على أرض غزة مواطن العزة ومنبع الكرامة ومصنع الرجال وهامات النساء وشجاعة الأطفال، كسا الإجرام الصهيوني وحليفه الأمريكي الأرض بالدماء، ولم يترك للإنسانية مكانا، فقتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، وهدم البيوت واقتلع الأشجار.
وفي ظل التخاذل العربي والإسلامي الرسمي في نصرة أهل غزة، فلا أقل للشعوب المسلمة من مقاطعة السلع الصهيونية والأمريكية وكل من وقف مع هذا الكيان المحتل، من خلال الكف عن شراء سلعهم وخدماتهم، ورفع شعار المقاطعة وممارسته عمليا حتى يصبح شيئا مألوفا ولازما من لوازم الحياة اليومية، تزول معه الأسماء والأشياء التي تتبع أو يفرزها هذا الكيان المعتدي.
إن سلاح المقاطعة يمثل أضعف الإيمان والحد الأدنى المطلوب للمقاومة، وهو في الوقت نفسه سلاح فعَّال ومهم، فأمريكا تناصر دولة الكيان الصهيوني بالباطل مستخدمة في ذلك المال الأمريكي والسلاح الأمريكي والفيتو الأمريكي، ولا ينبغي لنا أن نستخدم أموالنا في دعم عدونا، والمساهمة في تحويل هذه الأموال إلى صواريخ وقذائف مدفعية ورصاص يستقر في صدور إخواننا في غزة.
ي ظل التخاذل العربي والإسلامي الرسمي في نصرة أهل غزة، فلا أقل للشعوب المسلمة من مقاطعة السلع الصهيونية والأمريكية وكل من وقف مع هذا الكيان المحتل، من خلال الكف عن شراء سلعهم وخدماتهم، ورفع شعار المقاطعة وممارسته عمليا حتى يصبح شيئا مألوفا ولازما من لوازم الحياة اليومية، تزول معه الأسماء والأشياء التي تتبع أو يفرزها هذا الكيان المعتدي
والمقاطعة الاقتصادية ليست بدعا، فقد عرفها وطبقها المشركون في مكة على بني هاشم وبني المطلب حتى يسلّموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، وامتنعوا عن البيع لهم أو الابتياع منهم، وقطعوا عنهم الميرة والمادة، حتى بلغهم الجهد والتجأوا إلى أكل الأوراق والجلود. كما طبقها ثمامة بن آثال الحنفي رضي الله عنه بعد إسلامه على مشركي مكة، فمنع قمح بلده اليمامة من أن يصل إليهم، فاستغاثوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين الحمل.
وفي القرن الماضي قاطع الزعيم الهندي غاندي العادات والمنتجات البريطانية، وحمل الهنود على ذلك، حتي أعلنت بريطانيا سحب آخر جندي إنجليزي من الهند سنة 1947م .كما قاطعت مصر المنتجات البريطانية بعد أحداث ثورة 1919م، وعقب معاهدة 1936م حتي تم إلغاؤها عام 1951م.
وفي حرب أكتوبر 1973م قامت المقاطعة الاقتصادية العربية من خلال صدمة النفط بحظر تصديره للولايات المتحدة الأمريكية والدول الداعمة للكيان الصهيوني؛ بدور فعال ومؤثر، حيث إن المصالح الاقتصادية أرغمت بريطانيا وفرنسا على تبني موقف الحياد ورفض استخدام مطاراتها لنقل العتاد العسكري من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الكيان الصهيوني، وأصدر وزراء خارجية السوق الأوروبية المشتركة بيانا طالبوا فيه هذا الكيان بالانسحاب من الأرض العربية المحتلة.
وفي أيامنا هذه ما زلنا نجد فرنسا تقاطع ليل نهار ليس البضائع الأمريكية فحسب، بل اللغة الإنجليزية، والأفلام الأمريكية، والوجبات الأمريكية، بل إن أمريكا نفسها طبقت سلاح المقاطعة ما بين عامي 1993- 1996م ستين مرة ضد 35 بلداً وما زالت تطبقه، وإن استخدمته بشكل مقلوب ووحشي من خلال حصارها للدول والشعوب غير الموالية لها من كوبا إلى إيران مرورا بليبيا وكوريا الشمالية والسودان، والعراق الذي فرضت عليه مقاطعة شاملة منذ آب/ أغسطس 1990م وحتى عدوانها عليه واحتلاله وإسقاط نظام صدام حسين في عام 2003م.
