غبار القنابل في غزة حين يخفي الكثير
تاريخ النشر: 6th, December 2023 GMT
غبار القنابل في غزة حين يخفي الكثير
لقد سترت حرب غزة الكثير من عورات ما يجري عندنا، لكنها كشفت في المقابل عورات أخرى لا حصر لها.
من منا ما زال يتحدث عن السودان غير أهله؟! بلد يستمر فيه الاقتتال بين الجيش والفصيل الذي خرج من رحمه متمرّدا فدمّر البلاد.
انهماك الرأي العام العربي والدولي في متابعة أحداث غزة أدى لشعور الفاعلين في عدة دول بانصراف الإعلام عن رصدها فانشرحوا لذلك لتستمر الأوضاع كما هي.
التدخل العسكري في اليمن، بدأ خليجيا لينتهي سعوديا إماراتيا بالأساس، جاء مؤازرا لقضية عادلة فانتهى به المطاف في وضع غير عادل حين انتهى بأن صار محتلا.
ما تزال ليبيا تئن تحت انقسام بين غربها وشرقها ولا يستقر وضعا نهائيا لا فكاك منه، في ظل تعثر التسوية السياسية وارتهان كل طرف لمعسكر أجنبي كل منهما يقارع الآخر.
قضايا كانت تتصدر عناوين الأخبار تختفي بالكامل تقريبا، إن لم يكن من الإعلام الدولي فالأكيد من العربي، وإن لم يكن في الصحف والمجلات فالأكيد على شاشات التلفزة.
في تونس اختنقت الحياة السياسية بالكامل وآلت فيه كل الأمور إلى رغبة رجل واحد يقود البلاد كما يريد بلا ضوابط ولا كوابح، وكله تحت شعارات الإصلاح ومحاربة الفساد!
* * *
تحت ركام غزة توارت هذه الأسابيع قضايا عربية عدة، غطّاها غبار المباني المتهاوية تحت القصف الإسرائيلي المجنون، قضايا اختفت من ساحة التداول الإعلامي لتفسح المجال واسعا لمتابعة مآسي أهل غزة وما أقساها.
قضايا كانت تتصدر عناوين الأخبار فإذا بها تختفي بالكامل تقريبا، إن لم يكن من الإعلام الدولي فالأكيد من العربي، وإن لم يكن في الصحف والمجلات فالأكيد على شاشات التلفزيون.
من منا ما زال يتحدث عن السودان غير أهله؟! بلد يستمر فيه الاقتتال بين الجيش والفصيل الذي خرج من رحمه متمرّدا فدمّر بلدا كان أصلا مدمّرا بعد ثلاثين عاما من حكم الرئيس عمر البشير و«المشروع الحضاري» الذي جاءت به جماعته «للإنقاذ».
لم يؤد العناد بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد «الدعم السريع» محمد حمدان حميدتي سوى إلى مزيد الخراب مع عجز كليهما عن الحسم ورفض الاعتراف بذلك.
نزح عشرات الآلاف، ولجأ عشرات الآلاف غيرهم إلى دول الجوار دون بصيص أمل في سلام قريب، خاصة وأن لكل طرف من يدعمه إقليميا ودوليا مع أن «الكبار» لن يهتموا بمثل هذه الحرائق عندما لا تشتعل في ثوبها.
من منا ما زال يتحدث عن اليمن غير أهله؟! بلد يرزح تحت حكم ديني متخلف نجح في الاستيلاء على السلطة في غفلة يتحمل مسؤوليتها أكثر من طرف يمني وعربي.
استطاع «الحوثيون» السيطرة على العاصمة وفرض حكمهم تحت عنوان مقاومة تدخل خارجي، قال إنه جاء للنجدة لكنه لم ينجد أحدا، ثم لم ينجح حتى في نجدة نفسه لاحقا حين عجز عن أن يجد لنفسه مخرجا من هذه الورطة.
التدخل العسكري في اليمن، الذي بدأ خليجيا لينتهي سعوديا إماراتيا بالأساس، جاء مؤازرا لقضية عادلة فانتهى به المطاف في وضع غير عادل حين انتهى متهما بأنه صار محتلا، لاسيما حين اتضحت وكشفت الحسابات الخاصة لأحد أطرافه والتي لا علاقة لها لا باليمن ولا باستقراره ناهيك طبعا عن ازدهاره.
ولكل ذلك انتهى الأمر بالجميع إلى أمر واقع لا أحد يعرف كيف يمكن تجاوزه، فيما تسعى طهران، طبعا، إلى توظيف كل ذلك لحساباتها الخاصة.
