

من منا ما زال يذكر ما يجري في ليبيا غير أهلها؟! بلد ما زال يئن تحت انقسام بين غربه وشرقه يكاد يستقر وضعا نهائيا لا فكاك منه، في ظل تعثر التسوية السياسية وارتهان كل طرف لمعسكر أجنبي كل منهما يقارع الآخر.

حتى إعصار درنة وفيضاناتها الرهيبة وما حمله من بصيص أمل بالتفاف الجميع بروح الوطن الواحد والشعب الواحد سرعان ما تبخّر حين عادت سلطات الشرق بقيادة خليفة حفتر إلى إعادة بسط هيمنتها هناك وطرد الإعلام من المدينة غير عابئة بأي شيء آخر غير مصالح إعادة الإعمار ومساعي تقاسم كعكته حتى مع أعداء الأمس.

فيما ظلت الحكومة المعترف بها دوليا عاجزة عن بسط سلطتها على كامل البلاد رغم نجاحها في إفشال حصار العاصمة طرابلس قبل أكثر من عامين.

من منا ما زال يذكر ما يجري في تونس غير أهلها؟! بلد اختنقت فيه الحياة السياسية بالكامل وآلت فيه كل الأمور، كبيرها وصغيرها، إلى رغبة رجل واحد يقود البلاد كما يريد بلا ضوابط ولا كوابح، وكله تحت شعارات الإصلاح ومحاربة الفساد.

ما عاد هناك من صوت مختلف أو معارض فالكل سكت، خوفا أو طمعا، أو زج به في السجون ينتظر البت في قضية تآمر على أمن الدولة، يٌمنع الحديث فيها إعلاميا رغم أنها لم تحترم أبسط الضوابط القانونية شكلا ومضمونا، كما يقول المحامون.

يجري ذلك وسط أزمة اقتصادية ومالية خانقة وعزلة دولية واضحة يعانيها بلد كم كان واعدا حين خرج شعبه مطالبا بالحرية والكرامة، فخسرهما معا.

من لطف الأقدار أن كل هذه الدول العربية، باستثناء السودان، تعاني ما تعانيه دون سفك للدماء، وهذا مكسب كبير جدا، فلا الحسم العسكري هو المخرج في السودان، حيث يستنزف كل طرف الآخر ويستنزف كلاهما البلاد والعباد، ولا العودة إلى الاقتتال في ليبيا هو من سينتشلها من حالة الانقسام، ولا عودة المعارك والقصف إلى اليمن هو من سيعيد الشرعية المنهكة إلى صنعاء، ولا تونس في وارد أن يصل فيها موت السياسة إلى أي لجوء إلى السلاح ولله الحمد.

لقد أدى انهماك الرأي العام العربي والدولي في متابعة ما يجري في غزة إلى شعور الفاعلين في كل هذه الدول بانصراف الإعلام عن رصد شؤونها فانشرحوا لذلك بالتأكيد حتى تستمر الأوضاع كما هي.

لا حاجة هنا لاستحضار سوريا فقد توارت عن الأحداث حتى قبل غزة ما أنسى الجميع ما تعيشه من مآس رغم توقف مسلسل التقتيل الكبير هناك.

لقد سترت حرب غزة الكثير من عورات ما يجري عندنا، لكنها كشفت في المقابل عورات أخرى لا حصر لها، وهذا حديث آخر طويل.

*محمد كريشان كاتب وإعلامي تونسي

المصدر | القدس العربي

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السودان حميدتي ليبيا اليمن تونس سوريا حرب غزة التدخل العسكري عبد الفتاح البرهان ما یجری لم یکن کل طرف

إقرأ أيضاً:

بهذه الحرب اللعينة العبثية المنسية فقدنا الكثير

بهذه الحرب اللعينة العبثية المنسية فقدنا الكثير واصاب الاذي الجسيم اللغة العربية الشريفة وقد أدخل عليها الطرفان المتحاربان كلمات في غاية من الضحالة مما يندي له الجبين !!..

في الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام يتم الاحتفال بعيد اللغة العربية الشريفة وفي بلادنا الحبيبة في هذا اليوم المبارك تزدان المنتديات الادبية والثقافية في معظم أنحاء القطر بالليالي العاطرة المضمخة بالشعر الرصين والكلم المموسق السابح في دنيا الخيال والجمال ، هذا البحر الذي في أحشائه الدر كامن في انتظار استجواب الصياد عن صدفاته !!..
في هذا اليوم وعند قاعة الشارقة يطل علي عشاق لغة الضاد من المنصة الرئيسية تلاميذ العلامة عبدالله الطيب يقود لوائهم من احب اللغة العربية الشريفة وبادلته عشقا بعشق وطاوعته وعبر بها أودية وسهول ووهاد وجبال من السلاسة والأناقة والبلاغة والأدب والفن والإبداع ، نعرفه بسمته المهذب وطبعه الوديع والمعاني تتحدر من فيه مثل اللاليء ويبهر الحاضرين بما قال ابن الحسين ذلك الكوفي المتنبي فيلسوف زمانه وحتي اليوم ينسج علي منوال الحكمة ويقول النظم الفريد ليرضي نفسه اولا ومن ثم يوزع الكاس علي المستمعين ومنهم أمراء ورجال دولة وأصحاب سطوة وبلغاء ولكنهم أمامه تلاميذ في بداية السلم التعليمي.
ابن توتي هو من نعنيه ونشير إليه وقد عودنا في مناسبات اللغة العربية أن يكون الفارس الاول المتانق في الحديث الملم بأطراف المواضيع ينشرها بادق المواصفات والمقاييس ويحبس بها الأنفاس والاكف تدمي بالتصفيق للدكتور الصديق عمر الصديق امين عام اللغة العربية في عموم السودان والدول المجاورة وقد عهدناه محبا لها لدرجة الوله والشوق والخوف عليها من ارق النسايم أن تمس خصلة من شعرها الجميل .
وانطوت صفحة المنتديات وصولة العلماء والعباقرة فيها في اللغات وغيرها بالحرب التي غطت بستايرها السوداء علي مجمل النشاط في ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وابن المقفي وابن زيدون ومقدمة ابن خلدون وكل ما قالت المعلقات وافصحت مع روائع العصر العباسي الثاني والاندلسيات والملاحم وشوقي وعبدالله الشيخ البشير والمحذوب وفاروق شوشة والدون الهادئ والكابلي وغازي القصيبي ووغدا القاك !!..
وقامت الحرب وعصفت ابخرتها وكيماوياتها وغبارها وذراتها وادخنتها ورصاصها وداناتها وصواريخها وقنابلها وبراميلها المتفجرة وقنابلها بالإنسان والحجر وحتي عدوانها وصل إلي الكلمة والي اللغة العربية الشريفة فصرنا نسمع من الكلمات ماتصطك له الاذان وتقشعر منه الأبدان ويسبب الغثيان مثل هذه الكلمات الفارغة البليدة الخالية من أي مضمون :
( جقم ـ بل وبس ـ الشفشافة ـ الفلنقايات ) وكلام كثير من هذه الشاكلة تجعل علماء اللغة في ضيق عظيم وهم كبير ... فما المخرج من هذا الكابوس ؟!
المخرج هو إيقاف الحرب ومحو الأمية !!..

حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .

ghamedalneil@gmail.com

   

مقالات مشابهة

  • السجن والغرامة لمن يخفي عيوب الـ Airbag
  • السامرائي: العفو العام يمثِّل خطوة إنسانية مهمة لانصاف الكثير من المظلومين
  • كيف تبخرت جثامين 2800 شهيد في قطاع غزة؟
  • غزة تنفض غبار الحرب
  • السفير الإسرائيلي في واشنطن: نتوقع رفع ترامب لحظر بايدن على شحنة القنابل
  • الصينيون لا ينتظرون الكثير في عهد ترامب الجديد
  • كيف تبخرت جثث 2800 شهيد في قطاع غزة؟ وما السلاح الذي استعملته إسرائيل؟
  • الأرصاد تحذر المغاربة من هبوب رياح قوية و غبار بهذه المناطق
  • غارات بريطانيا .. 2300 طن من القنابل تضرب ألمانيا في قلب أحداث الحرب العالمية الثانية
  • بهذه الحرب اللعينة العبثية المنسية فقدنا الكثير