بل إن الكيان الصهيوني نفسه طبق سلاح المقاطعة على السلع البلجيكية في عام 2003م وطلب من يهود العالم عدم شراء هذه السلع، ردا على قرار المحكمة العليا البلجيكية بإمكانية محاكمة أرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي كمجرم حرب بمجرد خروجه من الوزارة وانتهاء حصانته، وقد أدت هذه المقاطعة إلى تراجع السلطات البلجيكية عن موقفها بشأن هذه المحاكمة. كما طبق الكيان الصهيوني هذا السلاح حصارا على غزة سبعة عشر عاما.
فلا قيمة لما يردده الواهنون والمخذلون والمنهزمون من عدم جدوى المقاطعة، فما لا يدرك كله لا يترك كله، إن هؤلاء لا يريدون سوى التهلكة للأمة، وتثبيط جهود المجاهدين كما فعل المنافقون من قبل في غزوة تبوك. كما أنهم لا يريدون لهذه الأمة سوى أن تظل رضيعة طوال حياتها للبن الأمريكي والصهيوني، ولا يبغون لها الفطام، وبذلك تبقى هذه الأمة أسيرة للهيمنة الأمريكية اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وعسكريا.
والدراسة العلمية المتأنية لجدوى المقاطعة الاقتصادية فضلا عن البعد الشرعي تبين أن هذه المقاطعة فريضة شرعية وضرورة اقتصادية لما يلي:
أولا: المقاطعة نكاية بالكيان الصهيوني الذي أصاب اقتصاده الشلل التام في ظل عدوانه على غزة، وهي تسهم في النزيف المستمر لاقتصاده، الذي يخسر يوميا منذ العدوان ما لا يقل عن 170 مليون دولار، فضلا عن انهيار سوقه المالي، وانخفاض عملته، وهروب الاستثمارات الأجنبية منه، وضرب السياحة في مقتل، وخروج أكثر من 760 ألف عامل من دولاب العمل.
ثانيا: المقاطعة عامل ضغط على الحكومة الأمريكية، فالولايات المتحدة دولة تحركها المصالح، والمطلع على آليات العمل السياسي الأمريكي فيها يجد أنها لا يحكمها السياسيون بقدر ما يحكمها رجال المال والأعمال، فالسياسيون وأعضاء مجلس الشيوخ والنواب في غالبيتهم يمثلون الشركات الكبرى الأمريكية، والإضرار بمصالح هذه الشركات وأرباحها هو إضرار مباشر باللاعبين الحقيقيين خلف الستار والقادرين على تحويل مسار السياسة الأمريكية بالفعل لا بالقول، وهو ضرب على العصب الحساس العاري.
إن مقاطعة السلع والمنتجات الأمريكية سيؤدي إلى كساد تلك المنتجات وتكدسها في مستودعات الشركات، ومن ثم انخفاض دخل تلك الشركات، واضطرارها إلى تسريح الآلاف من العمال، وبالتالي انتشار البطالة، مما يشكل عامل ضغط على الحكومة الأمريكية للتراجع عن سياستها العدوانية.
ثالثا: المقاطعة تؤدى إلى ترسيخ الانتماء الوطني والإسلامي بخلقها جيلا من النشء على وعى بالأحداث الجارية في أرض الإسراء والمعراج المحتلة، وبث الروح في تلك القضية العادلة.
رابعا: المقاطعة وسيلة للتكامل العربي والإسلامي، بترتيب الأوراق العربية والإسلامية من جديد ورفض الهيمنة الأمريكية، وتحقيق الاكتفاء الذاتي، وتشجيع الصناعة المحلية.
ولا عبرة لما يردده الواهنون من تأثير المقاطعة بالسلب على العمالة، فالطلب على السلع الصهيونية والأمريكية التي يتم مقاطعتها يكون كفيلا بحفز استثمارات بديلة لتلبية هذا الطلب، مما يستوعب هذه العمالة، ويعطي فرصة تاريخية للمستثمرين العرب والمسلمين لتوسيع نشاطهم واختيار علامات تجارية خاصة بهم، والسيادة في الأسواق العربية والإسلامية.
كما أن هؤلاء الذين يتباكون على العمالة التي ستخسر وظائفها كما يدعون بسبب سياسة المقاطعة لم يؤلمهم أبدا خروج مئات الآلاف من العمال من وظائفهم بسبب سياسة الخصخصة التي فرضتها الولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي على غالبية الدول العربية والإسلامية.