من منا ما زال يذكر ما يجري في ليبيا غير أهلها؟! بلد ما زال يئن تحت انقسام بين غربه وشرقه يكاد يستقر وضعا نهائيا لا فكاك منه، في ظل تعثر التسوية السياسية وارتهان كل طرف لمعسكر أجنبي كل منهما يقارع الآخر.
حتى إعصار درنة وفيضاناتها الرهيبة وما حمله من بصيص أمل بالتفاف الجميع بروح الوطن الواحد والشعب الواحد سرعان ما تبخّر حين عادت سلطات الشرق بقيادة خليفة حفتر إلى إعادة بسط هيمنتها هناك وطرد الإعلام من المدينة غير عابئة بأي شيء آخر غير مصالح إعادة الإعمار ومساعي تقاسم كعكته حتى مع أعداء الأمس.
فيما ظلت الحكومة المعترف بها دوليا عاجزة عن بسط سلطتها على كامل البلاد رغم نجاحها في إفشال حصار العاصمة طرابلس قبل أكثر من عامين.
من منا ما زال يذكر ما يجري في تونس غير أهلها؟! بلد اختنقت فيه الحياة السياسية بالكامل وآلت فيه كل الأمور، كبيرها وصغيرها، إلى رغبة رجل واحد يقود البلاد كما يريد بلا ضوابط ولا كوابح، وكله تحت شعارات الإصلاح ومحاربة الفساد.
ما عاد هناك من صوت مختلف أو معارض فالكل سكت، خوفا أو طمعا، أو زج به في السجون ينتظر البت في قضية تآمر على أمن الدولة، يٌمنع الحديث فيها إعلاميا رغم أنها لم تحترم أبسط الضوابط القانونية شكلا ومضمونا، كما يقول المحامون.
يجري ذلك وسط أزمة اقتصادية ومالية خانقة وعزلة دولية واضحة يعانيها بلد كم كان واعدا حين خرج شعبه مطالبا بالحرية والكرامة، فخسرهما معا.
من لطف الأقدار أن كل هذه الدول العربية، باستثناء السودان، تعاني ما تعانيه دون سفك للدماء، وهذا مكسب كبير جدا، فلا الحسم العسكري هو المخرج في السودان، حيث يستنزف كل طرف الآخر ويستنزف كلاهما البلاد والعباد، ولا العودة إلى الاقتتال في ليبيا هو من سينتشلها من حالة الانقسام، ولا عودة المعارك والقصف إلى اليمن هو من سيعيد الشرعية المنهكة إلى صنعاء، ولا تونس في وارد أن يصل فيها موت السياسة إلى أي لجوء إلى السلاح ولله الحمد.
لقد أدى انهماك الرأي العام العربي والدولي في متابعة ما يجري في غزة إلى شعور الفاعلين في كل هذه الدول بانصراف الإعلام عن رصد شؤونها فانشرحوا لذلك بالتأكيد حتى تستمر الأوضاع كما هي.
لا حاجة هنا لاستحضار سوريا فقد توارت عن الأحداث حتى قبل غزة ما أنسى الجميع ما تعيشه من مآس رغم توقف مسلسل التقتيل الكبير هناك.
لقد سترت حرب غزة الكثير من عورات ما يجري عندنا، لكنها كشفت في المقابل عورات أخرى لا حصر لها، وهذا حديث آخر طويل.
*محمد كريشان كاتب وإعلامي تونسي
المصدر | القدس العربيالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: السودان حميدتي ليبيا اليمن تونس سوريا حرب غزة التدخل العسكري عبد الفتاح البرهان ما یجری لم یکن کل طرف
إقرأ أيضاً:
الفاتيكان يجري استعدادات أخيرة لجنازة البابا فرنسيس
ينهي الفاتيكان، اليوم الجمعة، الاستعدادات لجنازة البابا فرنسيس التي ستقام صباح غد السبت في ساحة القديس بطرس في العاصمة الإيطالية روما حيث يمكن للزوار المرور أمام نعشه الذي سيكون مفتوحا لليوم الأخير.
ومنذ الأربعاء، توافد أكثر من 150 ألف شخص لإلقاء نظرة أخيرة على جثمان البابا الأرجنتيني في كاتدرائية القديس بطرس في روما، وفق الفاتيكان.
وبقيت الكاتدرائية مفتوحة طوال الليل تقريبا، لليلة الثانية على التوالي.
واصطف عشرات آلاف الأشخاص لساعات طويلة لإلقاء نظرة أخيرة على جثمان البابا فرنسيس الذي سيغلق نعشه الجمعة في الساعة الثامنة مساء، في مراسم سيحضرها الكرادلة.
سيرأس الكاردينال كيفن فاريل، الذي يدير شؤون الفاتيكان اليومية حتى انتخاب بابا جديد، "طقوس إغلاق النعش".