إن هؤلاء الواهنين الذين يحصرون تركيزهم على الأذى الذي يمكن أن تحدثه حملة مقاطعة الشركات الأمريكية بالاقتصاد المحلي بحجة أنّ هذه الشركات تنعش الاقتصاد وتشغل العاطلين عن العمل، وتفيد الشركاء المحليين، وتحضر معها الاستثمارات، نسوا أو تناسوا أنّ نظرتهم قصيرة المدى، ففي المدى المتوسط والطويل يؤدي انخفاض الطلب الاستهلاكي على منتجات الشركات الأمريكية إلى ارتفاع مقابل للطلب الاستهلاكي على منتجات الشركات المحلية والعربية والإسلامية والعالمية غير الأمريكية، وهذا يعني ارتفاع العائدات والتوظيف والعمالة لدى هذه الشركات، لأنّ نجاح حملة المقاطعة ضد الشركات الأمريكية يمثل تحولا إلى سلع بديلة للسلع الأمريكية، لا انخفاضا في مجمل الطلب الاستهلاكي على السلع والخدمات ككل.
من المهم اتحاد الشعوب العربية والإسلامية مع المؤسسات الأهلية والرسمية جنبا إلى جنب لتفعيل المقاطعة بصورة مؤسسية لتكون مخططة ومنظمة وهادفة ومستديمة وذات نفس طويل، فتكون ثقافة وفكرا وسلوكا وقيما وعادات تنعكس في مأكلنا وفي مشربنا وفي ملبسنا وفيما نقرأ وفيما نشاهد ونسمع
فإذا أضفنا إلى ذلك أنّ الشركات المحلية بالتحديد، ثم العربية والإسلامية، تختلف عن الشركات الأجنبية من ناحية مهمة جدا، وهي أنها لا تعيد أرباحها من مبيعاتها المحلية والعربية والإسلامية إلى أمريكا والكيان الصهيوني، بل تحتفظ أو تعيد استثمار جزء أساسي من هذه الأرباح محليا وعربيا وإسلاميا، وبالتالي تنعش الاقتصاد المحلي أكثر مما تنعشه الشركات الأجنبية لو تحققت لها هذه الفوائض من الربحية. ومن هنا يبدو بوضوح أنّ توجيه الطلب الاستهلاكي يصبح حاجة تنموية وطنية، بالإضافة إلى كونه ضرورة سياسية ملحة لدعم أهلنا في غزة، فالمقاطعة تعني سوقا أكبر للشركات المحلية.
إن نجاح حملات المقاطعة على المنتجات الأمريكية والصهيونية تحمل معها الخير الكثير للاقتصاديات العربية والإسلامية، لما ينتج عن ذلك من ازدياد في الطلب على منتجات الشركات المحلية والعربية والإسلامية، وما يترتب على ذلك من انخفاض في الواردات، وازدياد في الصادرات العربية والإسلامية البينيّة، وبالتالي ازدياد المدّخرات المحلية والعربية والإسلامية، وانخفاض العجز في الميزان التجاري، وتخفيض الضغط على العملات المحلية مقابل الدولار، فضلا عن زيادة فرص الاستثمار الاستثماري وتشغيل العمالة.
وأخيرا، فإنه من المهم اتحاد الشعوب العربية والإسلامية مع المؤسسات الأهلية والرسمية جنبا إلى جنب لتفعيل المقاطعة بصورة مؤسسية لتكون مخططة ومنظمة وهادفة ومستديمة وذات نفس طويل، فتكون ثقافة وفكرا وسلوكا وقيما وعادات تنعكس في مأكلنا وفي مشربنا وفي ملبسنا وفيما نقرأ وفيما نشاهد ونسمع. وليكن شعارنا العملي جميعا: "قاطعوا البضائع الصهيونية والأمريكية ما استطعتم إلى ذلك سبيلا".
twitter.com/drdawaba
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مقاطعة الاقتصادية الإسرائيلي اقتصاد إسرائيل امريكا فلسطين مقاطعة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المقاطعة الاقتصادیة العربیة والإسلامیة الکیان الصهیونی هذا الکیان من خلال
إقرأ أيضاً:
المستقبل الإقتصادى للعلاقات العربية الأمريكية بعد صعود ترامب (٨- ١٠)
تناولنا فى المقالات السابقة أن عودة ترامب تعلن عن تبعثر أوراق الإقتصاد العالمى خاصة فى الدول العربية، بسبب السياسات الخاصة المرتبطة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والتى انخرطت فى صراعات مدتها 231 عاما من أصل 248 عاماً من وجودها، واستنادًا على شعار ترامب «أمريكا أولًا»، والذى أكده خلال حفل تنصيبه ٢٠ يناير الحالى، فإن توجهاته تعكس هذا الشعار، وفى هذا السلسلة من المقالات سوف نتناول تأثير ذلك على الدول العربية بصورة منفردة، وفى هذا المقال سوف نتناول الأثر الاقتصادى على دول المغرب العربى (تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا)، خطاب التنصيب لترامب يؤكد أن ولاية ترامب الثانية ستشهد تركيزًا على تعزيز المصالح الوطنية الأمريكية، ما قد يؤدى إلى تقليل التدخلات الدولية. ومع ذلك، فإن هذا النهج يحمل مخاطر تصعيد التوترات مع خصوم الولايات المتحدة خاصة الصين، ويقوض التحالفات التقليدية، ويجعل مستقبل السياسة العالمية أكثر تعقيدًا. ولكن منذ نشأة اتحاد المغرب العربى عام 1989 إلى الآن لم يتحقق أى إنجاز، ولا شىء يذكر يحقق التكامل الإقتصادى، والتوافق السياسى. إذ لا يوجد مخطط لوجستى للنقل عبر مد خط حديد موحد يجمع بين تلك الدول أو تنمية مشتركة أو عملة نقدية موحدة أو سوق مغاربية مشتركة، وبالتالى فإن سياسة الولايات المتحدة تجاه دول المغرب العربى تنبنى على أساسين: الأول اقتصادى، والثانى أمنى وسياسى. فالهدف الاقتصادى يتمثل فى إقناع دول المغرب العربى بضرورة بناء سوق موحدة تمكن المستثمرين الأمريكيين من الاستفادة من هذه السوق. أما الهدف السياسى، فأساسه تذويب الخلافات السياسية الحادة بين دول المغرب العربى، ومنها على الخصوص أزمة الصحراء بين الجزائر والمغرب، وهى سبب أساسى لمشاكل المغرب العربى، فالجدل اليوم يطرح نفسه حول مدى جدية تواجد هذا الإتحاد على أرض الواقع، وإيجاد تسوية عادلة وشاملة تحقق وحدته وتطلعاته إلى مستقبل تكتل إقليمى يكون موازياً للاتحاد الإفريقى، والاتحاد الأوروبى، وانطلاقا من مفهوم الاختلاف فى تأسيس القاعدة الأساسية للإقتصادات الوطنية لدول المغرب العربى يعتبر ذلك التكامل مفقود، فإنغلاق كل دولة على ذاتها وتأسيس نظام اقتصادى خاص بها يتعارض مع فلسفة الاتحاد، فإتحاد المغرب العربى يعتبر اليوم من المنظور الدولى هو عبارة عن تجمع فارغ المحتوى. وما نود أن نشير إليه أنه رغم ما حققه الرئيس ترامب من فوز ساحق فى الانتخابات الرئاسية، لكن العالم اليوم مختلف تمامًا عن العالم الذى تركه ترامب فى يناير عام 2021، لأنه يواجه مشهدًا عالميًا يتميز بعدد من النقاط المشتعلة بكثافة، والتى أكدها ترامب خلال خطاب التنصيب يوم الاثنين الماضى، ويؤكد الخطاب أن عام 2025 سوف يكون عام زيادة التحديات الجيوسياسية، حيث أكد تغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أمريكا، وضم قناة بنما التى تسيطر عليها الصين رغم الدعم الأمريكى لها، وهى أمور تنذر بزيادة حدة النزاعات العسكرية، وهو ما يتفق مع تقرير المنتدى الاقتصادى العالمى بدافوس، من أن الصراعات المسلحة هى أكبر خطر عام 2025، وأن العالم الآن يتسم بأنه عالم يتميز بالانقسامات العميقة، والمخاطر المتعاقبة، وبالتالى فإن الاختيار بين تعزيز التعاون والمرونة أو مواجهه تفاقم عدم الإستقرار سوف تكون هى الاختيار الوحيد فى الفترة القادمة. خاصة بعد إدراك واشنطن الأهمية الإستراتيجية لمنطقة المغرب العربى منذ الحرب العالمية الثانية، وللحديث بقية إن شاء الله.
رئيس المنتدى الاستراتيجى للتنمية والسلام