بدأت الوفود الرسمية تصل، اليوم الجمعة، إلى روما. ويرتقب أن يحضر خمسون رئيس دولة وعشرة ملوك أكدوا حتى الآن مشاركتهم في جنازة البابا، من بينهم الرئيسان الأميركي دونالد ترامب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في حين قدّرت السلطات الإيطالية أن عدد المشاركين سيكون حوالى 200 ألف.
وقالت ميشيل ألكايد (35 عاما) من الفلبين، وهي تنتظر دورها لإلقاء نظرة الوداع على البابا فرنسيس "نحبّ البابا ونشعر ببركته عندما نراه للمرّة الأخيرة".
وصرّح الإيطالي إيغو فيليتشي (53 عاما) "يا له من رجل عظيم! كان يحبّ الجميع، من كلّ ديانة. وكان لا بدّ من أن أحضر".
واتخذت السلطات الإيطالية والفاتيكان في المنطقة المحيطة بكاتدرائية القديس بطرس إجراءات أمنية مشددة، مع نشر آلاف المتطوعين وعناصر إنفاذ القانون، ونظام مضاد للطائرات المسيّرة، وقناصة على أسطح المنازل، وطائرات مقاتلة جاهزة للإقلاع.
وستنشر نقاط تفتيش أمني إضافية مساء الجمعة، وفق ما أفادت الشرطة.
وسجي البابا في رداء أحمر وعلى رأسه تاج أسقفي أبيض وبين يديه مسبحة. ووضع النعش على المذبح الرئيسي في الكاتدرائية لكن من دون عرضه على منصة، نزولا عند طلب صريح من خورخي بيرغوليو الذي أوصى بطقوس جنائزية بسيطة ومتواضعة.
وبدأ الزوار التجمع أمام النعش منذ الأربعاء، ولدى كل منهم بضع ثوان لإلقاء نظرة عليه.
ولليلة الثانية على التوالي، أبقى الفاتيكان أبواب كاتدرائية القديس بطرس مفتوحة ليتيح لمزيد من الناس وداع البابا فرنسيس. وقد أغلقت أبواب الكنيسة بين 2:30 و5:40 من فجر اليوم الجمعة.
وحظر الفاتيكان، أمس الخميس، التقاط صور السيلفي داخل الكاتدرائية التي سجي فيها جثمان البابا فرنسيس بغية تيسير تدفّق الحشود، بعدما التقط بعض الأشخاص صورا بجانب النعش.
وبعد الجنازة، سينقل النعش للدفن بحسب رغبته، في كنيسة سانتا ماريا ماجوري في روما.
وقال الكرسي الرسولي إنّ مجموعة من الفقراء ستكون حاضرة في كنيسة سانتا ماريا ماجوري، مذكّرا بأنّ الفقراء كانت لهم مكانة مميّزة "في قلب وتعاليم الأب الأقدس، الذي اختار اسم القديس فرنسيس".
وكشف وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوزي أن شاشات ضخمة ستنشر على امتداد المسار لمتابعة المراسم، مقدّرا عدد الحشود المشاركة فيها بحوالى مئتي ألف.
وأعلن الفاتيكان في بيان الحداد تسعة أيام على البابا فرنسيس، اعتبارا من السبت، يوم جنازة البابا الراحل.
وخلال فترة الحداد، ستقام مراسم مهيبة كل يوم في كاتدرائية القديس بطرس حتى الأحد في الرابع من مايو المقبل.
وبعد الجنازة، ستتجه كل الأنظار إلى الكرادلة الناخبين، البالغ عددهم 135 الذين تقل أعمارهم عن 80 عاما، والذين سيجتمعون في جلسات مغلقة لاختيار خليفة فرنسيس.
لم يعرف بعد موعد بدء المجمع المغلق، لكن كاردينال لوكسمبورغ جان-كلود هوليريش، الذي كان مستشارا مقرّبا من البابا فرنسيس، رجّح أن يبدأ الكرادلة مجمعهم في 5 أو 6 مايو، أي فور انتهاء فترة الحداد التي أعلنها الكرسي الرسولي.
وسيجتمع الكرادلة، الذين بدأوا التجمع في روما من أنحاء العالم أجمع، في كنيسة سيستينا وسيجرون أربع جلسات انتخاب يوميا، اثنتين في الصباح واثنتين بعد الظهر.
ويعد الكاردينال الإيطالي بييترو بارولين، الذي كان الرجل الثاني في الفاتيكان بعد البابا فرنسيس، المرشح الأوفر حظا بحسب شركة المراهنات البريطانية وليام هيل، متقدما على الفلبيني لويس أنطونيو تاغلي، رئيس أساقفة مانيلا الفخري وكاردينال غانا بيتر توركسن ورئيس أساقفة بولونيا ماتيو تسوبي.